سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أنيس الهمامي / تونس - التسوية السياسية في ليبيا: أي حجم لدور تونسي وأي آفاق للنجاح؟ من مقالات العدد 36 من مجلة صدى نبض العروبة


لا يختلف عاقلان حول طبيعة العلاقة التاريخية بين تونس وليبيا وأهميتها على جميع المستويات حيث يرتبط مصير تونس وليبيا ارتباطا جدليا فلا استقرار لأحدهما دون استقرار الآخر، وتتعمق عضوية تلك العلاقة خاصة على الصعيد الشعبي لما يربط بين التونسيين والليبيين من وشائج وعرى متينة وصلبة يصعب
تجاهلها أو النيل منها. وفي ظل هذه الحقيقة الثابتة وبناء على حقائق التاريخ والجغرافيا، فإن من بديهيات الأمور أن يكون لتونس دور ريادي في حلحلة المسألة الليبية وتخليص شعبنا العربي في ليبيا من المآسي المركبة التي تنغص عيشه. 
وينجر عن القول بوجوب اضطلاع تونس بدور مهم وحيوي في أي تسوية ممكنة للملف الليبي أن تتسلح الدولة التونسية بحزمة من الرؤى والحلول الممكنة والضامنة لاستتباب الأمن في ليبيا وحقن دماء أبنائها واسترجاع استقرارها وتماسكها وخصوصا إعادة مفهوم الدولة ومقوماتها في ليبيا بعدما خلفه العدوان الأطلسي الغادر بتواطئ عدد من الأنظمة العربية من تفكك وانهيار شاملين طالا كل جوانب الحياة فيها، وهو ما يجب أيضا أن يصب في وفاض تونس ذاتها وذلك بالنظر لما تمثله ليبيا من عمق استراتيجي لها يستحيل القفز عليه أو الاستخفاف به.
لقد شهدت تونس مؤخرا حراكا ديبلوماسيا متسارعا فيما يتعلق بالبحث في مستقبل ليبيا، وهو حراك متماه مع ما تقدمت به من مبادرات سابقة في هذا الغرض، ولعل من أبرز محطاته زيارة المشير خليفة حفتر واستقباله من رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي واحتضان تونس لجلسة الحوار الوطني الليبي بإشراف أممي. 
إن الحديث عن دور تونسي في إيجاد مخرج للمأزق الليبي لا يجب أن يحجب عنا الرؤية فننظر للمسألة فقط في جوانبها الفنية الصرفة وبالتالي نحصر ذلك الدور في مجرد احتضان لندوات وجلسات حوار وبيانات متعددة تصدر عن هذه الجهة أو تلك قد لا يكون مصيرها مخالفا لغيرها من  المبادرات الإقليمية والدولية المشابهة، ولا ينبغي ههنا تجاهل دور مصر والجزائر والسودان باعتبارها أقطارا عربية مجاورة لليبيا وكل أقطار المغرب العربي وبقية الوطن العربي. 
بلى قد يكون من الأهمية بمكان مشاركة تونس ومصر والجزائر والسودان وبقية الأقطار العربية في مثل هذا المسار، لكن يبقى الأهم والأكثر إلحاحا هو مدى إخلاص هذه الدول ومدى استعدادها بل وحدود إدراكها أصلا لضرورة حل القضية الليبية حلا شاملا وجذريا منطلقا من رؤية قومية رصينة وعقلانية تغلب المصلحة العربية الاستراتيجية العليا على غيرها من الحسابات الأخرى، وهي الأمور التي وإن توفرها ستظل لوحدها مرتبطة بحسابات صناع القرار الدولي الذين تورطوا في جريمة تدمير ليبيا.
فلا يعقل أن يقتصر الفعل التونسي في الحل الليبي المرتقب على تقمص دور الوسيط الفاقد لقوة الاقتراح وإيجاد البدائل أو المحتضن للحدث دون تجاوز حدود الضيافة. 
ولكن هل يمكن التسليم بجهوزية تونس لمثل هذه المهمة؟
إن المتابع للمشهد السياسي في تونس ولأداء النظام فيها بشكل عام سيصطدم بحقائق مفزعة تقلص من هوامش التفاؤل في نجاح تونس الرسمية في عزمها. فعلاوة على ما تعانيه تونس من أزمات داخلية مختلفة يسعى النظام والإعلام التونسي للتقليل منها وإنكارها، وهو ما سينعكس سلبا على أي دور تضطلع به إقليميا، فإن الأمر يتضاعف مرات ومرات فيما يتعلق بليبيا تحديدا حيث تفتقد تونس لليوم لسياسية ديبلوماسية واضحة ومتناسقة وموحدة للمسألة الليبية، ويتضح ذلك جليا من:
تسجيل حالات اضطراب وارتباك كبيرين في التعامل الرسمي التونسي مع المسألة على الصعيد الديبلوماسي، فلقد سبق مثلا لتونس أن اعترفت بطرفي النزاع في ليبيا وتعاملت رسميا مع حكومتي طرابلس والشرق الليبي كلا على حدة.
 افتقار تونس لعوامل الضغط والتأثير على الفرقاء الليبيين.
 غياب مركزية القرار السياسي والديبلوماسي خاصة، ما أدى لانعدام الخطة الموحدة والرؤية الواحدة لسبل الحل وأدواته في ليبيا، يبرز ذلك جليا من خلال ازدواجية المواقف والإجراءات.
وكمثال صارخ على ذلك، وتزامنا مع استقبال الرئيس التونسي لخليفة حفتر، كان رئيس حركة النهضة الطرف القوي والفاعل في التحالف الحاكم في تونس راشد الغنوشي يعقد لقاء في مدينة جربة التونسية مع عبد الباسط اقطيط المرشح السابق لرئاسة الوزراء وهو الذي تحوم حوله شبهات الارتباطات الوثيقة بأمريكا والكيان الصهيوني ومخابراته رأسا ناهيك عن زواجه من أمريكية صهيونية هي سارة برونفمان وبنت الملياردير الصهيوني ادقار برونفمان الرئيس السابق للكونغرس اليهودي العالمي، وحري بالتذكير في هذا الصدد أن لقاء جربة بإشراف الغنوشي حضره عدد من قيادات التيار الإسلامي في ليبيا، كزعيم حزب العدالة والبناء التنظيم السياسي لجماعة الإخوان الليبية، محمد صوان، وقياديين آخرين من الجماعة والجبهة الليبية المقاتلة، كان الهدف منه توفير الدعم لاقطيط.
 تعثر الأداء الديبلوماسي وغياب شبه كلي للحضور الرسمي لتونس في ليبيا وأبرز مظاهر ذلك:
 أ‌-عجز تونس عن التعامل مع قضية رعاياها المخطوفين في ليبيا وخصوصا الصحفيين نذير القطاري وسفيان الشورابي واللذين يواجهان مصيرا مجهولا لا تملك حياله الدولة التونسية أي معلومة رسمية.
 ب‌- تحركات شخصية في ظروف مسترابة لعدد من رجال الأعمال التونسيين لليبيا وخوضهم في مسائل سياسية ادعوا أكثر من مرة أنهم يمثلون فيها الدولة وسط صمت رسمي من السلطات عن مثل هذه الأحداث.
 ج- تواتر زيارة عدد من الأحزاب التونسية لليبيا والتقاء كل منها بطرف أو محور بذاته، دون علم السلطات. 
 د- عدم جدية تونس في تسويقها لحرصها على سلامة ليبيا أرضا وشعبا، فلقد سبق لمركز استراتيجي مرتبط برئاسة الجمهورية مباركته لتقسيم ليبيا لثلاثة أقاليم حلا أنجع للمسألة الليبية. 

إن من شأن مثل هذه المعطيات وغيرها، لا سيما تلك المتعلقة بالجوانب الأمنية والعسكرية وما يتعلق بالإرهاب رأسا، وغياب الدولة وتفككها في ليبيا سيجعل من حظوظ تونس ضئيلة جدا في نحت معالم تطويق الأزمة والوصول بالليبيين لبر الأمان، وحتى المباركة الأممية وتوصية الاتحاد الإفريقي بضرورة إنجاح الحوارات بين الفرقاء الليبيين وترحيب الجامعة العربية المتهالكة هي الأخرى لن يكون لها مجتمعة أي دور مرتقب في حلحلة المسألة.
ويبقى الأمل قائما لإنجاح مبادرة تونس شرط أن تولي سلطاتها أهمية قصوى للشعب الليبي وتطلعاته بعيدا عن منطق الوصاية من جهة وخارج دائرة الارتباطات بالمحاور من جهة أخرى مع ضرورة التنسيق المشترك والمتواصل مع مصر والجزائر.

www.alssadaa.net

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018