عن ندوة بيروت: ويعلو صوت الحق
أ.د. كاظم عبد الحسين عباس
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام
لنعد بذاكرتنا إلى عام ٢٠٠٣م.
حين غزت أميركا وبريطانيا وإيران والصهيونية ومن تحالف معهم العراق واحتلته.
صمت العالم كله وكأنه أصيب بالخرس. ولم نعد نسمع قط غير صوت الغزاة وإعلامهم الذي صم آذان البشرية يهلل لموت شعب واغتصاب وطن وتدمير أمة. لم يكن أحد يجرؤ على إدانة ما يجري ولو بكلمة واحدة بل على العكس كان كل ما نسمعه هو الإشادة بإنجاز الحرب الكونية تلك ضد بلد معزول ومحاصر لأكثر من ١٤ عام حتى صار شعبه كله يأكل التراب ويموت بلا غذاء ولا دواء.
تم تصور تدمير العراق وقتل الملايين من شعبه وهتك ستر عوائله وانتهاك سيادته وفتح الأبواب مشرعة لسلب ثرواته على أنه أعظم إنجاز حققته القوى الغاشمة المجرمة لتحمي نفسها من شعب صور ظلماً وعدواناً على غير ما هو عليه واتهم ظلماً وعدواناً بما لا يملك و بما لا ينوي فعله ولا يمتلك أصلاً قدرات فعله.
شعبنا وحده وعبر مقاومته التي انطلقت تزامناً مع أيام الغزو الأولى كان يتحدث بلغة خاصة لا يسمعها غير الغزاة والخنازير والقردة والضباع التي جلبوها معهم ليشكلوا بيادق لوحة الشطرنج القذرة الخانعة. كانت لغة شعبنا هي من حروف الحرية وأقدام الرجال وبسالتهم وتحديهم المعبر عن وطنيتهم الفذة وعروبتهم وإيمانهم العصي على الإذلال والخنوع.
كان المسافر من بغداد إلى المحافظات المجاورة لها يرى العجب العجاب في طرقات وشعاب الوطن ومزارعه وحقوله وبساتينه. كان الموت العراقي يلتهم جنود الاحتلال ويمزق أحلام الخونة والعملاء من أحزاب وأعوان إيران. كان المسافرون في الأرجاء المحيطة ببغداد في مايس وحزيران وتموز وما تلاها عام ٢٠٠٣ يمر على مجاميع النشامى وهم يصطادون الهمرات والدبابات ويحولون حياة الجيوش الغازية إلى جحيم لا يطاق.
كان العراق يتحدث بلغة محلية لا تكاد تسمع بفعل ضجيج الرعاع المطبلين لأسلحة تدمير مزعومة يخفت صوت البحث عنها بجزع ظاهر يوماً بعد يوم والزاعمين بعلاقات كانت أنوف رجال العراق ومبادئهم وقيمهم واحترامهم لقوانين العالم وحياة البشر في كل مكان تأبى وتأنف أن تخوض بها يخبو بريق زعمهم ويهفت يوماً بعد يوماً في الوقت الذي تحصد فيه مقاومتنا الجسور رقاب الغزاة وتحرق ماكنة عدوانهم الهمجي الوحشي في البياع وأم الطبول وعلى جسور الجادرية والجمهورية والسنك ومقترباتها وكان ليل بغداد يبدأ عند الثالثة عصراً فلا تغفو للبغداديين عين وهم يحسبون عدد غارات النشامى على المنطقة الخضراء ومعسكرات الأوباش. كانت أرض بغداد تهتز وتهتز وتهتز وكذا كانت واسط وذي قار وكربلاء والنجف والبصرة والمثنى والموصل وكركوك والأنبار وصلاح الدين وديالى.
كان العراق يتكلم بلغة محلية لا يسمعها إلا قليلون بل قليلون جداً.
غير أن عدد القليلين كان يزداد يوماً بعد آخر ويعبر الحدود رغم أنف الطاغوت.
وبدأ النشامى الأحرار يكسرون الجدران ويخترقون الحواجز بصبر لا يضاهيه صبر وبإيمان لا يطاوله إيمان وثبات كثبات الراسيات.
مزقنا دستور الاحتلال بروية حتى أرغمنا بعض من كتبوه على الاعتراف بأنه ليس دستور. وحولنا الاجتثاث وحظر البعث إلى طرفة يسخر منها أطفالنا رغم ما أحدثه الاجتثاث من أذى. قاتلنا الردى والكارثة وتحملنا الأقصاء والتهجير وقطع الأرزاق وغلبنا الأفق التي ضاقت حتى صارت كخرم إبرة.
وانتصرنا ..
طردنا جيوش الغزاة واحداً تلو الآخر من أرض الوطن المقدسة.
وتكسرت بضربات أقلامنا حواجز الحصار الإعلامي حاجزاً بعد آخر .
وهاهي ساحات دول واحزاب ومنظمات رسمية وغير رسمية تنفتح أمامنا تدريجياً قاعات الأمم المتحدة التي تحكم أقفالها قبضة الوحش الأمريكي المجرم فتحنا بعضها.
وأمس أجبرنا الأوباش على التكشير عن أنيابهم وإظهار كل عفنها وسوسها أمام العالم حيث هاجمونا ونحن في ندوة قانونية تناقش حقوق العراق وشعبه التي ستدفعها أميركا مرغمة صاغرة.
واليوم .. تنفتح بيروت العروبة بجهد من أبناءها الأبرار أمامنا في ندوة قانونية أخرى سيسجل زمانها ومكانها ومضامين التحدي الكامنة فيها سفر صمودنا الأسطوري وصبرنا التعجيزي وتضحياتنا العظيمة. ندوة بيروت التي تناقش بلغة عربية فصيحة لا قانونية ولا شرعية الغزو والاحتلال والاجتثاث وتضع خطوط الفعل لمسارات استرجاع وأخذ حق العراق وحقوقنا من أميركا وبريطانيا وإيران.
اليوم .. بدأت إشارات وشواهد قلب الطاولات على رؤوس السفلة الفاسدين الخونة وانفتحت طرق الحق الأبلج الذي يبنى على جرائم بدأ المجرمون يعترفون بها صاغرين كما حصل مع بريطانيا التي أقرت بعدم شرعية الغزو والاحتلال عبر لجنة تواصل عملها أكثر من عشر سنوات قبل أن تعلن عن انتصار أنوار الحقيقة على دهاليز الظلم والطغيان والإجرام والمكابرة الاستعمارية الوقحة.
فتحية لرجال العلاقات الخارجية في بعث الأمة الصامد البطل.
وتحية لرفاق العروبة في حزب طليعة لبنان العربي الإشتراكي.وإنها لمسيرة ظافرة مؤونتها الصبر والدم الطهور
والله أكبر والنصر لشعبنا الأبي.