كشفت صحف صهيونيّة وأخرى أمريكيّة عن فحوى اللّقاء السّرّيّ الذي انعقد قبل عام بالعقبة وضمّ كلاّ من وزير الخارجيّة الأمريكيّ وقتها جون كيري والمجرم الإرهابيّ بنيامين ناتانياهو والرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي والملك الأردنيّ عبد الله الثّاني، وتنحصر مضامين اللّقاء في خطّة قدّمها ناتانياهو تتكوّن من خمس نقاط أهمّها على الإطلاق السّماح للعصابات الصّهيونيّة بمواصلة بناء المغتصبات في الضّفّة الغربيّة وانقطاعها عن مواصلة بناء بعض النّقاط العشوائيّة ويتمتّع الكيان الصّهيونيّ بحصانة الفيتو الأمريكيّ في حال أيّ تهديد أو حملة منظّمة ضدّه في الأمم المتّحدة، ناهيك عن التّشديد على ضرورة التّفكير في المرور جدّيّا لبناء علاقات عربيّة صهيونيّة علنيّة وعاديّة وما يترتّب عن ذلك.
وبالتّزامن مع هذه التّقارير، تتواتر تسريبات أخرى على صلة بهذا الموضوع تفيد بأنّ مؤتمر زوريخ هذه الأيّام يشهد تقاربا كبيرا بين الرّؤية الصّهيونيّة والعربيّة لكثير من الأمور المتعلّقة بالمنطقة أهمّها المشكل الإيرانيّ، كما تتردّد داخل المجتمع الصّهيونيّ وخصوصا السّياسيّ منه الدّعوات للتّفكير في إحياء عمليّة السّلام لا مع الفلسطينيّين فقط بل مع كلّ العرب وفق المبادرة السّعوديّة في بداية الألفيّة الثّالثة، وتتعالى الأصوات الصّهيونيّة وتصرّ خصوصا على تصوير اللّقاء العربيّ الصّهيونيّ ضرورة استراتيجيّة حتميّة بالنّظر لالتقائهما للعداء المشترك لإيران ومصالحهما التي تستوجب عليهما ضرورة التّصدّي للخطر الإيرانيّ.
وبالرّبط بين المسألتين، فإنّ لقاء العقبة ينطوي استنادا على سريّته على تساؤلات عديدة لأنّ الأردن ومصر محكومتان باتّفاقيّات السّلام مع الكيان الصّهيونيّ، وهذا أمر معروف وثابت خصوصا على الصّعيد العربيّ الشّعبيّ، وبالتّالي فإنّه ما كان ليشكّل مباغتة أو مشكلا كبيرا إذا ما تمّ الإعلان عليه ( لا يعني هذا أنّ الأمّة غادرت رفضها القاطع لكامب ديفيد وما انجرّ عنها ). وعليه فإنّ التّعتيم عليه هو المشكل الحقيقيّ، ويفتح الباب أمام تأويلات عديدة.
ومهما يكن من أمر، فإنّ الموقف القوميّ العربيّ الثّوريّ الأصيل، وخصوصا الموقف البعثيّ وبالاستناد لأدوات التّحليل المعروفة، وبقراءة متأنّية للموضوع لا يمكن إلاّ أن يكون رافضا لكلّ ما يترتّب على اجتماع العقبة من جهة، ورافضا كذلك لكلّ المقاربات التي تدعو أو تختبر المزاج العربيّ الشّعبيّ عموما حول مدى قابليّته للاعتراف بالعدوّ الصّهيونيّ. وإنّ هذا الرّفض ليس عبثيّا ولا مزاجيّا وإنّما هو نتاج التّمسّك بالدّفاع عن العروبة والعرب ومصالحهم القوميّة العليا التي لا تقبل المهادنة ولا المخاتلة. وهو رفض مبدئي وقطعيّ، وهذا الأهمّ، لجملة من المبرّرات والحقائق التي ينبغي للعرب ألاّ يسقطوها من حساباتهم مطلقا، وهي :
1-إنّ فلسطين تظلّ القضيّة المركزيّة للعرب، وإنّ كلّ الحلول التي لا تنطلق ولا تنتهي عند تحريرها من الصّهيونيّة الغاصبة تحريرا نهائيّا إنّما هي مجرّد أوهام ومضيعة للوقت بل وخدمة مجانيّة للعدوّ الصّهيونيّ الغاصب.
