احتضنت طهران منذ الثّلاثاء 21 فيفري – شباط 2017 فعاليّات الدّورة السّادسة لما يسمّى بمؤتمر دعم الانتفاضة ضمّ ما يزيد عن عشرين وفد برلمانيّ ووفود أخرى متنوّعة ضمّت أشخاصا وأحزابا وخصوصا فصائل فلسطينيّة..
ويتحدّث المشرفون عليه بإسهاب شديد عن الأسباب الدّفاعة لاحتضان مثل هذا المؤتمر، ويعدّدون فضائل هذه اللّقاءات مشدّدين على نبل الغايات التي تحرّكه. وفي هذا الإطار، تتعالى الأصوات التي تؤكّد على ما لفلسطين من مكانة لدى العرب والمسلمين والأحرار في العالم باعتبارها مظلمة تاريخيّة وقضيّة عادلة يتوجّب دعمها وإسنادها بكلّ الطّرق.
كما اتّفق منظّمو المؤتمر وضيوفه والمشاركون على صبّ جام غضبهم على العرب وخصوصا النّظام الرّسميّ، واتّهموه بالتّقاعس والقعود والتّخاذل في نصرة فلسطين، كما عبّروا عن رفضهم القطعيّ لمسار التّحالف قيد التّشكّل بين العرب من جهة والكيان الصّهيونيّ وأمريكا من جهة ثانية..
ولكون الأمر كذلك، تقاطرت الفصائل الفلسطينيّة على طهران، وأفاض قياديّوها على الإشادة بإيران وبقيادتها الحكيمة وبريادتها لمشروع المقاومة في المنطقة، وبرّرت أغلب الفصائل المشاركة حضورها وأرجعتها لكون إيران باتت ملاذها الوحيد وقوّة الدّعم اليتيمة لتعزيز الصّمود ضدّ الاحتلال الغاصب.
إنّ الفصائل المقاومة الفلسطينيّة، تحتفظ بمنتهى الحرّيّة في خطّ الاستراتيجيّات والتّكتيكات المؤدّية لتصعيد أدائها ومقارعتها للاحتلال.
ولكن ما كان على هذه الفصائل أن تسمح لإيران لاستخدامها كما استخدامها دوما للعنوان الفلسطينيّ والشّعار المقاوم لتبييض وجهها الأسود ولا لمنحها مزيدا من الفرص للكسب على الأرض وعلى حساب العرب انفسهم..
وإنّنا لا نحسب أنّ الفصائل المقاومة الفلسطينيّة بهذه السّذاجة لتقع في الشّرك الفارسيّ، لأنّنا نحسب أنّ الفلسطينيّين انفسهم اعلى النّاس وعيا بزيف ادّعاء الفرس بنصرة فلسطين خصوصا منذ انتصاب ولاية الفقيه بعد سيطرة الخميني واختطافه لثورة الشّعوب الإيرانيّة. إذ ومنذ ذلك التّاريخ، رفعت إيران شعار دعم فلسطين ووجوب التّحرير ليظلّ مجرّد شعار كاذب فقط لا مخرجات على الأرض تدعمه، بل ولطالما سطّر الفرس طرق الوصول للقدس، فمرّة يمرّ الطّريق إليها عبر النّجف، ومرّة ببغداد، ثمّ الموصل فحلب فدير الزّور فدرعا فالرّياض وصولا لصنعاء، ومع ذلك لم نسجّل طيلة التّاريخ استشهاد جنديّ إيرانيّ واحد على أرض فلسطين أو في سبيلها..
وإنّنا لا ندري عن أيّة إيران تتحدّث الفصائل الفلسطينيّة، وعن أيّ دعم فارسيّ لإيران أكثر من الشّعارات الخادعة والهتافات المنافقة؟؟ بل لا نعلم يقينا هل حقّا يتابع أشقّاؤنا ورفاقنا وإخوتنا في فصائل المقاومة الفلسطينيّة ما يحدث على الأراضي العربيّة وهل يفوتهم العمل الإرهابيّ المفتوح الذي تشنّه إيران ضدّ إخوتهم من العرب في الأحواز العربيّة والعراق وسوريّة واليمن والبحرين وغيرها.. ؟
إنّ الفلسطينيّين وباعتبارهم اكثر من عانوا من ويلات الاحتلال وجرائمه، شانهم شأن العراقيّين، ما كان عليهم تحديدا أن يولّوا وجوههم صوب طهران خصوصا هذه الأيّام التي تشنّ فيها الآلة الحربيّة الاستيطانيّة الإيرانيّة حربا ضروسا على الأحواز العربيّة وتوغل في ترهيب شعبها وقمعه والتّنكيل به. ولقد كان حريّا بهم دون غيرهم، أن يرفضوا من مبدأ مقاومة الاحتلال أن ينشدوا طوق النّجاة من محتلّ آخر هو إيران..
