ما يجري في اسرائيل الشرقية حدث كبير له نتائج مهمة جدا سواء سقط النظام ام بقي لفترة اخرى ، ولعل ابرز الرسائل التي اطلقتها احداثها واضحة وصريحة ما يلي :
1-لقد سقط جدار الخوف الذي صنعته جرائم اكثر النظم رجعية وتخلفا في القرنين الاخيرين واشدها وحشية وقسوة ويكفي ان نذكر هنا ان خميني مؤسس النظام امر بقتل سجناء بلغ عددهم 30 الف معتقل سياسي وثقتها منظمات دولية ،وكشفت هذه الجريمة البشعة في تسجيل صوتي لآية الله حسين منتظري، النائب السابق لخميني، يعود إلى 1988، والذي نشره نجل منتظري، ووصف الأخير عمليات الإعدام هذه بأنها «أفظع جريمة ترتكب في الجمهورية الإسلامية». وبهذه الوحشية ضمن النظام الرجعي بقاءه حوالي اربعة عقود كانت فترة الظلام والبؤس للشعوب الايرانية كلها وفترة الكوارث للشعب العربي كله .
والان وبعد او اوصل هذا النظام عامة الناس الى مرحلة بيع اطفالهم واعضاء اجسادهم ناهيك عن انتشار الدعارة والشذوذ الجنسي والايدز والامراض الجنسية والتحلل الخلقي المبرمج من اجل الحصول على طعام خرج الناس مفضلين الموت على حياة ذليلة بائسة . لقد سقط جدار الخوف وانطلقت ملايين الناس تطالب بسقوط النظام الفاسد والديكتاتوري .لذلك فان نجاح او فشل الانتفاضة في اسقاط النظام لم يعد العقبة الاساسية امام الخلاص والحرية بعدانهيار جدار الخوف .
2-اثبتت الانتفاضة بافلام واضحة ان الجماهير بغالبيتها الساحقة ضد النظام وترفضه بشدة وانها صبرت املا منها في تحقيق انفراج ولكنها اقتنعت بان هذا النظام ليس فيه امل ولا يفكر بالاصلاح وان لعبة صراع المتشددين والاصلاحين ليست اكثر من عملية تخدير وخداع للناس يديرها الديكتاتور الاوحد خامنئي .
3-اثبتت الانتفاضة بان من يدعمون النظام ورغم وحشيتهم وقسوتهم المفرطة غير مستعدين للدفاع عنه عندما يواجهون من يقاوم بشجاعة ، فلقد رأينا كيف ان حرس خميني ، وهو الحارس الاهم للنظام ، يهرب امام المتظاهرين ويترك دراجاته النارية وسيارات النظام ويطلق النار على المتظاهرين وهو يهرب مرعوبا ، وهذه الواقعة قدمت للناس العاديين في اسرائيل الشرقية صورة عن هشاشة الحرس (الثوري) وجبنه وفساده وانتهازية اغلب اعضاءه . لهذا فان المواجهات القادمة مع الحرس سوف تشهد المزيد من الجرأة والشجاعة في مواجهته ومقاتلته وهو ما سيعجل بانهيار النظام العنصري .
4-اكدت الانتفاضة رفضها للفساد المستشري في مكونات النظام خصوصا فساد خامنئي والحرس الايراني والذي يعد السبب الرئيس في افقار الجماهير الايرانية وحرمانها واضطهادها ، وبذلك سقطت الهالة الزائفة للدين والمعممين وبرزت امام العالم حقيقة نظام فاسد وجشع ومنحرف .
5- هذه الانتفاضة تختلف عن انتفاضة عام 2009 بانها ضد النظام كله وليس انتفاضة من داخله كما كانت انتفاضة عام 2009 ،فالشعارات التي رفعت معادية لرأس النظام علي خامنئي ولم تميز بين اصلاحيين ومتشددين ، وهذا تطور مهم جدا يكشف عن عزلة النظام بكافة اركانه .
6-نظام القرون الوسطى في طهران في حيرة من امره : فاذا استخدم العنف المفرط تحولت الحالة الى انتفاضة مسلحة تزداد قوة وانتشارا واذا لم يستخدم العنف فانها ستتسع ، ولهذا فالمؤكد ان النظام وهو في حالة رعب شديد سيقدم على العنف في اشد اشكاله وحشية لانهاء التظاهرات باسرع وقت وقبل ان تزداد اتساعا وقوة ولكن هذا التوجه سوف يشعل المزيد من الحرائق وهنا يكمن المأزق القاتل للنظام الرجعي .
7-قدمت الانتفاضة دليلا ماديا لنغول ايران العرب يقول بوضوح ان هذا النظام غير مضمون البقاء مادامت الملايين تعادية من الداخل وفيه هشاشة توضحت الان ،وهو واقع يدفع النغول العرب الذين يملكون الحد الادنى من التحسب لاعادة النظر في نغولتهم وتبعيتهم لاسرائيل الشرقية فلا ملجأ لهم مستقبلا وسوف يتلقون جزاء جرائمهم التي ارتكبوها ، ففي كل الاحوال هذه النظام لن يبقى طويلا بعد هذه الانتفاضة وسوف يسقط ويتخلى النظام البديل عن نغول ايران حتما فاين سيذهبون ؟ اصبح جليا جدا ان نهاية نغول ايران العرب باتت قريبة وانهم سوف يواجهون شعبا بكافة مكوناته ينتظر تحرير العراق وسوريا واليمن ولبنان.دون ادنى شك فان الانتفاضة الايرانية تحولت او ستتحول قريبا الى عامل خلخلة وتفكك لكافة تنظيمات نغول ايران في الوطن العربي بعد ان ادركوا ان النظام الذي كانوا يعولون عليه ويعتمدون على حمايته لم يعد ثابتا ولا مضمون البقاء .
8-ما يهمنا معرفته وتذكره دائما لخطورته هو ان من ثوابت الثقافة العنصرية الفارسية ومحرك سياساتها تجاه العرب ليس فقط الغزو والسطو بل ايضا الانتقام بدافع الحقد المتطرف والمتجذر مصحوبا بطبيعة الغدر بمن تطمئنه وتعطيه وعد الامان والاخوة والتصالح ، ولدينا امثلة من الضروري التنبه لها لاهميتها في كشف طبيعة النخب الفارسية ، فأثناء الغدر بالشهيد علي عبدالله صالح وبحضور ايرانيين كشفوا للمغدور عن هويتهم وذكروه (بان ايران لم تنسى مشاركته العراق في الحرب ضد ايران والان حان موعد الانتقام ) ! مثلما حمل الحوثي الايراني عبدالملك خنجر ( جنبية) شقيقه القتيل حسين يوم اغتيال الشهيد علي عبدالله صالح وليس قبل ذلك في تاكيد على انه ينتقم لمقتل اخيه وانه لم ينسى ذلك وان الغدر بعلي عبدالله صالح ليس من اجل قضية وطن، وذلك تقليد يعرفه شعبنا في اليمن .
والحادثة الاخرى قبلها هي الانتقام من القائد الشهيد صدام لدحره مخطط الغزو الفارسي للوطن العربي بالحاق الهزيمة بخميني واجباره على شرب سمها ، فقد حضر ايراني عملية اغتيال الشهيد صدام وهمس في اذنه وهو على منصة الموت رسالة قالت (خامنئي يسلم عليك ) فابتسم القائد الشهيد صدام احتقارا وسخرية من خامنئي وصغره.هذه دروس تذكروها ياعرب اينما كنتم وكيفما كنتم سياسيا وايديولوجيا كي لا تخدعوا ،تذكروا دائما ان الفرس لا ينسون من دحرهم وافشل غزواتهم ابدا او وقف ضدهم حتى لو غير موقفه فيما بعد ، وتذكروا ماهو اهم من ذلك وهو ان النخب الفارسية لا تتراجع ابدا عما قررت عمله الا اذا ردعت بعنف شديد ، ولهذا فالحل الوحيد لمشكلتنا مع الفرس هو القوة في اعلى واوسع اشكالها واكثرها عنفا ، ولا شيء غير ذلك يحمينا من غدر غزوات الفرس.
الحقد احد مكونات الشخصية الفارسية وتكتسبه بالتربية البيتية والمدرسية والاجتماعية ، ولهذا نلاحظ انها استهدفت العرب وليس الامريكيين ولا اليهود ولم تطلق رصاصة واحدة ضدهم رغم انها تدعي معاداتهم لسبب واضح وهو انه لا توجد معهم اي عداوة فعلية سابقة بل ان اليهود والاوربيين حلفاءها عبر التاريخ ، وهم بعيدون عنها جغرافيا وليسوا جزء من مخططها الامبراطوري ، بينما قررت نشر ما اسمته ب( الثورة الاسلامية) في العراق اولا،ورفعت شعارها الصهيوني ( تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد ) لان العرب وارضهم وثرواتهم جزء من مخططها ولديها معهم ثأرات تاريخية .