2-إنّ الصّراع العربيّ الصّهيونيّ صراع وجوديّ ثابت ومفتوح، وهو صراع تتقلّد مهمّة حسمه الجماهير العربيّة والفعل الجماهيريّ والكفاح الشّعبيّ المسلّح، وهو ما لا يمكن أن يحتكره النّظام الرّسميّ العربيّ ولا أن يصادره أو ينزعه منها.
3-إنّ الصّراع العربيّ الفارسيّ وإن ارتقى بدوره لمرتبة الصّراع الوجوديّ بالنّسبة للعرب بالنّظر لما تشكّله إيران من تهديدات جدّيّة ومصيريّة للعرب ولانتهاجها الاحتلال الاستيطانيّ التّوسّعيّ الشّعوبيّ لأكثر من قٌطر عربيّ وخصوصا العراق والأحواز العربيّة واستنادا لما ترتكبه من مذابح مروّعة ضدّ العرب في سوريّة واليمن والعراق بلغ ضحاياها ما يزيد عن الخمسة ملايين عربيّ ناهيك عن بقيّة الأعمال الإرهابيّة وإغراق الوطن العربيّ في الصّراعات الطّائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة علاوة على ما تنفّذه من سياسات التّغيير الدّيموغرافيّ، لا يمكن أن يحلّ محلّ الصّراع العربيّ الصّهيونيّ.
4-وجوب إدراك العرب لاستحالة الرّهان على أحد العدوّين لحسم الصّراع ضدّ الآخر وخسرانه المبين، حيث لا يعقل أن يغدو الصّهاينة حلفاء للعرب ومساعدين لهم في صراعهم ضدّ الفرس وفي المقابل لا يجوز التّعويل على الفرس في المجهود لحسم الصّراع ضدّ الصهاينة. بل إنّ اختلاف الصّهاينة والفرس اختلاف شكليّ يتوقّف عند حدود التّنافس بينهما على ريادة منطقة الشّرق الأوسط كقوّتين إقليميّتين فيه والتّقاذف والتّراشق بالتّهم بينهما لا يزيد عن كونه للتّعمية والتّغطية عن حقيقة علاقتهما، ولكن يبقى كلّ منهما عدوّا حقيقيّا للعرب ويتّفقان فيما بينهما على تقتيلهم وتفتيتهم بل ويتحالفان ويتناوبان على ذلك. ويكفي الاستئناس بالتّاريخ وأخباره الموثوقة ليتأكّد المشكّكون بهذا، ويتعرّفوا للتّحالف الاستراتيجيّ بين الفرس والصّهاينة منذ مؤامرة كورش وإسقاط بابل وصولا لفضيحة إيران غايت إبّان الحرب الإيرانيّة على العراق.
5- إنّ الحلّ العربيّ الثّوريّ الشّامل لا يتحقّق بغير العقول والسّواعد العربيّة حصرا، وإنّ طريق الحسم طويل وشاقّ ومكلّف، ويمرّ عبر القتال على واجهتين لا مناص للمفاضلة بينهما وهما الواجهة الفارسيّة والصّهيونيّة، وإنّ المتاح فقط كهامش للمناورة لا يتجاوز تأخير إحداهما عن الأخرى. وإنّ ساحات المعركتين واضحة جليّة هي الأحواز العربيّة والعراق وفلسطين.
وهذا ما يتطلّب انخراط العرب في المجهود العسكريّ والنّضال السّياسيّ للمقاومة العراقيّة ودعم الأحواز ومقاومة شعبها البطل، فلا فلاح في أيّ مسعى تحرّريّ دون استعادة العراق عربيّا موحّدا وسيّدا ولا مجال للخوض في صدّ الأطماع الفارسيّة دون ذلك، كما أنّه لا إمكانيّة للمرور للانطلاق في تحرير فلسطين بما يتطلّبه ذلك من تخطيط وتحشيد وتعبئة في غياب الدّور الطّلائعيّ القوميّ والإنسانيّ للعراق.
فيا أيّها العرب، لا تراهنوا على جعل الصّراع مع الفرس بوّابة للاعتراف بالصّهيونيّة والتّسليم بكيانها الغاصب اللّقيط. ولا تفاضلوا بين خطر الفرس عليكم وخطر الصّهيونيّة.
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 20-02-2017