حق و.. حق
أبو الحسنين علي/ العراق
بانوراما.. مكوناتها ناس و.. ناس, موقف و.. موقف.
بانوراما تشتمل المتناقضات والمفارقات التي لا نجدها الا في وطننا لعربي. والحذر كل الحذر بل الخطر كل الخطر أن يقدم أحد العرب على دراستها بطريقة وأسلوب علمي لان العلم في ضفة والمشهد كله في ضفة معادية .
الحق , كل الحق , للصهيونية أن تشرد شعب فلسطين , والارهاب بكل تعريفاته ومصادره اذا الفلسطيني قاتل أو دافع عن نفسه و أرضه وعرضه.
الحق المطلق مع ايران حين (تحمي) أمنها القومي خارج حدودها فتحتل العراق وتقتل سوريا وتغتصب لبنان وتمزق اليمن .. حق ايران مقدس و(الهي) بينما يجرم العراق ان رد عدوان ايران وعطل مشروعها الاحتلالي الاستيطاني . يجرم العراق ويتهم بالاعتداء على (الثورة الاسلامية الايرانية) اذ ليس له الحق أن يحمي خياره (الوطني والقومي والديني المسلم هو الاخر) ..
الصهيونية وايران كلاهما يمتلكان حقا ربانيا.. بينما العراق وفلسطين ليس من حقهما حتى ان يعلنا عن أيمانهما بالله وبوطنهم…
يحق ل(الحوثيون أنصار الله) أن يقتلوا الاحزاب والقبائل ويفجروا البيوت ويحتجزوا العوائل ويقطعوا الرواتب .. يحق لهم أن يجرموا من يؤيد (الشرعية) ومن يدعوا لوقف الحرب مع السعودية .. ولا يحق لليمنيين أن يرفضوا التبعية والعمالة للمشروع الايراني في اليمن. أنصار الله عندهم حق أن يفعلوا ما يشاؤوا بشعب اليمن وباليمن لكي يحتفظوا بسلطتهم الممثلة لسلطة الولي الفقيه الايرانية .. انصار الله حلفاء وشركاء لحزب الدعوة العميل الخائن الذي كان يقاتل العراق مع الجيش الايراني .. من حق حزب الدعوة من وجهة نظر حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثيون ومن حقهم جميعا أن يقاتلوا شعبهم وأمتهم الى جانب ايران وليس من حق العراقي واليمني والسعودي والسوري والسوداني أن يدافع عن عروبته وعراقيته وليس من حق اليمني ولا اللبناني أن يقاتل أو يدافع عن قوميته العربية وأمته العربية…
من حق انصار الله واحزاب وميليشيات ( شيعة ايران في العراق ) وحزب الله اللبناني أن ينضووا تحت خيمة المشروع الفارسي للسيطرة والهيمنة على الامة العربية ولا يحق للمصري ولا للسوداني ولا للخليجي أن يقف مع المملكة العربية السعودية والتحالف العربي الذي يواجه ولو بحد المواجهة الادنى مشروع الاحتلال الفارسي.
من يقرر الحق ؟ من يقرر الباطل ؟ من يقرر العدوان ومن يقرر ان الرد على العدوان حق؟
من أعطى لأحزاب ايران واحزاب تركيا وعرب اللسان حق الاتفاق مع أميركا على غزو العراق وقتله وتمزيقه وايقاع شعبه في محنة تبدوا بلا نهاية؟ ومن أعطى لكل هؤلاء حقوق تجريم المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية في العراق التي انبثقت لترد الغزو والاحتلال عن العراق؟
هل الحق غامض وملامحه مشوشة ؟ هل الباطل بين واضح مشرق لا غبار عليه.؟
من حق الصهيوني أن يقتل العربي دفاعا عن النفس وليس من حق الفلسطيني أن يدفع الاذى عن نفسه وعن أمه وأبيه وأخته وأخيه..
من حق أميركا أن تحمي مصالحها في المنطقة والباطل المطلق اذا دافع العرب في العراق أو الخليج او المغرب عن ثرواتهم وخياراتهم ..
من حق ايران أن تمتلك برنامجا نوويا وليس من حق العرب في أي من أقطارهم أن يقتربوا من علم النواة والذرة وطاقتهما ..
من حق ( اسرائيل ) أن تمتلك ترسانة نووية ومن حقها أن تدمر مشروع العراق النووي ..
الباطل ..كل الباطل .. ان يبني العراق ودولته وقيادته البعثية القومية جيشا عقائديا لكن من حق ايران وعملاءها انشاء ميليشيات مذهبية ..
من حق ميليشيات ايران ومعها طائرات التحالف الدولي أن تدمر الموصل دمارا نوويا شاملا بينما يوصف العراق بالأجرام والوحشية والدموية عندما طرد احزاب ايران وميليشيات ايران عام ١٩٩١ عندما غزت العراق استكمالا للعدوان الثلاثيني على العراق.
الحق العربي الان هو ان يحمل الرجال السلاح ويقاتلوا في كل الارض العربية .. فالحق هو القوة والقناعة باستحقاقات الامة وليس ما تقره الافواه الفاجرة.
الأنتخابات خديعة لا يليق بالعراقيين قبولها
أ.د. كاظم عبد الحسين عباس
العراقيون عموما , سواد الشعب , لم يجنوا من الانتخابات منذ عام ٢٠٠٣ م الى يومنا هذا شيئا مفيدا يستحق الذكر بل على العكس فقد ثبت قطعا أنها مجرد خديعة لا يليق بشعب العراق أن تنطلي عليه . الطلاب الان يدفعون أجورا دراسية باهضة للجامعات والكليات الاهلية التي تم تأسيسها بعد الغزو لتدمير التعليم الحكومي الذي كان شامخا في العراق وأسست وفق خطط خبيثة مبنية على تقليل مقنن ومقصود في فرص القبول بالجامعات الحكومية لتحقيق المنافع المالية لأعوان الاحتلال من المستثمرين الذين جلبهم الاحتلال هذا فضلا عن انحدار مستوى التعليم بكل مراحله بعد أن كان العراق منارة . والسؤال موجه لشرائح العمال والكسبة الفقراء والذين يعيشون تحت خط الفقر وكانوا ولا زالوا هدفا للمفخخات والتفجيرات الاجرامية التي تنفذها الاحزاب والمليشيات المتنافسة على الفساد ( ماذا جنيتم من الانتخابات ؟ ). السؤال موجه للفلاحين الذين بارت أراضيهم وجفت أنهارهم وسحقت فرص تطورهم هم وعوائلهم وانتاجهم ومزارعهم ومواشيهم بعد أن أغرقت السوق بالمنتجات الايرانية الرديئة . الاستفسار منقع بالاحترام الى منتسبي الجيش والشرطة وقوى الأمن : كم أنتم مقتنعون بسيادة البلد الذي تستشهدون وتعرضون أرواحكم للهلاك بطرق لاعد ولا حصر لها من أجله : الا ترون انه وطن محتل من أمريكا في الخط الاعلى ولايران في المفاصل والمقدرات ومخترق أمنيا تجوبه الجواسيس والشركات الأمنية ؟؟؟؟. لماذا تنتخبون ؟ الم تصلكم القناعة كاملة ان الارهاب الذي يقتلكم يصنعه من تنتخبونهم ليقتلوكم فقط من أجل أن تتواصل سلطتهم التي تحقق لهم الثراء وخدمة الأجنبي ؟
هل بنت الحكومات التي انتخبتموها مصنعا عسكريا أو مدنيا منذ أربعة عشر عام ؟ هل أصلحت أرضا أو أنشأت مزرعة ؟.
أو ليست هي الحكومات التي يتكرر شخوصها وتتكرر أحزابها وتقسمون أغلظ الايمان انكم لن تعيدوا انتخابها لاجرامها ونفاقها وكذبها وفسادها الذي أزكم الانوف . ؟ لماذا تتظاهرون وتؤثثون لفرص اسقاط العملية السياسية الاحتلالية المجرمة ثم تذعنون لواقع حال بائس يضعكم انتم وعيالكم أمام مستقبل مجهول ومصير أسود مظلم بعد حين وكأنكم بلا رأي ولا قرار ولا ارادة ثابتة ؟.
لماذا تنتخبون من جاء به الغزاة والمحتلون ونصبوه في مجلس الحكم عنوة ورغم انوفكم وبعيدا عن ارادتكم ثم ضحكوا عليكم بلعبة الانتخابات ليذلوكم بحبر يدنس أصابعكم ولكي يمتلك شرعية من رحم الباطل وبشهادة زور منكم؟
؟ لماذا تنتخبون من سلطهم بول بريمر؟؟؟
النساء الامهات اللواتي خسرن البطاقة التموينية دون تعويض يشبع بطون أطفالهن .
الموظفون الذين سرقت رواتبهم في تجهيز الكهرباء من المولدات الأهلية وأجور الدراسة ورسوم المستشفيات التي كانت كلها مجانية أو باجور رمزية لا تستحق الذكر .
الطلاب الذين تدهورت دراستهم وانخفضت مستوياتهم العلمية ويجري التلاعب بنتائجهم بعبث لم يشهده تاريخ العراق وربما تاريخ الدول كلها لدواعي فئوية وطائفية .
العراقيون كشعب من البصرة الى دهوك .. ما تمارسونه من انتخابات يمنح سلطة الاحتلال شرعية وهي سلطة باطل وعدوان عليكم وعلى وطنكم تحركها وتديرها دول الاحتلال التي عينتها ….. وانتم كلكم واللاعبين باوراق الانتخابات يعلمون انها لعبة تكلف أموالا طائلة دون فائدة تذكر غير تسليط القتلة واللصوص والفاسدين اخلاقيا واداريا وماليا على رؤوس الشعب ومقدراته.
العراقيون كلهم ..من الفاو حتى جبال السليمانية … يدركون الان ان هؤلاء الذين مكنتهم أميركا وايران والصهيونية هم من سيظلون يلعبون بالعراق ويدمرونه والانتخابات غطاء فاسد وستار مثقب .
العراقيون جميعا .. تعرفون حجم البطالة
وحجم الديون
وهامش تلاعب البنك الدولي بمقدراتكم وكلها أضرار فادحة تلحقونها أنتم بوطنكم وبأنفسكم لانكم تنتخبون اللصوص والخونة .
ان الاوان لك يا شعب الذرى أن تغادر غرف الأمر الواقع المظلمة وتخرج الى النور فانت أقوى من الطاغوت ..
ان الأوان أيها الأحرار أن تديروا ظهوركم لهؤلاء الأوباش الذين خدعوكم طويلا واستغلوكم الى حد نحت العظام وتقطيع اللحم وغلق الشرايين وتقطيع الأنفاس ..
كفاكم يا شعبنا الأبي حكمة وصبرا فلقد طفح الكيل ولو كانت مساحة ذاك الكيل كل العراق..لقد طفح وفاض فقاطعوا الانتخابات لتنكشف عورات القردة ومن جعلوا العراق مسرحا للموت والبؤس .
الريال اليمني والدينار العراقي : فليتذكر أولي الألباب
د. منهل سلطان كريم / العراق
بين عام ١٩٨٩ وعام غزو العراق وأحتلاله ٢٠٠٣ م قرابة ١٥ عام قطع فيها الغذاء والدواء وكل مستلزمات الحياة عن العراق وشعبه في حصار ظالم شارك به عرب وعجم من كل حدب وصوب . تقادم سلاح العراق وأستعصى تحديثه وضعف بعد أن كان هو الأقوى في المنطقة , وجاع العراقيون وجوعوا كما لم يجع ويجوع شعب من قبلهم , ووصلت مرتبات الموظفين والجيش والشرطة الى ما يعادل ٨ دولار فقط لا غير وربما أقل من هذا , وهاجر ملايين العراقيين خارج العراق بحثا عن فرص للعمل , وهبط سعر العملة العراقية التي كانت من بين أقوى العملات قبل ذاك الحصار الملعون ووصل سعر الدينار الى :
١٠٠ دينار عراقي كانت تساوي ٣٣٠ دولار قبل الحصار.
٤٥٠٠ أربعة الاف وخمسمائة دينار عراقي تباع مقابل ١٠٠ دولار بعد وأثناء سنوات الحصار القذر.
هذه معلومات مكرره وكتبها العراقيون قبل الغزو وأثناء الحصار كثيرا جدا وكتبوا ولما يزالوا يكتبون :
أولا : ان حزب الدعوة العميل الخائن ومثيلاته من مجلس اسلامي وميليشيات وتنظيمات ايرانية كانت من بين أهم الجهات التي حرضت ودفعت أميركا والصهيونية للإدامة واطالة زمن الحصار وفي تقسية مضامينه واجراءاته ليطال أكبر عدد من شيوخ ونساء وأطفال العراق . وكان المقبور أحمد الجلبي والمقبور محمد باقر الحكيم والمقبور عبد العزيز الحكيم والمقبور جلال الطالباني ومعهم الخط الثاني الحاكم الان في سلطة الاحتلال في بغداد أدوات قذرة في أدامة الحصار لأنهم كانوا يرون فيه بصيص الأمل الوحيد لإضعاف العراق وتمزيق الصلة بين الشعب والحكم الوطني وصولا لاحتلاله. وفي الوقت الذي كانوا يمارسون تغذية دولة العدوان أميركا وموقفها الإجرامي ودفعها الى توجيه الضربات العسكرية بالطائرات والصواريخ تزامنا مع الحصار الاقتصادي الشامل فانهم كانوا أيضا يستخدمون أجهزة الاعلام الامريكي والمتأمرك لإدانة شعب العراق لأنه لا يثور على سلطته الوطنية ( بسبب الحصار وما يسببه من كوارث ) ويتهمون السلطة الوطنية بأنها كانت هي سبب الحصار وما الت اليه الظروف من بؤس في العراق .. أي أنهم كانوا يقتلون شعب العراق ويدمرون دولته ويسيرون في الجنازة متباكين لطامين في أخس ما يمكن أن يمارسه الزناة الفجرة الخونة المجرمون ..
وما زالت الة الاعلام الامريكي والصهيوني والمتأمرك تتقدمها جوقة قنوات العهر التي تأسست بعد غزو العراق تلوك ذات الاتهامات الممجوجة المفبركة المزورة القذرة لنظام العراق الوطني وقيادته المخلصة الشجاعة المؤمنة المحتسبة ( الاحياء منهم والشهداء على حد سواء ) ولحزب الحكم الوطني حزب البعث العربي الاشتراكي بأنهم هم سبب الحصار وسبب معاناة شعب العراق ..
ترى .. هل سيدين حزب الدعوة الايراني والنظام الفارسي المحتل للارض العربية تحت راية أميركا والصهيونية ومعهم نظام بشار القاتل المجرم وحزب الله اللبناني أسما والفارسي انتماءا وتغذية وولاء …هل سيدينون أنصار الله الحوثيون لما يحصل الان من تجويع وتدمير لشعب اليمن العربي المسلم الأصيل نتيجة التدهور الحاصل لصرف الريال اليمني ووصوله الى ما يزيد على ٥٠ الف ريال مقابل ١٠٠ دولار أمريكي؟
الا يشربون الان , هؤلاء المتوحشون المصابون بسرطان السلطة ونزواتها المدمرة في اليمن المحتل ايرانيا تحت سطوة الاجرام المليشياوي لانصار الله الحوثيون , من ذات الكأس التي عملوا هم و شريكتهم أميركا والصهيونية وبريطانيا على أن يشربها العراق الى حد التسمم والهلاك في ذاك الحصار الامريكي الايراني الصهيوني المجرم الذي غذوه ودعموه وروجوا له واستخدموه اعلاميا ضد العراق وشعبه ودولته الوطنية ؟
انهم يتباكون الان ويدينون التحالف العربي ويشتمون الشرق والغرب لان الضغط الاقتصادي يجوع شعب اليمن ويدمر أقتصاده تحت سلطتهم الانقلابية المجرمة. انهم يغرقون نظريا وعمليا في تناقض المواقف ففي الوقت الذي بجلوا فيه حصار العراق وجعلوه مسارا لاسقاط الدولة العراقية وتدميرها وطنا وشعب وادانوا فيه وجرموا حكومة العراق الوطنية والقومية وها هم الان يشتمون حصار اليمن وانهيار عملتها بسبب الحرب على الحوثي وانقلابه الاجرامي الذي دمر اليمن .
حصار العراق حق وحصار الحوثي باطل..!!!!! يا لبؤسهم.
وقد تحصل المفارقة التي تصفع وجوه الظالمين : قد ينتهي حصار اليمن الذي لا يساوي ربع حصار العراق بحيثياته ونتائجه الكارثية بسقوط الحوثي ونظامه العميل لايران الفارسية المجرمة على عكس حصار العراق الذي انتهى باحتلال ايراني للعراق ..وقد , وتلك حتمية الخيانة, يسقط مع سقوط الحوثي حكم احزاب ايران واحتلالها للعراق فلقد أشرفت جولة الباطل والرياء على نهاياتها الحتمية.
وثيقة كامبل السرية التي صنعتها بريطانيا
الماسونية في نظرية المؤامرة لتفتيت ألوطن العربي!! (الجزء الاول)
د. اياد حمزة الزبيدي/ العراق
انعقد مؤتمر لندن أو ما يسمى بمؤتمر كامبل بنرمان الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سرا في عام 1905 م واستمرت مناقشات المؤتمر الذي ضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي : بريطانيا ،هولندا ، بلجيكا ، فرنسا، اسبانيا، إيطاليا ، حتى عام 1907 وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.
وتوصلوا إلى نتيجة مفادها "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار إلا انه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات " والإشكالية في هذا الشريان هو انه كما ذكر في الوثيقة " :
ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان."
ابرز ما جاء في توصيات المؤتمرون في هذا المؤتمر والذي شارك فيه سياسيون ومفكرون وباحثون والذي استمر لمدة عامين كما ذكرنا ما يلي :
1 – إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة.
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوربا وأمريكا الشمالية واستراليا ) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول.
الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها.
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام). تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية.
2 – ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة ..
فصل عرب آسيا عن إفريقيا ليس فقط فصلا ماديا عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، مما أبقى العرب في حالة من الضعف . واستمرار تجزئة الوطن العربي وإفشال جميع التوجهات الوحدوية إما بإسقاطها أو تفريغها من محتواها ، ولا يعني هذا الأمر بالضرورة تدخلا إسرائيليا وإنما هو مصلحة لوجود إسرائيل من جهة وللتعاون بينها وبين القوى الخارجية الطامعة بالعرب من جهة ثانية .
أدت الاتفاقية إلى الحد من نهوض العرب ومنعهم من التقدم وامتلاك العلم والمعرفة وذلك من خلال سياسات الدول المتقدمة التي تمنع عن العرب وسائل ولوج العلم وامتلاك إمكانية تطويره والمساهمة في إنتاج المعرفة
وذلك من خلال سياسات الدول المتقدمة التي تمنع عن العرب وسائل ولوج العلم وامتلاك إمكانية تطويره والمساهمة في إنتاج المعرفة .إن من أسباب حالات العداء والمنازعات الرئيسة بين الدول العربية الصراع مع إسرائيل والموقف من هذا الصراع ودور القوى الخارجية في دفع هذه الدولة أو تلك لإتباع سياسات تتعارض مع مواقف دول أخرى ، مما يشكل سببا جوهريا للتوترات العربية . وحتى مشاكل الحدود بين بعض الأقطار العربية.. يمكن أن تعزى إلى العامل الخارجي في معظمها.
في عام 1905 دعا حزب المحافظين البريطاني سراً إلى عقد مؤتمر يهدف إلى إعداد إستراتيجية أوربية، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن.
ولما كان حزب المحافظين خارج الحكم، فقد قدم فكرة الدعوة الى عقد المؤتمر إلى رئيس حزب الأحرار: هنري كامبل بنرهام " رئيس الوزارة البريطانية آنذاك. لم يكن "كامبل" بعيدا عن الفكرة، فقد كان مولعا بفلسفة التاريخ، وكان معنيا بان تبقي بريطانيا على إمبراطوريتها التي تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها. وقد دعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية كافة وهي : بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، ايطاليا، البرتغال.
شارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد ،إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار.
ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين:
البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب "زوال الإمبراطورية الرومانية"
البروفيسور لوي مادلين: مؤلف كتاب "نشوء وزوال إمبراطورية نابليون"
الأستاذة " لستر وسميث وترتخ وزهر وف .
افتتح "كامبل" المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها :
"إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حد ما ثم تنحل رويدا رويدا ثم تزول والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل امة، فهناك إمبراطوريات روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وأشور والفراعنة وغيرهم. فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوربي وانهياره أو تؤخر مصيره؟ وقد بلغ ألان الذروة وأصبحت أوربا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الأخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا "..
وبالنظر إلى ضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر، تشكلت لجنة للمتابعة سميت بلجنة الاستعمار.
نظمت اللجنة " استفتاءات شملت الجامعات البريطانية والفرنسية التي ردًت على التساؤلات المطروحة، بأجوبة مفصلة شملت اتصالات اللجنة المفكرين والباحثين وأصحاب السلطة في حكومات الدول الغربية إضافة إلى كبار الرأسماليين والسياسيين.
أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرية سميت " وثيقة كامبل " أو "تقرير كامبل" أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907 . "
التقرير استراتيجي بكل معنى الكلمة ولم يزل معتماً عليه فلم ينشره مصدروه ولم يفرج عنه بشكل نهائي وقد مضى قرابة قرن على إصداره ! .
توصيات المؤتمر:
" إن إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط أوربا بالعالم القديم وربطهما معا بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوربية ومصالحها . هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة . "
وثيقة كامبل:
"الوثيقة هي إستراتيجية أوربية لضمان سيادة الحضارة الغربية وطول أمدها: لذلك فهي ترى العالم من خلال ثلاث مساحات:
المساحة الأولى: تتكون من الوحدات التي تقع في المنظومة المسيحية الغربية، وتقرر الوثيقة إن من واجب بريطانيا تجاه هذه المساحة من الحضارة – على أي حال من الأحوال – إلا تكون السيادة على العالم خارج إطارها. أي إن هذه المنظومة الحضارية هي التي تسيطر على العالم ويظل زمام الأمور بيدها . فإذا كانت أي حضارة لا شك ستنتهي بحسب نظرة فلسفة التاريخ – فإنها يجب أن تضمن أن وريث هذه الحضارة من نفس المساحة ومن جوهر المنظومة الغربية .
المساحة الثانية : وهي الحضارة الصفراء التي تتناقص مع الحضارة الغربية من الناحية القيمية لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح . وهذه الحضارة يمكن التعامل معها والتعاطي معها تجارياً ويمكن غزوها ثقافيا لهشاشة منظوماتها القيمية لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح . وهذه الحضارة يمكن التعامل معها والتعاطي معها تجاريا ًويمكن غزوها ثقافيا لهشاشة منظوماتها القيمية ومن ثم فالتعامل معها يعتمد على الجانب ألمصلحي للكتلة المسيحية الغربية من العالم .
أما المساحة الثالثة : فهي البقعة الخضراء أو الحضارة الخضراء فهذه المساحة من الأرض ،تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية
صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية اخذ احتياجاتها وإجراءاتها لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام ألقيمي الغربي. وفي الإجراءات التي تتخذ مع هذه المساحة الثالثة ( الحضارة التي تتناقص مع الغرب ) تقترح هذه الوثيقة ثلاثة إجراءات رئيسية :
أولا: حرمان دولة المساحة الخضراء من المعرفة والتقنية أو ضبط حدود المعرفة.
ثانيا: ايجاد او تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.
ثالثا : تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول ويظل مرهونا بالمحيط الخارجي . لم تأت "وثيقة كامبل" من فراغ، فالغرب الاستعماري كان يعد لأطروحة تمثل مراجعة شاملة لتاريخه وتاريخ العالم وعلاقاته الصدامية المستمرة مع العرب والمسلمين. الوثيقة تمثل مراجعة نقدية للمفاهيم العلمية والمعرفية والقيمية التي بني عليها تفوقه وذلك من اجل الاستمرار في بناء قدراته وتجاوز أزماته ووضع القواعد المستقبلية للتعامل مع الشعوب الأخرى في العالم حتى تبقى تحت سيطرته ونفوذه وفي حقل تأثيره المعرفي . كانت ابرز الدراسات المطروحة على جدول إعمال المؤتمر منصبة على تفحص اللحظات الحاسمة في الصدام مع شرقنا العربي الإسلامي والتحولات الحاسمة الكبرى في منظوماته القيمية ونوجز ذلك فيما يلي :
أولا: في حملات الفرنجة الصليبين: خاض الغرب تحت رايات الشعارات الدينية المضللة أشرس الحملات في محاولة منه للسيطرة على عالمنا الغني باءت في محصلتها النهائية إلى الفشل وكانت اللحظة الحاسمة فيها عند أسوار عكا . " الزمان : كان قبل سبعمائة سنة، بالضبط في صباح 18 /أيار/1291 ميلادية.
المكان:
مدينة عكا بأسوارها الدهرية، حيث انتصر الجيش المملوكي الإسلامي والقي في البحر أخر جندي إفرنجي"
ثانيا: في البحث عن إسرائيل القديمة: " ما إن تلاشت أصداء آخر حملة صليبية على بلاد الشام ومصر حتى عاد الغرب بدءاً من القرن السابع عشر يعدٌ العدٌة لغزو المنطقة بأفكار جديدة أخطرها على الإطلاق:
إعادة اليهود. هذه الفكرة وجدت غذاءها الفكري في النظرية الألفية. أخذت هذه النظرية اسمها من كلمة "خلياس" اليونانية بمعنى ألف. تتمحور هذه النظرية حول عودة وتملك المسيح أورشليم بعد الألف. " من هذه الفكرة، و فكرة مكملة لها، منها لوثر وتلاميذه أن يضعوا حداً للتفرقة العنصرية ضد اليهود أعاد طرح المسالة طرحا لاهوتيا من خلال السؤال : ما موقع اليهود في المشروع الإلهي ؟ المركزية الأوربية وجدت في هذه الأفكار حصان طروادة من اجل غزو الشرق بذريعة تنطلي على الكثير ممن لا علم لهم بالتاريخ ومجرياته. وهكذا بدا الغرب بتوظيف أدواته المعرفية وأهمها الاستشراق من اجل البحث عن "إسرائيل" بوصفه مشروعا معرفيا يؤسس لطور جديد للحضارة الغربية يرتكز على قراءة حرفية لنصوص التوراة.
هذه القراءة الحرفية تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي ، ومن ثم فالمسالة التي تدعٌى هي الصهيونية بمعنى العودة إلى فلسطين بمفهوم متعصب يحلٌ دولة إسرائيل محل إله إسرائيل . لقد كانت هذه القراءة نقيض وجهة نظر المذهب الرسمي للكنيسة بحسب القديس أوغسطين في القرن الخامس الميلادي من إن ما ورد في العهد القديم بشان مملكة الله إسرائيل قائم في السماء وليس على الأرض، ومن ثم فان القدس وصهيون ليسا مكانين محددين على الأرض للسكان اليهود أو السكن لليهود ولكنهما مكانان سماويان مفتوحان أمام كل المؤمنين بالله .
وثيقة كامبل باعتمادها فكرة إقامة الحاجز بشري الغريب من اليهود على ارض فلسطين، تكون قد ألقت عبر لحظة حاسمة أخرى، في التأسيس لتحول الغرب إلى منشئ لمنظومة قيمية جديدة تستثمر اليهودية وإسرائيل، من اجل أغراضه الاستعمارية والاهم من ذلك انجراف مراكز السلطة في الغرب إلى الحديث عن اليهودية وإسرائيل على أنها منشأ الحضارة الغربية ومصدرها الأخلاقي.
لذلك كان استكشاف مصر وإقامة دولة إسرائيل على ارض فلسطين عنواناً لأول غزو غربي يقوم به نابليون عام 1799 م، ولغرض السيطرة على طرق العبور إلى الشرق.
ثالثا: بناء القدرات وتجاوز الأزمات:
تداول مؤتمر كامبل مراجعة شاملة لقضايا النهوض العلمي والتقدم في المعرفة بالتأكيد على التوجهات الفكرية الداعية إلى التحول إلى العقلنة (ديكارت ، فولتير) وإحلال الإنسان في الموقع المركزي الكوني. لكن بالمقابل اوجب على الحضارة الغربية اخذ الاحتياطات والإجراءات لمنع أي تقدم محتمل لبقعتنا الخضراء – لانها تهدد منظومته الحضارية الغربية. وبإتباع الغرب لمنهاج تاريخي محرف، وتفسير مغلوط للأحداث والمكونات والتراث، واجه العالم خلال قرون عديدة، قوانين جائرة عصفت بموارده وأمنه الاجتماعي والحضاري.
وابرز هذه القوانين:
1- قانون التفوق وهو ما كرسته العنصرية بما يسمح بتقسيم البشر وتصنيفهم إلى سادة وعبيد ، وان الجنس الأبيض الذي يشكل السادة حًملَه الله عبء الرسالة الحضارية .
الجزء الثاني في العدد القادم بمشيئة الله...
" لطم شمهودة "!!
د. عبد الكريم الوزان/ العراق
( شمهودة ) قد تكون شخصية وهمية خيالية ، وقد تكون حقيقية ولها مساس بالواقع حتى قيل " انها من عشائر آل ازيرج وتحديدا من عشيرة الحريشيين (بيت مشد) التي تسكن منطقة الهدام التابعة لقضاء الميمونة"(1). وحكايتها تمثل الحالات التي يحدث فيها غبن وعدم انصاف. و (شمهودة) كانت تعيش وسط مجتمع ريفي كشخصية معروفة ، طيبة القلب ، حنونة ، عطوفة ، تحب الجميع ولا تفرق بين شخص وآخر، اذ كانت تحضر افراح واتراح الناس، مآتمهم ومسراتهم، ولا تكاد ان تفوتها مناسبة ، صغيرة كانت أم كبيرة. وكانت (شمهودة) في المآتم تلطم مع الكبار الذين هم في سنها ، وحينما تحين وجبة الغداء او العشاء يضعون طعامها مع الصغار استخفافا بها . فصار ذلك مثلاً يقال او يضرب بـ(لطم شمهودة تلطم مع الكبار وتأكل مع الصغار(2)).
وشاهدنا اليوم المتقاعدون هذه الشريحة الكبيرة والواسعة التي تزداد أعدادها كحال كل دول العالم وهم مانحن بصدده من سوقنا لهذا المثل: (لطم شمهودة)، فقد أفنوا أعمارهم بعد أن قدموا عصارة افكارهم وزهرة شبابهم وآستنفدوا قواهم من أجل الوطن والمجتمع ويمثل وقت الفراغ لديهم مشكلة كبرى، وكنا نمني النفس بان يكرموا على الدوام كان يشملوا بالمساعدات والمنح المالية والعينية والعلاجية والترفيهية وليس الزامهم بالاستقطاعات المالية و إرهاقهم بالمراجعات الروتينية المملة، فهم في الغالب عاجزون عن العمل وأوضاعهم الصحية والمالية متردية وليس بمقدورهم (كما المتنفذون اليوم) شراء جزيرة هنا أو برج سكني هناك أو تملك (مول) أو شركة هاتف نقال ولا حتى اسطول سيارات كما يتعذر عليهم ارسال أبنائهم للخارج حيث البذخ والانفلات (ويستحرمون) من الاستيلاء على عقارات الاخرين ولا حول ولا قوة لهم الا من رحمة الله وما يعتاشون عليه من معاشاتهم التقاعدية.
جانب آخر يتعلق بهم وهو التأييد السنوي لاستمرار حصولهم على الرواتب الشهرية والمسماة شهادة الحياة أو (شهادة الوفاة) كما يطلق عليها المتقاعدون تندرا، حيث يتم استيفاء رسوم عنها بما لا يقل عن عشرين دولارا في السفارات خارج البلاد.
وبالتأكيد فإن هذه الطريقة غير سليمة وتنأى عن الانسانية والتحضر، فالمتقاعد عادة يكون في سن متقدمة وفي آخر سني عمره، وهذا الاسلوب يوحي له بأنه "أصبح خارج نطاق الحياة الفاعلة في المجتمع ، وأن تقاعده هو نهاية معنوية لحياته(3)" والأفضل استخدام اجراء اداري آخر ، على سبيل المثال اعتماد هوية الأحوال المدنية التي يتم (خرمها) بعد الوفاة وبإمكان دائرة التقاعد أو المصارف المطالبة بها شهريا او كل شهرين قبل تسليمه الراتب للتأكد من كونه على قيد الحياة او أي اجراء يجده المختصون مناسبا، وهذا من مقومات وأهداف علم العلاقات العامة الذي يتم تدريسه في كل دول العالم من اجل تحقيق العدالة والرفاهية وفهم متطلبات هذا الجمهور.
ورحم الله الشاعر المعروف أبا العتاهية وهومن الذين ناحوا على ايام الشباب وهي هاجس المتقاعد اذ قال :
عريت من الشباب وكان غضا كما يعرى من الورق القضيب
ونُحت على الشباب بدمع عيني فما نفع البكاء ولا النحيب
فيا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب
فرفقا بالمتقاعدين وكل كبار السن يا أولي الأمر ومطلوب منكم الالتفات بجدية لهم.. فهم أحوج للكلمة الطيبة والرعاية الصادقة والاستذكار الكريم بسبب دورهم الكبير في ارساء أسس ودعائم الحياة المدنية.. وتذكروا أيها المسؤولون أن هؤلاء العزوة هم بناة الدولة ومؤسساتها العتيدة وهم الذين أرسوا قواعدها وأعلوا بناءها مثلما أعلوا صروحها وشواهد نهضتها ، فهم أصحاب المصلحة الحقيقية في ثمرات ما بنوا وليس من هدم وخرب وأفسد واتخم من مال الشعب العام.. إنهم العصاميون الوطنيون والباذلون الحقيقيون وليس من تسلم اركان الدولة عمارا وشواهد مجد وحضارة ثم هدها وسواها بالأرض..!.
وبلا شك فإن كل واحد هو اليوم على دست المسؤولية سيكون حاله في يوم قريب آت كحال المتقاعدين اليوم ، فأحسنوا اليهم وذلك أزكى لكم من تركهم بحال كحال (شمهودة التي تلطم مع الكبار وتأكل مع الصغار)!!.
1- بتصرف ، منقول
2- بتصرف ، داود سلمان الكعبي ، لطم شمهودة ، الحوار المتمدن ، 1-3-2012
3- د.ابراهيم بن حسن الخضير، التقاعد ليس نهاية الحياة، صفحة التواصل الاجتماعي – فيسبوك ، 7 مارس 2012
الاحتجاجات الايرانية بين اللعبة الاستراتيجية الدولية .. والنقمة الشعبية ( الحلقة الثانية )
د. فكري سليم / مصر
بالرغم من اعلان الحرس الثوري الايراني عن قمع الاحتجاجات في كافة المدن الايرانية ، الا ان ذلك لا يعني بكل الأحوال اطفاء شعلة ثورة الجياع في عموم الشعوب الايرانية ، فالقانون الطبيعي للحياة يؤشر بأن لكل فعل رد فعل يساويه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه ، فالقمع باستخدام القوة المفرطة ، واعتقال ما يقارب اربعة الآف من المتظاهرين وخاصة من الطلبة والشباب ، وكشف النقاب عن الأساليب الوحشية والهمجية في تعذيب المعتقلين مما ادى الى موت العديد منهم ، سيؤدي بكل الأحوال الى اشتعال الثورة مجددا بنمط وشكل وقوة أشمل وأقوى من التي شاهدها العالم برمته من خلال شاشات الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي .
فالنقمة الشعبية الكبرى ضد حكم ولاية الفقيه ستنتج العديد من الافرازات والمواقف على صعيد التصعيد الثوري لعموم ابناء الشعب الايراني . ولعل أولها يكمن في أن الثورة قد انطلقت أولا من مناطق فارسية في مشهد وأصفهان ثم انتقلت الى المحافظات والمدن الاخرى ، وهذا يعني أن القوميات الاخرى ، العربية والكردية والأذرية والبلوشية والتركمانية ، والتي كانت تنتظر أي فرصة سانحة للانتفاض ضد سلطة الملالي التي سلبتهم أبسط الحقوق الانسانية والوطنية ، قد آن أوانها لتضغط بشكل أوسع ، بل أخطر ، بعدما كسر حاجز الخوف من سوط السلطة . أما العامل الثاني فيبرز في خلق وتوسيع رقعة الفجوة بين تخلف السلطة الكهنوتية في آراءها وعقيدتها وأساليبها المتحجرة من جانب ، وبين نضج وتفتح الشباب دون سن الثلاثين الذين يشكلون الغالبية العظمى من عدد السكان في ايران ، والذين يعانون من البطالة والإقصاء والتهميش من جانب آخر ، وهذا بحد ذاته يشكل أحد أهم المخاطر التي ستصيب السلطة بمقتل . أما العامل الثالث فيبرز في التصدع الداخلي الحاصل بين المحافظين والإصلاحيين ، والذي بدأت مؤشراته تتضح بكيل الاتهامات كل ضد الآخر وكشف العيوب وعناصر الخلل في كل منهما ، ولعل الاعلان رسميا بالكشف عن وجود مستوى عال من الاشعاعات على جثة هاشمي رفسنجاني ، وطلب الرئيس حسن روحاني بإعادة التحقيق لمعرفة سبب الوفاة بالرغم من مرور عام على وفاته يدخل في ذات السياق . ويبرز العامل الرابع في التحرك السياسي والعسكري لمنظمة مجاهدي خلق ، فعلى المستوى السياسي نجد طبيعة ونمط تصاعد الحراك في اوربا التي تقوده المنظمة لتأجيج الموقف الاوربي وضمه لجانبها في كشف اختراقات النظام لحقوق الانسان ، أما على المستوى العسكري فان التقارير تشير الى استغلال القادة العسكريين من مجاهدي خلق للاحتجاجات الشعبية ، فتمكنت من التسلل الى الداخل الايراني لقيادة عمليات عسكرية ضد عناصر الحرس الثوري والبسيج عند عودة الاحتجاجات مجددا . أما على المجال الدولي فقد حققت ايران مزيدا من العزلة عن العالم الخارجي ، ومزيدا من السخط الدولي ، خاصة بعدما أفرطت باستخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين من ناحية وقطع الانترنت لمنع تحقيق التواصل الاجتماعي من ناحية اخرى.
أما العامل الامريكي الذي يبدوا متذبذبا بين التصريحات الاعلامية بدعم المتظاهرين ، وبين طرح احتمال البقاء على الاتفاق النووي ، فهو العامل الذي تحكمه مصالحه الاستراتيجية أولا ، وما يفكر به اللوبي الصهيوني ثانيا .
وعموما وبالرغم من القناعة التامة بوجود تبادل للمصالح وتقاسم للنفوذ في منطقتنا بين الكيان الصهيوني وسلطة ولاية الفقيه في ايران ،على وفق النظرية الصهيونية المسماة ( شد وبتر الاطراف ) والتي تتلخص باقامة اسرائيل علاقات استراتيجية مع الدول المحيطة بالوطن العربي للضغط عليه بالشد ، وخلق بؤر داخل اقطار الوطن العربي للضغط عليه بالبتر ، فانه يبدو ان الكيان الصهيوني أدرك مؤخرا أن اقتراب ايران من حدوده الجغرافية المزعومة بعدما بدأت الاخيرة بإنشاء قواعد عسكرية في سورية قريبة من الجولان المحتل ، فضلا على بناء منشئات لتركيب الصواريخ الاستراتيجية ، يشكل على المدى البعيد مخاطر حقيقية ضد كيانه . فالكيان الصهيوني لا ينظر الى العناصر الحاكمة في ايران حاليا والذين يشكلون له دعما استراتيجيا ويحققون معه مصالح مشتركة ، بل ينظر بعيدا الى احتمال المخاطر المستقبلية من امتلاك ايران الى السلاح النووي وتطوير منظومات صواريخها الاستراتيجية . ولذلك نرى التسارع الصهيوني في بناء منظومات الدفاع الجوي ضد الصواريخ بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى من نوع القبة الحديدية ومقلاع داوود والسهم والتدريب المستمر عليها ضد أي احتمال . ومن هنا يبرز تذبذب العامل الامريكي في الموقف من الشارع الايراني ، فهل من مصلحتها عم الفوضى فيه حاليا ، أم سكونه الى أمد غير مسمى ؟ وعند القرار على أفضل الخيارات سنرى حجم وطبيعة ونمط الحراك الايراني القادم .
وما قرار ترمب الأخير بفرض عقوبات على بعض الأشخاص والمؤسسات الايرانية ، وطلبه اجراء تعديلات في الاتفاق النووي بعيدا عن هذا السياق .
الحريات في تونس: إلى أين؟
أنيس الهمامي/ تونس
اتفقت الأصوات والحناجر الصادحة بالشعارات والهتافات إبان الانتفاضة التي عرفتها تونس خلال الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 على ثلاث مطالب رئيسية تمثلت في الشغل والحرية والكرامة الوطنية.
وبالتدبر مليا في تلك المطالب، وإذا ما راعينا غياب الطليعة الثورية المتعهدة بقيادة الجماهير وتأطير حراكها وشق طرق تتويج هبتها بما يتوافق فعلا مع طموحها ويلبي انتظاراتها ويحقق آمالها، فإنه سيكون لزاما علينا إكبار هذا الوعي المتقدم الذي ميز ذلك الحراك الجماهيري العفوي وغير المنظم. كما سيتوجب علينا الإقرار بأن الجماهير التونسية وإن تحركت بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتعمق مشكلة البطالة التي نخرت المجتمع التونسي وأفسدت حياته وجردتهما من دعامات التوازن والاستقرار ومنعته من الانطلاق نحو آفاق أوسع من الإبداع والابتكار والفعل والتطوير الحضاري والفكري والعلمي، وهو ما دفعها للمطالبة بالتشغيل رأسا، فإنها لم تكتف بذلك وعبرت بذكاء وفطنة ملحوظين على أن توفير العمل للمحرومين منه إنما يتنزل ضمن غايات أرقى وأسمى ألا وهي تحقيق المواطن التونسي لكرامته بما يحدث بأهمية القيمة الاعتبارية وحيوية تلك الكرامة لديه، التي أهدرتها الخيارات التنموية للأنظمة المتعاقبة منذ الاستقلال، ولا ينبغي ههنا تحديدا تجاهل المطلب الأساسي والجوهري الثاني وهو الحرية بكل مدلولاتها ومعانيها.
وبالتدبر مليا في تلك المطالب، وإذا ما راعينا غياب الطليعة الثورية المتعهدة بقيادة الجماهير وتأطير حراكها وشق طرق تتويج هبتها بما يتوافق فعلا مع طموحها ويلبي انتظاراتها ويحقق آمالها، فإنه سيكون لزاما علينا إكبار هذا الوعي المتقدم الذي ميز ذلك الحراك الجماهيري العفوي وغير المنظم. كما سيتوجب علينا الإقرار بأن الجماهير التونسية وإن تحركت بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتعمق مشكلة البطالة التي نخرت المجتمع التونسي وأفسدت حياته وجردتهما من دعامات التوازن والاستقرار ومنعته من الانطلاق نحو آفاق أوسع من الإبداع والابتكار والفعل والتطوير الحضاري والفكري والعلمي، وهو ما دفعها للمطالبة بالتشغيل رأسا، فإنها لم تكتف بذلك وعبرت بذكاء وفطنة ملحوظين على أن توفير العمل للمحرومين منه إنما يتنزل ضمن غايات أرقى وأسمى ألا وهي تحقيق المواطن التونسي لكرامته بما يحدث بأهمية القيمة الاعتبارية وحيوية تلك الكرامة لديه، التي أهدرتها الخيارات التنموية للأنظمة المتعاقبة منذ الاستقلال، ولا ينبغي ههنا تحديدا تجاهل المطلب الأساسي والجوهري الثاني وهو الحرية بكل مدلولاتها ومعانيها.
لقد ربطت الجماهير التونسية ربطا جدليا لا انفصام فيه بين الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ووجهت رسائل قوية وعميقة للجهات المعنية مفادها ألا تنازل عن أي قيمة من هذه القيم الثلاث، بل وشددت من خلال هذا الربط على ضرورة تكريسها واقعا معاشا وتنزيلها على الأرض من قبل أي جهة تروم الحكم مستقبلا بما يعني أنها حددت ملامح الخطوط العريضة للسياسات المستقبلية في تونس.
ورغم التعثر الكبير في مسار التنمية والاقتصاد، ورغم استفحال ظاهرة البطالة وازدياد عدد المعطلين عن العمل، ورغم كل المشاكل المتولدة عن ذلك في تونس، فإن التونسيين ظلوا صامدين ومتفائلين بانفراج الأمور تدريجيا متفهمين بذلك ما يرافق مثل الهزة التي عرفتها بلادهم من صعوبات، ولعل أهم بواعث ذلك التفاؤل حتما هو ما اعتبروه مكسبا حقيقيا انتزعوه وفرضوه على جميع الساسة والأجهزة والسلطة، ولا يزيد هذا المكسب عن الحرية لما لها من منزلة ثابتة في نفوس التونسيين.
واعتبرت الجماهير في تونس دسترة الحريات والإجماع على صيانتها وتدعيمها مكسبا وطنيا بامتياز.
لكن، وبقدر ذلك الاعتزاز بانتزاع الحرية بفضل التضحيات المتراكمة التي قدمها التونسيون ولا يزالون، فإن كابوسا حقيقيا بات يقض مضاجعهم منذ فترة، حيث لاحت عديد الإجراءات الهادفة لضرب الحريات والالتفاف عليها من طرف الائتلاف الحاكم والمكون أساسا من حزبي النهضة ونداء تونس ولفيف الأحزاب المجهرية الطارئة المحيطة بهما.
لقد انطلق الضرب الممنهج للحريات في تونس والمساعي الحثيثة للانقلاب على هذا المكسب الدستوري من خلال التهديد بسحب تراخيص العمل لعدد من الأحزاب على أسس خلفياتها الفكرية وخصوصا بعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على خلفية بعض الأحداث الإرهابية التي شهدتها تونس دون أن يثبت فعلا تورطها بأي شكل من الأشكال فيها.
وتتمثل النقطة الفارقة والمنعطف الجدي والخطير الذي يشي بعزم السلطة في تونس على العودة بالتونسيين إلى المربع الأول واستنساخ النهج الاستبدادي الذي عانت منه البلاد طيلة عقود، في تشديد الرقابة على آراء الجماهير وتقصيها وخصوصا نشريات التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا تدوينات الناشطين السياسيين والحقوقيين والنقابيين على الفيس بوك.
لقد انطلق الضرب الممنهج للحريات في تونس والمساعي الحثيثة للانقلاب على هذا المكسب الدستوري من خلال التهديد بسحب تراخيص العمل لعدد من الأحزاب على أسس خلفياتها الفكرية وخصوصا بعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على خلفية بعض الأحداث الإرهابية التي شهدتها تونس دون أن يثبت فعلا تورطها بأي شكل من الأشكال فيها.
وتتمثل النقطة الفارقة والمنعطف الجدي والخطير الذي يشي بعزم السلطة في تونس على العودة بالتونسيين إلى المربع الأول واستنساخ النهج الاستبدادي الذي عانت منه البلاد طيلة عقود، في تشديد الرقابة على آراء الجماهير وتقصيها وخصوصا نشريات التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا تدوينات الناشطين السياسيين والحقوقيين والنقابيين على الفيس بوك.
فمن الغريب والمستهجن أن تعددت في تونس مؤخرا ملاحقة عدد كبير من الناشطين والمدونين على خلفية منشورات، كما تم اعتقال بعضهم وسجن البعض الآخر، ولعل من أبرز المسجونين الصحفي نبيل الرابحي الذي حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر على خلفية منشور هاجم فيه ما يروج بل وما يلامسه من إجراءات تهدف لتوريث نجل رئيس الجمهورية من خلال البدئ بتنصيبه على رئاسة حزب النداء رغم ما خلفه ذلك من أزمات حادة لاتزال تهدد هذا الحزب من خلال تشظيه وانقسامه حتى يكاد يخلو إلا من بعض النفعيين وممتهني السياحة الحزبية.
هذا ويبقى ما حدث للسجينين السياسيين المنجي الجديدي وعبد الرزاق الخزري أعلى أمارات الردة المسجلة على مستوى ضمان الحريات في تونس، حيث زج بهما في السجن على خلفية مشاركتهما لخبر وفاة الرئيس التونسي، وتم اتهامهما بالضلوع في بث تلك الإشاعة رغم ثبات بطلان ذلك تقنيا، ورغم أدلة كثيرة أخرى فصلها فريق المحامين المتطوع للدفاع عنهما أمام قاضي المحكمة الابتدائية بجندوبة، فلقد تم تنزيل عقوبة قاسية جدا بحقهما وصلت للسجن ستة أشهر مع خطية مالية قيمتها خمسة آلاف دينار.
وفي الحقيقة فإن قضية السجينين السياسيين المنجي الجديدي وعبد الرزاق الخزري قضية سياسية بامتياز، وهي تطور خطير جدا ينبئ بالسياسة الرسمية القاضية بخنق الحريات تدريجيا في تونس وجس نبض الشارع في هذا الصدد، كما تذكرنا بأسلوب التلفيق والمكائد الذي كان ينتهجه النظام النوفمبري سابقا لتصفية خصومه، ذلك أن الدافع الحقيقي لسجنهما والتنكيل بهما هو مواقفهما المعارضة لسياسات الائتلاف الحاكم في تونس وخصوصا رفضهما للانتهاكات المتكررة للسيادة التونسية من خلال خرق عدد من السفراء الأجانب لبروتوكولات وقوانين تنظيم نشاطات البعثات الديبلوماسية وخاصة سفير فرنسا "أوليفيه دارفور" الذي أمعن في إهانة سيادة تونس وأوغل في استفزاز مشاعر التونسيين، وهو ما دفع بالسجين السياسي المنجي الجديدي وهو عضو الهيئة التأسيسية لحزب حركة الفقراء الممنوع من النشاط والعمل العلني رغم تقديمه لملف في الغرض لثلاث مرات متتالية، لتنظيم وقفة احتجاجية مشهودة أمام سفارة فرنسا في شهر مارس – آذار 2017 كان له فيها مداخلة مزلزلة عرّى من خلالها حركة السفير الفرنسي واستهتاره بالضوابط وتعديه على حرمة الدولة التونسية وسيادتها.
وإن الاعتقالات العشوائية الأخيرة والملاحقات بحق الشباب المنخرط في الحركات الاحتجاجية التي شهدتها تونس على خلفية قانون الميزانية لسنة 2018 وعرهم على القضاء باعتماد مغالطات كبيرة على خلفية بعض الأعمال التخريبية الليلية التي رافقت ذلك الحراك إنما تصب حقيقة في دائرة ترهيب الجماهير وجبرها على التسليم بالأمر الواقع ومنعها من حقها الدستوري في التظاهر.
وكتدليل كبير على ما بلغته موجة استهداف الحريات وعزم السلطات التونسية على الحد منها كأدنى تقدير، هو تأسيس لجنة سميت " لجنة الخمسون للدفاع عن الحريات والتصدي للانحراف بالسلطة" يترأسها الأستاذ المناضل نزار بوجلال وتتكون من خمسين محامي تعهدت بالتطوع للدفاع عن المضطهدين والملاحقين على خلفية آرائهم، ويعد بعث هذه المجموعة ناقوس خطر فعلي يتربص بالحقوق والحريات في تونس، ولقد كان لها منذ تشكلها وحتى قبل ذلك وقفة أصيلة مع المستهدفين، انطلقت بترؤس الأستاذ نزار بوجلال لهيئة الدفاع عن السجينين السياسيين المنجي الجديدي وعبد الرزاق الخزري. والمفارقة الغريبة، أن حتى هذه اللجنة استهدفت منذ أيامها الأولى من طرف قوات الأمن حيث تعرض منزل الأستاذة المحامية نادية بوبكر عضو اللجنة للاقتحام ليلا والعبث به وتهشيم ما بداخله ناهيك عن ترويع عائلتها.
وفي الواقع فإن هذه العينات رغم خطورتها وفداحتها، فإنها لا تزيد عن كونها غيض من فيض الاجراءات المتصاعدة العاملة على مزيد خنق الحريات والانقلاب على ما جاء به دستور تونس الجديد حيث شدد على علوية القانون ومحورية المواطنة ومركزية الحريات.
وإن مثل هذا التمشي يجعل من الترويج لانتقال تونس لعهد الديمقراطية يبقى مجرد شعار فضفاض لا يتعدى المزايدات.
فهل ستكون معركة الدفاع عنم الحريات في تونس مدخلا لحراك جديد ومفتوح قد يعرف مآلات يصعب التكهن بها؟
فهل ستكون معركة الدفاع عنم الحريات في تونس مدخلا لحراك جديد ومفتوح قد يعرف مآلات يصعب التكهن بها؟
مــلالي أيــران كــذابــون بالــفـطــرة
أبو محمد عبد الرحمن/ لبنان
لطالما نبهنا الى خطورة هؤلاء المعممين الذين سطوا على الثورة الايرانية وسلبوها من اصحابها الشرعيين، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإعدام اكثر من 30 ألف معارض حينها حتى استتب الأمر لهذه الفئة الباغية المنتمية للقومية الفارسية الحاقدة على ما سواها من شعوب ايران الأخرى التي تتألف منها ايران وخصوصا العرب والاذريين (الترك).
اتحفنا بالأمس أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران محسن رضائي ان اعداء ايران من الأميركان وشركائهم كانوا وراء هذه التظاهرات المفتعلة بهدف زعزعة النظام الايراني تمهيدا للانقضاض على "الثورة الإسلامية" مشيرا في الوقت عينه ان اجتماعا حصل في اربيل بين الأمريكان وجهات عربية مناوئة للنظام الايراني ومن ضمنها شخصيات(بعثية) تمهيدا لعودة نظام البعث الموالي للشهيد صدام حسين رحمه الله الى المشهد السياسي.
ليس فقط الكذب شيمتهم وأيضا براعتهم في التسويق النفسي الذي يطال جهتين بكذبة واحدة.
ومن شأن هذا السيناريو الذي تسوق له إيران
ان ينتج عنه:
1- ان يحث أحزاب الاسلام السياسي "الصفوي" من حشد ومليشيات مذهبية عراقية على اتخاذ اقصى تدابير الاستعداد للدفاع عن مكاسبهم التي حققوها على الأرض نتيجة الخيانة والتعامل مع أعداء وطنهم بحجة الدين والمذهب واتخاذ اقصى التدابير المتطرفة في الآونة الأخيرة ضد المهجرين والنازحين من ابناء المحافظات التي دمرت مدنهم وقراهم بحجة تحريرها من 2000 الى3000 مقاتل من (حصان طروادة الداعشي)؟!
حتى ان جثث الضحايا الابرياء ما زالت في بعض الاحياء تحت انقاض المباني والدور السكنية المدمرة .
وتشهد تلك العائلات النازحة والمشردة والتي تقبع في مخيمات اللجوء اقسى انواع القهر والظلم والاذلال، ومؤخرا قامت قوات الحشد الصفوي بحملة اعتقالات عشوائية وخطف وقتل طال العائدين الى ديارهم المنكوبة من الرجال والنساء والاطفال على السواء؛ امعانا في التغيير الديموغرافي والسكاني المقصود لتغيير هوية تلك المحافظات واستبدالها بأخرى غريبة.
2- انعاش ذاكرة الغرب عموما والأمريكان خصوصا بأن أي خطر أو شر يطال نظام الملالي.
هو بمثابة خرق للاتفاق الذي ابرم برعاية فرنسية وينص على الاطاحة بالشاه وتولي الخميني ( ونهج ولاية الفقيه ) في ايران في مقابل قيام الخميني بتصدير ثورته إلى الأقطار العربية والمساهمة في زعزعة كياناتها وخصوصا تلك التي تشكل خطرا حقيقيا على الكيان الصهيوني، بإضرام وإذكاء نار الفتنة الطائفية والمذهبية وحتى العرقية عبر أذرعه المتعددة في لبنان واليمن وسوريا والعراق .
خلاصة القول ان ما يحصل في ايران اليوم:
هو ارتدادات ان صح التعبير، من جراء التذمر الشعبي عموما والشبابي خصوصا بعدما امعن نظام الملالي في استخدام القبضة الحديدية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية كافة ما انتج طبقة شعبية ساحقة فقيرة معدمة.
وبالتالي زال القناع عن حكم الملالي بعدما زالت الغشاوة عن أعين الشعوب الإيرانية وبات واضحا ماهية هذه الطبقة الفاسدة والمتسلطة و المتغطرسة التي تستخدم الدين والمذهب غطاء لمآربهم ومشاريعهم في استعادة إمبراطورية دفنها الزمن وباتت من التاريخ، و قيام تلك الفئة الباغية باضطهاد شعوب ايران وتشديد القبضة الامنية والمعيشية والانمائية عليها وتبذير الثروات الوطنية في خدمة مشاريعهم الخارجية التوسعية دون الالتفات الى المطالب الشعبية المحقة في عيش كريم وحق هذه الشعوب أيضا في التنعم بثروات وطنهم المنهوبة من قبل المعممين .
يا هل ترى، هل ما نراه اليوم هو بداية انقلاب الشركاء على الاتفاق المعقود مع الملالي واعتبار ان مدة صلاحية مشروع ولاية الفقيه قد أدى قسطه بنجاح ولا لزوم له في المرحلة المقبلة المتزامنة مع انتفاضة شعبية تكبر كل يوم لتصبح ككرة الثلج التي تطيح بكل من يرتطم بها، وهل يصح المثل القائل :
الذي ساعد الحمار بالصعود الى المئذنة
كفيل بإنزاله عنها ؟
الأيام القادمة حبلى بالتطورات خصوصا ان الشعوب أسمعت صوتها للسلطة الحاكمة وللعالم وربما نشهد مفاجأة لم تكن في الحسبان في المشهد الإيراني الراهن.
خمسة تطورات جديدة تقلب المشهد السوري في 2018
محمد خليفة/ سوريا
إحدى أبرز سمات الأزمة السورية منذ بدايتها حتى الساعة هي حالة التقلب المستمر في موازين القوى , ومعالم المشهد الميداني , بحيث يتعذر الركون الى صورة محددة , بسبب تقلب مواقف الدول الداعمة والفاعلة والمتدخلة لصالح طرفي الصراع.
طوال العام المنصرم 2017 وحتى نهايته كانت معالم المشهد الميداني والسياسي توحي بأن:
- (الحرب انتهت) لصالح النظام وحليفيه الروسي والايراني.
- المعارضة المسلحة هزمت وحوصرت, والمعارضة السياسية فقدت حلفاءها وداعميها.
- بدأت جهود روسيا السياسية تؤتي ثمارها لفرض أجندتها وشروطها عبر آستانة.
- تركيا سقطت بين مخالب روسيا وايران واضطرت للانضمام اليهما في محور اقليمي حول سورية.
- الدول العربية الأخرى وخاصة الخليجية انشغلت بصراعاتها ومشاكلها وتخلت عن سورية لروسيا .
- الادارة الأميركية الجديدة سارت على نهج سابقتها ادارة أوباما, وواصلت عدم الاكتراث بسورية, لا سيما بعد القضاء على داعش, تاركة لروسيا معالجتها كما لو أنها تعترف بها (مستعمرة روسية)!
- الدول الأوروبية من فرنسا الى المانيا وايطاليا راجعت سياساتها تجاه الازمة , وأخذت تقترب من الرؤية الروسية أيضا مما خلق بيئة دولية دافئة لروسيا وايران والاسد .
- مؤتمر سوتشي سيكون المحطة الأخيرة لتشييع الثورة السورية الى مثواها الاخير في المقبرة الروسية .
هكذا كانت معالم المشهد السوري قبيل نهاية العام المنصرم ميدانيا وسياسيا, محليا وعربيا ودوليا. غير أن بضعة تطورات مفاجئة وغير متوقعة قلبت الصورة, وخلقت أوضاعا جديدة, وتنذر بتغيير المعادلات وموازين القوى لتعيد تشكيل الخرائط والمعالم.
