الحلقات الصهيونية والأصولية والعرقية المفقودة في التخطيط للإرهاب ونشره
في 25/ 6/ 2016 حسن خليل غريب
من المثير للجدل والتساؤل، هي تلك الظاهرة التي انبرى العالم كله شاهراً سيفه لمحاربتها، وتلك الظاهرة أطلق عليها اسم الإرهاب. بحيث استحوذت على اهتمام العالم كله لأن الإعلام الأميركي، والسائر بركابه، جعل منها قوته اليومي، ومقصد أهدافه منذ عملية تدمير البرجين في أميركا في العام 2001. وتحت غطائها شنَّت إدارة اليمين الأميركي المتطرف، برئاسة جورج بوش الإبن، حربين على أفغانستان والعراق، واحتلت أراضي الدولتين، ووكَّلت إدارتهما إلى أدوات محلية تغطي الاحتلال وتشرعنه. ومنذ تلك المرحلة أصبحت محاربة الإرهاب خيمة ترتكب الإدارة الأميركية تحت غطائها كل أنواع القتل والتدمير بما عُرف بـ(الجريمة الأميركية المنظمة). وما تزال تلك الظاهرة حتى الآن تشكل أكبر هموم العالم، بحيث امتدَّت أياديها، أو مُدَّت أياديها بشكل مقصود ومدروس، لتعبث بأمن دول الغرب على قاعدة أن من يصنع السم يتذوفه. وأصبح من الشائع عند الرأي العام العالمي، أن كل من يتصدى لمواجهة الاحتلال الأميركي يُوصف بالإرهاب، فتساوى في الإعلام الأميركي فعل مقاومة الاحتلال مع فعل الأعمال التخريبية. ومن أجل استمرار الاحتلال الأميركي في العراق، وتبريره وتثبيته، كان لا بُدَّ من جعل ظاهرة الإرهاب موجودة لتستمر تحت غطائها ملاحقة المقاومين.
أطلق الإعلام الأميركي على تلك الظاهرة بداية اسم (تنظيم القاعدة في أفغانستان) لقائدها أسامة بن لاذن، ثم (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) لقائدها أبي مصعب الزرقاوي التي تأسست في العام 2004. ومروراً بأكثر من اسم فرعي، استقرت الأمور إلى (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) المعروف بـ(داعش) لقائدها أبي بكر البغدادي الذي عرف انطلاقته الأولى في العام 2014 في الأحداث السورية وتمدد من بعدها إلى العراق. هذا التنظيم الأخير توسَّع بشكل سريع وواسع في معظم أقطار الوطن العربي، ومن بعدها أخذت تُنسب إليه معظم عمليات التخريب في معظم أنحاء العالم.
بعض الدول خططت للإرهاب وهي الآن تتجرع سمه:
أصبح من المتفق عليه أن المنظمات الإرهابية صُنعت في الغرب عموماً، وفي أقبية أجهزة المخابرات الأميركية خصوصاً، ولكن بعد أن طالت عمليات التخريب بعض دول أوروبا، راحت تلك الدول تشكل تحالفات دولية تضم إليها عشرات المتطوعين من بعض دول العالم والإقليم وبعض الأنظمة العربية تحت عناونين أحلاف مهمتها (مكافحة الإرهاب)، وكانت بدايات التنفيذ تنطلق دائماً من الأرض العربية. وهذا ما أخذ يثير التساؤلات التي أصبحت بحاجة إلى أجوبة واضحة. يأتي في مقدمة تلك التساؤلات، ما يلي: إذا كانت الإمكانيات المبذولة في هذا السبيل تفوق مقدرة تنظيمات عادية، بل تحتاج إلى إمكانيات دول من حيث موجبات تحضيرها وتنفيذها المالية والعسكرية والأمنية والإعلامية، فكان لا بُدَّ من الافتراض أن هناك قوى دولية كبرى تقف من ورائها. ولأنه انخرط في الفترات الأخيرة عشرات الدول في تحالفات لمحاربتها لأنها اكتوت من نار عملياتها، فهذا يعني أن هناك قوى خفية، غير القوى المعروفة، لها مصلحة في دعم تلك الحركات وإسنادها ومساعدتها على الاستمرار من دون وضع خطوط حمراء تمنعها من استهداف أمن الدول الغربية. وهذا يطرح التساؤل عن هوية تلك القوى الخفية والكشف عن طبيعة أهدافها.
وإذا كانت المخابرات الأميركية هي التي روَّجت لكذبة الإرهاب منذ العام 2001 لتبرير حروبها ضد أنظمة رسمية وشعوب تحول دون هيمنتها على العالم، وشاركتها أجهزة مخابرات أخرى، وجارتها في تصديق الكذبة دول الغرب أيضاً.
منهجية الدراسة تستند إلى فرضية وجود قوى خفية تقف وراء نشر ظاهرة الإرهاب
ونحن، ومن أجل الكشف عن القوة الخفية كفرضية علمية سنقوم بتحليل يقوم على بعض الاستنتاج وبعض الوثائق، راجين أن نوفَّق بما نقوم به لتسليط الضوء على ما خفي من ظاهرة شغلت العالم من أقصاه إلى أقصاه، ووضعته أمام التباسات وإشكالات وتساؤلات.
