الحقيقة التي لا جدال فيها ولا خلاف عليها أن العراق قد تم غزوه واحتلاله عام ٢٠٠٣م غير أن الخلاف والاختلاف قد أوجده الغزاة المحتلين ومن اعتمدوه من حملة الجنسية العراقية العملاء الخونة حين أطلقوا صفة التحرير على الغزو. تزوير مفضوح وممجوج وقبيح غير أنه وجد من يتعكز عليه سواءاً من بعض العراقيين الذين يخضعون لمقولة كل من يتزوج أمي يصير عمي أو من بعض العرب التابعين بمواقفهم لأنظمتهم ويرددون ما تردده إذاعاتهم ووسائل إعلامهم الرسمية. وفي كل الأحوال نحن ندرك كل العوامل التي سبقت وصاحبت وتلت غزو بلدنا ولا نستغرب من مواقف هؤلاء الذين ركبوا أجنحة الغزو ليصلوا للسلطة بغض النظر عن شرعية الوصول من عدمها ودون أي حساب لمصلحة الوطن والشعب حيث أنهم باعوا الشرف والضمير والدين واستسلموا لنزوات السلطة ومنافعها المادية.
ونعيد للأذهان أن السلطة التي أقامتها أميركا زعيمة تحالف الغزو قد وجدت نفسها معترف بها من كل حكومات العالم تقريباً في الوقت الذي كل حكومات العالم ومن بينها دول تحالف الغزو تعرف أن هذه السلطة غير شرعية ولا قانونية بل ولا تمتلك أصلاً تأييد واحد في المئة من شعب العراق. فلسفة الاعتراف تلك جاءت لتضع سلطة الاحتلال في العراق كأمر واقع لا مناص من التعاطي معه وتواصلت سياسة فرض الأمر الواقع في العراق إلى هذه اللحظة ومعها تواصل الاعتراف المفروض فرضاً على كل حكومات العالم.
لا الأمر الواقع كسياسة وفلسفة ولا الاعتراف المفروض عبره قد نجح في منح سلطة الاحتلال الشرعية التي ظنت أميركا أنها ستكون قادرة بفرضها فرضاً ولا تمكنت سلطة الاحتلال من استثمار الاعتراف العالمي بها والمفروض فرضاً خارج القناعات الحقيقية للنجاح على الأرض ميدانياً في أي شأن من شؤون إدارة الحكم وبناء الدولة فصار الآن كل العالم بما فيه الدول التي أسست سلطة الاحتلال يضمر ويعلن أحياناً أن السلطة التي نشأت عام ٢٠٠٣م بقوة الغزو العسكري قد فشلت فشلاً كاملاً وشاملاً وأن الاعتراف بها لم يعد يعني شيئاً بل هو مثلبة وثقل على من أقدم عليه.
انسحبت القوات الدولية التي غزت العراق واحدة تلو الأخرى ليس لأن هناك اتفاقاً مسبقاً مع زعيمة الغزو على جدولة زمنية للانسحاب بل لأنها أدركت أن شعب العراق هو غير ذاك الذي صورته ماكينة التخابر والإعلام الأمريكية البريطانية الإيرانية الصهيونية وأعوانها. لقد وجدت تلك الجيوش شعباً يرفض تواجدها على أرضه فيقاتلها بشراسة وإصرار بوسائل تتراوح بين بصقة طفل بوجه جنود الاحتلال وحجارة صبية ترميها باتجاه دباباتهم ومدرعاتهم وبين رصاص مقاومة بطلة مقدامة تدمر جنود الاحتلال وآلته. وانسحب الجيش الأمريكي من شوارع العراق لنفس الأسباب وبعد أن وصلت قناعات الإدارة الأمريكية أن واردات الغزو أقل بكثير من تكاليفه الباهظة التي كان من بينها ما لا يقل عن ١٥٠ ألف قتيل أمريكي ومن المرتزقة المتقدمين للحصول على الجنسية الأمريكية وربع مليون جريح منهم آلاف المجانين والمعاقين وتداعيات كانت هي الأخطر في تاريخ الاقتصاد.