أهم هذه التطورات خمسة:
الأول: الهجمات الثلاث المتلاحقة على القاعدتين الروسيتين حميميم وطرطوس . فقد أطلق مجهولون ثلاثة صواريخ على القاعدة الاولى, اسقطتها الدفاعات الروسية لكنها أنذرت بدخول سلاح جديد الى قوى المعارضة. وقالت موسكو فورا إن هناك من زود المعارضة بسلاح نوعي جديد. وبعد ايام قصف مجهولون القاعدة نفسها بقذائف هاون دمرت سبع طائرات وقتلت أربعة جنود على الأقل حسب صحيفة كومرسانت. وبعدها بثلاثة أيام انطلقت 13 طائرة صغيرة بدون طيار نحو حميميم وقاعدة طرطوس, ولكن الدفاعات الروسية أسقطتها قبل أن تصل الى أهدافها.
هذه الحوادث الثلاث شكلت تحديا غير مسبوق للروس في سورية وأنذرت بتصعيد جديد في الميدان يهدد الوجود الروسي , وينطوي على احتمال تطور غير مضبوط في الصراع يناقض أوهام القيادة الروسية وحليفيها بنهاية الحرب والصراع لصالحهم .
الثاني: سقوط عدة طائرات حربية في الأيام الأخيرة من العام المنصرم للروس والنظام فوق دمشق وحماة وادلب, وزعم الروس أن طائرتهم سقطت نتيجة عطل فني, غير أن القرائن تؤكد سقوطها بسلاح مضاد, مثلها مثل طائرتين للنظام في نفس الفترة. ويلتقي هذا التطور مع سابقه في مغزاه العسكري.
الثالث: الملحمة العسكرية التي خاضتها وما زالت تخوضها قوات المعارضة في الغوطة الشرقية حيث يحاصر الثوار أكبر قاعدة عسكرية للنظام في الغوطة الشرقية, وقد خسر النظام عددا كبيرا من قادته العسكريين في هذه المعركة وفشلت قوات نخبته على مواجهة المقاتلين رغم الدعم الروسي الجوي المكثف ودعم القوات الايرانية للفرقتين الرابعة والثالثة. ويحاصر الثوار الآن حوالي 200 - 300 جندي وضابط للنظام, يقال إن وزير الدفاع السابق فهد الفريج بينهم, ويرجح ان يكون سبب إقالته درءا للفضيحة العالمية إذا قتل أو وقع في اسر الثوار !
هذه المعركة تعطي دليلا قاطعا على هزال واهتراء قوات النظام وضعفه وعلى قوة المعارضة وقدرتها لا سيما أن سيطرتها على القاعدة سيفتح أبواب دمشق امامها !
الرابع: الانتفاضة الايرانية التي هزت صورة نظام الملالي في طهران بقوة , وكان من أهم محركاتها التورط الايراني في الصراع السوري لصالح الأسد, وظهر الشارع غاضبا ورافضا لهذه السياسة وطالب بالانسحاب من سورية وبقية الدول العربية العراق ولبنان واليمن. هذه الانتفاضة أظهرت تآكل شرعية النظام وافتقار سياسته العدوانية في الاقليم ولا سيما سورية للقاعدة الشعبية في الداخل الايراني, مما ينذر بتطورات جذرية في الوضع الايراني وانعكاساته على سورية.
الخامس: النزاع التركي مع الضامنين الروسي والايراني بسبب هجوم قوات النظام والايرانيين على ريفي حماة وادلب والتهديد باجتياح ادلب , أكبر محافظة خارج سيطرة الاسد وحلفائه . تكمن أهمية هذا النزاع في انه يشير الى أن ما سمي حلفا اقليميا بين روسيا وايران وتركيا هو كلام مبالغ فيه , وأن العلاقة بين الثلاثة هشة جدا وغير راسخة , وقابلة للانفراط بسرعة لا سيما أن الروس يتهمون تركيا بالتساهل في تمرير الاسلحة والطائرات التي استهدفت قاعدتيهم في الساحل , الأمر الذي قد يتطور الى مواجهة واسعة على غرار ما حدث في نهاية 2015 بعد اسقاط الاتراك لطائرة روسية .
نحن إذن في المحصلة أمام خمسة تطورات نوعية وكبيرة تهدد بقض مضاجع الروس وتبديد أوهام النصر التي خامرت الرئيس بوتين , وقد تحيلها كوابيس مرعبة في القريب العاجل لهم ولحليفيهم السوري والايراني أيضا , خصوصا إذا كانت الاتهامات الروسية لأميركا بالضلوع فيها لأنه يعني أن اميركا بدأت تراجع سياستها وقررت التصدي للروس والايرانيين لإفساد استقرارهم في سورية , وكان وزير الدفاع الاميركي أكد في أكثر من مناسبة لأنهم لن ينسحبوا من سورية وأن بقاءهم سيطول !
مرتكزات الأمن الفكري العربي الإسلامي
عبدالله الحيدري/اليمن
قال تعالى:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن) لا يخفى أن الأمة العربية عبر تاريخها التليـد اسـتطاعت أن تتـرك بصماتها الحضارية بكافة إشكالها وألوانها على مساحة شاسعة من البلاد والعباد شرقاً وغرباً لا ينكرها إلا ظلوم جهول.
والآن وفي ظل غمرة اشتداد الهجمات الضارية الموجهة ضد ثقافة العالم العربي والرامية بشتى السبل إلى طمس الهوية العربية ومحو المعالم الحضارية الّتي تميزت بها الحضارة العربية عبر تاريخها المجيد؛ لابد للعالم العربي بشكل عام للمفكرين والمهتمين بشؤونه من استشـعار خطورة هذه الهجمات العنيفة المركزة المدروسة، والتفكير الجاد الواعي في التصدي لها باستخدام كافة الإمكانات المتاحة الّتي لا نعتقد أنها قليلة أبداً.
فالغزو الثقافي غزو شرس، والحرب الفكرية حرب لا هوادة فيها، وهما أشد خطراً من عمليات الغزو المسلّح والحروب العسكرية لأنهما موجهان لتحطيم الهيكلية الثقافية الفكرية الإسلامية، وتقويض صـرح الحضـارة العربية وبعبارة أخرى أن الأمن الثقافي الفكـري العربي مهدد تهديداً حقيقياً، وها هي معاول الثقافة الهدامة تعمل فيه ليلاً و نهاراً دون أن يثير ذلك ـ وللأسف ـ فزع الكثيرين، أو يحرك فيهم ردة فعل ما؛ بل هناك من انحاز إلى الجانب المعـادي ورفـع عقيرتـه مناديـاً بضرورة الأخذ بالثقافة الغربية والانسجام معها، ناسـياً أن ذلـك يعنـي الانسحاق الثقافي والانتحار الحضاري، والنهاية الحقيقية لهذه الأمة الّتي علا نجمها بتوحيد الله وعدم الإشراك به سبحانه، وإقامة نظامه الرباني.
يعد الغزو الفكري الثقافي أضرى وأشد في تأثيراته من أية عملية غـزو أخرى. فالغزو العسكري عادة يثير في الأمة حالة من الانتفاض ويلهـب فيها الشعور بضرورة الدفاع والتصدي، ويضخ فيها حالة من الحمـاس والاندفاع والإقدام؛ ولهذا فطالما فشلت الحروب المسلحة فـي إسـكات أصوات الأمم حتّى وإن أخضعتها لفترة من الزمن.
أما الغزو الفكري وانطلاقاً من طبيعته التدريجية وأسلوبه الصامت فـي النفوذ، والطريقة العلمية المدروسة الّتي يوجه بها مـن قبـل الجهـات الخارجية، فلا يثير في المغزوين تلك الحالة الّتي يثيرها الغزو الحربي، ولا يخلق لديهم ردة فعل معاكسة كتلك الردة الّتي يخلقها الغـزو الأول، وهو بذلك "يقضي على قوة الصمود في الأمة، لأنه يخرجها من دائـرة كيانها الخاص، بما يمثله من قيم وعادات وتراث إلى دائرة أخرى تنتمي إلى الدولة الباغية، ومن ثم تفقد الأمة المستعمرة أصالتها الذاتية وحريتها الحقيقية، وتصبح تابعة لغيرها، وإن لم يكن في أرضها تسلط عسكري أو وجود أجنبي".
وهذا يعني الانسحاق الحضاري الكامل في نهاية المطاف، وذوبان تلـك الأمة في بحر الثقافة الغازية، وإلغاء وجودها الفكري والثقافي المتميـز ودورها الحضاري.
فبعد الفشل الذريع الّذي منيت به الحملات الصليبية الثمـان منـذ عـام 1096 وحتّى 1291 ،وطرد الفرنجة تماماً من الأراضي الإسلامية فـي أواخر القرن الثالث عشر، وبعد فشل الاستعمار السياسي فـي تحقيـق مآربه الّتي تجسدت في ابتلاع العالم العربي بأسره أرضـاً ووجـوداً وحضارة، أدرك الغرب أن العروبة والإسلام هو العقبة الوحيدة الّتي تقـف فـي طريقه بما لديه من قيم ومثل وتشريعات تـرفض كافـة ألـوان الظلـم والاستغلال والتبعية، وما تضخه هذه المفاهيم في نفوس المسـلمين مـن حالات تصد ومقاومة للبغاة والجائرين، وكل من يحاول فرض هيمنتـه على العالم العربي والبشرية جمعاء.
لقد أدرك العالم الغربي ماذا يعنيه الفكر العربي الإسلامي والثقافـة الإسـلامية، ومدى تأثيرهما على المسلمين، بعد أن كانا السبب الأول والأخيـر فـي كافة حلقات الفشل والهزائم المتلاحقة الّتي مني بها في حروبه الصليبية، وما تلاها من عمليات غزو سياسي تحت شعار الاستعمار.
وبناء على ذلك فقد توصل الغرب إلى قناعة بضرورة تشـويه العقيـدة الإسلامية، وتهشيم الفكر وسحق الثقافة الإسلامية، ولكن ليس عن طريق الغزو المسلّح ـ كما فعل خلال حرب الصـليب ـ، ولا عـن طريـق الإخضاع السياسي والاقتصادي المباشر ـ كما كان عليه حـال البلـدان الإسلامية في العهد الاستعماري ـ؛ بل عبر عملية غزو فكـري ثقـافي منظمة ومدروسة لا تثير ردود فعل واضحة ومحسوسة وتمتلك رصـيداً عظيماً من النجاح، لاسيما إذا رافقتها حالة تأن وصبر وعدم استعجال في قطف ثمار النصر المرجو.