ومن أجل ذلك، سنقوم بتحليل يدعم تلك الفرضية، منطلقين من قاعدتين رئيستين، وهما:
-القاعدة الأولى: تأصيل إيديولوجي لظواهر الإرهاب.
-القاعدة الثانية: تسليط الضوء على مصطلحين شاع استخدامهما بمعاني مختلف عليها، وهي قاعدة التمييز بين (نظرية المؤامرة) و(المؤامرة الفعلية).
أولاً: القاعدة الأولى: الإرهاب عقيدة أصولية دينية وعرقية شوفينية
من أجل ذلك، وكما نعتقد، بأن أي ظاهرة سياسية لا بُدَّ من أن ترتبط بجذور وأصول إيديولوجية. وإن أكثر الإيديولوجيات التي تعتمد استخدام القوة لتنفيذ أهدافها هي تلك التي تتحكم فيها العصبيات الدينية أو الشوفينية العرقية. ولأن مظاهر ما يجري من عمليات إرهابية قد تجاوزت أهدافها حدود الدول الوطنية، يعني هذا أن تلك الإيديولوجيات تعتقد أن أهدافها ليست أهدافاً محدودة بحدود الدول، بل هي ذات إيديولوجيات عابرة للقوميات وذات نزعات توسعية إمبراطورية. وحدود أهدافها تشمل حدود العالم كله. ومن أجل ذلك، يمكننا رصد تلك الإيديولوجيات الدينية والعرقية المعروفة في عصرنا هذا، بالآتي:
-العقيدة العرقية الأميركية التي تؤمن بتفوق (العرق الأبيض)، وهي إيديووجية قديمة قام بترسيخها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة الأميركية. وإذا لم تكشف عن حقيقة أهدافها في الإعلام الأميركي، فإنها تبدو صريحة وواضحة في النزعة الإمبراطورية التي سادت في عهد إدارة جورج بوش الإبن، حينما قاد بلاده في فترة رئاسته على هدي أفكار القادة الأميركيين السابقين التي تؤمن بتفوق (العرق الأميركي الأبيض) من جهة، وعلى هدي تعاليم اليمين الأميركي الذي تعود أصوله إلى أيديولوجيا اليمين المسيحي المتطرف.
-العقيدة الصهيونية، وهي العقيدة الأقدم في العالم لعلاقتها الوثيقة بالنص التوراتي الذي يؤمن بأن الشعب اليهودي هو (شعب الله المختار). ومن المعروف أن الصهيونية تعمل من أجل قيام حكومة عالمية تعتمد الفكر التوراتي الذي تعود أصوله الأيديولوجية إلى آلاف السنين، وإنها تحشد إمكانياتها المالية من أجل توظيفها لهذا الغرض.
-الفكر اليميني المسيحي المتطرف، الذي يؤمن بأن المسيح سيعود ثانية ليشكل جسر الخلاص النهائي للعالم، وستكون أرض هرمجدون في فلسطين ساحة لمعركة بين الخير والشر. وأصحاب هذا الفكر، كما تؤكد وثائقهم المنشورة، يحضرون لتلك المعركة.
-الفكر السلفي السني الذي يعتقد، على قاعدة نظرية الفرقة الوحيدة الناجية من النار، بأن خلاص العالم لن يكتمل إلاَّ بإعادة عصر (الخلافة الراشدة) بقيادة الفرقة الناجية، ويمثله التيارات المختلفة لحركة الإخوان المسلمين. وتنتسب إليه التيارات الإسلامية التي قمنا بتعدادها أعلاه، من القاعدة وداعش وخلافهما.
-الفكر السلفي الشيعي الذي يعتقد، على قاعدة نظرية ولاية الفقيه، بأنه لا خلاص للعالم إلاَّ بـ(ظهور المهدي المنتظر) الذي (سينشر العدل في الأرض بعد أن مُلئت جوراً وظلماً). وإذا كانت حركة الإخوان المسلمين تمتد لحوالي تسعين سنة، فإن حركة ولاية الفقيه عرفت جذورها الأولى في العام 1958 على يد الدعاة الأوائل في العراق بتأسيس حزب الدعوة، والتي تأثر بها الخميني وعمل بموجباتها الأيديولوجية عندما أسس نظاماً سياسياً في إيران يقوده (الولي الفقيه).
-ثانياً: القاعدة الثانية: توضيح الالتباس بين المؤامرة ونظرية المؤامرة
إن أهمية معالجة هذه القاعدة في هذا المقال، إنما كان لأهمية معرفة الفروقات بين تعريفيهما ودقة استخدامهما في تحديد موقف موضوعي فيما يجري الآن على أرض الوطن العربي من أحداث تنبئ بمخاطر جسيمة على مستقبل الأمة العربية. ونوجز ذلك، بالإشارة إلى وجود احتمالين يساعدان على تفسير ما يجري، وهما:
-الاحتمال الأول: بمعنى نفي وجود مؤامرة فعلية تقف من وراء الأحداث الجارية، وإن التركيز على وجودها هو سلاح إعلامي يستخدمه النظام العربي الرسمي لإبعاد المسؤولية عن نفسه فيما يجري، وهذا ما عُرف بمصطلح (نظرية المؤامرة)، أي أن الأنظمة الرسمية تخلق أسباباً وهمية للتغطية على أخطائها، وهذا يعني أنه لا معنى لكل الوثائق والتقارير التي نُشرت عن وجود مخططات معادية للأمة العربية تقف من وراء الأحداث الجارية.
-الاحتمال الثاني: بمعنى وجود مؤامرة فعلية يتم تنفيذها في هذه المرحلة، وهذا يقتضي الاعتراف بأن تكون الوثائق والتقارير التي تنشر، والتي تستهدف الوجود القومي العربي، قد أخذت دورها للتنفيذ الفعلي.
يترتب على تصديق واحد من الاحتمالين نتائج مصيرية، نوجزها بالتالي:
-ففي اختيار الاحتمال الأول يعني أن نترك العنان لكل القوى، على مختلف مشاربها، التي تشارك فيما يُسمى (الثورة ضد الأنظمة الرسمية) بأن تستمر في عملها في ظل السكوت عنها والامتناع عن كشف أهدافها حتى لا نعطي، كما يحسب البعض، ذريعة للنظام الرسمي لكي يغطي جرائمه. وهذا يعني إذا صح الاحتمال الثاني أن يكون السكوت عما ترتكبه القوى المشاركة كأنه مشاركة بجريمة تفتيت القطر الذي تدور الأحداث على ساحته. وهذا ما أكدته تجربتا العراق وليبيا. فتحت غطاء الامتناع عن دعم النظامين الوطنيين المذكورين بسبب ديكتاتوريتهما، كما زعم الكثيرون في حينه، وقع القطرين في كمين أكبر مؤامرة عرفها التاريخ. ولهذا نعتبر أن سكوت الكثيرين عن تصديق وجود مؤامرة ضد النظامين المذكورين، وكأنه مشاركة مع المتآمرين في تدميرهما. والسكوت هنا فعل سلبي حتى ولو كان من قبيل حسن النوايا. وحسن النوايا في مثل تلك الحالة نوع من الغفلة، والتاريخ لن يرحم الغافلين.
-وفي اختيار الاحتمال الثاني: أي الاعتقاد بوجود مؤامرة فعلية، يقضي بتوسيع رقعة المواجهة مع المتآمرين، وهذا ما قد يخفف الكثير من الآثار السلبية. ولأن فيها أيضاً تجاوزاً للأحقاد والأغراض الإيديولوجية. كما أن فيها إعلاء وأولوية لاستراتيجية معركة التحرر الوطني، وإعطاءها الأسبقية لأي معركة مطلبية. لأنه لا مكاسب مطلبية على الإطلاق في ظل الاحتلال. وهذا ما دلَّت عليه بوضوح تجربتا العراق وليبيا.
وهنا، لا بد من التساؤل: ولماذا يُعيد البعض ما يجري إلى فعل المؤامرة؟
تتسرَّب منذ آماد بعيدة، خاصة منذ أواخر القرن التاسع عشر، الكثير من الوثائق الخطيرة التي تتعلق بمصائر أمتنا العربية، ونعكف على دراستها، ونحذِّر أنفسنا من عواقبها، ثم ندفنها في أدراج الذاكرة، ونروح لنتلهى من بعدها بالسفسطة حول البحث عن جنس ملائكتها، إذ يحسب البعض أن الاستناد إلى تلك الوثائق عندما نقوم بتحليل حدث، أو استشرافه على ضوئها، أنه (نظرية المؤامرة). وهذا الأمر يستوجب التمييز بين المؤامرة ونظرية المؤامرة.
-المؤامرة لغةً: مكيدة للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حكم أو بلد أو شخص ما، يدبِّره أشخاص خفيةً ويصمِّمون على تنفيذه ضدّ شخصٍ أو مؤسّسةٍ أو أمن دولة. فيكون الفعل مؤامرة في: «الحالة التي يوافق فيها شخصان أو أكثر على إنجاز عمل غير قانوني أو لا أخلاقي».
وأما قانونيا فـ«المؤامرة» هي: «إتفاقية بين طرفين أو أكثر على خطة محددة لتنفيذ غرض غير قانوني أو لتنفيذ غرض قانوني بوسائل غير قانونية».
-ونظرية المؤامرة، أي نفي لوجود مؤامرة، فتعني اللجوء إلى استخدامها لفظاً للتهرب من مسؤولية الاعتراف بأخطاء وإلصاقها بمجهول. والاستناد إلى نفي وجودها، أي كأنها المشجب الذي تعلِّق عليه بعض القوى ثيابها الوسخة.
وأما عن (نظرية المؤامرة) فهي مصطلح شاع في الأزمنة المعاصرة في أدبيات اليسار العربي، وهو يصف كل من يربط حدثاً عربياً بوثيقة صادرة عن القوى الاستعمارية والصهيونية، كأن ذلك الربط يشكل وسيلة من وسائل التبرير الذي تستخدمه الأنظمة والأحزاب لتغطي به تقصيرها وفشلها.
