لكل المستفيدين من المال الإيراني
ملالي طهران وحقيقة تبييض أموال السحت الحرام
لفتت انتباهي فضائيات تبث أخبار الهبات الإيرانية لجمعيات مدنية عربية زاعمة أنها هدية من الشعب الإيراني إلى الشعوب الصديقة والمحتاجة إلى دعم ومساعدات. فكان هذا الترويج مصدر استفزاز لكل من يعرف المصدر الحقيقي لتلك الهبات، ومن أين أتى بها نظام الملالي في طهران، وراح يغدق كرمه ولكن ليس (من جيب غيره) فحسب، بل مصدرها سرقة ونهب لقمة وحبة دواء الشعب العراقي الجريح المذبوح المدمر والمهجر في أصقاع الدنيا، وهو سرقة مكشوفة من ثروات الشعب العراقي الذي يثور الآن ضد اللصوص الذين ينهبون خيرات بلاده منذ ثلاثة عشر عاماً، وما يزال.
كثيرون هم كانوا أم قليلين الذين يعرفون حقيقة الوجود الإيراني في العراق، وحقيقة الدور الإيراني فيه. ولكنهم كثيرون، أحزاب وقوى وشخصيات وحركات سياسية ومؤسسات إعلامية، هم الذين يقبضون من الهبات الإيرانية بسخاء لم يُظهره بخلاء خراسان الذين أشاد بهم الجاحظ منذ زمن طويل. وإذا بهم الآن يحتذون طريق حاتم طي بالكرم والسخاء الفائض عن اللزوم. والأكثر غرابة من ذلك يتبارى البعض في مدح الدعم الإيراني واصفاً الدعم بأنه من (السحت الحلال)، بينما هم يعلمون بأنه ليس كذلك، بل هو سحت حرام يقوم ملالي طهران بتبيضه ليصبح سحتاً حلالاً. وقصة ذلك تعود إلى مشكلة الفقه الإسلامي مع الفقهاء الإيرانيين، لذا نرمي من وراء مقالنا هذا أن نبرهن على الطريقة التي يقوم بها فقهاء (ولاية الفقيه) بتبييض ما هو أسود، وطليه بالسواد إذا كان أبيضاً.
ولماذا الملالي هم الذين يتحملون وزر مسؤولية تبييض الأسود، وتسويد الأبيض؟
هنا سنتناول المسألة من ثلاث قواعد فقهية يستند إليها الولي الفقيه:
-القاعدة الأولى: قاعدة ديكتاتورية الفقهاء، أي ديكتاتورية العلاقة بين المجتهد والمقلِّد: فعلى قاعدة وجوب تقليد العامة للمرجعيات الدينية، كما ينص عليها الفقه الذي يسدد خطوات الملالي، تبدأ ديكتاتورية تصادر عقول المقلدين الذين تكفيهم مؤونة الحساب في الآخرة أنهم وضعوا هذا الوزر في رقاب مرجعياتهم. وعلى القاعدة الفقهية التي تقول: (من اجتهد فأخطأ، له أجر واحد. ومن أصاب فله أجران)، ينأى الفقيه المجتهد بنفسه عن الحساب والمساءلة، وكذلك عن عذاب نار الآخرة، لأنه يبقى رابحاً في شتى أحوال الإصابة والخطأ. وهنا تبدأ عبثية الفكر، إذ يتساوى المصيب والمخطئ في موازين الحساب الأخروي. وهنا عندما ينجو المجتهد، الواجب تقليده كما تنص الفتاوى، بنفسه، فإن الذي يقلِّد ينجو بنفسه أيضاً، وهل هناك عبثية أكثر من هذه العبثية؟
وأما على القاعدة الكتابية التي ينص عليها القرآن الكريم: (مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، فتتناقض الفتوى مع النص الكتابي، لأن المجتهد إذا أخطأ يعني أنه إضيف إلى حسابه (مثقال ذرة شر)، وهذه ما يتوجب حسابه عليها. فالاجتهاد مسؤولية، ومن يتولى مسؤولية فعليه أن يتحمل وزر نتائج ممارستها إذا كانت شراً، وأن يُكافأ عليها إذا كانت نتائجها خيراً. وهذه المعادلة المنطقية لا تعفي الذي يقلد مرجعية دينية من الحساب.
-القاعدة الثانية: قاعدة ديكتاتورية الفقيه، أي قاعدة العلاقة بين الولي الفقيه والفقهاء الآخرين: جاء في تعريف الخميني لـ(الولي الفقيه) في كتابه الحكومة الإسلامية ما يلي:
للفقيه، الذي هو نائب للإمام، سلطة مُطلَقَة في أصول المعرفة الدينية، وله أيضاً السلطة المطلقة في المعرفة السياسية وتطبيق هذه المعرفة، فهو الذي يتولَّى «الزعامة الكبرى و الرئاسة العليا [وهو] المصدر للقيادة العليا الإسلامية… فالأمراء والقواد هم الممتثلون لأوامر الفقيه الشاغل لمنصب الزعامة، الواقع في قمة الحكم، والبقية مأمورون مؤتَمِرون [وهو] المخوَّل من قبل الله في إجراء الحدود». وله سلطات واسعة غير محدودة، أُعطِيَت إليه من الله تعالى، وهي -كما يراها الخميني : «إجراء الحدود وفصل قضايا الناس، والتصرف في بيت مال المسلمين، وفي شؤون المجتمع، والخلاصة: أن بيده أزمَّة الأمور كلها، الله أعطاه هذا الاختيار، وأوكل إليه أمر الأمة». ويرى الخميني، باستثناء الفرق بالخصوصيات الشخصية والملكات الذاتية، أنه «لا فرق بين الإمام و الفقيه في وظيفة القيام بإدارة شؤون المجتمع الإسلامي وفق القانون الإلهي العام».
-القاعدة الثالثة: مسؤولية الولي الفقيه في تبييض أموال (السحت الحرام):
ولأن للفقيه الحرية المطلقة بالتصرف في بيت مال المسلمين، يعني أن ما يأمر بإدخاله من عائدات في بيت المال سيكون (سحتاً حلالاً) لا غبار عليه ولا شبهة. ومن هذه القاعدة سنبرهن أن الولي الفقيه مسؤول عن طرائق تبييض (السحت الحرام)، الذي يدخل في أرقام المال لبيت المسلمين في نظام ولاية الفقيه، ويجعل منه كما يزعم (سحتاً حلالاً). وأما الأدلة فهي مستندة إلى الدور الإيراني في العراق:
-إن المشاركة الإيرانية باحتلال العراق في العام 2003 مؤكَّدة على لسان بعض من ملالي طهران: (لولا طهران لما دخلت أميركا كابول وبغداد). ومسؤولية الذي يشارك بالاحتلال تعادل مسؤولية المحتل.
-إذا كان الاحتلال عملاً عدوانياً، فالمشاركة فيه عمل عدواني أيضاً. وما ينتج عن الاحتلال من تدمير وأذى بسكان البلد المحتل يتحمل مسؤوليته على قدر من المساوة كل من المحتل ومن يشاركه فيه.
-كل فائدة يجنيها المحتل من ثروات تُعتبر (سحتاً حراماً) ويتم تصنيفه في دائرة السرقات الموصوفة. ويتحمل تهمة السرقة كل من الاحتلال وكل من يشاركه.
ومن الحقائق المؤكدة أن الشريكين الأميركي والإيراني تبادلا أدوار المحتل الأصيل والمحتل الوكيل. كان الأميركي هو الأصيل قبل العام 2011، تاريخ انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأميركية، بينما الشريك الإيراني كان يمثل دور الاحتلال البديل. وبعد العام 2011 أصبح الاحتلال الإيراني هو الأصيل، والاحتلال الأميركي يمثل دور الاحتلال الوكيل. وبناء على تبادل الأدوار بحكم الأمر الواقع، وبناء على مبدأ حساب الاحتلال ومساءلته تتم إدانة الشريكين معاً.
