بسم الله الرحمن الرحيم
(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
صدق الله العظيم
في الذكرى 27 لإنتفاضة 28 رمضان، 23 أبريل 1990 العسكرية المجيدة:
*إن انحيازنا لشعبنا ولرقي وتطور القوات المسلحة يستوجب أن تكون مسألة الدفاع عن الديمقراطية في مقدمة واجباتنا...
*عطاء متواصل توج بفداء الأرواح قرباناً للوطن ووحدته واستقلاله وسيادته، والحرية والسلام والعدالة والتقدم لشعبه، ودفاعا عن الإسلام، وشرف الجندية، وعهدها في الدفاع عن الوطن، والنأي بالقوات المسلحة عن الانقلابات العسكرية التي كانت خصماً على وحدتها وتأهيلها وكفاءتها.
يا جماهير شعبنا:
تعود جذور حركة 28 رمضان التاريخية للعهد المايوي، حيث انطلقت من الانفعال الثوري بمعاناة شعبنا وانتفاضته ضد النظام الدكتاتوري، الذي باع الوطن وسرق قوته، فكان طبيعياً أن يحتشد في تنظيمها الوطني (ضباط، وضباط صف، وجنود القوات المسلحة السودانية)، أكفأ رجالها وأكثرهم شجاعة وانضباطاً، المؤمنون بأن الديمقراطية المرتبطة بالانجاز وحدها القادرة على تجسيد أحلام جماهيرنا في الاستقرار السياسي والعدالة والتقدم، وإن مواجهة معضلات التطور الديمقراطي غير المعزول عن المسار التاريخي لحركة التطور الوطني لا يتم إلا بالمزيد من الديمقراطية، وعدم التنكر لها بأي صيغة من صيغ الوصاية على الشعب، حيث رفضوا وقاوموا التسلط على الشعب باسم الجيش، وعلى الجيش باسم الشعب، وعليهما باسم الدين وشرع الله، وكما جاء ذلك في ميثاقها وبرنامجها (إننا نثق في قدرة شعب السودان، متي ما فسح أمامه مجال التعبير الحر عن ارادته في العمل على تطوير التجربة الديمقراطية بما يتناسب مع ظروف السودان، وفي تحقيق أمانيه في الاستقلال السياسي والاقتصادي والسيادة والوحدة الوطنية والتقدم، وندرك في ذات الوقت إن قوى التآمر الدولي والإقليمي والمحلي وبتحالفاتها وادواتها، داخل وخارج القوات المسلحة، تعمل على تصفية الارادة الوطنية، وإبقاء بلادنا في حالة من التناحر والتخلف والتبعية، من خلال الأجهاز على الخيار الديمقراطي.
لذلك فان انحيازنا لشعبنا ولتطور ورقي القوات المسلحة الذي لا ينفصل عن تطور ورقي بلادنا، يستوجب وضع مسألة الدفاع عن الديمقراطية في مقدمة اهدافنا).
لقد بذل هؤلاء الأبطال، ومن رحل منهم من قبلهم، أرواحهم ودماؤهم دفاعاً عن وحدة التراب الوطني شمالا وجنوبا، ورفضاً للحرب عن وعي وإيمان، بأن الحل الجذري لقضية النضال الوطني في جنوب القطر يتأسس على الاعتراف بواقع التمايز الثقافي والجغرافي، وما يرتبه ذلك التمايز من حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية، وإن الوصول إليه يأتي عبر بوابة المؤتمر الدستوري، ليس فقط لأنهم المكتوون بنيران الحرب فحسب، بل ولإيمانهم بأن الرهان على خيار الحسم العسكري للحرب لن يزيدها إلا إشتعالاً، ويهدد وحدة القطر وسيادته.