وإذا كانت القوى التقليدية الحاكمة، من أحزاب وحركات ونخب، تتهرَّب من تحمُّل مسؤولياتها فتلجأ إلى مشجب (نظرية المؤامرة)، فهل يجوز للأحزاب الثورية، التي تقف من نظام ما موقفاً سلبياً بسبب أخطائه، أن تبقى ثابتة على موقفها منه إذا تعرَّض إلى مؤامرة فعلية؟ وأن تغطي سماوات (المؤامرة الفعلية) بقبوات (نظرية المؤامرة) لأغراض فئوية؟
ولأن المؤامرة حالة فعلية، وسلاح دائم تستخدمه القوى الدولية العظمى ضد الأمة العربية، على القوى الثورية أن تعتبرها جاهزة للتنفيذ في أي وقت، ولها الأرجحية بين كل الاحتمالات إلى أن يثبت العكس. وهنا اعتبار (نظرية المؤامرة) حالة استثنائية، لا يمكن اللجوء إلى استخدامها في التحليل سوى في حالة ثبوت أنه ليس هناك مؤامرة فعلية، خاصة وأنه أصبح من المؤكد أن هناك مشاريع تآمرية على أمتنا العربية وُضعت منذ عشرات الأجيال وتعمل على تنفيذ كل مشروع منها عندما تحين ظروفه المناسبة. ولذا فإن إنكار البعض بوجود مؤامرة، بينما المؤامرة تشكل واقعاً فعلياً فيما يجري، لهو تجهيل لوجود خطر. وتجهيل الخطر يعني تغييب واجب الإعداد لمواجهته، وتغييب خطة المواجهة هو تقصير فادح يخلي الساحة للمتآمرين من أجل التعجيل بتحقيق أهدافهم. وهذا ما يُدخِل المجتمع في دائرة من الاتكالية والتخاذل.
المؤامرة واقع تاريخي ضد مصالح الأمة العربية:
من أجل ذلك، أثبتت وقائع التاريخ، مسنودة إلى تلك الوثائق المنشورة عبر الإعلام الغربي، أن الثابت الأول في مخططات الاستعمار هو العمل على إخضاع الشعوب الأخرى لاستغلال ثرواتها وجهدها، ويأتي في الطليعة منها الشعب العربي. فالمؤامرة ضد الوطن العربي هي الحقيقة الأولى، التي ترافق علاقة الاستعمار والصهيونية بكل ما يمت بصلة بالفكر القومي العربي، وتظهر دائماً في مخططات مشبوهة تتناول الأنظمة العربية المناهضة كلياً لأهداف المؤسسات الاستعمارية والصهيونية، أو حتى تلك التي لا تبدي خضوعاً كاملاً لإملاءاتها.
ولأن المؤامرة ثابت حقيقي. ولأن الأنظمة عادة ما تلجأ إلى تبرير فشلها بإلقائه على تلك المؤامرة، فلا يجيز استخدام (نظرية المؤامرة) في نقد أداء الأنظمة بشكل مطلق، لأن المؤامرة فعل حقيقي ماثل في معظم أرجاء تاريخنا السياسي. بل على القوى الثورية أن تتعرَّف على الحدود الفاصلة بين (المؤامرة الفعلية) و(نظرية المؤامرة). لأن الخطأ في مساوتهما قد يقود إلى كوارث كبيرة. ففي التلهي بنقد الأنظمة على قاعدة أنه لا مؤامرة حقيقية تعرقل مسيرتها، قد تمر المؤامرة الفعلية وتحقق أغراضها كاملة، وهو ما يجري الآن في مرحلة (الربيع العربي).
ولذلك نحسب أن استخدام مصطلح (نظرية المؤامرة) لمهاجمة الأنظمة ووضع وزر كل ما يجري في رقبتها، كما دأب بعض المحللين على استخدامه، فيه بعض ما يُعبِّر عن واقع الحال، ولكنه لا يُعبِّر عن الحال كله. ولذلك فإن تعميم استخدامه كيفما كان لفيه الكثير من مجافاة الحقيقة.
-(الربيع العربي) خدعة إعلامية لتغطية مؤامرة التقسيم
وما استندنا إليه أعلاه، يصح على ربط أحداث (الربيع العربي) بمخطط الشرق الأوسط الجديد، إذ اتهم معارضو هذا الربط بأنه تبرير لعجز الأنظمة وتقصيرها، كالقول مثلاً: لو سلك النظام (أ) السلوك (ي) في معالجة شؤون البلاد الداخلية لما وصلت الأمور من الخطورة إلى ما وصلت إليه، لينتهي بالقول: إن ذلك النظام أوجد تبريراً لتدخل الخارج في الشؤون الداخلية، لذا يتحمَّل مسؤولية الأحداث بشكل كامل.
إن مثل هذا التحليل يقوم على نفي المؤامرة الخارجية، وهذا يقود إلى السؤال التالي: هل لو قام النظام (أ) بكل واجباته تجاه المواطنين، سيعجز الخارج عن ابتكار الأسباب التي تبرر تدخله؟
وهنا، لن نستطرد أكثر، بل نضع القضية العراقية في ميزان الدراسة والتحليل لنجيب عن التساؤل المطروح أعلاه. يكفي هنا أن نشير إلى أن احتلال العراق سبقته ثلاثة عشر سنة من التمهيد واختلاق الأسباب. ولم يكتف المخطط المرسوم لاحتلال العراق بكل التنازلات التي كان يقدمها النظام الوطني من أجل إحباط مخطط احتوائه أو تدجينه أو إخضاعه أو احتلاله.
-ثالثاً: ماذا ستكون النتائج التي ستترتب على مواقف الرافضين ربط الأحداث التي ألمَّت، أو تُلِمُّ، أو ستُلِمُّ بأمتنا العربية، مع المخططات المشبوهة؟
إن المخططات تلك لم تعد سرية، بل إن بعضها قامت بعض المؤسسات بالكشف عنها، والبعض الآخر قام أصحابها بنشرها في وسائل الإعلام. ولأن أهمها ذات علاقة بمنطقتنا، وهي تكشف اللثام عنها الوثائق المنشورة الصادرة عن مؤسسات استعمارية أو صهيونية.
وإذا كنا حريصين على التمييز بين تبريرات الأنظمة الرسمية أو المدافعين عنها، والمواقف الموضوعية الصادرة عن الخارجين عن تلك الأنظمة أو عن دوائرها، وهي عادة تصدر عن باحثين لا همَّ لهم سوى الكشف عن أقرب نقطة للحقيقة، ساعتئذٍ نسلك الطريق الأسلم لتحديد مواقف لا تشوبها الأغراض الإيديولوجية.
أما إذا كنا سنساوي بين الإثنين، سيكون أمراً مستغرباً يحدوه التعصب للرأي الذي عادة ما سيقود إلى اتخاذ مواقف ستذروها رياح الواقع. طبعاً، وغني عن البرهان، فإن هذا المنهج سيغرس فينا عادة الاسترخاء وإهمال مواجهة الأحداث بالأسلحة المناسبة، فتمر المؤامرة الفعلية مرور الكرام، بينما نكون نحن غارقين في الجدل والسفسطة في البحث عن جنس ملائكة (المؤامرة) وملائكة (نظرية المؤامرة).
إلى أن ما يحدث الآن، وما سوف يحدث في المستقبل، مهما كان حجمه وتأثيره، عندما نربط حصول حدث ما ببعض تلك الوثائق التي قرأنا وحذرنا أنفسنا منها، وكأن تلك الوثائق قد وضعتها الجهات ذات العلاقة كمجرد ملهاة لزرع الخوف في أنفسنا، وأنها ليست من أجل التنفيذ. والأسوأ من هذه النظرة، هو أننا لا نكتشفها بينما يتم تنفيذها. وهذا ما يحصل الآن على الصعيد العربي، منذ خمس سنوات تقريباً. وما يتم تنفيذه هو مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي ظهرت بوادره الأولى منذ احتلال العراق. ولما انتقل المخطط إلى أقطار عربية أخرى، راح البعض منا يُلقي اللوم على ديكتاتورية الأنظمة فيما يحصل من تخريب في بنى الأقطار التي اندلعت فيها ألسنة اللهب. وإذا كانت تلك الأنظمة تتحمل وزر آلاف الجرائم بحق شعوبها، لكان من واجب الشعوب، ومن حقها وحدها أن تقوم بعملية التغيير لا أن تقوم بتلزيمها للخارج. فتلزيمها للخارج فيه من الخفَّة وغياب الوعي الشيء الكثير، لأن أولى مظاهر الخفة أن يتم توكيل الذئب بحماية الغنم. وأولى مظاهر غياب الوعي أن لا نستفيد من إعادة قراءة الوثائق ذات العلاقة بالمؤامرة علينا. وهنا، سنفتح صفحة ما تمَّ الترويج له من قبل المجتمع السياسي والمخابراتي الدولي بأنه (حرب ضد الإرهاب). وهي الصفحة التي ضاع المجتمع الدولي في معرفة هوية من صنعها.
وإذا كانت الدول الطامعة فينا، والتي تحوك المؤامرات ضدنا، قد استخدمت مجموعات الإرهاب من أجل تنفيذ مخططاتها، كما بدأ يحصل بشكل لافت طوال سنوات (الربيع العربي) الخمسة، وكنا نعتبر أن في نشر الإرهاب مصلحة لكل طرف دولي في نفسه طمع في ثرواتنا حتى الأمس القريب الذي أجمع فيه المجتمع الدولي على أن الإرهاب فعلاً راح يكويها ويطالها بعملياته التي وصلت العمق الغربي. ونحن نصدق تلك الادعاءات على أساس أن ذلك المجتمع قد ضاع وعجز عن تحديد مصادره. وهذا ما يدل على أن هناك طرفاً خفياً يعمل على نشر الإرهاب حتى في مجتمعات الدول التي أسهمت بصنعه. وظهر أنها قد صنعت الجزء الذي يخدم مخططاتها، ولكنها لم تصنع الجزء الذي يعمل على تخريب أمنها الداخلي.
-رابعاً: فتَّش عن القوة الخفية للإرهاب في وثائق المخابرات الأميركية وبروتوكولات حكماء صهيون:
إن معرفة الجزء الأخير من الإرهاب، والذي لم تستطع دول الغرب تحديد مصدره أو أنها تتجاهله، وتتجاهل منابع تمويله، وتجاهل القيادة التي تقوم بتوزيع المهام عليه، هو ما يساورنا ويدفعنا للمغامرة في محاولة منا لتحديد المصدر الحقيقي. وهذا ما دفع بنا إلى فتح صفحة الوثائق التي كنا نقرأها بعناية، ولكننا كنا نجهل متى يأتي دورها في التنفيذ. وهذا ما سنعمل على استقصاء أسبابه بالمقارنة والاستنتاج مستندين كمصدر أساسي لعملية الكشف على تلك الوثائق لعلنا من خلالها نستطيع أن نقدم خدمة ما للبشرية الغارقة اليوم في بحور من الإرهاب، والذي يظهر أن لا هدف له إلاَّ إشاعة الخوف والهلع في نفوس الحكومات والمجتمعات، وذلك لغرض السيطرة علىها.
