...... (باعتقادي) عبارة لطالما سمعتها في صغري عندما كنت احشر نفسي في زاوية غرفة الضيوف واصغي الى جلسات الأحاديث المسائية التي كانت تدور في منزلنا بين ضيوف والدي.
وطبعا كانت أحاديثهم حينها تصب في خانة الأحداث الجسيمة التي وقعت في وطننا العربي من احتلال صهيوني لفلسطين إلى الوحدة بين مصر وسوريا والنكسة عام ١٩٦٧ والوضع العراقي في ظل الانقلابات المتتالية والوضع السوري
الداخلي وتعقيداته والحركة السياسية في لبنان وملوك الطوائف فيه و و و و.
أبي وأصدقائه كانوا بمثابة الجسر الذي عبرته الى فضاء السياسة و شغف الاطلاع ومتابعة ما يدور من أحداث ومجريات سياسية محلية وعربية وإقليمية ودولية .
وبدأت أول مطالعاتي السياسية في بداية مرحلة التعليم الثانوي عن طريق منشورات وفرتها الحركات الطلابية المتنوعة حينها .
ولفت نظري كتيبات فكرية تحت عنوان؛
القومية العربية و ذكرى الرسول العربي والوحدة العربية وتحرير فلسطين والصهيونية والإيمان والعلمانية والاشتراكية و و و و ....
منشورات وكتيبات مذيلة بتوقيع المرحوم احمد ميشيل عفلق تتسم بالجرأة العلمية الموضوعية الجريئة التي تعطي الأمة حقها الإنساني في الوجود في ظل الكم الهائل التي تختزنه من الرسالات والحضارات على مر العصور.
وأكثر ما شد انتباهي حينها وصفه العلاقة و الترابط الجدلي بين العروبة والاسلام من منطلق ايديولوجية البعث
وكرد على الحملات المشبوهة التي شنها دعاة الاسلام السياسي المتطرف الذي كفر كل فكر يعارض أفكارهم وتوجهاتهم.
أو
من العلمانيين المتطرفين الذين تبنوا مقولة أن( الدين أفيون الشعوب) .
اتسم مفهوم البعث كفكر عقلاني واقعي وجداني مضيئا على العلاقة والترابط التاريخي بين العروبة والإسلام.
ففي وطننا العربي الكبير وبالأخص المشرق العربي الذي يزخر بالتنوع الديني والمذهبي والاثني ولا سبيل في المحافظة على هذا النسيج الاجتماعي المميز من اي خرق او محاولة فك اواصر اللحمة الا بالمواطنة (العلمانية) التي تقف حائلا بوجه المتطرفين الذين يسيئون فهم مصطلحات تجاوزها الكثير من العلماء المسلمين مؤخرا .
فالعلمانية التي تبناها القوميون العرب هي مجرد الأخذ بفكرة المواطنة و حياد الدولة تجاه الأديان والطوائف والمذاهب .
*العروبة جسد روحها الاسلام.....
*كان محمداً كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمداً........
ما اروع هذه البلاغة في التعبير ، كل جملة
اختصرت كتابة مجلدات حول العلاقة الجدلية والتاريخية بين العروبة والإسلام
وهي رد حاسم على المتشددين من احزاب الاسلام السياسي بكل مذاهبه ، وتأكيد للوسطية التي تتمتع بها العروبة وعلاقتها بروح الإسلام الحنيف.
وهو من جهة اخرى ايضا رد على
الذين أسقطوا فكرة الإيمان من قاموسهم وجاهروا بإلحادهم ، متأثرين بالتطورات التي شهدتها أوروبا من ثورة ثقافية وصناعية قضت على سلطة الإكليروس (رجال الدين) وقتها ، كمؤسسة إقطاعية تستغل الفلاحين وتصادر الأراضي الزراعية وتتحكم بأقوات الشعوب وثرواته !!!!
ومن أقواله المأثورة أيضا أن (فلسطين لن تحررها الحكومات بل الكفاح الشعبي المسلح ).
وايضا ينادي بضرورة اليقظة من كل الأعداء المتربصين بالأمة وأن احتلال أي أرض عربية هي تماما كاحتلال الصهاينة لفلسطين.
وها نحن اليوم نشهد بأم أعيننا كم هائل من المتاجرين بالقضية الفلسطينية من مدعي القومية او الدين او المذهب والعجيب قلوبهم على فلسطين و حناجرهم تصدح بـ (النضال والتحرير) والمفارقة أن سيوفهم ضلت طريق الجلجلة وانحرفت بوصلتها ، وطعنوا بخناجر غدرهم المغمسة بسموم الكره والحقد والشعوبية الفارسية .
عواصم عربية منتهكة حرمات نسيجها الوطني ضاربة عرض الحائط باللحمة الوطنية وممعنة في طعن كل من عارضهم وفضح امرهم .
إن ما نشهده اليوم لهو مؤشر خطير تمر به أمتنا في استهداف وجودها وهويتها ، وما زالت الذاكرة العربية حبلي بمآسي الحكم العثماني الشعوبي المتستر بدعوى الخلافة الإسلامية والذي حكم وطننا العربي بقبضة نارية إن صح التعبير وعلى حساب كرامتنا وثرواتنا وشبابنا .
كبرت وما زلت أردد ... في اعتقادي:
أليس حريا بنا أن نتعظ بما جرى لنا حتى لا نلدغ من الجحر مرتين !!!!