أ. د. كاظم عبد الحسين عباس
استحضار المشهد الذي تعيشه أمتنا العربية بعد غزو العراق واحتلاله بطريقة موضوعية وعلمية وتفهم النتائج والتداعيات الكارثية بعيداً عن المواقف العدائية للنظام الوطني العراقي ولحزب البعث العربي الاشتراكي يمكن أن ينتج عنه رسم خارطة طريق تفصيلية للكيفية التي تواجه بها الأمة العواصف التي هبت عليها بعد اسقاط السد العراقي.
لا ينفع شتم الأمس ولا لومه أياً كانت القناعات مثلما لا ينفع الأمة أن تنحني بقامتها أمام الدول التي ساهمت بعملية التدمير ولا حتى الدول التي استثمرت الغزو لتحقق مطامعها في العراق وفي الأمة. وللموضوعية أيضاً لا يكفي أن يظل الأحرار يدورون في حلقات تمجيد الأمس وتسطير منجزاته العظيمة التي امتدت لها يد الغدر وهدمتها.
التفكير الملي يجعلنا أمام خيارات تاريخية أهمها وأكثرها نفاذاً هو خيار المقاومة المسلحة. نبنيها .. ننشئها… إن كان بعضنا يرى بعدم وجودها لأي سبب كان (وهو على خطأ طبعاً) ونعضدها ونمدها بسبل القوة والمنعة حيث هي قائمة ومعدة سلفاً حتى من قبل سنة الغزو لأن رجال العراق كانوا على يقين أن الاحتلال سيقع وأن مقاومته بالبندقية عمل لا خيار يعلو عليه بل هو واجب مقدس تفرضه شرائع الأرض والسماء وتقدسه الشعوب ويحترمه الأحرار.
وحيث أن المقاومة موجودة ولكنها محاصرة من القريب قبل البعيد واستهدافها لا يقل شراسة عن استهداف العراق العربي القومي الوحدوي السيد القوي الواعد بإقامة أمة العرب بفضائها الجغرافي العظيم وقدراتها التي تتحول بالوحدة إلى قوة عالمية مهابة وتلعب دورها الإنساني اللائق يتوجب إذن قيام جبهة قومية عريضة تضم كل قوى الأمة الحية المؤمنة بالحرية والاستقلال والسيادة والرافضة للاستعمار والاحتلال والعبودية.
إن قيام الجبهة القومية التحررية التقدمية هو الآن هدف تاريخي مقدس سيكون له حضور مفصلي في:
١- تحشيد وتوظيف كامل طاقات شعبنا لردع العدوان الخارجي الذي استضعف العرب وهدر دمائهم ومزق أمنهم واستقرارهم وأوغل في زيادة فقرهم وأهانتهم.
٢- إسناد مقاومة العرب في العراق التي يمثل انتصارها شرطاً حاسماً وضرورياً لاستعادة الأمة لحضورها وهيبتها وللمنافذ التي توصلها لاستعادة كامل حقوقها.
٣- يكون نواة حية وعظيمة لتأثيث واقع جديد لتحقيق الوحدة العربية وفق أية صيغة يتفق عليها العرب.
٤- يفتح الطريق أمام العرب لإنتاج تجربة ديمقراطية عربية تستحضر وتستلهم إرث الأمة وثقافتها وثوابتها الدينية والاجتماعية والحضارية. وهي استحقاق الإنسان العربي الذي عانى من التسلط والفقر والاستلاب وتغييب الحقوق طويلاً.
٥- توفر الإمكانات القومية لدعم حق الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وإعادة ثورته التحررية إلى عنفوانها ومسارها الأول وتنفي الحاجة لطلب العون من هذا الطرف أو ذاك وتغلق أيضاً منافذ اختراق القضية واستخدامها سياسياً من قبل البعض.
٦- إن الجبهة القومية العريضة تمنح القوى المشاركة فيها فرصاً أوسع للتفاهم والتعاون والانفتاح الفكري والعقائدي الذي إن حصل سيكون له بالغ الأثر في إلغاء الشرذمة والتفتت الذي أنجبها غزو العراق بل وتتعداه إلى ما هو أعمق من التقارب والاطمئنان والتنظيم.
٧- يمكن للعرب عبر هذه الجبهة وضع أولويات تحرير أرضهم واستعادة حقوقهم في الأحواز والخليج والجولان والإسكندرونة وسبتة ومليلة فضلاً عن تشكيل سياج حماية عظيم للأمن القومي العربي الذي بدونه تدمر الأمة وتتحقق أهداف الصهيونية والتغول الفارسي.
٨- يمكن للجبهة القومية أن توفر أجواء وبيئة عمل سياسي قومي شعبي واسع يخرج الطاقات الجماهيرية من سباتها ويعيد صورة المد القومي الذي سيغلب كل الاتجاهات المعادية لأمتنا المجيدة.
لذا نرى أن تعمل كل القوى السياسية العربية وكل التشكيلات المدنية العربية على الالتفاف حول الجهد المثابر الذي يتولاه الآن حزب البعث العربي الاشتراكي وصاغ خطوطه الأساسية الرفيق الأمين العام للحزب القائد المجاهد عزة إبراهيم لنجاح جهود إقامة هذه الجبهة التي صار انطلاقها ضرورة قومية تاريخية مثل ضرورات تحرير الأرض العربية المحتلة بدءاً من العراق.