1-في وثائق المخابرات الأميركية:
نشر موقع الوسط الألكتروني بتاريخ 14/ 6/ 2014، ما يلي: فجَّر العميل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، مفاجأة من العيار الثقيل حين كشف أن هذه الأخيرة، وبالتعاون مع نظيرتيها، المخابرات البريطانية"MI6"ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة الإسرائيلي "الموساد"، هي التي مهدت لظهور "داعش". وكشف عن تعاون أجهزة مخابرات ثلاث دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها بـ"عش الدبابير". وهذا المصطلح يرمز إلى خطة بريطانية قديمة تعرف بـ"عش الدبابير" لحماية "إسرائيل" تقضي بإنشاء مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر آخر أو منافس له. واستطرد قائلاً: إن الحل الوحيد لحماية "إسرائيل" يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده. وبينت تسريبات الموقع أن زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي خضع لدورة مكثفة استمرت لمدة عام كامل خضع فيها لتدريب عسكري على أيدي عناصر في "الموساد" بالإضافة إلى تلقيه دورات في فن الخطابة ودروساً في علم اللاهوت.
2-في (بروتوكولات حكماء صهيون):
من الواضح أن احتلال العراق كان من تخطيط وتنفيذالتحالف الاستعماري – الصهيوني، تشرف عليه حكومة خفية أشارت إليها بعض التقارير الغربية. وإذا قمنا بمراجعتها الآن لاكتشفنا الأصابع الصهيونية الخفية التي مهَّدت منذ عشرات السنين لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى أن استطاعت أن تجنِّد جورج بوش الإبن، حقناً أيديولوجيا وإشرافاً على تأهيله أصولياً، لكي يلعب لعبة صهيونية التي إذا أعدنا قراءتها لبدت صورة المشهد الراهن واضحة جلية.
إذا أردنا أن نعرف دور الأصوليات الدينية المتطرفة في صناعة الإرهاب، علينا أن نعرف ما هي أهداف المشروع الذي أُعدَّ جورج بوش لتنفيذه؟
بالإضافة إلى مؤسسات الأبحاث التابعة للصهيونية، حفرت النخب الاقتصادية الأميركية علاقة متينة مع عدد من المبشرين الدينيين للتواصل المباشر مع الناخب الأميركي بما للتبشير الديني من تأثير بالغ الأهمية.
وعلى قاعدة تبادل المصالح الرأسمالية انبنت علاقة بين الرأسمال الصهيوني والرأسمال الأميركي، فأنتجت مخططات يشترك بتنفيذها أصحاب الاتجاهين، سواء على صعيد الداخلي الأميركي، أو تبادل الخبرات وتنسيقها خارج الولايات المتحدة الأميركية.
وضع لويس باول الأساس الفكري لما سُمِّي بـ»حرب الأفكار«. وتأثَّر، بنصه، المتمول ريتشارد سكايف ميلون. وفي العام 1973م، أقام مؤسسة »تراث« (Heritage) لكي تشكل السلاح الذي يسمح بالفوز في »معركة الأفكار«. وضمَّت إليها نخبة من المفكرين الذين شكَّلوا »فرق الخط الأول في ثورة المحافظين«، وراحت المؤسسة تسوِّق الأفكار من خلال المقالات والدراسات السياسية، وتوزيعها، من خلال وسائل الإعلام على الشعب، وأعضاء مجلسيْ الشيوخ والنواب. وقلَّما كان مكتب أي منهم يخلو –عشية مناقشة أي قانون مهم- من تقرير كانت (Heritage) قد أعدت تحليلاً حوله، مع اقتراحات للحلول.
تضافرت جهود المؤسستين المتحالفتين: تكتل الشركات الكبرى مع عدد من قساوسة اليمين المسيحي المتطرف، لكي تصنِّع جورج بوش الإبن، رئيساً للولايات المتحدة. واستمرت عملية التصنيع منذ الثمانينيات وأوصلته إلى الرئاسة في العام 2000م، وحسم الجدل حولها –لصالح بوش- عدد من القضاة المحافظين في المحكمة العليا، الذين يرتبط يعضهم بمنظمات مسيحية محافظة متطرفة.
أما لماذا انحاز القضاة المرتبطون بمنظمات مسيحية متطرفة؟ فهو الذي تجيب عنه علاقة بوش الإبن التاريخية مع تلك المنظمات، التي اختبرته، ورأت في صورته –بعد سنين مديدة من التطرفية- الوسيلة المنتظرة لتسلم زمام السلطة العليا لفرض آرائها. فمنذ العام 1985م، بعد أن كان بوش الإبن يعاني من أزمة شخصية ومهنية، التحق بـ»مجموعة دراسة الكتاب المقدسCommunity Bible Study «، وغاص فيها لمدة سنتين. وبدأ الدين يطبع أفكاره وأعماله، ويوسم نظرته إلى العالم بسمة خاصة. وهذا ما يُطلَق عليه بتجربة »الولادة الجديدة «Born again. وتجدر الإشارة إلى أن تلك المنظمات، لا يمكن التحايل عليهم، فهم »يريدون أن تكون مثلهم«، كما أنهم لا يريدون أن يمارس أحد الضغط على »إسرائيل«.
نشط جورج الإبن، فكانت نصوص الإنجيل ملك يديه بعد أن خضع إلى دراسات مكثَّفة فيه، فراح يستخدم عبارات كان يرددها دائماً، كمثل: »وحدهم المؤمنون بيسوع المسيح هم الذين سيدخلون الجنة«. وبعد نجاحه في انتخابات حاكمية ولاية تكساس، في العام 1993م، أعلن على الفور: »ما كنت لأصبح حاكماً لو لم أكن أؤمن بخطة إلهية تحل محل الخطط الإنسانية كلها«.
ليس الرئيس بوش الإبن هو الوحيد الذي يتميَّز بموقعه الروحي، فلو نظرنا إلى عدد من أعضاء إدارته لوجدنا أن زوجة الأمين العام للسلطة التنفيذية في البيت الأبيض هي وزيرة العبادة الميتودية، ووالد كوندوليزا رايس واعظ في ألاباما، ومايكل جيرسون المسؤول عن لجنة كتابة الخطابات الرئاسية ملقب بـ»هارفرد الإنجيلي«. وكان البيت الأبيض حينذاك يشبه خلية الذين ينتظرون معركة »هرمجدون« الفاصلة بين الخير والشر عند عودة المسيح الدجال وظهور يسوع المسيح. وأخذ يكثر اقتباس كلمة الشر (من كتاب المزامير) ويطلقها حيناً على بن لادن، وطوراً على صدام حسين، وإطلاق اسم محور دول الشر على كل من العراق وإيران وكوريا الشمالية.
ولعلَّ الأخطر من كل ذلك أن إيمان بوش صار يتضمَّن عنصراً »حتمياً« قائماً على ما يصفه الكاتب الأميركي (تشب برتلت) »قريباً من الاعتقاد المسيحي والرؤيوي الذي يمتاز به الناشطون المسيحيون الإنجيليون، ويبدو منسجماً مع رؤيتهم للعالم التي بموجبها تتصارع قوى الخير والشر في معارك ضارية ستبلغ أوجها في مواجهة أخيرة. وغالباً ما يجازف من يلتزم بهذا النوع من الإيمان بمخاطر جنونية لأنهم يرون أن كل ذلك منوط بإرادة الرب«.
هل تخدم أيديولوجيا اليمين المسيحي المتطرف المشروع الصهيوني؟
إن انتظار (المسيح المخلص) هو بلا شك يصب في مصلحة المشروع الصهيوني. وحتى لا نعود إلى نغمة التساؤل: أهي مؤامرة فعلية أم استخدام (نظرية المؤامرة) لتبرير عجزنا، نرى أن ما يجري في هذه المرحلة، وهي تلك التي يشتعل النار فيها في أقطارنا العربية لتأكل الأخضر واليابس، ونعود إلى التلهي والتساؤل: هل هذه مؤامرة، أو نظرية المؤامرة. فننسى الواقع الذي تعيشه الأقطار العربية، وكأن إشعال النار فيها كان من مسؤوليتنا نحن لكي نغطي عجزنا عن مواجهتها، وربما لكثرة ما يتكرر الكشف عن تلك الوثائق نلجأ إلى الاعتقاد بأنها وثائق كاذبة إنما وُضعت تلك الوثائق ونُشرت، وجلَّ ما نأخذ منها حفظها للمباراة بسعة معرفة الناقل والموزع والمناقش.
وإذا وضعنا مشروع اليمين المسيحي المتطرف، بتحالفه مع قوى الرأسمالية الأميركية، في مقاربة مع المشروع الصهيوني، لوجدنا أن هناك الكثير من التشابه بينهما، خاصة تلك القائمة على إعادة بناء الدولة اليهودية على قاعدة (شعب الله المختار) بالتضافر مع قوة رأسمال التي لم يتخلف اليهود عن توفيرها عبر كل مراحل التاريخ، لوجدنا أنه ليس من المستغرب أن يتشكل تحالف وثيق بين الصهيونية والرأسمالية واليمين المسيحي.
وأما لتفسير دور الصهيونية، بعد فشل مشروع احتلال العراق، في الإصرار على استمرار مشروع الهيمنة على العالم، فيمكننا العودة إلى قراءة (بروتوكولات حكماء صهيون)، لأننا نجد في قراءتها ما يلقي الضوء على الجوانب المعتمة من مجريات التطورات التي تحصل تحت غيمة ما تسمى بعملية (محاربة الإرهاب).
نرى بداية أن الاستقرار في الأوضاع المتفجرة الآن على صعيد الوطن العربي لا يصب في مصلحة الصهيونية العالمية. وإذا كانت الفوضى مطلوبة فلن تضمن الصهيونية إبقاءها منتشرة إلاَّ في نشر الإرهاب في العالم كله، ولأن العصبيات الدينية هي أكثر العوامل تأثيراً في إبقاء (حدود الدم)، فلن تجد على الساحة سوى الحركة الدينية التي تجمع حولها الأنصار والمؤيدين والمشاركين في عمليات الإرهاب. وإذا فتَّشت عمن يوفِّر لها الدعم والإسناد بشكل غير محدود لوجدت الجواب في خزائن الصهاينة الشيء الكثير.
أعضاء الحكومة الخفية التي تحكم أميركا وتقود خطى الرأسمالية العالمية هم حكماء صهيون
ومن أجل معرفة من كان يقف وراء تأهيل جورج بوش الإبن الإيديولوجي، قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، سنقوم بمقاربة مع نصوص بروتوكولات حكماء صهيون.