انسحبت أميركا تاركة بضعة آلاف من جنودها في قواعد محصنة تحت وفوق الأرض وتركت خلفها أيضاً محاولة بائسة لمنح (السيادة) للعراق وهي سيادة إعلامية لفظية فارغه ودليلنا القاطع على وهميتها أن الانسحاب قد تم بعد ربط السلطات المنصبة أمريكياً وإيرانياً بمعاهدة أمنية تتيح لأمريكا التدخل والتواجد والإشراف على السلطة في المنطقة الخضراء إشرافاً كاملاً ودليلنا الآخر أن أميركا حين انسحبت قد أطلقت يد شريكها الإيراني عسكرياً واقتصادياً وسياسياً في العراق فصارت إيران هي دولة الاحتلال الأولى وأحزابها (الدعوة والمجلس وبدر وغيرها) ومئة وخمسة تشكيل ميليشياوي يقودها خامنئي وقاسم سليماني فضلاً عن تشكيلات فيلق القدس الإيراني والحرس الثوري والمخابرات الإيرانية هي التي تحكم العراق بقوة السلاح وبسواها.
حين غادرت أميركا تركت العراق يقتتل فيه تشكيلات ميليشياوية طائفية وعرقية وكل من هذه التشكيلات بمختلف عناوينها المعروفة تخترقها مخابرات ما لا يقل عن نصف دول العالم كروسيا وألمانيا وفرنسا وأستراليا وكندا ومخابرات عربية وبريطانيا طبعاً ودول من أوربا الغربية وأخرى شرقية وتتدخل تركيا عسكرياً بمناطق محدودة وطيران تحالف يجوب الأجواء العراقية ويشترك في معارك المليشيات لصالح ميليشيات إيران بحجج ما عادت تنطلي على أحد.
فأين السيادة العراقية المزعومة وسلطة الاحتلال لا تقدر أن ترد أحداً عن التدخل في الشأن العراقي عسكرياً أو استخبارياً براً وجواً وبحراً بل هي بكل شخوصها وعناوينها مسيرة من الإيرانيين والأمريكان وغيرهم؟
أين السيادة المزعومة ودول العالم تجد ألف مبرر للتدخل لصالح هذا الطرف أو ذاك وتسلح وتمول هذا الطرف أو ذاك وتفجر بواسطة عملاء الحكومة وميليشياتها في هذه المدينة أو تلك متى شاءت حتى سقط ملايين العراقيين شهداء بعد مرحلة الغزو؟
أين السيادة إذا كانت الأجواء تعج بضجيج حقوق هذه الفئة أو تلك وهذه الطائفة أو تلك وكأن العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي تم اكتشاف التعايش الديني والعرقي فيه عام ٢٠٠٣ فقط فصار معضلة لا حل لها؟
كيف لبلد أن يوصف بانه صاحب سيادة إذا كان من يحكموه قد وقعوا على دستور يمزق البلد؟ وتوزعوا على محاصصة توزع الموت والجوع والجهل وفقدان الأمن والسلام؟
كيف لبلد أن يوصف بأنه مستقل وسيد نفسه إذا كانت ثرواته تسلب من إيران وأمريكا وشعبه يضطرب بين عوامل التغييب والجهل والنوح والتهجير والاجتثاث والإقصاء..
أسئلة كثيرة لا نوجهها لأنفسنا لأننا نعرف الإجابات قطعاً
غير أنها تطرح حالها بقوة الحق الأبلج على من يتعامل مع حكومة الاحتلال على أنها شرعية وعلى أن العراق ذو سياده ومن يعترفون بهذه السيادة يخترق ويهين سيادته في ذات الوقت وأن داعش تحتل بعضه وميليشيات إيران تحتل بعضه الآخر.
أ. د. كاظم عبد الحسين عباس
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام