فضائية الجزيرة التي فقدت لونها وطعمها وبقيت على رائحة كريهة منذ بداية أزمة الخليج العربي الراهنة، تنفذ دعاية فجة لصالح تركيا وأردوغان شخصيا، وكأنها تحرض عليهما أوربا والولايات المتحدة لتثير بوجهه المزيد من الأزمات السياسية والأمنية وتضع العصي في مسيرته نحو بناء تركيا التي يسعى إليها ونتمناها نحن لها.
فهل كانت الجزيرة نزيهة ومُحبة فعلا أم معادية ومحرضة بخبث؟ . هذا أمر أجابت عليه سورة الكهف بالقول (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا"103" الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا "104".
على العموم هذا أمر يعرفه رجال الإعلام المتضلعون في اختصاصهم فقط، ولا يحسن سواهم التخطيط له، ويحتاج إلى أدوات ناجحة وعلى مستوى عال من أجل تنفيذه وإقناع القارئ أو المستمع أو المشاهد به، وليس من قبيل المدح عن طريق الذم، أقول لأن الجزيرة نشأت من رحم هيئة الإذاعة البريطانية وترعرعت في حضنها حتى اشتد ساعدها، فلعلها وحتى الآن، ستبقى وحتى زمن غير معلوم أكثر الجهات توظيفا لهذا الضرب من الدعاية، وعادة ما يكون المدح أو الذم أمرا مقصودا وليس عبثا لملء وقت البث أو النشرة أو التقرير أو التعليق.
هناك مدرسة إعلامية معاصرة لعل أبرز من أنتجها وطورها هم تلامذة الـ BBC ومنهم المؤسسون الأوائل للجزيرة تتركز على قاعدة تتلخص في شن حملة كراهية ولكن القصد منها هو الدعاية وليس ما يبدو من ظاهر الرسالة الإعلامية، وبالمقابل هناك وصلات تمتدح ولكن القصد الخفي منها هو الضد منها أي الهجوم والقدح والذم، ولكن هذا النوع من الإعلام لم يكن اختراعا غربيا من قبل هيئة الإذاعة البريطانية بل إنه صناعة عربية أجادها الشعراء العرب قبل الإسلام، وكان سجلهم حافلا بهذا الضرب من النشاط الأدبي السياسي الإعلامي، ولكن العرب شأنهم في كل المجالات تركوا انجازاتهم السابقة وأخذها الغربيون وطوروها.
ولعل في قصة الشاعر علي بن الجهم وقصيدته للخليفة العباسي (أنت كالكلب في وفائه....) وشعر أبي الطيب في مديحه الذي هو في حقيقته هجاء لكافور ما يقع في هذا الباب.
عندما أراقب الجزيرة أراها تتكلم عن أردوغان بطريقة وكأنها تريد إغاضة طرف ثالث وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وليس الحديث عن تركيا وأردوغان، وهذا لعب يذكرني بمرحلة طيش الصبية الذي يتكايدون فيما بينهم على أمور تافهة جدا، فهل يعقل واحد أن تنحدر فضائية بمستوى الجزيرة إلى هذا المستوى المؤسف؟
حقيقة الأمر أن الإعلام بات حرفة يكاد يخجل منها من يعمل فيها، أو حتى أولئك الذين عملوا فيها ذات يوم في مراحل من حياتهم عندما كنا نضع ضوابط أخلاقية لكل خطوة نخطوها مع العدو والصديق على حد سواء، ولم نفارقها وفي اليوم الذي نشعر فيه أننا فرطنا في جزء منها نبقى نعيش تأنيب ضمير لا يفارقنا طيلة اليوم، فهل هناك شيء من ذلك في إعلام الجزيرة أو من ينافسها من الفضائيات؟
أدعو من بيده القرار السياسي في بلدان البث إلى البت في أمر يضع حدا لهذا الانهيار القيمي قبل أن يشعر العربي أن ما يحصل هو جزء مما يراد غرسه من قيم لدى الجيل العربي الجديد.