لكل حزب أو حركة سياسية دور ومهمة ، وإن الانسجام والتفاهم بين أعضاء الحزب أو الحركة على الأمور الكبيرة والصغيرة يعتبر شرط أساسي لأداء دوره ومهمته .
ولغرض تكوين فكرة عن مهمة حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي في هذه المرحلة من حياة ألامة العربية فلابد من مقياس معين يحدد طبيعة هذه المهمة وقدرة الحزب على تحقيقها .
ومن هذه المقاييس النضالية ... هي إن الحزب يجب أن يكون دائماً في مستوى الحركات العالمية ، وتقاس حركته وقوة فعله بمقياس هذه الحركات مثلما أشار لذلك الرفيق القائد مؤسس الحزب الاستاذ ميشيل عفلق رحمه الله ، حينما قال إن حزبنا لن يكون حزباً بالمعنى الصحيح الا اذا كان بمستوى الحركات العالمية في العصر الحديث .
فالبعث كما هو معلوم حزب انقلابي لايقبل الرضوخ للأمر الواقع مثلما هو قائم ، بل تم تصميم الحزب على أن يحدث انقلاب شامل في حياة ألامة على المستوى الفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي والاخلاقي وغيره .
فإذن ما هو المقياس الذي يجب أن يتبع لمعرفة ما اذا كانت تطلعات الحزب وطموحاته لم تبق وهماً وحلماً ، ومن إنها أصبحت حقيقة أو في طريق التحقيق الجدي ؟
إن المقياس كما حدده الرفيق مؤسس الحزب هو (( ان نقارن حركتنا بالحركات العالمية الجدية في عصرنا هذا )) .
وهنا لابد من التركيز على مفهوم ( الجدية ) كركيزة أساسية من ركائز الابداع وتحقيق الانقلاب التاريخي ، والتي وردت في معظم أدبيات الحزب انطلاقاً من كونها الكلمة السحرية المرادفة للدقة المحسوبة في التخطيط والتنفيذ ، والاصرار على النجاح المقترن بالوعي العالي والفهم العميق وسرعة الإنجاز . لأن حزباً انقلابياً لايمكن أن يقوم على هواية وأن يضم في صفوفه مجموعة مِن الهواة ليتحول الى نادي اجتماعي أو ثقافي يتباهى فيه البعض بهوايته أو بمرتبته . هذا الحزب كما يؤكد القائد المؤسس (( أما أن يولد من الشعور الجدي القاهر ، من الشعور العميق بالالم الذي يدفع طلائع أمتنا الى التضحية والمعاناة لإنقاذ الأمة من خطر الموت والفناء ، وأما أن يكون خدعة لنفسه وللشعب الذي يطلب تأييده )) .
فالانتماء لحزب انقلابي مثل حزب البعث العربي الاشتراكي ليس هواية ولا ترف ولا تبجح ولا بحث عن دور قاصر وعنوان فارغ ، وليس الجلوس وراء الوهم باصدار الأوامر عن بعد دون الانغماس في خضم الصراع الإيجابي في ساحات العمل والنضال . إنه وظيفة نضالية من أخطر الوظائف على الاطلاق ، وواجب فيه من الجدية لايدانيه واجب آخر . مهمة الحزب بهذا المعنى تتلخص كما عرّفها الحزب منذ نشوئه بأنها (( رسالة )) وعندما يتم فهم مهمة الحزب على مستوى مفهوم الرسالة بكل مايحمل من علاقة بين أبعاد الماضي والحاضر والمستقبل ، ندرك ان الشيء الوحيد القادر على تحقيق مهمة كهذه هو بناء (( تنظيم حديدي )) رصين متجانس محب لبعضه ، تنظيم لايكتفي بجمع الكفاءات والمواهب وتنظيم أوقات الأعضاء دون النظر لنقاوة النفوس ونظافة العقول ... بل هو كما يقول الرفيق مؤسس الحزب (( أن يضع هذا التنظيم هدفاً له في ان يخلق من الاعضاء أناساً جدداً وأشخاصاً جديدين متكيفين مع ما تتطلبه المهمة الخطيرة منهم )) . فالتنظيم ليس مجموعاً عددياً فحسب وانما هو خلق وإبداع وجدية وحب واصرار وفهم ووعي وتضحية وانجاز في الدرجة الأولى . فليس المهم أن يكون العدد محدوداً ، ولكن الاهم أن يكون جدياً وواعياً.
لأن من يكن جدياً يستطيع ان يتوسع وأن يتكاثر وأن يحقق المهمة بكفاءة وقدرة ، وبعكسه فإن بدأ بروح التساهل وانفراط الهمة وعدم تقدير الموقف وعدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ، فلن يستطيع من إصلاح شيء يمكن إصلاحه !! وهذا يجب أن يدفع المناضلين دوماً ليتحروا عن النوعية قبل الكمية ، ويتطلعوا الى التركيز على الافراد قبل المجموع لأن الافراد كما يؤكد ذلك مفكر البعث ومعلمه الاول (( هم الذين يستطيعون الاتصال الحر والعميق مع أمتهم ويربطون مصيرهم بمصيرها ، وان يدركوا حقيقة الطريق المرسوم لهم ، وهم الذين يستطيعون ان يغيروا مجرى الحزب إذا وجدوه منحرفاً أو متهاوناً . وقد لا يكون الحزب دوماً في الطريق الصحيح السليم ، فالحزب يضم بشراً والبشر قد يخطئون ويتهاونون ويتكاسلون ، وتطرأ عليهم شتى نقاط الضعف التي تصيب كل إنسان ، ولكن الخطر كل الخطر هو الا يظهر في هذا المجموع بين حين وآخر أولئك الافراد الذين يقارنون بين ما رغبوا اليه في البدء واستهدفوه وصمموا عليه وما آل اليه الحزب ، فيهتزون في أعماقهم ويهتز وجدانهم ويصلحون ويغيرّون ويرجعون الحزب الى الصراط القويم )) .
هذا هو القدر المرسوم لحزبنا منذ بداياته في أن يكون بهذا المستوى من التفكير والنضج والوعي والفهم والجديّة والصدق والإصرار على رفض ومحاربة الانحراف والانزواء والسطحية والتقليد وعدم الانصاف . وعلينا أن لا نطمئن يوماً على إننا حققنا ما نريد تحقيقه أو إننا أمتلكنا الحقيقة لوحدنا حتى لايؤدي بِنَا ذلك الى الغرور والمشي على رؤوس الاصابع في مرحلة خطيرة من تاريخ أمتنا تقتضي السهر الدائم والتفاعل الحي والانساني مع الرفاق أينما كانوا لزرع الامل والمحبة والتكاتف بين الجميع لانجاز المهمة التاريخية ،،، نقول هذا انطلاقاً من ثقتنا العميقة بحزبنا ومبادئنا وثقتنا العالية بشعبنا العربي في كل مكان ، وإيماناً بعدالة قضيتنا وأصالة اهدافنا وعمق رسالة أمتنا . وعظيم همة وجدية وثورية قائدنا الرفيق المجاهد عزة ابراهيم امين عام الحزب والقائد الاعلى للجهاد والتحرير .