نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام
في 25/ 10/ 2017
إذا كانت الأهداف المرحلية وسيلة لضمان الوصول إلى تحقيق هدف استراتيجي، فسوف تنحرف عن غاياتها إذا غرق السياسيون في متاهاتها، وتناسوا هدفهم الاستراتيجي. ولأن العراق اليوم ينوء تحت وطأة النظام الإيراني، حيث يتحكم النظام المذكور بكل مفاصل العملية السياسية، مالئاً الفراغ الرسمي العربي. وهذا الدور لا يمثل خطراً على الأمن العراقي فحسب، بل هو يمثل خطراً على الأمن القومي العربي برمته أيضاً. ومن ضمنه يشكل خطراً على أمن دول الخليج العربي.
وإذا كانت دول الخليج العربي قد استشعرت مدى خطورة هذا التدخل، وبنت سياستها الأمنية على قاعدة درء الخطر عنها عبر تحرير العراق من الاحتلال الإيراني، فتكون بهذه السياسية قد حدَّدت هدفها الاستراتيجي في المرحلة القادمة. وفي المقابل، ولأن الفراغ الرسمي العربي في العراق دفع بإيران إلى ملئه بعد أن سلَّمهم الاحتلال الأميركي إدارة العملية السياسية فيه، كان من الواجب ردم هذا الفراغ بالعودة الرسمية العربية إليه، وذلك بدعم المقاومة الوطنية العراقية على اجتثاث أي تأثير أو وجود آخر، وخاصة الوجود الإيراني، بعد أن ألحقت تلك المقاومة الهزيمة بالاحتلال الأميركي الأم.
وما حراك المملكة العربية السعودية العلني تجاه حكومة العملية السياسية في العراق، بعد أن عقدت مع حيدر العبادي، رئيس حكومة العملية السياسية، مجلساً للتنسيق بين البلدين، فإننا نقرأ بعيداً عن مخاوفنا أن في هذا الاتفاق ما ينبئ باعتباره خطوة مرحلية لاستعادة الدور الرسمي العربي، وملء الفراغ الذي تركه على الساحة العراقية. ولذلك، وإلى هنا، وباعتبار الاتفاق خطوة مرحلية، على السعودية أن لا تنسى أنها ليست خطوة قائمة بذاتها، وأنها غير منفصلة عن هدفها الاستراتيجي الذي أعلنته وهو حماية أمنها الإقليمي من خطورة دور النظام الإيراني. وتحقيق هذا الهدف ليس منفصلاً عن تحرير العراق من النفوذ الإيراني الواسع النطاق. وإذا لم توظَّف خطوة التنسيق الأخير في سبيل إنجاز الهدف الاستراتيجي، فسوف يزداد الوضع خطورة، إذ أنه لن تضيع الأموال التي ستوظَّف في تطبيق الاتفاقيات هدراً فحسب، وإنما أيضاً ستذهب مباشرة لدعم الاقتصاد الايراني وحرسه الثوري في كل مكان، وستنتهي الرصاصات الممولة من عائداتها، إضافة إلى استنزاف ثروة العراق، في صدور السعوديين والاماراتيين واليمنيين المقاومين لهذا النفوذ في اكثر من مكان. وعن ذلك، نعتبر من حقنا أن نبدي مخاوفنا من أن تكون خطوة مجلس التنسيق ناقصة وخالية من الضوابط التي تضمن حسن توجيهها وليس العكس ، ومنعاً للوقوع فيها، نتساءل: هل نتائج الحراك الخليجي الأخير ببناء علاقات، سموها علاقات تنسيق بين المملكة العربية السعودية، وحكومة العملية السياسية، يمكن اعتبارها أهدافاً مرحلية لضمان تحرير العراق من الخطر الإيراني؟
إن مخاوفنا كثيرة، وتعود إلى الأسباب التالية:
-أولاً: لا نشك بأن دول الخليج العربي بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، قاموا بتثبيت حماية الأمن القومي العربي كهدف استراتيجي. وأما الدليل على ذلك، فيستند إلى الاشتباك السياسي الذي حصل في عهد أوباما حول الملف الإيراني. وظل الموقف السعودي صلباً في مواجهة وعود أوباما ووعيده، إلى أن أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب أنه سيغير موقف أميركا من العلاقة مع إيران طالما ظلَّت تهدد أمن جيرانها. نتيجة كل ذلك، تقف المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الامريكية، على مفترق طرق في هذه المرحلة، إذ تبقى إعلاناتهما محل اختبار لإثبات مدى جدية الأولى، ومدى مصداقية الثانية، خاصة أنها اعترفت بخطئها باحتلال العراق أولاً، وبخطئها في تسليم العراق للنظام الإيراني ثانياً. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار بأن أميركا لن تكون عربية أكثر من العرب فيما يخص منع إيران من تهديد أمن الدول العربية. فإذا كان الرئيس دونالد ترامب قد وعد، فمن واجب دول الخليج أن تحثه على الإيفاء بوعده، وليس الاطمئنان إلى الوعود، التي لا تعني شيئاً في علم السياسية، وستبقى حبراً على ورق، إذا لم تتخذ المملكة العربية السعودية قراراً حازماً لاستخدام كل الوسائل التنفيذية لحماية أمنها.
