القمّة الرّوسيّة العربيّة الرّابعة: محاولة لقراءة الحدث
#روسيا_والعرب_وملامح_العلاقات_بينهما
احتضنت العاصمة الإماراتيّة أبو ظبي بداية هذا الأسبوع أعمال الدّورة
الرّابعة لمنتدى التّعاون الرّوسيّ العربيّ على المستوى الوزاريّ، وترأّس سيرغي لافروف وزير الخارجيّة الرّوسيّ وفد بلاده في المنتدى.
وبعيدا عن التّسويقات الدّيبوماسيّة والتّصاريح الإعلاميّة التي عادة ما تنضبط وبشدّة للرّسميّات والبروتوكلات، وبعيدا عن فحوى البيان الختاميّ الذي شدّد على أنّ هذه الدّورة كانت مناسبة لتوثيق التّعاون الرّوسيّ العربيّ في جميع المجالات، فإنّ أسئلة كثيرة تستحقّ الطّرح والتّناول وهو ما يستدعي تنزيل هذه القمّة في إطارها.
فرغم توزّع العلاقات العربية الرّوسيّة تاريخيّا واختلافها باختلاف طبيعة الأنظمة العربيّة وحسابات كلّ منها، وهي التي حافظت طويلا على عدم التّناسق بل وبلغت غالبا تضاربا شديدا، فإنّ الرّوس على الأقلّ ومن جهتهم ظلّوا طويلا يسوّقون لاحتفاظهم بصداقتهم القويّة مع العرب وخصوصا على المستوى الشّعبيّ. وحتّى هذه النّقطة تحديدا، فقدت مصداقيّتها بالنّظر للسّياسات الرّوسيّة في السّنوات الأخيرة ولحضورها في المنطقة العربيّة وخصوصا في الملفّ السّوريّ.
ويعدّ الملفّ السّوريّ بما ينطوي عليه من تباين حادّ ومتناقض في تعامل العرب معه سواء رسميّين أو على المستوى الشّعبيّ أكثر ما يمكن أن يحدّد طبيعة العلاقات العربيّة الرّوسيّة حقيقة. فالعرب منقسمون بين مؤيّد للنّظام الأسدّي وبين معارض لاستمراره وبين محايد لا يكاد يستقرّ على قراءة موضوعيّة أو موقف واحد، ومن ثمّة فالعرب كلّ حسب موقفه من سوريّة، توزّعوا بين مؤيّد ومعارض ومحايد فيما يخصّ التّدخّل الرّوسيّ في سوريّة للدّرجة التي غدت فيها موسكو المحدّد الأبرز لمستقبل المشهد السّوريّ واتّضح ذلك بجلاء كبير في المؤتمر الأخير الذي عقد في الآستانة الكازاخستانيّة.
ولا يمكن لعاقل أن يتصوّر أنّ فحوى الاجتماع في معظمه تناول غير المسألة السّوريّة والدّور الرّوسيّ فيها، دون إسقاط ما يستتبع ذلك وخصوصا الموقف وطبيعة العلاقة التي تجمع الرّوس مع الفرس.
لقد بات العرب يعبّرون بوضوح تامّ عن رفضهم للمخطّطات الإيرانيّة اتوسّعيّة التي تستهدفهم، وبالتّالي فإنّهم ينظرون بعين الرّيبة والسخط للدّعم والغطاء الذي توفّره روسيا لإيران سواء سياسيّا أو عسكريّا ما يعمّق الهوّة بين فريق واسع من العرب وبين موسكو. ولقد تموقعت روسيا خلال السّنوات الخمس الأخيرة غالبا حسبما تتوافق فيه مع طهران وكان أبرز تلك المواقف معارضتها للتّحالف الإسلاميّ ولعاصفة الحزم الجارية في اليمن وكانت قد عبّرت في أكثر من مناسبة وعلى لسان كبار مسؤوليها على انزعاجها من السّياسات السّعوديّة خصوصا هناك.
وفي المقابل تراهن روسيا من وراء القمّة هذه على إذابة الجليد بينها وبين العرب في تلك النّقطتين تحديدا، كما ستسعى لمزيد توطيد علاقاتها مع حلفائها العرب التقليديّين وعلى رأسهم مصر التي تتعرّض لتحرّشات ظاهرة من الغرب، وسيكون رأسا موضوع التّعاون العسكريّ سيّما تطوير حجم مبيعاتها الحربيّة في ظلّ تنامي المخاوف العربيّة من التّغوّل الإيرانيّ في المنطقة وسط تراجع العرقات الأميركيّة مع بعض العرب.
هذا ويظلّ العرض الذي تسوّق له روسيا حديثا والقاضي باستعدادها لاحتضان مفاوضات تجمع بين السّلطة الفلسطينيّة والصّهاينة أحد النّقاط المهمّة التي تناولتها القمّة الرّوسية العربيّة، وتندرج هذه الدّعوة في سياق سعي موسكو لاستعادة مكانتها على الصّعيد الدّوليّ بما يؤهّلها لمنافسة القوى الكبرى ومنازعتها في التّأثير وصناعة القرار العالميّ، ولا نعلم ما الذي يمكن لعرب أن يجيبوا به حول هذه الدّعوة وما ضمانات روسيا وبرنامجها من وراء هكذا دعوات، وما إذا فرضوا شروطا تتوافق مع المصلحة القوميّة العربيّة وخدم قضيّة فلسطين أم أنّهم سيقبلون مرّة أخرى بتذيّل قوائم الشّهود على مفاوضات ثبت عدم جدواها.
وإنّ ما تقدّم يدفع للتّساؤول عمّا ستحقّقه هذه القمّة للعرب في ظلّ تشتّتهم وانقسامهم خاصة على المستوى الرّسميّ، إلاّ إذا كانوا قد عقدوا العزم على الاتّعاظ من سلسلة الخطاء الطّويلة المرتكبة سابقا، وهو نفس لأمر الذي يبيح الاعتقاد بأنّ قطاف هذه القمّة وخراجها سيصبّ في كفّة روسيا أكثر بأشواط ممّا سيفيد العرب.
ويبقى اللاّعب الأمريكيّ - رغم غيابه لطبيعة الملتقى- عنصرا مهمّا في تحديد طبيعة مخارج هذه القمّة وتنفيذها على أرض الواقع، حيث لا يمكن تصوّر انّ كلا الفريقين يتجاهل تسلّم الإدارة الأمريكيّة الجديدة بقيادة ترامب مهامّها رسميّا وما يتواتر عن ذلك من تدابير وسياسات غامضة.
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 03-02-2017