البروفيسور الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
الخطأ الفادح في السياسة هو أن تنغلق فتغلق بوجهك كل الأبواب وأن تتوهم فتذهب ريحك وأن تضع كل ما عندك من عنب في ذات السلة فيضيع عليك العنب والسلة معاً. والخطأ أيضاً في السياسة أن تتجاوز ثوابتك المعلنة فتخسر مبدئيتك.
غير هذا فإن السياسة حياة والحياة تكبر من نطفة ومن جنين ومن صغر وتموت بعد أن يولد غيرها وتبث في الأرض ما قدر لها من واجبات سلبية وإيجابية.
السياسة في عصرنا هي القدرة على تصريف الكوارث التي تحل بالأمة والشعب والوطن مثلما هي القدرة على استثمار الخيرات والثروات لصالح الشعب والأمة. السياسة أن تتقبل الخسارة مثلما تتقبل الربح وها هي أميركا تعيد فرمتة كل حساباتها وأولها دورها العالمي بعد أن أدركت الديمقراطية الأمريكية أنها انزلقت إلى مهاوي رديئة لا تحمد عقباها بعد غزو العراق.
كان عراق صدام حسين رحمه الله يقيم علاقات مع كل الأقطار العربية دون استثناء وذاك لم يكن يعني أن عراقنا العظيم كان حينها يحمل رضا وقناعات عن كل الأنظمة أو يأمل بها خيراً. حتى حافظ الأسد بكل ما يمثله من سوء وغدر وخسة لم يتركه العراق بل ظل يحاول التأثير عليه لتصحيح مواقفه دون كلل أو ملل.
حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته التاريخية كان في السلطة ويمتلك كل المفاتيح ولم يقطع شعرة معاوية لا مع كبير ولا مع صغير من العرب ولا العجم. وحزب البعث العربي الاشتراكي المستهدف بقدرات الولايات المتحدة ومعها حلف من عشرات الدول العظمى والصغرى والذي استشهد قائده صدام حسين رحمه الله ومعه قرابة ٢٠٠ ألف بعثي لحد الآن بعد غزو العراق واحتلاله يجب أن يديم ويعيد الصلة ببيئة الأنظمة العربية كما كان وصفه وحاله وتصرفه قبل الغزو.
ليس خطأ أن نديم الصلة ونعيدها مع الأنظمة العربية بل الخطأ هو أن:
نلقي سلاح المقاومة ونركن على العلاقات العامة.
نغلق ممرات ونوافذ السياسة التي تدعم السلاح.
أن نعلق آمال واهمة ونضع كل عنبنا في سلة الأنظمة.
أن نتوهم أن الأنظمة العربية ستعيد ودها أو تتجاوز بغضها وكراهيتها وأن تحمل بالتالي ونتيجة ذلك السلاح وتقاتل بدلاً عنا.
سياستنا المقاومة وإعلامنا المقاوم هو أن نؤمن بالسلاح طريق لا بديل عنه وإلقاء السلاح يعني التخلي عن العراق والأمة وعقيدتنا القومية التحررية الوحدوية الثائرة. وأن نفتح كل النوافذ والسبل الممكنة والمحتملة لإسناد قضيتنا. وأن نمتلك رؤية للغد لا يشترط أن تكون صائبة لأن الله وحده علام الغيوب ولكن يشترط أن تبنى رؤيتنا على عوامل موضوعية وذاتية.
لنقف لوهلة عند متغير نراه الآن ونتلمسه شاخصاً لا غبار عليه:
الخليج العربي حكومات وشعب يدرك الآن الخطر الفارسي الإيراني الطائفي على دول الخليج. هذا الإدراك لم يكن واضح المعالم ولا مجسداً عند غزو العراق واحتلاله. الخليج ودوله تمتلك عوامل قوة وقدرات ضخمة مادية لكنها تحتاج الموارد البشرية المقاتلة وحين تصل إيران إلى مرحلة إعلان الحرب فإن الخليج سيكون أمامه خيار اللجوء إلى المقاومة العراقية التي طالما ظلمها وتمنع عنها. هنا تكمن فرصة من فرص أحرار العراق الذين يعوزهم المال والسلاح ومن الممكن أن يقرر العرب كلاً أو جزءاً درء الخطر الإيراني المحتمل باللجوء للمقاومة العراقية قبل أن تعلن إيران الحرب عليهم. إذن السياسة يجب أن تترصد خطوط سير العدوان الإيراني على الخليج وتلتقط الفرصة. ولا أحد ينكر مثلاً أن هناك تصعيداً غير مسبوق بين السعودية ومن يتحالف معها وبين النظام الإيراني. من الغباء أن تنغلق حركة تحرر عربية على هذا العامل بل عليها أن تتعامل معه بذكاء وفطنه دون أن تعول عليه كبديل لها ولسلاحها.
العلاقة مع أميركا يجب أن يديم أحرار العراق ومقاوميه وسياسييه البحث عن منافذ لها بهدفين:
الأول: التقويض التدريجي للسياسة الأمريكية التي غزت العراق واحتلته وسلمته إلى إيران على أساس أنها سياسة مهينة وعار على أميركا وليس على العراق وشعبه. وأميركا مسؤوله عالمياً وطبقاً للقوانين الدولية والنافذة كدولة احتلال عن ألمساهمة في إصلاح وإعمار ما دمرته في العراق وتعويض من تضرر من شعبه.
الثاني: إن مقاومتنا تقاتل الأمريكان وسياستهم في العراق ومن ذلك أنها تقاتل إيران التي تحتل العراق بإرادة وخطيئة أمريكية وبالتالي فإن الحال النهائي طال الزمن أم قصر هو أن مقاومتنا يجب أن تجلس على طاولة واحدة مع الطرف المحتل عندما تحين ساعة دفعه لاستحقاقات البلد الذي احتله.
حصل تحسن نسبي في مواقف أوروبا من العراق بفضل جهود كبيرة منظورة وغير منظوره لعراقيين أحرار وبفضل حراك بعثي صامت. ومن الغباء أن تهمل أوروبا في حسابات الحراك السياسي وتحت مسوغ أنها شاركت في العدوان على بلدنا.
في السياسة.. لم يخلو العالم من معتدي ومعتدى عليه.. وفيها أيضاً.. أن الأطراف المعنية لم تقطع صلات وحلقات التفاهم حتى ينتهي العدوان وتتم معالجة آثاره..
حزب البعث العربي الاشتراكي هو الرقم الأصعب في حياة وسياسة ومقاومة الأمة في العراق وفي الأحواز والخليج وفلسطين وفي كل بقعة عربية تتحرك عليها عوامل العداء والصداقة. وليس بوسع البعض أن يحول هذا الحزب العظيم إلى مجرد حساب على تويتر أو الفيسبووك. والسياسة حكمة وصبر وبُعد نظر وليس جزع وتهور وبلادة وتخشب.. الخط الأحمر الوحيد هو الكيان الصهيوني ومن غدر بالعراق أحزاباً وميليشيات وأشخاص… هذا ما تعلمناه من منهج البعث وتجاربه الرائدة.