ترتكب الحكومة التركية خطيئة كبرى عندما تظن أن التركمان في العراق لهم ولاء محسوم لتركيا بصرف النظر عمن يحكم فيها ويتساوى في ذلك حكم العلمانيين الاتاتوركيين أو الإسلاميين الاردوغانيين، وقطعا هذه نظرة قاصرة عن فهم تأثير الخطاب الطائفي الذي انطلق من إيران بعد وصول الخميني إلى السلطة في 11 شباط/فبراير 1979، بل حتى قبل ذلك عن طريق تأثير ما يسمى بالمرجعيات الشيعية العليا. ولو كانت حسابات تركيا سليمة أو مستندة على معرفة عميقة بتوجهات الأقليات التركمانية في كل من إيران والعراق لكان ولاء الترك الاذريين محسوما لانقرة في حين أننا نعرف أن الترك الاذريين "ما عدا تركمان صحرا" خرج منهم مراجع لهم بصماتهم على المناخ الشيعي السائد في إيران، فمن المعروف أن نشأة الدولة الصفوية تم على يد صوفي تركي هو صفي الدين اردبيلي.
أما في العصر الحديث فإن آية الله العظمى كاظم شريعتمداري ينتمي إلى المكون التركي وقاد مؤامرة شارك فيها صادق قطب زادة الذي اعدمه الخميني ووضع شريعتمداري في الإقامة الاجبارية حتى موته، والأهم من هذا أيضا أن قائد "الثورة الاسلامية" ومرشدها وهو آية الله العظمى علي خامنئي هو تركي أيضا، ويبدو أن تركيا لا تريد الخوض في هذه اللجة خشية من الغرق فيها وكي تحافظ على القول بأنها حامية العنصر التركي في العالم، وما كان على تركيا أن تغفل أن جمهورية أذربيجان المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي السابق هي شيعية أيضا ولكنها لا تشاطر إيران عقيدة الولي الفقيه وهنا يكمن الفرق بين أذربيجان الدولة واذربيجان الإيرانية.
أما في العراق فإن الأمر يأخذ طابعا أكثر حدة مما هو حاصل في كل المناطق التي يتواجد فيها العنصر التركي، فالتركمان الشيعة في العراق متعصبون لمراجعهم الدينية في النجف وقم وطهران أكثر من كل شيعة العالم وهذا الأمر لا يرتبط بقيام "الجمهورية الاسلامية" بل هو تعبير عن حالة التميز التي يحرصون عليها، فهم يناصبون تركيا عداء لا يعرف مداه إلا هم وسببه معروف، فهم يظنون أن تركيا تريد أن تلعب دورا إقليميا منافسا للدور الإيراني وهذا بحسب رأيهم خسارة للمذهب الذي يضعونه في مرتبة متقدمة على الانتماء القومي.
يتواجد التركمان في محافظة التاميم "كركوك" وفي تلعفر وغالبية التركمان من السنة والقليل منهم شيعة، وتركيا اذا كانت لا تعي غاطس الولاء فمعنى ذلك أنها بحاجة إلى مراكز دراسات متخصصة تساعد الحكومة على رسم سياساتها وخاصة في المجال الإقليمي
اما إذا كانت تعرف الحقيقة كما هي وتتصرف بسياسة استعراضية تزعم تمثيل أتراك العالم فهذا لم يعد يخدم خطابها السياسي والإعلامي وما تريده لنفسها من دور إقليمي.
في تلعفر وداقوق وكركوك أقلية تركمانية شيعية أشد كراهية وعداء وقسوة على التركمان السنة من العرب والاكراد بل حتى أقسى من العرب الشيعة نتيجة الاحتكاكات اليومية.
وبعد عام 2003 حصل عنف طائفي في تلعفر قاده محمد تقي المولى الذي كان من القادة المؤسسين للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق واستمات من أجل تحويل تلعفر إلى محافظة مستقلة عن نينوى كي يتولى خطة تشييعها وربطها بصورة محكمة بإيران وولاية الفقيه، وحصلت نتيجة ذلك مجازر ذهب ضحيتها المئات من سنة تلعفر تركمانا وعربا وتم تحويلهم إلى مواطنين من درجات متاخرة، مما دفع بكثير منهم إلى الانخراط بصفوف القاعدة وفيما بعد بصفوف تنظيم الدولة.
وبعد استيلاء تنظيم الدولة على محافظة نينوى بما فيها تلعفر نزح منها الشيعة التركمان أو ربما وجدوا أن بقاءهم يشكل خطرا على حياتهم، فتم اغراؤهم بالنزوح كجزء من حملة التعبئة ضد السنة عموما وضد تنظيم الدولة وتحضيرا لخطوة لاحقة فتم إسكانهم في كربلاء في خطوة مدروسة ومقصودة وتم تشكيل لواء منهم هو اللواء 92 والذي يشكل جزء من القوة التي تخوض معركة السيطرة على تلعفر وتشارك فيها الفرقة 15 وهي قوة من مليشيا الحشد الشيعي وكذلك اللواء 71 ولا وجود لقوات نظامية مهنية في صفوفها.
ما ينتظر تلعفر اذا دخلها لواء 92 التركماني الشيعي سيكون من أسوأ ما ينتظر تلعفر من جرائم حرب وإبادة للجنس البشري.
فهل تعرف تركيا هذه الحقائق وهل تسمح بنقلها للرأي العام التركي أم أنها ستكون كالولايات المتحدة عندما وضعت خطوطا حمرا على نظام بشار الأسد ولكنها كانت تتراجع المرة تلو الأخرى؟
إن تركيا أمام اختبار جدي فإما تخوض حربا دفاعا عن التركمان كما أعلنت مرارا وبالتالي ستواجه موقفا أمريكيا ايرانيا مضادا أو أنها ستفقد مصداقيتها ولن تستطيع استعادتها ربما لزمن طويل إن لم يكن إلى الأبد.
فأي الطريقين ستختار؟
ذلك ما سيجيب عنه قابل الأيام.