-ثانياً: إذا كانت المملكة العربية السعودية، تشكل الطرف الأقوى على الساحة الخليجية، وهي الطرف الذي وقع اتفاق (مجلس التنسيق) مع رئيس حكومة (العملية السياسية) في العراق، جدية في أهدافها المعلنة، وتلتزم بالعمل من أجل الوصول إليها، فإن في الطرف الثاني تكمن الثغرات والمخاوف، والهواجس من أن يتراجع عن كل تعهداته التي وقَّع عليها في الرياض. وعن ذلك، لن تعوزنا الدلائل والبراهين، ونوجزها بالتالي:
1-إن حيدر العبادي شخص غير موثوق، لأنه وصل إلى الحكم بواسطة عملية سياسية ركَّبها الاحتلال الأميركي لتنفيذ أهدافه، الاحتلال الذي لا يمكنه الاعتماد على شخصيات وطنية، بل على شخصيات كأمثال العبادي وغيره ممن ارتكبوا فعل الخيانة الوطنية، وكانوا السبب التنفيذي في ارتكاب أميركا خطأ احتلال العراق. ومن تواطأ على وطنه، يتواطأ على غيره، لذا فهو ليس موثوقاً بتوقيع اتفاقيات مع السعودية، لأنه سوف يلغي توقيعه عندما تميل الموازين لمصلحة الأطراف التي أتت به إلى الحكم.
2-إن حيدر العبادي، كمسؤول في حزب الدعوة الإسلامية، مرتبط ارتباطاً أيديولوجياً بنظام ولاية الفقيه. ولأن النظام المذكور يعلن أن مخططه الاستراتيجي يقضي بإستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، فإن هذا يعني أن العبادي لن يستطيع مقاومة إرادة من يقلده أيديولوجياً. وإرغامه على التقليد ليس آتٍ من فراغ. فهناك من الدلائل ما يؤكد ذلك. لقد صرَّح منذ فترة قريبة، وزير الدفاع الإيراني اللواء حسين دهقان، في كلمة له خلال مراسم إحياء (ذكرى معارك ديزفول): (إن العراق بعد العام 2003 أصبح جزءًا من الإمبراطورية الفارسية، ولن يعود دولة عربية مرة أخرى، وعلى العرب أن يغادروا العراق إلى صحرائهم القاحلة التي جاؤوا منها). وأضاف: (لدينا في العراق قوة الحشد الشعبي الشيعي ستسكت أي صوت يميل إلى جعل العراق يدور حول ما يسمى بمحيطه العربي).
3-إذا قمنا بموازنة بين التأثير السعودي في العراق، وتأثير النظام الإيراني، لوجدنا أن المسافة شاسعة بينهما، وبما لا يُقاس. فالتأثير الإيراني اليوم يتفوَّق على التأثير الأميركي بكل قوته وإمكانياته، فهو حكماً سيتفوَّق كثيراً على التأثير السعودي. وأما السبب فعائد إلى ما أسسه النظام الإيراني من بنى بشرية عراقية ربطها بمؤسساته الدينية والأمنية والعسكرية، هذا ناهيك عن الأعداد الكبيرة من الإيرانيين الذين استقدمهم النظام المذكور لتوطينهم في العراق. وتصريح وزير الدفاع الإيراني المذكور أعلاه يؤكد ما ذهبنا إليه من نتائج محتملة. وهذا الأمر يستدعي من المملكة العربية السعودية أن تضمن وجود قوى عراقية، شعبية وأحزاب منظمة، لها وجودها الفاعل على الأرض، لكي تستطيع أن توفِّر عوامل التوازن مع ما أعده النظام الإيراني.
4-لم يأت تصريح الوزير الإيراني من فراغ. وهو بالتأكيد موجَّه إلى الأميركيين والسعوديين معاً. وكأنه يدعوهما إلى الإقلاع عن سياستهما الهادفة إلى التغيير في العراق، لأن هدفهما مستحيل بسبب موازين القوى على الأرض، لأنها تتفوق على موازين الاتفاقات والمعاهدات، وإدارة العمليات من المنطقة الخضراء، وكذلك إدارة المعركة من الجو أو البحر. وإذا لم تساعد السعودية، قوة على الأرض فسوف تذرو أهدافها الرياح هباء منثوراً. والسؤال يبقى: من أين تأتي السعودية بالمطلوب لإنجاح معركتها ضد النظام الإيراني في العراق؟ وإذا افتقدت الإجابة عن ذلك، فعبثاً ستكون كل عمليات التقارب مع العبادي وغيره من القوى العراقية التي استقدمتها السعودية للتباحث معها في الأشهر الأخيرة المنصرمة.
5-وكي لا ننساق وراء أساليب زرع اليأس في نفوس قادة المملكة العربية السعودية، وإحباطهم عن متابعة مشروعهم في إنقاذ الوطن العربي من الدور الإيراني الخطير، وفي أولوياته تحرير العراق من الاحتلال الإيراني. يبقى من الواجب تحذيرهم من وسائل الخداع التي يمكن أن يستخدمها العبادي وغيره ممن خانوا وطنهم وعاثوا فيه فساداً، فنقول: إن كل الجهات التي اتصلت بهم السعودية للحوار معهم من القوى العراقية، ودعمتهم مثل (الصدر – المجلس .. الخ) هم الذين قتلوا مليونين من العراقيين، ومائة وستين الف بعثي. وميليشياتهم هي التي هجَّرت السكان وهدمت المنازل وجرفت المزارع وهي الجهة الاساسية المنفذة للمشروع الايراني. وهؤلاء جميعاً، ولأن أهدافهم ضمان منافعهم الخاصة، ولا يهمهم مع من يعقدون الاتفاقيات، يمكن إطلاق التسمية عليهم، بأنهم (كالطائر الذي يسبح بين فضاء النظام الإيراني، وفضاء الآخرين من خصومه، ويحط على أرض من يمتلك القوة الفاعلة التي تثبتهم في مواقعهم، وتمكنهم من متابعة وسائل الجريمة والفساد). وتلك طيور فقدت ثقة الشعب العراقي لكثرة جرائمها، ولا يمكن الركون إليها في غياب قوة فاعلة على الأرض تمتلك قوة الإيمان الوطني والقومي، وكذلك القوة العسكرية ذات الخبرات والإمكانيات والمصداقية في بناء نظام يوفر الأمن والعيش الكريم لجميع مكونات المجتمع العراقي.
