سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قاهر الفرس المجوس سعد بن أبي وقاص , ومعركة القادسية



كان سعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى الله عليه وسلم،,والله اعلم وكان من السابقين للإسلام. وقد سار خبر إسلام 

سعد في قريش مسرى النار في الهشيم ، ووصل إلى أمه ـ وقد كانت مشركة متعصبة ـ وكان سعد باراً بها ، وقد حاولت معه ـ 

بعد أن علمت بإسلامه ـ كل ما تستطيع من دموع وتوسلات ، في سبيل أن يرجع عن الإسلام ، لولا أن الإسلام كان قد استقر 


في قلب سعد بن أبي وقاص ، وتمكن منه ، فلم يستطع الكفر أو الضلال أن يجد إلى قلبه سبيلاً .


ووقف سعد أمام توسلات أمه صامتاً صامداً قوي النفس، فشهرت في وجهه سلاحاً آخر موقنة بأنه سيهيج عواطف ابنها ، 

ويرده عن دينه ، فامتنعت عن الطعام يوماً ، ثم يومين ، وأقسمت أن لا تذوق طعاماً ولا شراباً أو يرجع سعد إلى دين آبائه ، 

ووقف سعد ثانية من هذا الامتحان موقفاً أشد صموداً ، وصمم على ما آمن به ، وجابه أمه بقولته الخالدة : “والله يا أمي لو 

كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني” فأيقنت أمه ألا نتيجة معه فأكلت وشربت .
ومضت شهور وأعوام على حادثة إسلام سعد؛ هاجر الرسول فيها إلى المدينة ـ وكانت بدر ـ وكانت أحد ـ التي وقف فيها سعد 

تجاه حمايته للرسول موقفاً بطولياً ـ وكان فتح مكة … وكانت القادسية .

الفرس والطريق إلى القادسية : -

يعدّ ارتقاء كسرى الأول؛ الذي تولى عرش إيران سنة (531م) (أي قبل ميلاد الرسول محمد ـ عليه السلام ـ بأربعين سنة) 

ـ وهو المعروف في التاريخ بلقب (أنو شروان) ـ افتتاحاً لأزهى عصر من عصور الدولة الساسانية ؛ فإنه قد قضى على 

البدع ؛ التي أتت بها جماعة مزدك ، كما ساد في حكمه الأمن في داخل البلاد ، ولكنه كان أمناًَ جزئياً لقوم منهكين فقراء من 

كثرة ما لقوا من الفتن، وسوء الحكم الذي عم جميع الطبقات .
لقد كان (أنو شروان) عماد السلطات كلها ، فهو يحكم على النبلاء ، كما يحكم على أفراد الشعب، وكذلك خضع له رجال 

الدين.
وقد بدأ إصلاحاته بالقضاء على الفوضى؛ التي أحدثها أتباع مزدك، فقضى بحكمته وعدله على المظالم، وأعطى كل ذي حق 

حقه .
ولقد أجرى (كسرى) إصلاحات عظيمة في الزراعة والتجارة والصناعة والجيش ، فجعل من الجيش أداة عظيمة في الحرب 

وفي حفظ الأمن.
وكان النزاع بين دولة الغساسنة وهي تابعة للروم ، وبين ملك الحيرة وهو تابع لملك إيران؛ سبباً في قيام الحرب بين الدولتين 

الكبيرتين .
وفي سنة (540م) استولى كسرى على (أنطاكية) وخربها، وبعد سلسلة من الحروب أعلنت الهدنة بين الطرفين سنة 

(545م) .
وبعد ذلك نشب القتال حين حاول كسرى إخضاع بعض نصارى القوقاز، وكانت محاولة عقيمة؛ بسبب تدخل الروم، وعقد 

الصلح النهائي بين الدولتين سنة (562م) لمدة خمسين سنة.
ونجح (كسرى) بين سنتي (563 ـ 567م) في إبادة دولة الهياطلة، وكان نهر (جيحون) هو الحد بين إيران وأراضي 

الخاقان التركي ؛ الذي أصبح عدواً شديداً المراس، لا يقاس به ملك الهياطلة ، وظهرت في القوقاز قبائل الترك أيضاً ، ولكي 

يدفع (كسرى) عن هذه الحدود هجماتهم؛ جدد تحصينات قلعة باب الأبواب (دربند) وقواها.
ومد (كسرى) نفوذه جنوباً على اليمن ، وقد تحالف أحد قواد كسرى مع العرب وطرد الأحباش منها سنة (570م) .
لقد كان (كسرى) مثالاً للملك العادل ، وقد طبقت القوانين في أيامه بدقة وعدالة.
وبلغت (المدائن) عاصمة الدولة في عهده أقصى اتساعها، وكانت محاطة بأسوار حصينة عليها أبواب محكمة.



