تتصاعد يوميّا وتيرة الإجرام والتّرهيب في سوريّة، حيث يزداد تصميم النّظام الأسديّ وحلفائه المتعطّشين للدّم العربيّ خصوصا الفرس والرّوس على مزيد إبادة الشّعب السّوريّ المطحون، وتتوزّع حمم الموت والبراميل المتفجّرة الأسديّة مدعومة بآخر أدوات القتل والتّدمير الفتّاكة الرّوسيّة لتحصد مئات الضّحايا العزّل الأبرياء للأسباب نفسها وبذات الحجج.
لقد تشبّث رأس النّظام في سوريّة الجريحة برواية ريادة الحرب على الإرهاب متنفّلا بالدّعم والفيتو الرّوسيّ وبنفاق الإدارة الأمريكيّة وازدواجيّة المعايير لديها، فغدا الأمر مجرّد إثبات سوريّ - وهو في الحقيقة أسديّ طائفيّ إجراميّ - للولايات المتّحدة بأنّ معاداتها لعصابة الأسد لا يخدم سوى مصلحة الإرهاب والدّواعش تحديدا، وهو ما مهّد للزّمرة الأسديّة المجرمة لابتزاز المجتمع الدّوليّ برمّته حتّى تلاشت آثار الفظاعات المقزّزة التي ارتكبها نظام دمشق بحقّ شعبه وصمت بالتّالي عنها مجتمعة.
وأمام هذا التّشبّث المهووس بالتّسلّط، تنامت معاناة السّوريّين وتعاظمت صرخات الأطفال المشرّدين الميتّمين والمطاردين من الطّيران السّوريّ المجرم ومن فلول العصابات والميليشّيات الإرهابيّة الطّائفية التي استجلبها الوكيل السّوريّ تنفيذا لمخطّطات أسياده الإيرانيّين.
وعلى ترانيم المزمجرات والرّاجمات والطّائرات، ينتظر شعبنا العربيّ في سوريّة دوره في قائمة الموت والدّمار والجوع والتّشريد والتّهجير، وتشرئبّ الأعناق في كلّ مدن سوريّة وقراها وأريافها نحو السّماء للتّضرّع للخالق أن يقيها وحشيّة طغمة الفساد والإفساد حينا ولتراقب الأجواء وتتهيّأ حسب حركة الطّيران والصّواريخ الرّوسيّة إمّا للفرار أو للاحتماء والتّوقيّ متى جاز لها ذلك.
تحوّلت سوريّة إذن بفعل غطرسة نظامها الدّمويّ لمقبرة كبيرة، يحصد الجحيم المفتوح فيها رقابا لا ذنب لها إلاّ أنّها ابتليت بهذا النّظام الذي جاوز كلّ الحدود واستهتر بكلّ الأعراف والمواثيق والشّرائع وتسلّح بمخزون من الحقد الكبير على شعبه مؤثرا الحفاظ على منصبه راقصا فوق أشلاء الأطفال والنّساء والشّيوخ.
ويبقى المذهل في كلّ هذا المشهد السّوداويّ في سوريّة، هو إصرار زبانية النّظام على التّفاخر بهذا السّجلّ الإجراميّ المفزع كلّ مرّة، وهاهم لا يتورّعون على الانتشاء بما ألحقه نظامهم من مآسي وويلات ودمار بحلب.
فحلب التي حوّلها النّظام الأسديّ المجرم لمدينة أشباح تتصاعد منها روائح الشّواء والدّم والقيح، بعد أن فتح أجواءها وأراضيها للرّوس ليجرّبوا فيها أسلحتهم الاستراتيجيّة والمتوارثة عن الاتّحاد السّوفييتيّ في سياق صراعه البارد مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، تتحدّث التّقارير الأمميّة والمستقلّة عن حقيقة ما يجري فيها لتجمع على اعتباره أكبر كارثة إنسانيّة في هذا القرن. إلاّ أنّ ذلك لم يحل بين بيادق النّظام وبين أزلامه وبيادقه الإعلاميّة سواء النّاطقة بالعربيّة أو الفارسيّة أو الرّوسيّة على تقديم جريمة الإبادة البشريّة الوحشيّة في صورة الفتح المبين والنّصر العظيم الذي سيكون له ما بعده.
إنّ حلب وغيرها من المدن السّوريّة التي ترسف تحت وابل النّيران المستعرة والنّاضحة حقدا وعنصريّة، تجّمعت فيها مجاميع الشّر العالميّة وتنازعت أهدافها ومخطّطاتها ومراميها، وأطبقت عليها مجتمعة أكثر من كمّاشة باكثر من فكّ.
وتعاني سوريّة وشعبها المكلوم جرّاء نهم استعماريّ امبرياليّ لا يشبع تقوده أمريكا وحلفاؤها من جهة، وحلم روسيّ قديم متجدّد باستعادة بعض امتيازات الاتّحاد السّوفييتيّ ناهيك عن سعي ورضى بلعب دور أكبر من الدّور الإقليميّ وأقلّ بكثير من الدّور العالميّ وابتزاز أوروبّا وأمريكا في ملفّات كثيرة أخرى من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة تتعمّق المأساة السّوريّة بسبب الأجندا الإيرانيّة الفارسيّة الصّفويّة العاملة على بسط سيطرة الفرس على الوطن العربيّ وأقطاره الكبرى خصوصا العراق وسوريّة اللذين تشتدّ فيهما وتيرة التّغيير الدّيموغرافيّ وتهجير السّكّان الأصليّين واستبدالهم بأقوام هجينة من وافدين أغراب من أكثر من قوميّة.
وفي كلّ هذا الخضمّ، شكّل نظام الإجرام والعمالة الأسديّ الورقة الرّابحة والرّهان الأمثل لكلّ هذه المحاور، حيث آثر البقاء على رأس سلطة لا شعب لها ولا جماهير ولا مريدين، وتعهّد للأجنبيّ أيّا كان هذا الأجنبيّ بضمان ما يسعى إليه وما يخطّط له، وحافظ فقط على عدائه للسّوريّين جميعا إلاّ من ركب ركاب الطّائفيّة. وتبقى أعلى الفضائح التي تلطّخ نظام الأسد الصّغير علاوة على تفنّنه في تذبيح أبناء سوريّة العروبة هو ما كشف عنه وزير الخارجيّة الأمريكيّ كيري من فضيحة مدوّية تمثّلت في عرض الأسد الصّغير مصالحة على رئيس وزراء الكيان الصّهيونيّ الغاصب ناتانياهو المجرم وأيضا صمته على إعلان الحرب الذي أعلنه من يتودد إليه، من الجولان بعد ان عقد فيها لقاء وزاريّا حربيّا والذيّ تمخّض عن قراره بأنّ الجولان صهيونيّة وهكذا ستبقى للأبد.
إنّ ما تعيشه سوريّة من دمار وخراب لا يتحمّل وزره إلاّ نظام الأسد وحلفائه الفرس وأذنابهم وكذلك الرّوس، ناهيك عن المحور المقابل بقيادة أمريكا. وأمّا تعلّل كلا الفريقين بمحاربة داعش فلا يندرج إلاّ في إطار ذرّ الرّماد في العيون واستبلاه السّذّج والأغبياء.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 29-11-2016