6-وإذا كان حجر الزاوية في تمكين المشروع العربي من النجاح يتمثل بضمان وجود قوة على الأرض لها العمق الجماهيري، والقوة العسكرية، والمصداقية الوطنية، والأخلاقية السياسية، والأمانة الاقتصادية، فسوف تشكل تلك القوة مرجعية ترتضيها جماهير العراق الشعبية التي اكتوت بنيران الاحتلال والفساد. ومن دون ذلك فسوف يتحول ملء الفراغ في العراق بالحضور العربي إلى حائط لا يرتكز على قواعد ثابتة، وسيكون عرضة للانهيار أمام أول اختبار له في مواجهة مع النظام الإيراني وأدواته. وما يخيف في أمر التنسيق مع تلك القوى المجرمة، هو أن السعودية ذهبت الى هذا الموقف مع اعطاء ظهرها للمقاومة والمعارضة وقطع كل انواع الصلة معها. ومن يقطع الصلة مع القوى التي تضمن الوصول إلى تحرير العراق من الاحتلال الإيراني، وضمان عدم تسلله مرة أخرى إليه لتهديد الأمن القومي العربي، وفي المقدمة منه أمن دول مجلس التعاون الخليجي، فهو يقدم على خطوة ناقصة لا تحقق الهدف الاستراتيجي، وكأنها تعطي الفرصة مرة أخرى للنظام الإيراني بأن يفوز في معركة المواجهة ضد الأمة العربية كلها.
وعلى الرغم من ذلك، وإذا كنا نقف إلى جانب أي نظام عربي يوظِّف جهوده وإمكانياته في سبيل طرد النظام الإيراني من العراق، وحماية الأمن القومي العربي، فلأنه من أهم أهدافنا الاستراتيجية. وأما أن تكون وسائل تحقيق هذا الهدف تمر عبر من لا نثق بهم، لأن التجربة أكَّدت عدم أهليتهم للثقة، فهذا لا يعني أننا نقف حياديين، بل علينا أن نحذِّر من الوقوع في أفخاخ أخاديعهم. ولهذا نرى أن على السعودية أن تدرك ذلك، لكي لا تضيِّع وقتاً ثميناً تتلهى بالمراهنة على من لا يمكن المراهنة عليهم. وأن تثق بمن ليس بهم ثقة على الإطلاق. فهؤلاء خسروا تأييد الشعب العراقي لكثرة ما مارسوا عليه من الذل والمهانة والإفقار والتجويع، وإفراغ خزينة دولة بحجم العراق، لتذهب عائدات ثروات العراق إلى جيوب أولياء النظام الإيراني ليستقوي بها على نشر الفوضى في معظم أرجاء الوطن العربي، اهم تحذير ان الاموال ستذهب لتقوية ايران على العرب أي سيقتل بها السعوديين والاماراتيين وكل من يتصدى للولي الفقيه في اليمن، وإلى جيوب أولئك العملاء التي انتفخت من كثرة السرقات. وهم ممن لا عهد لهم في وضع مصير العراق بين أيديهم لأنهم غير مؤتمنين على عهود ولا على وعود طالما أنهم وقعوا على صكوك بيع العراق إلى كل طامع لئيم.
وحدها المقاومة الوطنية العراقية، التي دفعت بعشرات الآلاف من حياة مقاتليها من أجل تحرير العراق من الاحتلال الأميركي، هي التي تُؤتمن على متابعة معركة تحرير العراق من الاحتلال الفارسي. وهي وحدها المؤتمنة على حماية العراق من أخطار الخارج، وعلى بناء النظام الذي يضع كل إمكانياته لتوظيف عائدات الثروات العراقية لمصلحة كل العراقيين، هذا ناهيك عن حرصها على أن يكون نظام المحاصصة الطائفية خارج قيد التداول لأنه عمل على تقويض الدولة العراقية وكان السبب في إفقارها وفي تفتيت النسيج الاجتماعي لشعبها. وكذلك سيبقى نظام المحاصصة هذا ممراً رخواً لكل قوة خارجية لقاء أجر زهيد، هو التقاط فتات ما تتركه سرقات الخارج من فضلات الموائد. وهو الذي شرَّع الأبواب أمام كل طامع في العراق، ثروات وموقعاً استراتيجياً، وأطرافه غير قادرة ليس على حماية أمن العراق فحسب، بل أيضاً هي متواطئة مع القوى الخارجية على أمن دول الخليج العربي بشكل خاص، وعلى أمن الوطن العربي بشكل عام.
وأخيراً، يصبح الحذر من تملص الأطراف العراقية التي استدعتها الدولة السعودية، مسألة مطلوبة، وأن لا تتوقف المسيرة عند حدود الوسائل المرحلية، لكي لا يضيع الهدف الاستراتيجي في نهاية المطاف.
في 25/ 10/ 2017
إذا كانت الأهداف المرحلية وسيلة لضمان الوصول إلى تحقيق هدف استراتيجي، فسوف تنحرف عن غاياتها إذا غرق السياسيون في متاهاتها، وتناسوا هدفهم الاستراتيجي. ولأن العراق اليوم ينوء تحت وطأة النظام الإيراني، حيث يتحكم النظام المذكور بكل مفاصل العملية السياسية، مالئاً الفراغ الرسمي العربي. وهذا الدور لا يمثل خطراً على الأمن العراقي فحسب، بل هو يمثل خطراً على الأمن القومي العربي برمته أيضاً. ومن ضمنه يشكل خطراً على أمن دول الخليج العربي.
وإذا كانت دول الخليج العربي قد استشعرت مدى خطورة هذا التدخل، وبنت سياستها الأمنية على قاعدة درء الخطر عنها عبر تحرير العراق من الاحتلال الإيراني، فتكون بهذه السياسية قد حدَّدت هدفها الاستراتيجي في المرحلة القادمة. وفي المقابل، ولأن الفراغ الرسمي العربي في العراق دفع بإيران إلى ملئه بعد أن سلَّمهم الاحتلال الأميركي إدارة العملية السياسية فيه، كان من الواجب ردم هذا الفراغ بالعودة الرسمية العربية إليه، وذلك بدعم المقاومة الوطنية العراقية على اجتثاث أي تأثير أو وجود آخر، وخاصة الوجود الإيراني، بعد أن ألحقت تلك المقاومة الهزيمة بالاحتلال الأميركي الأم.
وما حراك المملكة العربية السعودية العلني تجاه حكومة العملية السياسية في العراق، بعد أن عقدت مع حيدر العبادي، رئيس حكومة العملية السياسية، مجلساً للتنسيق بين البلدين، فإننا نقرأ بعيداً عن مخاوفنا أن في هذا الاتفاق ما ينبئ باعتباره خطوة مرحلية لاستعادة الدور الرسمي العربي، وملء الفراغ الذي تركه على الساحة العراقية. ولذلك، وإلى هنا، وباعتبار الاتفاق خطوة مرحلية، على السعودية أن لا تنسى أنها ليست خطوة قائمة بذاتها، وأنها غير منفصلة عن هدفها الاستراتيجي الذي أعلنته وهو حماية أمنها الإقليمي من خطورة دور النظام الإيراني. وتحقيق هذا الهدف ليس منفصلاً عن تحرير العراق من النفوذ الإيراني الواسع النطاق. وإذا لم توظَّف خطوة التنسيق الأخير في سبيل إنجاز الهدف الاستراتيجي، فسوف يزداد الوضع خطورة، إذ أنه لن تضيع الأموال التي ستوظَّف في تطبيق الاتفاقيات هدراً فحسب، وإنما أيضاً ستذهب مباشرة لدعم الاقتصاد الايراني وحرسه الثوري في كل مكان، وستنتهي الرصاصات الممولة من عائداتها، إضافة إلى استنزاف ثروة العراق، في صدور السعوديين والاماراتيين واليمنيين المقاومين لهذا النفوذ في اكثر من مكان. وعن ذلك، نعتبر من حقنا أن نبدي مخاوفنا من أن تكون خطوة مجلس التنسيق ناقصة وخالية من الضوابط التي تضمن حسن توجيهها وليس العكس ، ومنعاً للوقوع فيها، نتساءل: هل نتائج الحراك الخليجي الأخير ببناء علاقات، سموها علاقات تنسيق بين المملكة العربية السعودية، وحكومة العملية السياسية، يمكن اعتبارها أهدافاً مرحلية لضمان تحرير العراق من الخطر الإيراني؟
إن مخاوفنا كثيرة، وتعود إلى الأسباب التالية:
-أولاً: لا نشك بأن دول الخليج العربي بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، قاموا بتثبيت حماية الأمن القومي العربي كهدف استراتيجي. وأما الدليل على ذلك، فيستند إلى الاشتباك السياسي الذي حصل في عهد أوباما حول الملف الإيراني. وظل الموقف السعودي صلباً في مواجهة وعود أوباما ووعيده، إلى أن أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب أنه سيغير موقف أميركا من العلاقة مع إيران طالما ظلَّت تهدد أمن جيرانها. نتيجة كل ذلك، تقف المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الامريكية، على مفترق طرق في هذه المرحلة، إذ تبقى إعلاناتهما محل اختبار لإثبات مدى جدية الأولى، ومدى مصداقية الثانية، خاصة أنها اعترفت بخطئها باحتلال العراق أولاً، وبخطئها في تسليم العراق للنظام الإيراني ثانياً. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار بأن أميركا لن تكون عربية أكثر من العرب فيما يخص منع إيران من تهديد أمن الدول العربية. فإذا كان الرئيس دونالد ترامب قد وعد، فمن واجب دول الخليج أن تحثه على الإيفاء بوعده، وليس الاطمئنان إلى الوعود، التي لا تعني شيئاً في علم السياسية، وستبقى حبراً على ورق، إذا لم تتخذ المملكة العربية السعودية قراراً حازماً لاستخدام كل الوسائل التنفيذية لحماية أمنها.
-ثانياً: إذا كانت المملكة العربية السعودية، تشكل الطرف الأقوى على الساحة الخليجية، وهي الطرف الذي وقع اتفاق (مجلس التنسيق) مع رئيس حكومة (العملية السياسية) في العراق، جدية في أهدافها المعلنة، وتلتزم بالعمل من أجل الوصول إليها، فإن في الطرف الثاني تكمن الثغرات والمخاوف، والهواجس من أن يتراجع عن كل تعهداته التي وقَّع عليها في الرياض. وعن ذلك، لن تعوزنا الدلائل والبراهين، ونوجزها بالتالي:
1-إن حيدر العبادي شخص غير موثوق، لأنه وصل إلى الحكم بواسطة عملية سياسية ركَّبها الاحتلال الأميركي لتنفيذ أهدافه، الاحتلال الذي لا يمكنه الاعتماد على شخصيات وطنية، بل على شخصيات كأمثال العبادي وغيره ممن ارتكبوا فعل الخيانة الوطنية، وكانوا السبب التنفيذي في ارتكاب أميركا خطأ احتلال العراق. ومن تواطأ على وطنه، يتواطأ على غيره، لذا فهو ليس موثوقاً بتوقيع اتفاقيات مع السعودية، لأنه سوف يلغي توقيعه عندما تميل الموازين لمصلحة الأطراف التي أتت به إلى الحكم.
2-إن حيدر العبادي، كمسؤول في حزب الدعوة الإسلامية، مرتبط ارتباطاً أيديولوجياً بنظام ولاية الفقيه. ولأن النظام المذكور يعلن أن مخططه الاستراتيجي يقضي بإستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، فإن هذا يعني أن العبادي لن يستطيع مقاومة إرادة من يقلده أيديولوجياً. وإرغامه على التقليد ليس آتٍ من فراغ. فهناك من الدلائل ما يؤكد ذلك. لقد صرَّح منذ فترة قريبة، وزير الدفاع الإيراني اللواء حسين دهقان، في كلمة له خلال مراسم إحياء (ذكرى معارك ديزفول): (إن العراق بعد العام 2003 أصبح جزءًا من الإمبراطورية الفارسية، ولن يعود دولة عربية مرة أخرى، وعلى العرب أن يغادروا العراق إلى صحرائهم القاحلة التي جاؤوا منها). وأضاف: (لدينا في العراق قوة الحشد الشعبي الشيعي ستسكت أي صوت يميل إلى جعل العراق يدور حول ما يسمى بمحيطه العربي).
