تسربت عن آخر اجتماع عقده التحالف الشيعي الحاكم معلومات وما دار فيه من تباين في وجهات النظر عن الخطة التالية التي يجب أن تعقب تمرير قانون الحشد الشعبي في برلمان يخضع لآليات عمل محكومة بسيطرة ما يسمى بالتحالف الوطني بحيث يتصرف قادته وكأنهم يمتلكون العراق أرضا وماء وهواء وسكانا، ولا يحق لغيرهم حق الاعتراض على على ما يطرح أو مجرد مناقشته، بمعنى أن سائر السكان هم مجرد أرقام خالية من أي مضمون أو مسلوبة الحقوق وما عليها إلا السمع والطاعة.
المتطرفون "وإن كان الجميع يشتركون في النظرة لحكم ما يسمونه بالأغلبية الشيعية" يصرون على الانتقال إلى خطوة أخرى تكرس حكم الشيعة، أما المعتدل منهم فيؤدي دورا في مسرحية لا يؤمن بها ولكن مضطر لتأديتها وتفرضها عليه ظروف العراق الداخلية لأن السنة رقم صعب ولا يستطيع كل من هب ودب القفز فوقه، أو الظروف الإقليمية والدولية التي توجب مسارا فيه من الاستعراضية الدبلوماسية ما يقتضي التمهل في الانتقال من خطوة إلى أخرى بحساب دقيق انتظارا لكسب صمت سنة العراق المغلوبين على أمرهم نتيجة ما لحق بهم ظلم وحيف وعسف، لاسيما وأن ما يسمى بقادة السنة في العملية السياسية أو شيوخ العشائر أو رجال الدين أظهروا في أكثر من مناسبة أنهم على استعداد لبيع أنفسهم وكرامتهم ودينهم ومعتقداتهم وأشياء أخرى لا تقل في قيمتها عن تلك القيم بثمن بخس دراهم معدودة أو بصورة تلتقط لهم مع نوري المالكي على مائدة دعارة أو دياثة، لا يعون أنها ستخّلف لأولادهم وأحفادهم عارا وشنارا لن تمحوه قرون الزمن مهما طالت.
ما طرح أخيرا في اجتماع قيادة التحالف الشيعي هو حتمية تعديل الدستور ونسج المادة التي تتحدث عن دين الدولة الرسمي على منوال المادة الواردة في الدستور الإيراني وجعلها تعبيرا قانونيا عن حالة عملية مطبقة على الأرض في الوقت الحاضر، إذ طرح غلاة الشيعة فكرة جعل المادة على النحو التالي "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثنا عشر، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير" وهذا هو نص المادة 12 من دستور إيران.
هذا ما يحصل في العراق الآن ولا يحتاج إلى أكثر من تثبيت في دستور عام 2005 الذي وضع أسسه بول بريمر، وهو الذي حدا بمجموعة داخل التحالف تريد حرق المراحل والوصول إلى أهدافها الحقيقية دفعة واحدة من دون حساب ردود الفعل إلى التحرك وفرض الأمر الواقع بالقوة، لأنها وجدت في خنوع بعض سنة العملية السياسية وشيوخ الدياثة وعلماء السوء واستعدادهم للمضي أبعد في طريق خيانتهم للبيئة التي نشأوا فيها وعشائرهم التي ينتمون إليها فرصة لإخضاع المجتمع لهذه الرؤية القاصرة عن فهم حقائق التاريخ والجغرافيا فرصة لتحقيق هذا التغيير.
لقد وجد قادة التحالف الشيعي في اصطفاف بعض خونة السنة من أعضاء البرلمان، واستعداد ما يسمى بشيوخ الأنبار وهم ليسوا أكثر من نكرات منبوذة ومن زبائن الغجر الدائمين وتنافسهم المعيب على إدارة مكتب حزب الدعوة العميل والذي ارتكب من الجرائم ما لا حصر له في محافظتهم، فرصة لرفع سقف الطموح غير المشروع وغير الأخلاقي بتبني طرح فكرة تعديل الدستور ليصبح مماثلا للدسور الإيراني في النص على مذهبية الدولة العراقية، أي جعل غالبية السكان رعايا من دون حقوق.
فهل يتعطل العقل لدى قادة التحالف الشيعي ويركبوا بغلة الغرور والحماقة ويمضون في طريق الضلالة فيقروا مشروع تعديل الدستور ويحيلونه إلى مجلس النواب الذي لا يعدو عن كونه مجرد حديقة حيوانات لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ثم إقراره بآلية عمياء صماء خرساء لا تفكير لها؟
لا غرابة إن حصل ذلك فهذا زمن العجائب وحكم الغجر والمنبوذين واللصوص وزمن تسيّد فيه العبيد على أسيادهم.