يا جماهير شعبنا:
إن نقطة البداية في سفر هؤلاء الأبطال جاءت قبل انتفاضة يناير 1982 التي تفجرت في وجه النظام المايوي، حيث انطلقت بعدها بتأسيس الجناح العسكري لتحالف "تجمع الشعب السوداني"، حيث توج نضالهم ضد الديكتاتورية وحكم الفرد باجبار القيادة العامة على الانصياع لإرادة الجماهير، بإعلان الانحياز لانتفاضة الشعب في مارس - أبريل الشعبية المجيدة في 6 ابريل 1985.
يا جماهير شعبنا الأبية:
لهذا السبب كان جزاء البعض منهم، كجزاء سنمار، حيث قام سدنة النظام المايوي (أعضاء المجلس العسكري الانتقالي) باصدار قرار إحالة أحد عشر منهم، وعلى رأسهم الشهيد الفريق أركان حرب طيار خالد الزين، واللواء أركان حرب محمد عثمان بلول للتقاعد إستناداً على قانون القوات المسلحة سيئ الصيت، الذي استنه النظام المايوي المقبور.
ولم يتوقف كيد وتآمر بقايا مايو، في ظل تلكؤ المجلس العسكري الانتقالي، في إنفاذ شعارات الانتفاضة والمطالبة بتصفية آثار ومرتكزات وقوانين النظام المايوي، فانطلقت صحيفة الراية الصفراء، لسان حال (الجبهة الإسلامية القومية) بفرية اتهامهم بالتخطيط لانقلاب على الديمقراطية.
لكن رد القضاء جاء عادلاً وحاسماً، من محكمة الخرطوم جنوب برئاسة مولانا المغفور له بإذن الله أحمد أحمد أبو بكر، داحضاً للفرية، ومديناً لصحيفة (الراية)، وتغريمها على ما جاء بها من قذف بحق أولئك الأبطال، والذين لم يترددوا في التبرع بالتعويض من داخل المحكمة لصالح دعم القوات المسلحة والنازحين.
وطوال التعددية الثالثة، وضع التنظيم الوطني لضباط وصف وجنود القوات المسلحة صوب هدف ثابت، لم يحد عنه، تمثل في الدفاع عن النظام الديمقراطي. كانت ترجمته على أرض الواقع رصد نشاط عناصر الردة من جبهة بقايا مايو الإسلامية، وسط القوات المسلحة، وكان أبلغ عناوين ذلك الرصد الخبر الذي انفردت به جريدة الهدف الناطقة بلسان حزب البعث، ومجلة الدستور اللندنية بتاريخ 10اغسطس 1987 بأن: (الجبهة الإسلامية القومية تخطط لانقلاب عسكري بقيادة العقيد عمر البشير)، وهو ما حدث بالفعل في 1989، وتتحمل وزره الأكبر حكومة السيدين، حتى وقع (الفاس في الراس).
يا جماهير شعبنا:
ومنذ اليوم الأول لانقلاب الجبهة في 30 يونيو 1989 صعد التنظيم الوطني من نضاله، بفضح ارتباط الانقلاب بالجبهة المتأسلمة وبقايا مايو، سيما وإن رصيد التنظيم النضالي إبان العهد المايوي والتعددية الثالثة قد ساهم في كسب المزيد من المنتسبين الجدد إليه. وقد ساعدت جلسات المحاكمة ضد صحيفة الراية في نشر برنامج التنظيم على الملأ عبر الصحف ودفاعهم عن برنامجهم الديمقراطي نقيض برامج الحركات الانقلابية، التي أعلنت كفرها بالديمقراطية صراحة أو ضمناً، فيما تبنته من صيغة (مجلس قيادة الثورة.. وحظر النشاط الحزبي ..الخ) وهو المقابل لبرنامج الحركة الديمقراطي التقدمي، وهياكله المعبر عنها بمجلس وطني يضم كافة القوى السياسية، والحركة الجماهيرية، وكذلك التمثيل في مجلس الوزراء، ولفترة انتقالية لا تتجاوز العام تجري بعدها انتخابات نيابية.
فأستطاع التنظيم أن يتحرك وسط القوات المسلحة في سرية وبنجاح، مكنهم عند التحرك فجر 23 أبريل 28 رمضان 1990 من السيطرة على أغلبية المواقع العسكرية بالعاصمة بإستثناء القيادة العامة، حيث جاء مقتل الحركة..
ولما كان شعار التنظيم هو (الثورة البيضاء) فإن أبطالها المسيطرون على المدرعات والمظلات وغيرها من المواقع لم يطلقوا رصاصة واحدة، حرصاً على حياة أبناء وبنات شعبنا داخل وخارج القوات المسلحة، حتى وإن تم ذلك على حساب أرواحهم. وهو ما حدث بالفعل عندما نقضت طغمة الإنقاذ ما تعاهدت به معهم لجنة الأجاويد بقيادة المشير سوار الذهب.
لقد جرى إغتيال أعداد من أبطال التنظيم قبل تنفيذ أحكام الإعدام الجاهزة بحقهم في مهزلة المحاكمة الصورية التي لم تستغرق ساعة من الزمن، وتم تنفيذ الحكم مساء 28 رمضان بما عكس هلع النظام وعزلته داخل القوات المسلحة التي أعلن تسلطه على البلاد باسمها.
لقد بادرت العديد من القوى السياسية والحركة الجماهيرية، بالاشادة بحركة رمضان والاعتزاز بأبطالها، باعتبارها محاولة جادة وجريئة لاستعادة الديموقراطية، وهو ما سمعوه من السفاح البشير حين اعترف في أول تصريح له بعد الحركة وخروجه من مخبئه بأن الحركة (كانت تستهدف عودة الحياة الحزبية والأحزاب الفاسدة).. وليس من شهادة أبلغ من تلك في حقهم إذ جاءت من خصمهم المستهدف الإطاحة بنظامه المستبد.
إن هلع النظام واستبداده لم يتوقف عند التصفية الدموية لأبطالها، ودفن بعضهم أحياء، بل امتدت اجهزته القمعية لتطال أسر الشهداء الذين عبروا عن احتجاجهم وشجبهم المجزرة في مسيراتهم ومذكراتهم والمطالبة بمعرفة أماكن دفنهم، وتسلم جثامينهم الطاهرة، كما واصلوا الحرص على إحياء ذكرى استشهادهم دون أن ترهبهم ممارسات الطاغوت القمعية.
يا جماهير شعبنا:
إن وفاءنا للأهداف التي استشهد في سبيل تحقيقها أبطال حركة 28 رمضان المجيدة يقتضي الارتقاء بنضالنا للإطاحة بالنظام مما يستوجب تعزيز دور "قوى الإجماع الوطني" ورفع وتائر الفعالية عن طريق النضال السلمي الديمقراطي لتكوين أوسع جبهة لقوى المعارضة السياسية والنقابية والجماهيرية، ببناء، واستكمال بناء لجان تيار الانتفاضة بالعاصمة والأقاليم سواء على مستوى قطاعات العمل، أو مجالات الدراسة، أو الأحياء السكنية، ووضع البرامج والفعاليات المناسبة مع واقع كل قطاع نوعاً وزماناً ومكاناً واهدافاً، فالانتفاضة هي الخيار الوحيد لشعبنا لاسقاط النظام. ولن يغمض لنا جفن ونحن أحياء حتى نقتلع النظام من جذوره، ونقيم مكانه البديل الوطني الديمقراطي التقدمي.. وسنقتص يومها القصاص العادل، ممن تلطخت أيديهم بدماء الشهداء.
*التحية لصمود وبسالة أسر الشهداء.
*المجد والخلود لشهداء رمضان الأكرم منا جميعا.
*النصر حليف نضال جماهير شعبنا وطلائعه الديمقراطية الثورية.
ولا نامت أعين الجبناء..
الله أكبر وليخسأ الخاسئون
حزب البعث العربي الاشتراكي
قيادة قطر السودان
28 رمضان 1438
22 يونيو 2017