3-إذا قمنا بموازنة بين التأثير السعودي في العراق، وتأثير النظام الإيراني، لوجدنا أن المسافة شاسعة بينهما، وبما لا يُقاس. فالتأثير الإيراني اليوم يتفوَّق على التأثير الأميركي بكل قوته وإمكانياته، فهو حكماً سيتفوَّق كثيراً على التأثير السعودي. وأما السبب فعائد إلى ما أسسه النظام الإيراني من بنى بشرية عراقية ربطها بمؤسساته الدينية والأمنية والعسكرية، هذا ناهيك عن الأعداد الكبيرة من الإيرانيين الذين استقدمهم النظام المذكور لتوطينهم في العراق. وتصريح وزير الدفاع الإيراني المذكور أعلاه يؤكد ما ذهبنا إليه من نتائج محتملة. وهذا الأمر يستدعي من المملكة العربية السعودية أن تضمن وجود قوى عراقية، شعبية وأحزاب منظمة، لها وجودها الفاعل على الأرض، لكي تستطيع أن توفِّر عوامل التوازن مع ما أعده النظام الإيراني.
4-لم يأت تصريح الوزير الإيراني من فراغ. وهو بالتأكيد موجَّه إلى الأميركيين والسعوديين معاً. وكأنه يدعوهما إلى الإقلاع عن سياستهما الهادفة إلى التغيير في العراق، لأن هدفهما مستحيل بسبب موازين القوى على الأرض، لأنها تتفوق على موازين الاتفاقات والمعاهدات، وإدارة العمليات من المنطقة الخضراء، وكذلك إدارة المعركة من الجو أو البحر. وإذا لم تساعد السعودية، قوة على الأرض فسوف تذرو أهدافها الرياح هباء منثوراً. والسؤال يبقى: من أين تأتي السعودية بالمطلوب لإنجاح معركتها ضد النظام الإيراني في العراق؟ وإذا افتقدت الإجابة عن ذلك، فعبثاً ستكون كل عمليات التقارب مع العبادي وغيره من القوى العراقية التي استقدمتها السعودية للتباحث معها في الأشهر الأخيرة المنصرمة.
5-وكي لا ننساق وراء أساليب زرع اليأس في نفوس قادة المملكة العربية السعودية، وإحباطهم عن متابعة مشروعهم في إنقاذ الوطن العربي من الدور الإيراني الخطير، وفي أولوياته تحرير العراق من الاحتلال الإيراني. يبقى من الواجب تحذيرهم من وسائل الخداع التي يمكن أن يستخدمها العبادي وغيره ممن خانوا وطنهم وعاثوا فيه فساداً، فنقول: إن كل الجهات التي اتصلت بهم السعودية للحوار معهم من القوى العراقية، ودعمتهم مثل (الصدر – المجلس .. الخ) هم الذين قتلوا مليونين من العراقيين، ومائة وستين الف بعثي. وميليشياتهم هي التي هجَّرت السكان وهدمت المنازل وجرفت المزارع وهي الجهة الاساسية المنفذة للمشروع الايراني. وهؤلاء جميعاً، ولأن أهدافهم ضمان منافعهم الخاصة، ولا يهمهم مع من يعقدون الاتفاقيات، يمكن إطلاق التسمية عليهم، بأنهم (كالطائر الذي يسبح بين فضاء النظام الإيراني، وفضاء الآخرين من خصومه، ويحط على أرض من يمتلك القوة الفاعلة التي تثبتهم في مواقعهم، وتمكنهم من متابعة وسائل الجريمة والفساد). وتلك طيور فقدت ثقة الشعب العراقي لكثرة جرائمها، ولا يمكن الركون إليها في غياب قوة فاعلة على الأرض تمتلك قوة الإيمان الوطني والقومي، وكذلك القوة العسكرية ذات الخبرات والإمكانيات والمصداقية في بناء نظام يوفر الأمن والعيش الكريم لجميع مكونات المجتمع العراقي.
