الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وبه تنال العزة في الدنيا والآخرة، وهو من أفضل الأعمال وأجلِّ القربات، وما ذلَّ المسلمون إلا عندما تركوا الجهاد، وركنوا إلى الدنيا، فتكالب عليهم الأعداء، وتداعت عليهم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها،وذلك مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت" .
والتذكير بالجهاد في هذا الشهر المبارك، تذكير بماض مشرق، نحن أحوج ما نكون إلى الاسترشاد به، لنخرج من أزمة طال أمدها، وبعد زمنها، حتى صرنا في مؤخرة الأمم، وأصبحنا مع كثرتنا غثاءً كغثاء السيل، فنـزع الله المهابة من قلوب أعدائنا لنا، وقذف في قلوبنا حب الدنيا وكراهية الموت ، فالتذكير بالماضي ينبغي أن يساق للعبرة، وللإفادة منه في صنع حاضرنا، ورسم صورة مشرقة لمستقبلنا.
ونذكر هنا بعض الايات الحاثة على الجهاد:
يقول عز وجل : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقْتُلون ويُقْتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )التوبة:111.
وقال تعالى : ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ). الأنفال آية 74.
وقال تعالى : ) إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير ). الأنفال 72.
وقال سبحانه وتعالى ): يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (الصف:11.
وهناك الكثير من الايات التي تحض على الجهاد وعدم الركون والاستسلام مقابل وعد الله للمجاهدين المخلصين بالنصر والتمكين كقوله تعالى :
( -ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). آل عمران139.
- (قال ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون). الأنعام 135.
- (لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين). الأنبياء 105,106.
- (وإن جندنا لهم المنصورون). الصافات 173.
- (إن الله يدافع عن الذين آمنوا). الحج آية 38.
- (الله ولي الذين آمنوا). البقرة آية 257.
- (وكذلك ننجي المؤمنين). الأنبياء آية 88.
- (وإنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد). غافر51.
- (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين, الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). البقرة 175,156,155.
ووردت في فضل الجهاد الكثير من الأحاديث ، من ذلك ما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل ؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله" متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" متفق عليه.
وقال: " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض" رواه البخاري.
الجهاد كما هو بديهي ذروة سنام الإسلام وليست الغاية من الجهاد في الإسلام إزهاق النفوس وتدمير الممتلكات، وترميل النساء، ولكن الغاية هي تحرير البلاد والعباد من عبودية غير الله ونشر العدل وارساء الامن والامان لينهض الانسان بمهمته الاساسية التي خلق من اجلها الا وهي خلافة الله في الارض.
لكن هذه الدعوة للجهاد للأسف الشديد استغلت وفسرت من المارقين والمتخلفين واستغلالها في غير مواضعها ولغير غايتها والخوارج واصحاب الفتن الطائفية والمتشددين والاخوان اللامسلمين هم امثلة صارخة للمنحرفين بالجهاد عن غرضه الاساس لتحقيق اهدافهم والفئوية.
شهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد، وفيه وقعت أعظم معركتين في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: الأولى: معركة بدر الكبرى التي كانت فرقاناً فرق الله به بين الحق والباطل، وأصبح للمسلمين بعدها العزة والمنعة.
الثانية: فتح مكة، وبها زالت غربة الإسلام الأولى، وسقطت رايات الوثنية في البلد الحرام، وأصبح الإسلام عزيزاً في أرجاء الجزيرة العربية.
ولم تتوقف البشارات والفتوحات في هذا الشهر المبارك بل استمرت ليومنا هذا وهنا لايفوتنا ان نذكر ابرز الانتصارات والمعارك التي حصلت بهذا الشهر الفضيل
- فتح (البويب) في السنة 13 للهجرة و البويب قريب من مكان الكوفة اليوم.
- معركة القادسية كانت في رمضان سنة 15 للهجرة بقيادة سعد بن أبي وقاص.
- فتح النوبه سنة 31 هجرية و النوبة مملكة بشمال السودان و وسطه و جنوبه النوبة السفلى و النوبة الوسطى و النوبة العليا
- فتح بلاد الأندلس كان في رمضان سنة 92 هـ بقيادة طارق بن زياد.
- بلاط الشهداء سنة 114 هجرية معركة بين المسلمين و الجيوش الصليبية.
–فتح عمورية: وهي بلدة كبيرة قرب أنقرة ، وكان الروم قد هاجموا المسلمين وقتلوا منهم مقتلةً عظيمةً، وأسروا الرجال وسبَوا النساء، فصاحت منهم امرأة هاشمية: "وامعتصماه"، فبلغ الخبر المعتصم، فأجابها وهو جالس على عرشه لبيك، لبيكِ وجهز جيشًا عظيمًا، وخرج إلى الروم، فافتتح عمورية في رمضان سنة 223ه.
- معركة الزلاقة وهي في جنوب دولة إسبانيا حالياً كانت في سنة 479هـ.
- موقعة حطين كانت في رمضان سنة 584هـ بقيادة صلاح الدين.
– معركة المنصورة سنة 647 هجرية بمصر
– معركة عين جالوت في فلسطين سنة 658 هجرية معركة فتحث فيها بيسان و نابلس وعين جالوت بطلها القائد السلطان سيف الدين فطز بن عبد الله المعزي.
- معركة شَقْحَب أو مرج الصفر وهو موضع قرب دمشق، وكانت في أول رمضان سنة 702ه بين المسلمين من أهل الشام ومصر مع التتار، بقيادة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ومعه ابن تيميَّة يُشجِّعهم ويأمرهم بالجهاد ويُشارِكهم فيه، ويَعِدهم بالنصر، ويحلف لهم بالله إنهم منصورون.
- حرب رمضان/أكتوبر 1973 كانت في رمضان سنة 1393ه، وفيها تمكنت القوات العربية من الانتصار على القوات الصهيونية الغاصبة، فعبرت الجيوش العربية قناة السويس وحطمت أسطورة "الجيش االصهيوني" الذي لا يقهر، وهدموا بحمد الله خط بارليف وحررت الأرض.
- في القادسية الثانية قادسية صدام المجيدة كان لجيش القادسية صولات وجولات وانتصارات ضد العدو الايراني في رمضان طيلة الثمان سنوات تكللت بنصراً كبير في 17 أبريل/نيسان 1988 والذي وافق الاول من رمضان المبارك ، حيث كانت معارك رمضان مبارك التي حررت بها الفاو والتي كانت مقدمة وبوابة النصر العظيم ضد تتار العصر ليتجرعوا سم الهزيمة .
- بعد احتلال العراق كانت للمقاومة العراقية ومازالت صولات في رمضان ضد الاحتلال ومخلفاته.
- معركة الفلوجة الثانية في النصف الثاني من رمضان 1424 هـ، الموافق نوفمبر 2004.
مما سبق يتبين لنا للاسف أن هذا المفهوم قد انقلب في نفوس الكثير اليوم، فبعد أن كان رمضان شهر الجهاد والعمل والتضحية، أصبح شهراً للكسل والبطالة وفضول النوم والطعام، وهو انتكاس خطير في المفاهيم، يجب تصحيحه، حتى تعيش الأمة رمضان كما عاشه نبينا صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من بعده جهاداً وعبادة وعملاً وتضحية، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أبو داود.
ندعو الله سبحانه وتعالى ان يجعل شهر رمضان الذي نعيش ايامه هذا العام شهر خير وبركة وانتصارات وتفريج كربة كل من يواجه كربة انه سميع مجيب الدعاء . اللهم امين .