ينص البروتوكول الثاني من (بروتوكولات حكماء صهيون) على أن الحركة الصهيونية ستختار: »من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فن الحكم، ولذلك سيكون من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج في أيديمستشارينا العلماء الحكماء الذين دربوا خصيصاً على حكم العالم منذ الطفولة الباكرة«.
وبهذه الوسيلة مسخ حكماء صهيون جورج بوش ليكون حجر شطرنج طيِّعاً بأيديهم.
وإذا حاكمنا الوسائل التي استخدمتها إدارة جورج بوش في مشروع السيطرة على العالم، لوجدنا أنها نسخة طبق الأصل عن وسائل الصهيونية في التمهيد لحكم العالم. وفي سبيل المقاربة بين مبدأ (الفوضى الخلاقة) الذي استخدمته إدارة جورج بوش وبين ما جاء في نص البرتوكول الأول من (بروتوكولات حكماء صهيون)، لوجدناهما متطابقين تماماً، إذ نص البروتوكول على نشر »الفوضى والتحرّريّة والثورات والحروب«: لأنهم يعتبرون، حسب البروتوكول الأول أن »خير النتائج في حكم العالم هو ما ينتزع بالعنف والإرهاب، لا بالمناقشات الأكاديمية، فالحق يكمن في القوة«. إذ »يجب إنهاك الدول بالهزاهز الداخلية والحروب الأهلية والخارجيّة، حتّى تخرب نهائيًا، وبذلك تقع في قبضتنا حينما تُضطرّ إلى الاستدانة منّا، فنحن نسيطر على اقتصاد العالم ونمسك المال كلّه في أيدينا«. وفي »ظلّ اضطراب المجتمع ستكون قوتنا أشد من أي قوة أخرى، لأنها ستكون مستورةً حتى اللحظة المناسبة«.
ويؤكد حقيقة نشر الصهيونية للإرهاب على مستوى عالمي النص الذي جاء في البرتوكول السابع، الذي يحض على استخدام وسيلة »إشعال الحروب العالميّة«، وجاء فيه أنه إذا »عارضتنا أيّ دولة، فسندفع الدول المجاورة لها إلى إعلان الحرب عليها.. وإذا غدر هؤلاء الجيران فقروا الاتحاد ضدنا ـ فسنجيب على ذلك بخلق حرب عالمية«.
وما ينطبق على العالم كله، حسب البروتوكول ينطبق أيضاً على أوروبا، إذ يشير البروتوكول السابع أيضاً، إلى أنه »من أجل أن نظهر استعبادنا لجميع حكومات أوروبا، سوف نبين قوتنا لواحدة منها متوسلين بجرائم العنف وذلك هو ما يقال له حكم الإرهاب وإذا اتفقوا جميعًا ضدنا فعندئذ سنجيبهم بالمدافع الأمريكية أو الصينية أو اليابانية«.
3-إيديولوجيا الأصوليات الإسلامية السياسية لأنها تحض على العنف في سبيل تنفيذ مشروعها السياسي (الإلهي) تصب في مصلحة المشروع الأميركي – الصهيوني:
إذا اعتبرنا المبدأ الأصولي السياسي السائد عند الحركات الإسلامية المتطرفة (إما السيف وإما الإسلام) مبدأ إلهياً، كما تزعم تلك الحركات، فهذا يعني أن نشر العنف في سبيل تحقيق الهدف هو أمر مشروع. وفي تلك المبادئ ما يتفق مع ما جاء في تصريحات إدوارد سنودن، التي مضمونها (خلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها بـ"عش الدبابير").
وإذا كنا نعني بـ(الحركات الإسلامية السياسية) أنها تشمل الأصوليتين السنية والشيعية، تصبح التحالفات بين (حركة الإخوان المسلمين) و(حركة ولاية الفقيه) من جهة مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، حاجة ضرورية لتنفيذ مخطط (عش الدبابير). وهذا ما هو حاصل بالفعل بشكل واضح وجلي في ساحات (الربيع العربي) بشكل عام، وبشكل خاص على الساحة العراقية منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق.
وأخيراً...
مما جاء أعلاه، نتساءل: هل تدفعنا الحقائق أعلاه للاستنتاج بأن الحلقات المفقودة في تفسير انتشار الإرهاب في الغرب تكشف عن حقيقة المحرك الصهيوني الذي يقف من ورائها؟
وإذا كان مصدر الإرهاب يستند إلى الإيديولوجيات الدينية المتطرفة، وكذلك الإيديولوجيات القومية العنصرية، وإلى أنها جميعها تعمل على تحييد نفسها من شروره، فإن الإيديولوجيا الصهيونية في نشر الإرهاب لا تستثني حلفاءها من نشره على ساحاتهم.
وبناء على الفرضية التي استندنا إليها كهدف لهذه الدراسة، نعيد طرح النتائج التي توصلنا إليها على كل من يعنيه الأمر لإعادة مناقشتها من أجل تثبيتها أو نقضها، آخذين بعين الاعتبار أن في نتائج الحوار حولها ما يتعلَّق بمصير أمة عربية بأكملها في أكثر المراحل حراجة وخطورة. كما أن ما يجري لا يصب في (نظرية المؤامرة) بل يصب في مجرى (مؤامرة) كاملة المواصفات والأهداف.