إنّ الاحتلال الصّهيونيّ الذي يفرّ منه الفلسطينيّون ويعانون جرّاءه الويلات، لا يختلف عن الاحتلال الفارسيّ الإيرانيّ في فاصلة مهما بدت بسيطة، بل إنّ تشابها وتطابقا منقطعي النّظير يجمعان بين الفرس والصّهاينة حيث يمارسان نفس السّياسات ويتحرّكان وفق نفس الأهداف ويستندان لنفس مخزون الحقد والعنصريّة والثّارات.. فكما في فلسطين احتلال صهيونيّ توسّعيّ استيطانيّ عنصريّ يعمل على طمس عروبة فلسطين وتهويدها وتغيير خارطتها الدّيموغرافيّة، تتسارع الخطوات الفارسيّة الاستيطانيّة التّوسّعيّة العنصريّة في الأحواز العربيّة والعراق وسوريّة ويعمل الفرس على تهجير أهلها وسكّانها الأصليّين ويسابقون الزّمن لتفريسها كذلك..
وعليه، فإنّ التّسابق للحضن الفارسيّ، ليس سوى تكرار لاتّباع سياسة المحاور والانخراط فيها رغم فشل الرّهان عليها. وإنّ المحور الفارسيّ لا يمكن أن يكون واقعا محورا جديرا بالثّقة ولا حتّى بالمصادقة باعتبار النّوايا الاستيطانيّة التّوسّعيّة والعقيدة العنصريّة الشّعوبيّة الحاقدة على العرب كلّ العرب ومن بينهم فلسطين، التي تطبع أداء ولاية الفقيه ونظام حكمها المتخلّف في طهران.
وإنّ التّعويل على الفرس والرّهان على دعمهم حقّا هو رهان خاسر وستثبته الأيّام القادمة لا محالة، ولن يكون طلب الفلسطينيّين للحماية من طهران ضدّ الكيان الصّهيونيّ إلاّ كمن استجار بالرّمضاء من النّار. وهو أمل ساذج ولا ريب، لأنّه يغفل عن التّحالف السّرّي والوثيق بين الفرس والصّهاينة طيلة التّاريخ، ولأنّه خصوصا يسقط سجلّ الجرائم الفارسيّة الثّقيل ضدّ الفلسطينيّين أنفسهم، وما التّنكيل بهم وتقتيلهم وطردهم من العراق إبّان الغزو عام 2003 على أيدي الحزاب والميليشيّات الطّائفيّة الإرهابيّة المسيّرة من إيران إلاّ اكبر دليل، وأمّا عن جرائم ميليشيا حركة أمل وحزب الله فيما بحقّ فصائل المقاومة في لبنان برعاية نظام الأسد الحليف الاستراتيجيّ لإيران فحدّث ولا حرج.
ولعلّ أكبر ما يبعث على الاستغراب حقّا في تصريحات قيادات الفصائل الفلسطينيّة هو التّهجّم على النّظام الرّسميّ العربيّ، وهي نقطة مثيرة ذلك أنّ هذه الفصائل أسقطت من حساباتها الرّهان الحقيقيّ والحاضنة الأصيلة لشعب فلسطين وقضيّتها ومقاومتها. لأنّ الأصل والطّبيعيّ ليس في رهان على نظام رسميّ عربيّ متهالك، ولا في الاستعاضة عنه بالنّظام الفارسيّ العنصريّ المتخلّف، ولكنّه ينبغي أن يوليّ صوب الجماهير العربيّة التي بدون نضالها وكفاحها الشّعبيّ لن تنطلق مسيرة التّحرير جديّا.
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 23-02-2017