أجزاء من قصيدة بعنوان (سَلِمتْ يداك)، سبق نشرها في صحيفة 26 سبتمبر، بتاريخ 18 يناير 2001، إبَّان انتفاضة الحجارة الثانية في فلسطين. ولن أقول: ما أشبه اليوم بالبارحة. بل أقول: رغم كل ما عاشه ويعيشه
وطننا العربي من كوارث وتواطؤ مكشوف مع المشروع الصهيوني في المنطقة، فإنني أشعر شعوراً هو أقرب إلى اليقين الإيماني، بأن الغد سيكون أفضل من اليوم. وكأني أرى تباشيره آتية من أرض الأقصى، في حجر يُقذف في وجه غاصب، وفي زغردات أم تودع طفلها الشهيد. ولا بأس في أن نواصل حلمنا، فنحن من جيل الحالمين، ولم يبق من العمر ما نضيِّعه في اليأس والإحباط. ولنترك لأبنائنا من بعدنا مشاعرنا الحالمة بالغد الأفضل، فهذا أصلح لهم من أن نُخلِّف لهم نظرة قاتمة ومشاعر إحباط ووهن. ولننتصر بهذا الحلم على أنفسنا وعلى مشروع التدمير والتفتيت النشط، الذي يستهدف وطننا العربي كله، ويهدد وجودنا كأمة واحدة.
د. أحمد قايد الصايدي
مرحى، سما اليوم يا حلماً بك الحجرُ
يا فارساً سيفُه المقلاعُ والوترُ
أسمعت صوتك أقواماً بهم صممٌ
وردد الشِّعر زهواً من به ضجرُ
فاسلم فديتك يا عزِّي ويا أملي
يا فخر قومي إذا ما فاخر البشرُ
يا صانعاً لجلال القدس من دمه
إكليل غارٍ وورداً نفحه عطرُ
يا فاتحاً بعدما انسدَّت مسالكنا
يا واثباً بعدما حكَّامنا انحدروا
يا مطلقاً صرخة هزَّت كراسيهم
يا مشعلاً جمرة تشوي وتستعرُ
تكشَّف الزَّيف لمَّا ثرت منتخياً
وفي يمينك عزم سهمه حجرُ
تصول بالقدس مقداماً بلا وجل
لا شيء يثنيك لا التخويفُ لا الحذرُ
حجارة الأرض قد صدَّت مدافعهم
وللإرادة في ساح الوغى الظفرُ
سلاحك العزم والإيمان تشهره
والحقُّ تعلنه يصغي له القدرُ
والعدل في عالم الطغيان تنشده
والخير تبذره ينمو ويزدهرُ
ناديتك الأمسَ والظلماءُ حالكة
والظلم طاغ وحلمي كاد يندثرُ
والمرجفون غيارى من مقاومتي
يستعجلون سقوطي بعدما اندحروا
وللذِّئاب عواءٌ كاد يصرعني
لولا يقيني بأن الحق منتصرُ
لولا شعور بأن الفجر منبلج
بعد الظلام وأن الغيث منهمرُ
وأنَّك القادم المقدام من زمن
فيه عليٌّ وعمرو والفتى عمرُ
وحمزةٌ وابن عبَّاسٍ وغيرهمُ
زها الرسول بهم والشَّمس والقمرُ
ها قد أتيت فنعم القادم انبلجت
سماء قدسك نوراً وازدهى الصخَرُ
واهتزت الأرض إذ نادى البشير بها
يا أمُّ لا تحزني قد جاءَك المطرُ
هذا الفدائي جاءَ اليوم منتقماً
طفلٌ أتى يحمل البشرى ويعتذرُ
هذا الفدائيُّ هل تخفى معالمه؟
هذا ابن يافا وحيفا المارد الخطرُ
هذا الفدائيُّ طفلٌ شاخ من ألمٍ
قبل الأوان فويلٌ للأولى فجروا
ويلٌ لهم منه حين الثأْر مطلبه
وسورة الغيظ لا تبقي ولا تذرُ
ويلٌ لهم منه حين الموت مركبه
والنار تحرق ما حاكوا وما بذروا
ويلٌ لهم وسيوف الحقِّ مشرعةٌ
والأسد تزأر والأبطال قد نفروا
وزغردات الثَّكالى صوت منتقمٍ
كالهول يقتلع الباغي ويعتصرُ
يا يومنا يوم نصر القدس قد سئمت
نفوسنا لصلاح الدين تنتظرُ
طال المقام بنا خزيُ يكلِّلنا
يقودنا نحو قاع الذل مُحتقرُ
قل للأولى اجتمعوا في قمَّة عجباً
والدَّمُّ ينزف والأطفال تحتضرُ
وجيش صهيون في الأقصى يدنِّسه
وبل كلنتن ظهيرٌ رأْس من غدروا
يثرثر اليوم جذلاناً ومنتشياً
من فرط غبطته يهذي ويفتخرُ
وأنتمُ ما استطعتم ستر خيبتكمْ
يا عارنا قد سرى في جسمكم خدرُ
كأنَّما نحن أغنامٌ بلا ثمن
كأنَّما دمنا نفطٌ به اتَّجروا
يا ويحنا كم صبرنا دونما سبب
عليهمُ، هل ترى عفُّوا أو اعتبروا ؟
يا غضبة الشَّعب هزِّي الأرض تحتهمُ
وفجِّريها لظى يعلو وينتشرُ
فالنصر غضبة شعب إن تُجسدها
قيادةٌ يُستعاد النهر والبحَرُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقصود هنا مؤتمر القمة العربية، الذي درج حكامنا العرب على عقده، منذ عام 1964م (مؤتمر القمَّة العربية الأول)، بل منذ عام 1946م (مؤتمر أنشاص في مصر)، ولم يأت بخير للأمة العربية، رغم عمره المديد.