اما الهدف القومي والانتقامي الذي لم يتغير فهو الانتقام من عملية تحرير العراق من الغزو الفارسي والتي ادت الى انهيار الامبراطورية الفارسية قبل 1400 عام ، وهي لذلك ابقت جذوة الثأر من العراقيين والعرب عموما حية طوال 1400 عام وعملت بطريق التقية اليهودية على تعبئة انصارها وتثقيفهم بروح العداء للعرب وبزرع الطائفية غطاء يخفي المحرك الحقيقي للنخب الفارسية القومية وهو المحرك العنصري القومي ، وما نراه الان من جرائم بشعة ترتكبها اسرائيل الشرقية ونغولها هي تعبير عملي عن نزعة انتقامية جامحة .بل انها تلجأ لتجويع شعوب اسرائيل الشرقية بوضع مواردها لخدمة هدف الانتقام من العرب وهذا ما اكتشفته النخب والجماهير الايرانية وعبرت عنه في الانتفاضة الحالية والتي رفعت شعارات تطالب بانهاء التدخل في غزة والعراق واليمن ولبنان وتخصيص الموارد للايرانيين بدل قتل العرب والتدخل في اقطارهم .
9-وبانكشاف نظام الملالي امتلكت حركة التحرر العربية وعيا معمقا عزز اصرار مناضلي الامة العربية،بكافة ايديولوجياتهم ورغم كل تناقضاتهم ، على القضاء على التهديد الوجودي الايراني قبل اي خطوة اخرى داخلية او خارجية ، وهو ما اكتشفه قبل قرون القائد العظيم صلاح الدين الايوبي الذي قضى على العدو داخل العالم الاسلامي كي يستطيع القضاء على الغزو الصليبي وهذا هو ما فعله بالضبط.واسرائيل الشرقية ودون ادنى شك هي التهديد المميت حاضرا وماضيا والذي لايصل اي تهديد اخر لجزء من خطورته،اما التفاوض والسلام معها فليسا سوى هدنة يستخدمها الفارسي لسرقة الوقت والاهم لخداع الخصم بالتظاهر بالود كما فعل بعد انتهاء الحرب في عام 1988 فوثقنا به وأمناه مضطرين على طائراتنا بتصور انه مثلنا نسى الماضي لكنه كان يمثل واستولى على الامانة بكل خسة .
وبناء عليه فاننا نؤكد بان نضالنا ضد وجود اسرائيل الشرقية لن يتوقف ويجب ان يكون الهدف المركزي للعرب كافة قبل العودة للنضال التحرري في جبهات فلسطين وغيرها هو تبني نفس خطة صلاح الدين الايوبي ، وهي اجتثاث الخطر الايراني الى الابد ، فكما ان اسرائيل الشرقية نجحت في منعنا من مواصلة نضالنا في جبهة فلسطين بأشعالها حروبا داخل اقطار عربية ، فيجب تحييدها كليا بالتركيز عليها ومحاصرتها واستنزافها والتخلي عن موقف الدفاع والانتقال الى الهجوم الشامل عليها وبكافة الوسائل الحربية والسياسية والنفسية والاقتصادية والاعلامية ...الخ، والدعم الفعال والمتواصل وليس الموسمي لنضال الشعوب المستعمرة كالعرب والترك والاكراد والبلوش وغيرهم من قبل القومية الفارسية وتمكينها من اقامة دولها القومية المستقلة وفي مقدمتها دولة الاحواز العربية .
اما نحن او اسرائيل الشرقية وكل التحديات الاخرى في هذه المرحلة ومهما كانت فهي ثانوية. وللتذكير فقط فان هذه الستراتيجية هي نفس ما تنفذه فعلا اسرائيل الشرقية ضدنا وما يجب ان نقوم به ليس اكثر من رد مكافئ لما تقوم به ، فهل ستكون الانتفاضة الايرانية الحالية مقدمة لانهاء كوارثنا ؟
Almukhtar44@ gmail.com
31-12-2017