أصدرت القيادة القوميّة لحزب البعث العربي الاشتراكي المجاهدة في 19 أكتوبر – تشرين الأوّل 2016 بيانا تاريخيّا توجّهت فيه لجماهير الأمّة العربيّة بعرض دقيق لحقيقة الوضع القوميّ العربيّ الرّاهن وعاودت فيه كشف معالم المؤامرة الكونيّة التي تستهدف الوجود العربيّ وتهدّده في الصّميم.
وحرصت القيادة المجاهدة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ على تبيان المناورات والأضاليل التي تتعكّز عليها قوى التّآمر الامبرياليّة والصّهيونيّة والفارسيّة الصّفويّة وحقيقة مقاصدها من حملتها المستعرة والمتواصلة على طريق إبادة العرب متوسّلة تارة بتفجير الصّراعات الطّائفيّة وتارة أخرى بادّعاء محاربة الإرهاب، وشدّدت القيادة القوميّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ على نسف هذا الادّعاء وحمّلت المسؤوليّة مباشرة وبدون مواربة لأقطاب الشّرّ والعدوان بالضّلوع ضلوعا مباشرا وواضحا في صناعة هذا الإرهاب ورعايته وتطويعه لخدمة أهدافها.
إنّ إصرار القيادة القوميّة على رفع اللّبس دوما على جماهير الأمّة العربيّة فيما يتعلّق خصوصا بتكتيكات الأعداء ينبع من حرصها على ضرورة استملاك هذه الجماهير وإدراكها لفحوى الدّسائس والتّربّص المتواصل بالأمّة، إذ تعي القيادة القوميّة ما تتعرّض له هذه الجماهير من حملات نفسيّة مدمّرة وعاصفة تشنّها فيالق الغدر والعدوان بقيادة أمريكا وحلفائها وخصوصا الكيان الصّهيونيّ والعدوّ الفارسيّ الصّفويّ ذي النّزعة التّوسّعيّة الاستيطانيّة الشّعوبيّة، وتسعى من خلال تشخيص الواقع لكسر ما يترتّب عن تلك الحملات التّدميريّة والتي لا تقلّ خطرا عمّا تخلّفه الأداة التّقتيليّة الحربيّة الفتّاكة، وبالتّالي فإنّها تهيّئ هذه الجماهير لاستعادة أعلى مراتب جهوزيّتها النّفسيّة للتّصدّي لتلك المخطّطات الشّريرة الآثمة.
إنّه ومن أجل إنجاح التّعبئة الجماهيريّة العامّة واستنهاض الهمم وتفجير الطّاقات المقاومة الجهاديّة الكامنة في العقل الجمعيّ العربيّ المستلهم من الموروث القيميّ والرّوحيّ والثّقافيّ المتأصّل في أمّة العرب، اعتمدت القيادة القوميّة أسلوبا في الخطاب متلائما مع التّطوّرات الرّاهنة فجاء بيانها في 19 -10-2016 متناسقا من حيث الشّكل والمحتوى مع البيان الذي سبقه في أوائل أكتوبر – تشرين الأوّل 2016 بل ومتكاملا معه ويتجلّى ذلك من خلال اعتماد الأسلوب التّعبويّ في بيانات القيادة لما له من قدرة فائقة على النّفاذ لوجدان العرب التّوّاقين للخلاص والتّحرّر والانعتاق.
فالخطاب أو البيان التّعبويّ، هو من أصعب البيانات إعدادا ومن أيسرها إقناعا للجماهير وتوعية لها على الإطلاق، ويعتبر هذا النّوع من البيانات تحديدا من تقاليد البعث المعروفة والتي سلكها دوما في المراحل الدّقيقة والمصيريّة للأمّة.
يمكّن الغوص في فحوى هذا البيان التّاريخيّ من استخلاص قراءة القيادة القوميّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ للوضع العربيّ الرّاهن وتشخيصها الدّقيق للأخطار المحدقة بالعرب، وتتراوح وتتوزّع تلك الأخطار ما بين القديم والمستحدث وإن على مستوى التّنفيذ والممارسة على الأرض على أقلّ تقدير، ولعلّ من أخطر ما استحدثه عتاة الإرهابيّين من مجاميع البغي والعدوان أمريكانا وصهاينة وفرسا صفويّين في هذه الحقبة العمل على إحداث تغيير ديموغرافيّ يمرّ وينبني على تهجير السّكّان الأصليّين للأقطار العربيّة التي تشهد سلسلة دامية من الحروب المباشرة خصوصا في العراق والاحواز العربيّة وسوريّة، حيث أوكلت الامبرياليّة الاستعماريّة بقيادة أمريكا وربيبها الكيان الصّهيونيّ الغاشم للعدوّ الفارسيّ الصّفويّ مهمّة طمس معالم عروبة الوطن العربيّ خصوصا في المناطق التي نجحت فيها منظومة ولاية الفقيه من تحقيق تواجد وثقل ديبلوماسيّ وعسكريّ قويّ فيها، فأطلقت بالتّالي اليد الطّولى للميليشيّات الإجراميّة الإرهابيّة ذات النّزعة الطّائفيّة الشّعوبيّة المتخلّفة والمسكونة بالأحقاد والثّارات لتروّع المدنيّين العزّل وتعمل فيهم سيوف بطشها بمنتهى الوحشيّة والقسوة والضّراوة ما اضطرّ مئات الآلاف من العراقيّين والسّوريّين للنّزوح المتواصل صوب الجهات التي يقدّرون أنّها أقلّ خطرا نسبيّا ودفعت كذلك أعدادا مهولة منهم للفرار واللّجوء لأروبّا حيث يكابدون أهوالا تشيب الولدان أثناء رحلات الموت وبعدها.
يأتي هذا التّأكيد والتّشديد من القيادة القوميّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ على فضح التّغيير الدّيموغرافيّ كأحد أخطر السّياسات المنتهجة من ثالوث الشّرّ والإرهاب العالميّ وبقيّة حلفائهم لتحفيز الجماهير العربيّة على مزيد من الثّبات والتّصدّي الحازم لهذا المخطّط الشّيطانيّ والتّحفّز لمقارعة تجلّياته الناعمة في سوح الوطن العربيّ الأخرى التي تعرف وضعا أمنيّا أكثر استقرارا وإن كان هشّا ومشوبا بالحذر وقابلا للتّفجّر في أيّة لحظة سيّما مع تواصل تغلغل الفرس وتمطّطهم في أكثر من قطر سواء في المشرق أو المغرب العربيّ أو مصر أو السّودان.
إنّ القيادة القوميّة وهي ترصد هذه التطوّرات وتعرضها للجماهير، فإنّها لم تفوّت كذلك بسطها بين أيدي النّظام الرّسميّ العربيّ ومخاطبتها له بمنتهى الوضوح والمسؤوليّة ودعوته لتحمّل مسؤوليّاته التّاريخيّة والقوميّة والأخلاقيّة والقانونيّة تجاه جماهير الأمّة العربيّة وتجاه المصلحة والأمن القوميّين العربيّين بعيدا عن منطق الحسابات الضّيقة والآنيّة والأنانيّة أو عن أيّ مظهر من مظاهر التّراخي والتّردّد في مواجهة هذه الأخطار وخاصّة السياسة القائمة على إحداث تغيير ديموغرافيّ كارثيّ يخطّه الفرس بإحلال مستوطنين مرتزقة مستقدمين من شتّى أصقاع الدّنيا، كما نبّهت القيادة القوميّة في بيانها التّاريخيّ النّظام الرّسميّ العربيّ من مغبّة عدم الانتصاح ودعت أركان هذا النّظام للإصغاء المسؤول لنداءات حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وخاصّة تلك الدّعوات المتكرّرة من قائد الحزب وأمينه العامّ الرّفيق شيخ المجاهدين عزّة إبراهيم الذي وضّح في أغلب خطاباته وحواراته أنّه لا حلّ لنجاة الأمّة العربيّة إلاّ بانخراط كلّ أبنائها جماهير وأنظمة رسميّة انخراطا واعيا في مشروع المقاومة العراقيّة الباسلة باعتباره صمّام الأمان الوحيد المتبقّي لتخليص الأمّة ممّا يحاك لها في أقبية المخابرات وكبريات مراكز الدّراسات الاستراتيجيّة والتّخطيط الغربيّة والصّهيونيّة والصّفويّة.
