دخلت قوات الغزو من جنوب العراق وأجتاحت اولا مدنه الجنوبية والفراتية وصولا الى بغداد . لم يكن هذا المحور الأساسي للغزو أعتباطيا وليس خارج الخطط الموضوعة لمرحلة ما بعد الغزو التي هي مرحلة الاحتلال وتنفيذ الاهداف التي حصل الغزو من أجلها ومن بينها وفي مقدمتها الغاء عروبة العراق وتقسيمه .
فالدخول من الجنوب كان مقصودا لاخضاع بغداد ومحافظات جنوبها لسلطة الاحزاب والمليشيات الايرانية الصفوية والنفاذ الى بيئة المنطقة من خلال الستار الطائفي المزيف . نفاذ للجنوب والفرات تم رسمه ليشكل جغرافية ذات بيئة اجتماعية لها تجانس مفترض يمييزها تماما كما تم منح شمال العراق ميزة التجانس القومي وبهذا يترك النطاق الغربي من العراق يشكل ميزته المذهبية كرد فعل اوو طبقا لقناعات البعض المتماهية مع خطط الاحتلال فتكتمل بذلك خارطة التفتيت.
غير ان اميركا وحلفاءها قد تفاجئوا بالمقاومة الوطنية المهيئة سلفا والتي باشرت جهادها بدون اية فاصلة زمنية عن دخول الجيوش الغازية . وكان لانطلاق المقاومة اثر عظيم ليس في مقارعة الغزاة واذنابهم فقط بل في تقويض الحدود الوهمية المرسومة للتقسيم وارباك وتاخير وزعزعة جميع اجراءات عزل الجنوب والفرات الاوسط وذبح القوى الوطنية والقومية والاسلامية فيه قتلا وتهجيرا واعتقالا لاخلاء الساحة لايران واحزابها ونغولها .
استطاعت المقاومة الباسلة فتح منافذ عظيمة في الجدران الواهمة الواهية للاحتلال المجرم عبر قدراتها الفذة في ربط الفلوجة وديالى وحزام بغداد بالنجف وبابل وكربلاء وذي قار مثلا . هذا النفاذ وهذا الربط العراقي الوطني الخلاق عزز روح الرفض وزرع مسارات للامل بالخلاص عند عشائر الجنوب وأحراره وصار عامل قلق وتهديد كبير لخطط الغزاة والمحتلين وخاصة الامريكان والفرس . لقد بدى واضحا ان تفريس الجنوب والفرات تحت التوجية والحماية والادارة الامريكية لا يسير بالسهولة واليسر الذي تم تصوره قبل الغزو . ونفذت المقاومة العراقية البطلة الاف العمليات البطولية اليومية في محافظات الفرات الاوسط والجنوب هزت كيان الغزاة وكبدتهم خسائر فادحة ومنها على سبيل المثال لا الحصر عملية تمزيق مقر قوات الائتلاف التي اتخذت من معهد للمعلمين في كربلاء مقرا لها وعمليات فندق بابل التي أستهدفت هذا المقر الرئيسي للاحتلال وعمليات الديوانية وذي قار وغيرها الكثير فضلا عن المعارك الملحمية التي قصمت ظهر الغزاة في كربلاء والنجف وكان لثوار ومجاهدي الانبار عموما والفلوجة خصوصا حضور باهر فيها وكانت تشكيلات فدائيو صدام وفرسان من جيشنا الوطني وجيش القدس وتشكيلات من الجسش الشعبي ومقاتلي البعث هي من خاض غمارها ومن يدعي غير هذا فهو لا يعرف الحقيقة لان جيش المهدي مثلا لم يكن قد تشكل فعلا في حينها ولا وجود له غير الاسم الذي لم يمض على اعلانه سوى ايام قلائل.
اذن.. كان لا بد للاحتلال من عزل الجنوب عن غرب وشمال بغداد بوسيلة عزل مؤثرة تقطع سبل التواصل العراقي الحي والحميم وتدق اسفين الفرقة التي اعتمدتها الطائفية طريقا لها.
هكذا... وبعد سنوات عجاف مدمرة لامريكا وايران في الاوحال وللمستنقعات العراقية تم الاهتداء الى الحل : وهو حل طائفي يعزز ويقوي عامل التفتيت المعتمد اصلا ..انه داعش.
