فوجئ العرب وصعق العراقيّون على وقع قرار مباغت ومستراب يقضي بالتّفويت في خور عبد الله العراقيّ للكويت، حيث أعاد هذا القرار للأذهان سلسلة التّآمر الكويتيّة الطّويلة على العراق بما يحمله ذلك من انعكاسات وتداعيات كارثيّة على منظومة الأمن القوميّ العربيّ برمّتها، كما فتح الباب مجدّدا على مصراعيه لتناول مسألة وضع الكويت من الأساس باعتباره قضاء عراقيّا انتزعه الاستعمار الإنجليزيّ ورسمه لغايات وحسابات معلومة تعوّق الاستقرار وتهيئة الأجواء لنحت الأمّة العربيّة لمسارها الوحدويّ وإزالة الحدود المصطنعة الوهميّة التي فرّقت وباعدت بين الجماهير وحرمتها من أبناء والتّعمير والتّشييد والإسهام بفاعليّة في البناء الحضاريّ الكونيّ.
وبالعودة لخور عبد الله، فإنّ له أهميّة استراتيجيّة دقيقة وحسّاسة للغاية في المعادلة العراقيّة باعتباره المنفذ البحريّ الوحيد للعراق، وعليه فإنّ انتزاعه يمثّل ضربة قاصمة لبلاد ما بين النّهرين ويقضم أحد أجزائها الطّبيعيّة والحيويّة ويمثّل مسّا من سيادة العراق التّرابيّة وتعدّيا مضافا على أمنه في هذا الظّرف الدّقيق والحسّاس من تاريخه وتاريخ الأمّة العربيّة جمعاء.
وفي حقيقة الأمر، فإنّ ما تسوّق له الكويت على أنّه استرجاع لأراضي كويتيّة هو أمر عار من الصّحّة تماما وهو إثم مضاعف ومركّب يزداد للسّجلّ التّآمريّ الطّويل على العراق، إذ لم يسبق لكويت في كلّ التّاريخ ان تناولت موضوع أحقّيتها في خور عبد الله، بل إنّه وحتّى خلال الأزمة العراقيّة الكويتيّة لم تأت السّلطات على ذكر ذلك ولا المطالبة به في ظلّ التّسويات التي اقترحت وإن كانت في شكل شروط مجحفة قبل بها آنذاك النّظام الوطنيّ في العراق في مسعى لحلحة المشكلة وفي سياق إبداء تعاونه المرن مع الطّلبات العربيّة خصوصا..
وإنّه وبالنّظر لطبيعة المرحلة، ولما يمرّ به العراق من أوضاع استثنائيّة معقّدة وما يرسف تحته من مخطّطات لتقسيمه وتفتيته علاوة على الإرهاب الفارسيّ الصّفويّ وما ترتكبه إيران الخمينيّة من جرائم إرهابيّة مروّعة بحقّه أرضا وشعبا وحضارات والتي يمثّل تأجيج الصّراع والاقتتال الطّائفيّ والتّغيير الدّيموغرافيّ المتصاعد رأسه، فإنّه لا يمكن قراءة الخطوة الكويتيّة إلاّ على كونها حربا حقيقيّة على العراق وتصعيدا لحملة جديدة من التّآمر عليه.
هذا، ولا بدّ من الوقوف طويلا عند ملابسات هذه الخطوة التصعيديّة الجديدة من الكويت، ويتوجّب الإقرار بمنتهى الشّجاعة والوضوح بأنّ قضيّة استيلائها على خور عبد الله ليست استرجاعا لحقّ مغتصب إطلاقا كما تدّعي السّلطات الكويتيّة، وإنّما جاءت العمليّة في إطار صفقة خسيسة ورشوة تكشّفت معالمها واشترك فيها الثّلاثيّ الممثّل في الاحتلال الإيرانيّ والكويت وحزب الدّعوة العميل بقيادة المجرم نوري المالكي.
فالكويت تدرك قبل غيرها معاناة العراق في ظلّ ما ترتّب عن الغزو الأمريكيّ لأرض ما بين النّهرين في العام 2003، وتمتلك قراءة جيّدة لطبيعة السّلطة القائمة فيه وطبيعتها الخيانيّة وارتباطاتها بإيران وبالأمريكان ومعاداتها لمصالح العراق والعراقيّين واقعا وممارسات وتاريخا، واشترطت في مقابل دعمها لحكومة الجواسيس وللمالكي رأسا أن يفوّت هذا الأخير لها في خور عبد الله مقابل مبالغ ماليّة ضخمة تضخّ لرصيده وقدّرت الرّشوة بخمسين مليارا، كما عرضت رشوة إضافيّة لكلّ نائب يوافق على تمرير القرار القاضي بالتّنازل على خور عبد الله وكانت حصّة كلّ واحد منهم خمسة مليارات. وهكذا تنفّل عملاء إيران وبيادق الاحتلال بحفنة من الدّولارات هي همّهم الوحيد وشغلهم الشّاغل لإيمانهم بزوالهم كما الاحتلال وأنّ العراقيّين سيطردونهم حتما وإن بعد حين، وتنفّلت الكويت بما لا تمتلك في خطوة تقارب مليّة تسليم بريطانيا فلسطين للصّهاينة بدون موجب حقّ.
حيث لا المالكي ولا حزب الدّعوة الإرهابيّ العميل ولا إيران يمتلكون حقّ التّصرّف في الأراضي العراقيّة لأنّها كانت وستظلّ عراقيّة، وبالتّالي فلا يجوز لهم قانونا وأخلاقا منطقا تقرير مصير العراق والتّلاعب بمستقبله. ولا الكويت أيضا تمتلك مبرّرات وسندات سواء قانونيّة أو تاريخيّة للاستيلاء على خور عبد الله.
وهكذا، فإنّ صفقة تسليم خور عبد الله هي مؤامرة فارسيّة جديدة على العراق، وطعنة كويتيّة غادرة له. فإيران وهي التي تقف خلف هذه العمليّة المشبوهة والصّفقة الملوّثة، تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي تعمل وفق ثاراتها ونقمتها على العراق التّاريخيّة وتسعى لخنقه بكلّ السّبل مستذكرة ما كان للبحريّة العراقيّة من أثر متقدّم في تسطير ملحمة القادسيّة الثّانية فتحرمه بالتّالي من منفذه البحريّ، وتجرّ الكويت لخطأ تاريخيّ واستراتيجيّ فادح، وذلك لعلمها بأنّ العراق وشعبه ومعهم العرب الأحرار لن يغفروا هذا الجرم المنكر للكويت، وهي بذلك تدقّ إسفينا جديدا في العلاقات بين العراق والكويت وتعدّ لصراع مستقبليّ بينهما بمباركة سلطات الكويت التي لم يشف غليلها بعد من العراق رغم ما لحق به من دمار وويلات.
ولعلّ لحادثة خور عبد الله على كارثيّتها مزيّة واحدة تتمثّل في أنّها قد تدفع ملايين العرب وأحرار العالم ليراجعوا مواقفهم من الكويت وليقتنعوا بأنّ تآمرها على العراق حقيقة ثابتة لا سبيل لإنكارها فيعودوا عن اتّهامهم للعراق بأنّ حادثة الكويت في تسعينات القرن العشرين كانت مغامرة عبثيّة لا مسوّغ لها.
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 07-02-2017