6-وإذا كان حجر الزاوية في تمكين المشروع العربي من النجاح يتمثل بضمان وجود قوة على الأرض لها العمق الجماهيري، والقوة العسكرية، والمصداقية الوطنية، والأخلاقية السياسية، والأمانة الاقتصادية، فسوف تشكل تلك القوة مرجعية ترتضيها جماهير العراق الشعبية التي اكتوت بنيران الاحتلال والفساد. ومن دون ذلك فسوف يتحول ملء الفراغ في العراق بالحضور العربي إلى حائط لا يرتكز على قواعد ثابتة، وسيكون عرضة للانهيار أمام أول اختبار له في مواجهة مع النظام الإيراني وأدواته. وما يخيف في أمر التنسيق مع تلك القوى المجرمة، هو أن السعودية ذهبت الى هذا الموقف مع اعطاء ظهرها للمقاومة والمعارضة وقطع كل انواع الصلة معها. ومن يقطع الصلة مع القوى التي تضمن الوصول إلى تحرير العراق من الاحتلال الإيراني، وضمان عدم تسلله مرة أخرى إليه لتهديد الأمن القومي العربي، وفي المقدمة منه أمن دول مجلس التعاون الخليجي، فهو يقدم على خطوة ناقصة لا تحقق الهدف الاستراتيجي، وكأنها تعطي الفرصة مرة أخرى للنظام الإيراني بأن يفوز في معركة المواجهة ضد الأمة العربية كلها.
وعلى الرغم من ذلك، وإذا كنا نقف إلى جانب أي نظام عربي يوظِّف جهوده وإمكانياته في سبيل طرد النظام الإيراني من العراق، وحماية الأمن القومي العربي، فلأنه من أهم أهدافنا الاستراتيجية. وأما أن تكون وسائل تحقيق هذا الهدف تمر عبر من لا نثق بهم، لأن التجربة أكَّدت عدم أهليتهم للثقة، فهذا لا يعني أننا نقف حياديين، بل علينا أن نحذِّر من الوقوع في أفخاخ أخاديعهم. ولهذا نرى أن على السعودية أن تدرك ذلك، لكي لا تضيِّع وقتاً ثميناً تتلهى بالمراهنة على من لا يمكن المراهنة عليهم. وأن تثق بمن ليس بهم ثقة على الإطلاق. فهؤلاء خسروا تأييد الشعب العراقي لكثرة ما مارسوا عليه من الذل والمهانة والإفقار والتجويع، وإفراغ خزينة دولة بحجم العراق، لتذهب عائدات ثروات العراق إلى جيوب أولياء النظام الإيراني ليستقوي بها على نشر الفوضى في معظم أرجاء الوطن العربي، اهم تحذير ان الاموال ستذهب لتقوية ايران على العرب أي سيقتل بها السعوديين والاماراتيين وكل من يتصدى للولي الفقيه في اليمن، وإلى جيوب أولئك العملاء التي انتفخت من كثرة السرقات. وهم ممن لا عهد لهم في وضع مصير العراق بين أيديهم لأنهم غير مؤتمنين على عهود ولا على وعود طالما أنهم وقعوا على صكوك بيع العراق إلى كل طامع لئيم.
وحدها المقاومة الوطنية العراقية، التي دفعت بعشرات الآلاف من حياة مقاتليها من أجل تحرير العراق من الاحتلال الأميركي، هي التي تُؤتمن على متابعة معركة تحرير العراق من الاحتلال الفارسي. وهي وحدها المؤتمنة على حماية العراق من أخطار الخارج، وعلى بناء النظام الذي يضع كل إمكانياته لتوظيف عائدات الثروات العراقية لمصلحة كل العراقيين، هذا ناهيك عن حرصها على أن يكون نظام المحاصصة الطائفية خارج قيد التداول لأنه عمل على تقويض الدولة العراقية وكان السبب في إفقارها وفي تفتيت النسيج الاجتماعي لشعبها. وكذلك سيبقى نظام المحاصصة هذا ممراً رخواً لكل قوة خارجية لقاء أجر زهيد، هو التقاط فتات ما تتركه سرقات الخارج من فضلات الموائد. وهو الذي شرَّع الأبواب أمام كل طامع في العراق، ثروات وموقعاً استراتيجياً، وأطرافه غير قادرة ليس على حماية أمن العراق فحسب، بل أيضاً هي متواطئة مع القوى الخارجية على أمن دول الخليج العربي بشكل خاص، وعلى أمن الوطن العربي بشكل عام.
وأخيراً، يصبح الحذر من تملص الأطراف العراقية التي استدعتها الدولة السعودية، مسألة مطلوبة، وأن لا تتوقف المسيرة عند حدود الوسائل المرحلية، لكي لا يضيع الهدف الاستراتيجي في نهاية المطاف.