وكان البيان الأول في هذا الغزو الجديد التشكيك في الـدين الإسـلامي، وتشويه صورته الناصعة، ورسم علامات الاستفهام حول القيم والمفاهيم الإسلامية، والتأكيد من جانب آخر على المثل الغربية والبناء الحضاري الغربي الجديد، وما قطعه الغرب من أشواط علمية بعيدة، وتطور تقنـي هائل، يعني في جملة ما يعنيه وجوب التجدد والتحديث والانفصام عـن الماضي السحيق الّذي لم يعد الالتزام بمفرداتـه منسـجماً مـع الحالـة العصرية الراهنة؛ بل إن الالتزام بها يعني الرجعية والتخلف عن مواكبة
عجلة التطور وحركة العلم!.
عجلة التطور وحركة العلم!.
وكان تركيز عملية الغزو الجديد على أبنـاء الإسـلام الدارسـين فـي الجامعات والمعاهد الغربية، حيث تمكنت من إجراء عملية غسل أدمغـة للكثيرين منهم، فعادوا إلى بلدانهم محملين بالأفكار الغربيـة ومكتسـين بثقافة الغرب المتعارضة مع الثقافة الإسلامية، فكانوا يداً ولسـاناً وقلمـاً لعملية الغزو الفكري الحضاري، وحلقة مهمة من حلقاتها؛ لكـونهم فـي تماس مباشر مع المجتمع الإسلامي، ولتعاملهم مع الشرائح المثقفة فـي غالب الأحيان، لا سيما طلبة الجامعات، ممـا يعنـي تـوفر الشـروط
الموضوعية اللازمة لنجاح عملهم في النيابة عن القائمين علـى عمليـة غزو المسلمين فكرياً وثقافياً.
الموضوعية اللازمة لنجاح عملهم في النيابة عن القائمين علـى عمليـة غزو المسلمين فكرياً وثقافياً.
وراح هؤلاء المتغربون يضمون أصواتهم إلى أصوات الغرب، ويلهجون بما تلقوه من تلقينات في وجوب الانسلاخ عن الثقافة العربية الإسلامية وارتـداء جلابيب الثقافة الغربية، وقطع أية صلة ثقافية وفكرية بالإسلام، خاصـة وأن الإسلام ـ من وجهة نظرهم ـ ليس إلاّ طقوساً عبادية وشـعائر لا تتعدى إطار علاقة ثنائية بين المسلم وربه !!
وأخذ هؤلاء يثيرون وطبقاً للإيحاءات الغربية، قضية التناقض بـين الدين والعلم، والماضي والحاضر، ويثيرون سلسلة من الاشكالات علـى لقرآن الكريم والسنة النبوية، ويطرحون المؤاخذات على كل ما له صلة بالإسلام؛ كالفقه الإسلامي والتفسـير الإسـلامي ومختلـف النظريـات والطروحات الإسلامية، والتأثير على نقاط الضعف والقضايا السلبية الّتي يحملها التاريخ الإسلامي، والّتي هي في معظمها مدسوسة.
وقد سبق دعوات دعاة الحداثة وتزامن معها نشـاط هائـل للمبشـرين والمستشرقين الغربيين، ذلك النشاط الّذي امتد إلى سائر أرجـاء العـالم الإسلامي، بل وشمل العالم غير الإسـلامي أيضـاً . ولعبـت الحركـة التبشيرية دوراً خطيراً في عملية الغزو الثقافي الفكري، وذلك لاستتارها خلف براقع الأعمال الإنسانية والتعليمية والصحية وغيرها، فاسـتطاعت من خلال ذلك النفوذ إلى المجتمعات الإسلامية وشق طريقها إليه لتبـث أفكارها الهدامة، وتسيء إلى الإسلام ومفاهيمه وقيمـه عبـر مبشـريها المعدين لهذا الغرض.
"وفاقت الحركة الاستشراقية في خطورتها الحركة التبشيرية؛ لأنها تعامت بشكل مباشر مع المفردات الإسـلامية، فأخـذت تشـوه وتحـرف مـا استطاعت، وراحت تقدم لنا التاريخ الإسلامي والشخصيات الإسلامية كما ترغب وتشاء. كما أنها راحت تقدم التراث العربي الإسلامي عبر قطـع مبعثرة لا رابطة بينها سوى تناقضات تاريخية وفكريـة سـببها حجـب الكثير من الكتب القيمة المتممة الّتي بقيت خارج إطار النشر والتـداول لتبرر هذه التناقضات وأخذنا وللأسف نتعرف على تاريخ الإسلام بل وحتّى على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والفكر الإسلامي في بعض الأحيان من خلال ما كتبه المستشرقون، الأمر الّذي يعني نجاح الجناح الاستشراقي في عملية الغزو الثقافي المدارة من خلال أجنحة عديدة تؤدي غرضاً واحداً، يصب في صالح الأيادي الخفية الّتي تحرك هذه الأجنحة.
ومما يزيد من خطورة الهجمة الراهنة غيـاب الإسـلام عـن السـاحة السياسية في مجمل البلاد الإسلامية، وانتماء حكـام المسـلمين سياسـياً وفكرياً إلى المعسكر الغربي، مما يعني مساهمتهم إزاء ما يتعرض لـه العالم الإسلامي من غزو فكري ثقافي شرس.
إنّها حقاً عملية غزو رهيبة ومنظمة، وتزداد في حدتها وشراستها يومـاً بعد آخر، ولهذا فنحن مدعوون إلى التحرك السريع الفاعل لوضع خطـة عمل مبرمجة واضحة وقائمة على أسس علمية وتربوية لصـيانة أمننـا الثقافي الفكري، وتحصين جيلنا العربي الإسلامي حصانة تعجز أسلحة هذا الغزو الجديدة عن اختراقها.
مائة عام على ميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
· وُلد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918، في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية، لأسرة تنتمي إلى قرية بني مر بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، وانتقل في مرحلة التعليم الأولية بين العديد من المدارس الابتدائية حيث كان والده دائم التنقل بحكم وظيفته في مصلحة البريد، فأنهى دراسته الابتدائية في قرية الخطاطبة إحدى قرى دلتا مصر، ثم سافر إلى القاهرة لاستكمال دراسته الثانوية، فحصل على شهادة البكالوريا من مدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة في عام 1937.
· بدأ الزعيم جمال عبدالناصر حياته العسكرية وهو في التاسعة عشرة من عمره، فحاول الالتحاق بالكلية الحربية لكن محاولته باءت بالفشل، فاختار دراسة القانون في كلية الحقوق بجامعة فؤاد (القاهرة حالياً)، وحينما أعلنت الكلية الحربية عن قبولها دفعة استثنائية تقدم بأوراقه ونجح هذه المرة، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان في يوليو 1938.
· عمل جمال عبدالناصر في منقباد بصعيد مصر فور تخرجه، ثم انتقل عام 1939 إلى السودان ورُقي إلى رتبة ملازم أول، بعدها عمل في منطقة العلمين بالصحراء الغربية ورُقي إلى رتبة يوزباشي (نقيب) في سبتمبر1942 وتولى قيادة أركان إحدى الفرق العسكرية العاملة هناك. وفي العام التالي انتدب للتدريس في الكلية الحربية وظل بها ثلاث سنوات إلى أن التحق كلية أركان حرب وتخرج فيها في 12 مايو 1948، وظل بكلية أركان حرب إلى أن قام مع مجموعة من الضباط الأحرار بثورة يوليو.
· شارك في حرب 1948 خاصة في أسدود ونجبا والفالوجا، وربما تكون الهزيمة العربية وقيام دولة إسرائيل قد دفعت بعبد الناصر وزملائه الضباط للقيام بثورة 23 يوليو 1952.
· كان لعبد الناصر دورا مهما في تشكيل وقيادة مجموعة سرية في الجيش المصري أطلقت على نفسها اسم "الضباط الأحرار"، حيث اجتمعت الخلية الأولى في منزله في يوليو 1949وضم الاجتماع ضباطاً من مختلف الانتماءات والاتجاهات الفكرية، وانتخب في عام 1950 رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، وحينما توسع التنظيم انتُخبت قيادة للتنظيم وانتُخب عبد الناصر رئيساً لتلك اللجنة، وانضم إليها اللواء محمد نجيب الذي أصبح فيما بعد أول رئيس جمهورية في مصر بعد نجاح الثورة.
· وبعد أن استقرت أوضاع الثورة أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار، قيام مجلس القيادة برئاسة عبد الناصر بمهام رئيس الجمهورية، ثم أصبح في يونيو 1956 رئيساً منتخباً لجمهورية مصر العربية في استفتاء شعبي.
· وكانت القومية العربية الهاجس الكبير لدى الزعيم جمال عبد الناصر، وقد أصدر خلال حياته السياسية العديد من القرارات الهامة كان أبرزها تأميم قناة السويس عام 1956، وإعلان الوحدة مع سوريا عام 1958، ومساندته حركات التحرر العربية والافريقية.
· كما أنه من مؤسسي حركة دول عدم الانحياز.
· بعد نكسة 1967 اهتم عبد الناصر بإعادة بناء القوات المسلحة المصرية، ودخل في حرب استنزاف مع الكيان الصهيوني عام 1968، وكان من أبرز أعماله في تلك الفترة بناء شبكة صواريخ الدفاع الجوي.
· أسس هيئة التحرير 1953 ثم الاتحاد القومي مايو 1957 ثم الاتحاد الاشتراكي مايو 1962 .
· وبعد حرب 1967 خرج عبد الناصر على الجماهير طالباً التنحي من منصبه، أعقب ذلك خروج مظاهرات في العديد من مدن مصر طالبته بعدم التنحي عن رئاسة الجمهورية واستكمال إعادة بناء القوات المسلحة تمهيدا لاستعادة الأراضي المصرية .
· وضع كتاب فلسفة الثورة .
· تعرض الزعيم لعدة محاولات اغتيال، ولكن تم إحباطها.
· توفى الزعيم جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 عن عمر يناهز 52 عامًا بعد مشاركته في اجتماع مؤتمر القمة العربي بالقاهرة لوقف القتال الناشب بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، والذي عرف بأحداث أيلول الأسود بعد 18 عاماً قضاها في السلطة، ودفن في القاهرة وحضر جنازته أكثر من 5 ملايين شخص.