وإذا كنا لن نتوسع بالكلام عن كل وجوه الجرائم التي ارتكبها الشريكان، فسنولي اهتمامنا بجريمة النهب الاقتصادي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمقالنا هذا. فنتساءل: هل استفاد نظام الملالي في طهران من السرقات التي حصلت بعد احتلال العراق؟
ليس ظلماً ولا افتراء على ذلك النظام، لنقول إن أكثر من مارس وسائل النهب والسرقة وهو أكثر من استفاد منها. وإذا كنا لسنا بحاجة إلى دليل إذ نعيد القارئ إلى كل التقارير التي صدرت عن أكثر من مركز دراسات، وأكثر من جهة استخبارية وصحفية، ليرى ما يشيب رأس الذين يستنكرون أن تستولي دولة في العالم على مقدرات دولة أخرى، وتعيث فيها نهباً وسرقة وفساداً. وإن إفلاس خزينة العراق في ظل حكومة (عملية الاحتلال السياسية) في هذه المرحلة وبإدارة إيرانية مباشرة، الإفلاس المترافق مع المآسي الاجتماعية الكارثية التي يعاني منها الشعب العراقي، لهو الحجة الدامغة والدليل القاطع على الدور الإيراني الخبيث بالاحتلال العراق، والذي يؤكد مسؤولية نظام الملالي عن كل السرقات والفساد في العراق. وهنا نتساءل: أين تذهب ثروات العراق الطائلة؟
وكمثل ما كانت تمارسه السلطنة العثمانية، قبل الحرب العالمية الأولى، إذ كانت تدير مقاطعات السلطنة بواسطة الإقطاع المحلي، المحروسين بفتاوى الفقهاء، وأما نظام الملالي في طهران اليوم فيُلزِّم ثروات العراق إلى نخبة من اللصوص والخونة محروسين أيضاً بفتاوى رجال الدين العراقيين المحروسين والمعيَّنين من قبل خامنئي حارس نظام (ولاية الفقيه). وإذا كانت العائدات التي كان يجبيها (يسرقها) وسطاء السلطنة العثمانية تصب في بيت المسلمين، الموكول إدارته للسلطان العثماني، كذلك فإن العائدات التي يجبيها (يسرقها) وكلاء نظام ولاية الفقيه تصب في بيت مال المسلمين الموكول إدارته لـ(الولي الفقيه) الإيراني.
ونتساءل أيضاً: أين تذهب أموال السرقات التي يعتبرها نظام الملالي من عائدات الدولة؟
تذهب من دون شك أو ريب لتوضع في (بيت مال المسلمين) الذي يشرف عليه (خامنئي) بشكل مباشر. والأمر كذلك فكيف سيكون الحكم على مصدر تلك العائدات، وكذلك على أوجه صرفها؟
لا شك بأنها كلها (سحت حرام) لأنها نتيجة سرقات كجرائم موصوفة بحق شعب العراق. وهل تُعتبر السرقات مدخولاً شرعياً يصبح مالاً حلالاً؟
وإذا كانت مزاعم الولي الفقيه تحاول تصوير المساعدات التي يقدمها إلى ما يحسب أنها مؤسسات إنسانية أو سياسية أو عسكرية خارج إيران، وبعد ما دحضنا تلك المزاعم بمقالنا هذا، فلن نتوجه إلى خامنئي بالتمنى عليه للإقلاع عن أكاذيبه بأنه يقدم (سحتاً حلالاً) لتلك المؤسسات، فهو سوف يصر على استخدام الفتاوى الزائفة لتبييض أموال النهب والسرقة، بل نحن نلفت أنظار من هو مغرَّرٌ به إلى الزيف الذي يغطي به خامنئي ما يقدمه من مساعدات قشورها (سحتاً حلالاً) وباطنها (سحتاً حراماً). ونقول لهم أنتم تسهمون بنهش لحم العراق وتلعقون من دمه باسم شرعية دينية زائفة يعمل نظام الملالي في طهران تغطية نفسه بها.