وقد بدأت النهضة الفلسفية والأدبية في إيران أيام (كسرى أنوشروان )، وحالف رجال الدين الزرادشتي ؛ لكي يتخلص نهائياً 

من المزدكية ، ولا شك أن كسرى كان زرادشتياً ، إلا أنه كان حر التفكير ، وكانت عقليته قابلة لبحث الآراء المختلفة في 

المسائل الدينية والطبيعية ، وقد منح النصارى حرية العقيدة.
ويعدّ عهد (كسرى الأول) من أمجد العهود الساسانية ، فقد بلغت إيران في أيامه مجداً فاق ما بلغته أيام الملوك العظام.
وخلف (كسرى الأول) على العرش (هرمز الرابع) سنة (579م) ، فكان خير خلف لخير سلف.
وقد تولى كسرى الثاني (برويز المظفر) العرش سنة (590م) .
وبعد حكم دام سبعاً وثلاثين سنة لقي (كسرى الثاني) حتفه ، فإنه بعد أن رفض عروض الصلح التي قدمها (هرقل) عاد إلى 

قصره في المدائن ، وحينئذ ثار القواد الفرس عليه وقتلوه، وكانوا ساخطين على إصرار (كسرى) على مواصلة حرب لا أمل 

فيها.
وبين سنتي (630م) و (632م) حكم (هرمزد الخامس، وكسرى الرابع) ، ولا نعرف عنهما غير الاسم [محمود شيت 

خطاب : قادة فتح بلاد فارس ، ص: 56 وما بعدها بتصرف ، ط3 1974م ـ دار الفكر] .
وفي مدة أربع سنوات تقريباً ولي عرش إيران عشرة ملوك على الأقل ، وأخيراً عثر على أمير من نسل (كسرى برويز) هو 

(يزدجرد) ابن الأمير شهر يار ، وكان يعيش مختفياً في اصطخر ، وقد بايعه عظماء اصطخر ملكاً ، وسار أعوانه إلى 

المدائن ، فاستولوا عليها بمساعدة (رستم) ، وهكذا اتحدت المملكة للمرة الأخيرة تحت حكم يزدجرد الثالث .
وهذه هي أحوال فارس؛ حين أغارت عليها جيوش العرب المسلمين بروح إيمانية لا تقاومها الجبال.



إسهام مزينة والنعمان في القادسية : -


أبلى (النعمان بن مقرن) مع قبيلته وقومه مزينة في معركة القادسية بلاءً حسناً ، وكان سعد بن أبي وقاص قد أرسله على رأس 

وفد إلى كسرى (يزدجرد) ، وأمرهم أن يدعوه إلى الإسلام، فإن أبى فالجزية وإلا فالحرب.


وعندما وصل الوفد إلى (المدائن) ودخلوا على كسرى سألهم ما جاء بكم؟ وما دعاكم لغزونا والولوغ ببلادنا؟ أمن أجل أننا 

تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا ؟‍… فأجابه (النعمان بن مقرن المزني)، مذكـِّراً إياه ببعث الله لرسوله محمد ـ عليه السلام ـ وما 

جاء به من عند الله من خير للإنسانية ، ثم دعاه إلى الإسلام قائلاً :
“ثم أمرنا ـ أي الرسول صلى الله عليه وسلم ـ أن نبدأ من يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف ، فنحن ندعوكم إلى ديننا، 

وهو دين حَسّنَ الحسن ، وقبّح القبيح كلـَّه ، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه: الجزاء (الجزية) فإن أبيتم 

فالمناجزة ، فإن استجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله ، وأقمناكم عليه ، أن تحكموا بأحكامه … ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم 

… وإن اتقيتمونا بالجزاء (الجزية) قبلنا ومنعناكم [أي دافعنا عنكم ؛ لأن الجزية مقابل الدفاع بشرط أن تترك حرية الحوار 

والتفاعل الثقافي قائمة ، ليعرف الناس الإسلام على حقيقته] ، وإلا قاتلناكم” .