وتأسست بين ليلة وضحاها أغرب دولة عرفها تاريخ البشرية والسياسة. دولة لا حدود لها بل هي عابرة للحدود يمتد اخطبوطها العجيب من الشام الى العراق الى سيناء وليبيا والخليج والجزيرة واليمن وعاصمتها الافتراضية موزعة بين الموصل العراقية والرقة السورية وسرت الليبية !!.د وسلاحها هو سلاح الجيش الذي انسحب أمامها في الموصل وفيه طائرات ومدافع ودبابات وعجلات بمليارات الدولارات.
دولة وهابية هدفها الاول والاعظم تهديم مراقد أهل البيت في العراق !! وهي مراقد تمثل مفاصل محورية في عقيدة مذهبية معروفة وخطوط حمراء تسقط اذا تم عبورها عمامة الولي الفقيه الفارسية وتنتهي لعبة الخمينية من جهة وتؤجج من جهة اخرى نخوة الفراتيين والجنوبيين وتحول البيئة الاجتماعية كلها الى اعصار يهدم محطات التواصل العراقية الاصيلة وينهي فكرة التعايش الوطني .
فكرة تأسيس ما يسمى بالدولة الاسلامية في الشام والعراق والتي اشتهرت اختصارا بأسم داعش لا يمكن باي حال من الاحوال ان تخرج عن تفكير دوائر الخبث واللؤم الطائفي الذي تبنته اميركا ووكلت ايران لتنفيذه على للأرض..فالمخرحات التي أغرقت ليس ساحة انتشار داعش فقط بل كل العالم هي:
1_ ان داعش عدو طائقي شرس لاهل الفرات والجنوب العراقي.
2_ ان مهمة داعش المركزية بل مقدسها الاعلى هو هدم مراقد الائئمة الاطهار في سامراء والكاظمية وكربلاء والنجف.
3_ اعطت داعش المبرر للسيستاني لاصدار فتوى تاسيس الحشد الصفوي الذي هو بمثابة جيش فوق الجيش وكتلة متعصبة متطرفة مجرمة تحركها ضغائن واحقاد ايرانية مهلكة.
4_ تمكنت داعش واهدافها المعلنة من تكريس الاستقطاب المذهبي في الجنوب وهيأت ممكنات النفاذ الى العشائر العربية هناك التي لا يمكنها قط الحياد في موضوع المراقد ونفذت الى المثقفين والمتعلمين واخترقت قناعاتهم بذات الطريقة.
5_ مهدت داعش مسرح عمليات لتدمير المقاومة والحاضنه الشعبية وشعب المحافظات الثائرة التي عجزت أميركا وحكومة الاحتلال من تطويعها أو كسر شوكتها المجاهدة لا بالعمل المخابراتي الخبيث ولا بقوة السلاح ومنحت حشد السيستاني الطائفي الفارسي الصفوي فرص نادرة للدخول والسيطرة وتدمير ونهب هذه المحافظات .
6_ قدمت مسارات نوعية نادرة للامريكان والفرس لتكريس الطائفية والارتكاز عليها في تغذية وللترويج لمشروع تقسيم العراق الاجرامي .
7_ فتحت منافذ ومسالك كانت مغلقة أو شبه مغلقة لجر بعض أبناء شعبنا للطائفية ومشروعها التفتيتي.
8_اعطت الذرائع لامريكا وحلفاءها لاعادة بعض عساكرهم للعراق وفتحت لهم طرائق تطويق و ايذاء المقاومة العراقية الوطنية والقومية والاسلامية وهيكلة العديد من فصائلها .
9_ قتلت داعش ضباط وطياري العراق الشجعان الذين لم تتمكن منهم عصابات الجلبي والدعوة والصدر وبدر . وغدرت بالكثير من مقاتلي البعث وكوادره في استكمال مشهود للاجتثاث المجرم .
اءذن داعش محض مركب امتطته الامبريالية والصهيونية والصفوية الفارسية للعبور الى ضفاف أنجاز ما عجزت عنه هذه الاطراف التي غزت العراق لتحقيقه . داعش كانت خنجر الغدر الذي طعن به العراق وشعبه ومقاومته .
أ.د. كاظم عبد الحسين عباس
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام