لمن لا يعرف تلعفر ولم يسمع بها فهي مدينة صغيرة بمساحتها كبيرة بأهميتها حيث تبلغ مساحتها 28كم مربع تقع في شمال غرب العراق، في محافظة نينوى. وتبعد عن غرب الموصل بحوالي 30 ميلاً، وعن جنوب الحدود العراقية التركية بحوالي 38 ميلاً وعن شرق الحدود العراقية السورية بحوالي 60 كم. يتبع قضاء تلعفر ثلاث نواحي:
- ربيعة وتسكنها قبيلة شمر العربية.
- ناحية زمار تتكون من 78 قرية 49 قرية عربية و29 قرية كوردية.
- ناحية العياضية خليط من التركمان والعرب.
والتقسيم الإداري أعلاه ينسف ادعاء الإعلام المغرض الذي يصورها تارة عبارة عن مدينة عرقية وأخرى عن أنها مدينة لطائفة واحدة فقط.
وكما هو حال كل مدن العراق فهي مدينة جذورها ضاربة في أعماق التاريخ حيث يرجع وجودها إلى العصر الحجري وهي من العصور ما قبل التاريخ أي (6000 ق. م) فتحت منطقة تلعفر كسائر ديار ربيعة ومنطقة الجزيرة في سنة 18هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد القائد عياض بن غنم، وفي عام 656هـ ـ 1258م دخل هولاكو إلى بغداد وتوجه قائده (سميداغو) إلى منطقة موصل وتلعفر. وفي عام 914هـ/1508م أصبحت تلعفر جزء من دولة الصفوية، وفي عام 941هـ/1534م أصبحت مدينة تلعفر جزأ من الدولة العثمانية، واحتل الإنكليز العراق في عام 1917م وسيطر الإنكليز على الموصل وتلعفر بعد قتال طويل دام ثلاثة سنوات أي في عام 1920م لحين تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب وقد دخلت تلعفر التاريخ بملحمتها الشهيرة في عام 1920م والتي بدأت بها الثورة ضد القوات الإنكليزية المحتلة فكان لتلعفر الباسلة السبق لإيقاد ثورة العشرين المباركة.
ومع بدأ معارك ما تسمى "تحرير الموصل" حتى ارتفع الجدل الإقليمي والمحلي حول مستقبل تلعفر وبرزت لواجهات الأخبار فالحشد الصفوي بقيادة سليماني مصر على أن تكون تلعفر حصته بحجة حماية "الشيعة" وحشد قرب قاعدة القيارة التي يسيطر عليها الأمريكان ما يقارب على 25 ألف مقاتل من فصائل المليشيات الصفوية بكامل تسليحها ويشرف عليهم جنرالات إيرانيون، فهل إيران فعلاً حريصة على "الشيعة" الذين لم يروا منها منذ وصول الخميني للسلطة ليومنا هذا غير القتل باسم المذهب وجعلتهم وقود لحروبها التوسعية؟!
إن ما يهم إيران هو إعادة أمجاد لإمبرطوريتها تحلم بإعادتها مستغلة الطائفية كغطاء لمشروعها التوسعي، لتلعفر أهمية استراتيجية كبيرة لإيران فالقضاء يقع على الطريق بين محافظة نينوى العراقية والأراضي السورية لذلك فإصرار الميليشيات الصفوية بدخول تلعفر ينطوي على هدف استراتيجي يتجاوز العراق بحدّ ذاته إلى إيران الداعمة لتلك التشكيلات الطائفية والحريصة على تأمين ممر حرّ لها باتجاه سوريا الخاضعة لنظام موال لها عبر الأراضي العراقية، لأن الهدف الإيراني الأبعد من تأمين ذلك الممر هو ضمان منفذ على البحر الأبيض المتوسّط عبر السواحل السورية، وكذلك يشكل قضاء تلعفر مسألة غاية في الأهمية بالنسبة إلى إيران بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها بمثابة محطة طريق مركزية تضمن استمرار وصول التجهيزات المادية والحشود البشرية القادمة من إيران إلى سوريا، وهي تظن أنها مضمونة أكثر من سواها.
فبعد أن أُعلن عن منع الميليشيات الصفوية من الاقتراب من حدود الموصل ظاهرياً، لم يعد أمام إيران سوى أن تحافظ على ما يمكن أن يضمن لها عدم إمكانية قطع الطريق عليها في اتجاه سوريا، وهو ما يمكن أن يحدث لو انضمت تلعفر إلى أجندة استعادة الموصل.
ومن هنا يصبح عزل تلعفر عن العملية العسكرية التي تشهدها الموصل والانفراد بها من قبل الميليشيات أولوية إيرانية عاجلة.
ونحن نخوض في موضوع تلعفر وأطماع ايران فيها يتوجب أن نستحضر الأطماع التركية التاريخية ليس بتلعفر فقط بل بالموصل كلها فباحتلال إيران لتلعفر ستكون على مقربة من القوات التركية في بعشيقة بل قريبة من الحدود التركية التي سارعت تركيا لتعزيز قواتها هناك وهددت من المساس بالتركمان في تلعفر في حجة مشابهة لحجة إيران، فإيران حجتها "حماية الشيعة التركمان" وتركيا حجتها "حماية التركمان" لكن إيران لا تحتاج بهدف بسط سيطرة ميدانية على عدد من المناطق العراقية، إلى التدخّل العسكري المباشر على غرار ما تسعى له تركيا هذه الأيام، بل تستخدم في ذلك الميليشيات الصفوية التي أضحت بمثابة جيش رديف يضم في صفوفه عشرات الآلاف من المقاتلين المعبأين عقائدياً والناشطين تحت راية الدفاع عن الطائفة كل ذلك يقود لتعقيد المشهد في الموصل فذاك حجته يريد حماية عرق وذاك يريد حماية طائفة وآخر له أهداف أبعد من ذلك تتعلق بوجود الأمة برمتها لكن يبقى هناك الهدف للجميع ابتلاع العراق وتقسمه طائفياً وعرقياً وتصادر هويته الوطنية والقومية.
مهما حدث في الموصل عموماً وتلعفًر خصوصاً وسوف يحدث يظل الكلام الفصل والفعل الأخير لأهلها الأصلاء بل لكل العراقيين فهم أمام تحدي الوجود وتهديد مسخ الهوية والعلاقة المجتمعية الراسخة والمتجذرة منذ وجود العراق ويبقى الكلام الفصل للمقاومة العراقية الوطنية والقومية والإسلامية التي تعهدت بحماية أرض العراق وشعبه والمحافظة على وحدته، وسيرى كل من له أطماع في العراق أن حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر وان تأريخ العراق مع الغزاة يشهد على ذلك فما هنيء غازي وما نام قرير العين معتدي.
د. أبو مصطفى الخالدي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام