اليوم أود أن أجلد النائمين من أبناء أمتنا حكاما ومحكومين، ولا أظنهم قليل، ولكنني سأبدأ بواحدة من البديهيات التي لا تقبل جدلا عقيما، وهي أن العرب هم مادة العرب استنادا إلى نص قرآني يقول (بسم الله
الرحمن الرحيم، وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ 198 فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ 199)"الشعراء".
ولا أريد أن أنافس المفسرين ولم يرد هذا في خاطري يوما كي أشرح مغزى هاتين الآيتين الكريمتين، ولكنني رحت إلى فهمي الظاهر لهما، وأبني لأقول، إن صَلح حال العرب صلح حال المسلمين، ولكن هل هناك مؤشرات على مثل هذا الاحتمال الضعيف والمستحيل المنال؟
تقول روايات منقولة، إن الزعيم الألماني أدولف هتلر وبعد وصوله باريس فاتحا وقف أمام ضريح نابليون، (ولمن لا يعرف فإن قبر نابليون محاط بسياج دائري ولا يمكن لكل من يرغب بمشاهدته إلا أن ينحني له تعبيرا عن التبجيل لهذا الفاتح العظيم ولاعتداده بنفسه وبعظمة فرنسا)، فاعتذر منه قائلا، "أعتذر لك عن احتلالي لبلادك، لأن شعبك كان مشغولا بقياس أبعاد الأزياء في حين كان شعبي مشغولا بقياس أطوال المدافع وأبعاد فوهاتها".
وفي الوقت الحاضر تنقل الروايات عن (نتن ... ياهو) قولا ربما يكون مفبركا لاستنهاض الهمم العربية النائمة، "القدس لإسرائيل لأننا جديرون بها وليست لكم أيها العرب لأنكم لا تجيدون إلا الرقص".
على العموم أقول إن العقال العربي الذي ظل منذ أكثر من ألف سنة رمزا للكبرياء والشموخ والكرامة، أراه اليوم يداس بالرقص في العراق (الجوبي) والدحّة البدوية، وفي الخليج العربي وجزيرة العرب تبرز رقصة العرضة وأخواتها وكأنها هي وحدها التي تحكي تاريخ الأمة وتراثها الحضاري الثري، ونرى إمكانات الدول توضع في خدمتها كما تفرد فضائيات الإمارات العربية وغيرها من دول الخليج العربي، تفرد برامج للرقص الذي خرج عن التقاليد البدوية وراح يزاوج بين الرقص الغربي ابتداءً من الروك وليس انتهاءً برقصة البوب، وقد يقبل البعض بمثل هذه الرقصات إن كانت تراثية ولكن إن تعدت ذلك إلى الرقص الخليع في حفلات فنادق الدرجة فوق الممتازة في دبي بحيث باتت إحدى العلامات البارزة لهذه المدينة التي تفاخر بانسلاخها عن انتمائها لبيئتها العربية الإسلامية (والذوبان) في الممارسات الشاذة للغرب، فذلك يدعو لوقفة مسؤولة أمام ما يجري وإلا سيكون العربي كما قال أبو الطيب:-
وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا, غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ
وصار تراثها يرتكز على هذه الممارسات وكذلك إطلاق الألعاب النارية الضوئية، وتجرى مباراة بين مدن الخليج العربي بأيها تطلق أكثر ويبدو أنها تريد إيصالها إلى نسبة تتناسب مع عدد الجياع في الوطن العربي والعالم الإسلامي.
أنا لست أفهم كيف يمكن فرض انسجام مفتعل بين زعم التطور الذي تدعيه بعض الدول الخليجية "الطالعة على العالم آخر وقت" وبين الرقص المبتذل الذي يؤكد إهانة العقال العربي، وهل يشكل السيف الخشبي المطلي بلون معدني الذي تخاض به المعارك الراقصة، سلاحا يناسب معاركنا الموعودة لتحرير الإنسان والأرض وصيانة العرض؟ أم أن هذه الممارسات الفجة والمبتذلة جزء من الرشى المطلوب تقديمها للغرب من أجل السكوت عنها؟
التطور ليس في أبنية شاهقة من الحجر والسمنت والحديد المستورد والبنّائين الأجانب، بل في توطين التطور عن طريق بناء الإنسان القادر على إدارة بلده على أفضل وجه، فهل تستطيع دبي مواصلة حياتها ولو لساعةٍ واحدةٍ في حال انسحب الخبراء والمهندسون والفنيون والأطباء والتجار الأوربيون والأمريكيون والعرب والآسيويون وحتى عمال النظافة؟
هناك بعض الدول العربية مبتلاة بظواهر لا تقل في إثارة التقزز عند مشاهدتها عن إهانة العقال والسيف العربيين، ولعل من أهمها منظر تحول الرجال في العراق إلى مواكب لطم وأبشع أنواع الممارسات حتى في الأعياد التي تقتضي الفرح والابتهاج، لأنهم شغوفون بالحزن ومبالغون في كل مشاعرهم حبا وكرها حزنا وفرحا ولاء ومخالفة، ولأن هذه الطقوس مستوردة من بلاد فارس فقد أضاف إليها العراقيون فنونا من تعذيب النفس لا مثيل له في أي مجتمعات أخرى، يلطمون في الشوارع وعلى مدار السنة، ونحن نعرف أن الرجال لا يضربون الصدور ولا يشقون الجيوب، بل إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نهى عن ذلك حتى النساء.
أما في بلاد اليمن فيبدو أن الحياء قد سقط عن أولئك الذين "يخزّنون القات" حتى أولئك الذين يحملون أشد الأسلحة فتكا وحداثة، وأقولها بإنصاف لهذا البلد الذي أعتبره أصل العرب ومنها خرج أجدادنا إلى مشارق الأرض ومغاربها استنادا إلى ما نصحت به كاهنة اليمن وعرّافته "ظريفة"، ولكن بئس الأحفاد الذين استطالت وجوههم بسبب التخزين ولم يحافظوا على أصالة الأجداد فبالغوا في تلك الممارسة القبيحة أثناء الواجب وأمام الكاميرا، فخالفوا السلوك السوي وأمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال "إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا"، فأسال أليس فيهم رجل رشيد يخرج من الغيب ويصدر أمرا حازما بمنع القات الذي دمر الشباب والزراعة والاقتصاد في هذا البلد الذي فقد سعادته منذ زمن بعيد، فهل صار القات جزء من التراث الذي تفاخر به اليمن بقية الأمم؟
وبقية البلاد الممتدة من الخليج العربي وحتى المحيط الأطلسي فصارت المخدرات هي التي توحدها وفيها من المواخير والظواهر المخجلة من نواد ليلية وخمارات وبيوت دعارة وقمار، ما يصيب الإنسان باليأس من أمة النبي الكريم أنها تدحرجت من شاهق مجدها إلى حضيض واقعها الراهن، فكيف الخلاص؟ وهل تحتاج أمتنا إلى كي؟ أم إلى دوش بماء مثلج علّها تستفيق من غفلتها أو بالأحرى من رقدتها الأبدية؟