ويحضر مشروع المقاومة العراقيّة الباسلة بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وبقيّة الفصائل والقوى الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة بإشراف وتخطيط مباشر من الرّفيق القائد عزّة إبراهيم، ليحتلّ في هذا البيان التّاريخيّ مكانة متميّزة وذلك بالنّظر لما تخوضه المقاومة العراقيّة من معارك متواصلة ومفتوحة في أرض العراق على درب مطاردة الغزو ومفرزاته وأدواته وحلفائه حتّى تحرير العراق تحريرا ناجزا بمشيئة الله وعونه، وتشتدّ ملاحم المقاومة العراقيّة في هذه الظّروف العصيبة وتتفتّق عبقريّتها عن مزيد من الصّمود والتّمسّك بالغايات النّضاليّة والجهاديّة الكفاحيّة التّحرّريّة النّبيلة التي نهضت لأجلها، ولقد بلغت ذروة ثباتها وتأصّلها بتعهّدها المبارك بالتّصدّي بكلّ مسؤوليّة وصرامة وحزم للعدوان السّتّيني الذي تتعرّض له الموصل وغيرها من شمال العراق.
إنّ ملحمة المقاومة وصد جحافل العدوان السّتّيني الظّالم على الموصل، وكما بيّنت القيادة القوميّة، جديرة بان تنخرط فيها كلّ الطّاقات العربيّة على جميع الأصعدة والمستويات، وكلاّ حسب موقعه وتواجده وإمكانيّاته، ذلك لأنّ أهداف معركة الموصل الحقيقيّة هي على النّقيض تماما من تسويقات زمرة العملاء والجواسيس في بغداد المحتلّة، لا علاقة لها بتحريرها ولا بحمل الأمن وتوفير الاستقرار لأهلها بل هي فصل جديد من فصول حرب الإبادة العرقيّة المتواصلة والتي تشنّها ميليشّيات التّقتيل على الهويّة وتحرّكها نزعات طائفيّة إجراميّة حاقدة خسيسة ترجمتها تصريحات كثيرة لرموز الإرهاب والعمالة من قيادات الحشد الفارسيّ الصّفويّ كالقزم قيس الخزعلى وغيره والذي لم يتورّع عن القول " إنّ حرب الموصل هي حرب أحفاد الحسين على أحفاد يزيد " ، وهي ادّعاءات ساقطة وذلك بالنّظر لما رافق حملة الإبادة العرقيّة على الفلّوجة والرّمادي وغيرهما من نفس الأكاذيب. بل إنّ المغزى الحقيقيّ لهذه الحملة الجائرة المتغطرسة على الموصل في بعده المرحليّ هو طمس عروبتها وضرب وحدتها والانتقام من أبنائها وذلك على خلفيّة استبسالهم دوما في حسم الصّراعات والاستحقاقات العربيّة المصيريّة ومنها بالأخصّ ملاحمهم في صدّ العدوان الفارسيّ الصّفويّ الخمينيّ على العراق في ثمانينات القرن الماضي وكذلك ريادتهم مع بقيّة أبناء العراق الغيارى للمقاومة المسلّحة التي أعجزت الغزاة الأمريكان ودفعتهم للفرار من جحيم النّيران العراقيّة، وفي أبعاده العميقة يصبّ في دائرة تقسيم العراق ومن ثمّة تقسيم كلّ الوطن العربيّ بالنّظر للدّور التّاريخيّ والثّقل القوميّ للعراقيّ وأهميّة دوره في المعادلة القوميّة العربيّة.
لقد شكّل هذا البيان التّاريخيّ للقيادة القوميّة منعطفا حاسما في تاريخ الصّراع الدّائرة رحاه في ساحات الوطن العربيّ وذلك لأنّه نضح بجملة من التّوجيهات والمواقف والاستراتيجيّات الكفيلة بإحباط المخطّطات الشّيطانيّة للمتآمرين على الأمّة العربيّة شريطة استيعابها جيّدا والولوج لحقيقة مقاصدها والتّدبّر فيها مليّا وضرورة التقاط النّظام الرّسميّ خصوصا لما فيها من ممهّدات النّجاح متى صدقت النّوايا وأخلصت الإرادات وتلاقحت وتظافرت الجهود رسميّة وشعبيّة.
ويبرز أهمّية هذا البيان من خلال التّوجّه المباشر بالتّوجيهات الحزبيّة الصّارمة والأوامر التي لا تحتمل تباطؤا ولا تثاقلا في تنفيذها التي تخصّ مناضلي حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ رأسا حيث تقدّمهم القيادة القوميّة في طليعة من يتوجّب عليهم التقاط قراءاتها وخططها ناهيك عن توجيهات الرّفيق القائد عزّة إبراهيم الأمين العامّ للحزب والقائد الأعلى للمقاومة العراقيّة الباسلة بتوجّب ريادة المقاومة بمختلف صيغها المسلّحة والتشّعبيّة التّعبويّة الموسّعة، فالحزب يعي وعيا متقدّما أنّ الصّراع القائم لا يستهدف قٌطرا عربيّا بعينه ولا يتعكّز على أسلوب بذاته ولا على تكتيك واحد، ولذلك فإنّه يدرك تماما أنّ سبل مواجهة هذا الصّراع هي سبل شاملة ومتكاملة يتقاطع فيها العسكريّ الجهاديّ بالإعلاميّ والسّياسيّ والتّثقيفيّ من خلال بسط معالم المؤامرة كافّة للجماهير العربيّة في كلّ مكان في الوطن العربيّ الكبير وفي المهجر، وكذلك المواجهة القانونيّة والدّيبلوماسيّة، وهو ما دفع القيادة القوميّة للتّركيز العالي على ما تعلّقه الأمّة من انتظارات على البعثيّين باعتبارهم حاجز الصّدّ الأصلب والأكثر تهيّؤا واستعدادا وخبرة في خوض المعارك الطّاحنة وذات الصّبغة الوجوديّة خصوصا.
هذا ولم يكتسي هذا البيان التّاريخيّ أهمّيته من فضح المخطّطات الشّريرة والعنصريّة الحاقدة على العرب من الأعداء المكشوفين، ولا من بسط سبل وأدها وقبرها، ولا من التّوجّه رأسا للنّظام الرّسميّ العربيّ ودعوته للانخراط في المشروع المقاوم لهذه الأمّة والذي تقوده المقاومة العراقيّة الباسلة يحدو ركبها الرّفيق القائد شيخ المجاهدين عزّة إبراهيم ووجوب تحمّل مسؤوليّاته كلّها، ولا من خلال إصدار أوامر دقيقة ومتناهية لمناضلي البعث وتنظيماته بكافّة مستوياتها ومجالاتها لريادة المجهود القوميّ لصدّ العدوان على الموصل والعراق ومن خلالهما كلّ الأمّة العربيّة، بل بالتّأكيد تتضاعف تلك الأهميّة القصوى من خلال دعوة القيادة القوميّة لكلّ القوى الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة وكلّ نفس عربيّ حرّ أصيل بضرورة التّحفّز واستنهاض الهمم لتفويت الفرصة على أعدائهم وأعداء أمّتهم ووطنهم وبالتّالي تحقيق نقلة نوعيّة أخرى على درب استعادة أمجاد الأمّة ومن ثمّة الانطلاق للبناء والتّشييد والتّعمير وترميم ما لحق بها من أهوال وخراب نتيجة ظروف كثيرة وعوامل عديدة يظلّ أخطرها على الإطلاق هو هذا التّشتّت في المجهودات والمواجهة على أشدّها.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 01-11-2016