لقد هال كسرى هذا الكلام من هذا العربي، فحاول أن يغري الوفد بما عنده من مال ولباس وطعام …
وبعد مناقشة طويلة غضب كسرى غضباً شديداً ، وقال للوفد : “لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم… لا شيء لكم عندي” [

زهير الخالدي : أبطال من التاريخ العربي الإسلامي 516 ، 517 بتصرف ـ بغداد].
ـ وقد ترك الوفد أثراً سيئاً في نفس كسرى ورجاله، وانطباعاً جديداً عن العرب لم يعرفه من قبل. وقال كسرى بعد مغادرة 

الوفد له مخاطباً (رستم) قائد الفرس :
“ما كنتُ أرى في العرب مثل هؤلاء … ما أنتم بأحسن جواباً منهم ، ولقد صدقني اليوم . لقد وعدوا أمراً ليدركنه أو ليموتن 

عليه” …
ولما وقعت معركة القادسية، واحتدم القتال ؛ أبلى (النعمان بن مقرن المزني) بلاء الأبطال الصناديد ، واستبسلت معه قبيلته 

العظيمة (مزينة).


سعد … والقادسية : -


وفي معركة القادسية كان مجد سعد بن أبي وقاص ، ولو كان سعد هذا إنساناً آخر؛ خلق ليقود معركة كالقادسية ، وهي من 

أكبر وأخطر معارك التاريخ، ثم يفعل فيها ما فعله سعد ، وبعد ذلك يموت ، لسجله التاريخ وكتب عنه كما يكتب عن غيره من 

أعظم القواد والفاتحين …
ففي هذه الموقعة ظهرت براعة سعد في تفهم النفس الإنسانية ، فقد تأكد لديه أن هيبة الفرس ما زالت يحسب حسابها عند 

العرب ، فكان يستهتر بالفرس ، ويعمل على انتزاع صورتها العالقة في صدور العرب ، حتى تم له ما أراد ، وزالت هيبة 

الفرس من نفوس العرب، فكان العربي لا يهاب منازلة واحد من الفارسيين ؛ بل اثنين بل خمسة .
وبدأ سعد بعد ذلك في إرسال السرايا لمناوأة الفارسيين؛ كي يعرف نقاط الضعف فيهم، وكانت بينه وبينهم مراسلات باءت 

بالفشل إلى أن قامت المعركة الخالدة ـ كما ذكرنا ـ .
أجل . قامت المعركة الخالدة بين قوتين غير متكافئتين لا في السلاح ولا في الرجال ، ولا في الإيمان ، فقد تفوق الفارسيون في 

السلاح، كما تفوق المسلمون عليهم في الإيمان تفوقاً هائلاً …
ـ وبدأت المعركة يومها الأول .
وتقابل الجيشان ، وأعملت السيوف ، وكانت الأفيال قد تقدمت جيوش الفرس، وعليها منهم من يضربون المسلمين بالنبال.

ـ ووجه بعض فرسان المسلمين الشجعان كل جهدهم إلى هذه الفيلة ومن عليها ، فكانوا يرمون من فوقها بالسهام ويرمونها هي 

في أعينها ، ويضربون في أقدامها، فكانت تهوي على الأرض ، فتهلك من عليها ، ثم تفر مذعورة إلى الوراء فتسبب لجيش 

الفارسيين خسائر فادحة .
ـ وانتهى اليوم الأول …
فبدأت بذلك المعركة يومها الثاني.

كان أبو عبيدة هاشم بن عتبة قائداً لكتائب العراق إلى القادسية ، وجعل على مقدمة جيشه (القعقاع بن عمرو) ، فسار القعقاع 

مسرعاً إلى العراق ، فوصله في صباح (اليوم الثاني) من أيام القادسية وهو يوم (أغواث) ، وقد عهد إلى أصحابه وهم ألف 

رجل أن يكونوا جماعات كل جماعة مؤلفة من عشرة رجال ، فكلما بلغت جماعة منهم مدى البصر ، سرحوا في آثارهم جماعة 

أخرى، ثم تقدم (القعقاع بن عمرو) مع الجماعة الأولى ، فجاء إلى جيش المسلمين ، وسلم عليهم وبشرهم بوصول المدد الكبير 

لمساعدتهم في قتال الفرس فقال :
“أيها الناس إني جئتكم في قوم والله لو كانوا بمكانكم ثم أحسوكّم حسدوكم حظوتها، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم ، فاصنعوا 

كما أصنع” .
وحمل أبناء عمومة القعقاع بجماعات مؤلفة ـ كل منها ـ من عشرة رجال على إبل ، وقد ركبوها وهي مجللة مبرقعة ، وأمرهم 

القعقاع أن يهاجموا بها خيل الفرس؛ فجفلت خيل الفرس ، وصارت تهرب منها، فلما رأى المسلمون ذلك فرحوا فرحاً إذ لقي 

الفرس من هذه الإبل أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة في اليوم الأول من أيام القادسية. وحمل القعقاع في ذلك اليوم (يوم 

أغواث) ثلاثين حملة ، فقتل وحده في يوم واحد من الفرس ثلاثين جندياً .
وبات القعقاع ليلته يسرّب جنوده إلى المكان الذي فارقهم فيه ، وطلب منهم أن يقبلوا على أرض المعركة مائة مائة عند شروق 

الشمس ، وقال لهم :
“كلما توارى عنكم مائة فليتبعها مائة” .
وقد عمل القعقاع ذلك دون علم رجال القادسية الآخرين.
فلما أصبح الصبح ، وطلعت نواصي خيل رجال القعقاع أخذ المسلمون يكبرون ، وقالوا :
“جاء المدد” فشد ذلك من أزرهم وشجعهم على الاستبسال.
ولكن الفيلة ما لبثت أن عادت إلى الفتك بالمسلمين ، ورآها سعد تكبد المسلمين الخسائر الكبيرة فأرسل إلى 


القعقاع وأخيه عاصم يقول لهم : -

“اكفياني الفيل الأبيض” ، وكانت الفيلة كلها آلفة له … فأخذ القعقاع وعاصم رمحين، ودبّا بين صفوف الخيل، ثم حملا 

على الفيل فوضعا رمحيهما معاً في عين الفيل الأبيض فتراجع الحيوان من الألم ، ثم طرح راكبه على الأرض … بعدها 

ضرب القعقاع بسيفه مشفر الفيل فقطعه …
وما كاد الليل ينتصف إلا ّ وسمع سعد صوت القعقاع يهدر مرتجزاً فكان صوت القعقاع أول ما استدل به سعد على الفتح 

..
ولما أصبح المسلمون، وهي صبيحة (ليلة الهرير) والناس لم يغمضوا ليلتهم كلها؛ سارع القعقاع في الناس 

فقال : -

“إن الدبرة بعد ساعة لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة ، واحملوا فإن النصر مع الصبر ، فآثروا الصبر على الجزع” (زهير 

الخالدي : أبطال من التاريخ العربي الإسلامي 190ـ 191 بتصرف).
وقد استمات كل من الجيشين طيلة النهار ، واستمر القتال طول الليل، وقد اندمج اليوم الثالث في الرابع ، والناس لا يدرون 

أأصبح المساء أم أمسى الصباح ..!!
ـ وحمل المسلمون على الفرس حملة صادقة ، وكان الفرس قد ضجروا ونالهم النصب ، فهجم بعض الفرسان على قلب جيش 

الفرس ، وقتل فارس مسلم مشهور يسمى (هلال بن علقمة) قائد الفرس (رستم) ، فتخاذل الفرس …

واشتد عزم المسلمين وقويت شوكتهم بعد قتل (رستم)، فلعبت السيوف في أيديهم لعبة الموت، وأطاحت برقاب ثلاثين ألفاً من 

الفارسيين ؛ الذين قيدوا أنفسهم بالسلاسل على عادة الفرس في الحرب.
واختلط حابل الفارسيين بنابلهم، فمن استطاع أن يهرب هرب ، ومن مات مات ، ومن عاش بين الموت والحياة أماته الحزن 

والكرب والحقد على هؤلاء العرب ؛ الذين كانوا من رعاياه وخدامه.
فرحم الله البطل العظيم (سعد بن أبي وقاص) ؛ الذي كان يقود المعركة وهو مريض ، ورحم الله الأبطال الذين التفوا من 

حوله.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018