سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د. اياد حمزة الزبيدي / العراق -  الغزو الفكري والثقافي للمجتمع العربي. من مقالات العدد 36 من مجلة صدى نبض العروبة



تغزو الثقافة الغربية المنطقة العربية من الجريدة والمجلة والكتاب، والانترنت والكمبيوتر، والأفلام السينمائية، والصحافة، والكتب المترجمة وهي كثيرة. وهذا يجعل الإنسان العربي ينزلق في
التبعية الثقافية، ويتنفس الفكر الغربي. وكل ذلك يأتي بتخطيط دقيق من شركات ومؤسسات ووكالات متخصصة تريد أن تصهر العالم كله في بوتقة الغرب، ضمن المخططات والبرمجة الغربية .لذا نستطيع وصف هذا الغزو الفكري بأنه لا يحتل أرضاً ،ولكنه يشل عقلاً، ولا يسيطر على البلاد، ولكنه يهيمن على الشعوب ،ولا يحتل مساحة من الأرض ، ولكنه يحتل شخصية الإنسان  وعقله ، لذلك تصعب معالجة ذلك الغزو ، كونه يحتاج إلى صبر طويل ،وحلم وعقل وأناة وعمل دؤوب. وبالرغم من أن العرب يملكون رصيداً كبيراً من مقومات القوة والتفوق بشرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، ولكن يساء استخدام هذا الرصيد، مما يجعل هذه المقومات الضخمة مشلولة في أيديهم. وتجعل طموحهم إلى مجاراة التقدم العلمي والثقافي والتقني لا يحقق لهم تواجداً ملموساً في تلك المجالات .
أولاً – مفهوم الغزو الفكري والثقافي 
" الغزو الفكري غزو نراه ،ولكننا نلمس آثاره. وهو تشويه لتاريخنا، وطعن بأعلامه ،وتجريح بتاريخه، وتشكيك برواياته، ورفض لعطاءاته، وطمس لعصره الذهبي وحضارته الإنسانية، وافتراء على رجالاته ".هذا ما أشار إليه د. شوقي أبو خليل في ضبابية الغزو الفكري الوافد وما يضمره المستعمرون للأمة العربية من محاولات محو الهوية وتدمير التراث .
فالغزو الفكري والثقافي  مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على أمة أخرى ،أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة ،وهو أخطر من الغزو العسكري ، لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية ، وسلوك المآرب الخفية في بادئ الأمر ،فلا تحس به الأمة المستهدفة ، ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له ،وتكون نتيجة أن هذه الأمة مريضة الفكر ولإحساس، تحب ما يريده لها عدوها أن تحبه ،وتكره ما يريد منها أن تكرهه . وبالتالي أصبح الغزو الفكري حقيقة ما ثلة أمامنا  نراها رأي العين ، سواء في الإعلام أو التعليم ، أو الحياة الاجتماعية المتمثلة في العادات والتقاليد والموروثات من لباس ونمط الحياة .
والغزو الثقافي هو تدمير بطيء للعقل والروح معاً ، مع شل الوعي  والإدراك والإحساس الوطني. وهو يتمثل في الإعلان التجاري الفاسد الذي يخرب الذوق ويخدش الحياء وفي الانبهار الأعمى بأضواء المادية الغربية. وهو عبارة عن محرض ومحفز مثير لمخازن العواطف والغرائز للإنسان العربي ، وذلك بغرض إلهائه وتغريبه عن وجوده ، وتفتيت هويته . فهو يطرق عقل الإنسان العربي وعاطفته من اجل إعادة صياغة وعيه ، وتشكيل ذهنية ، وقولبة شخصيته بالتدريج وبهدوء، وبخبث وخداع ومكر ، وبطريقة تبدو  وكأنها  بريئة في أكثر الأحيان . فهو ثقافة الترفيه والضياع والإمتاع ، وهو الثرثرة التي تقوم بتخدير الإنسان العربي ، وشل دوره الحضاري والإنساني وسط خضم الأحداث العالمية .
ثانياً – أهداف الغزو الفكري
يهدف الغزو الفكري للمجتمع العربي إلى أن يبقى خاضعاً لنفوذ القوى المعادية له ، وتابعاً لتلك الدول المتقدمة تبعية غير منظورة .وأن تتبنى الأمة  العربية أفكار أمة أخرى من الأمم الكبيرة دون تأمل وتدقيق ، من حيث مناهج التربية والتعليم  فتطبقها على أبنائها وأجيالها ، فتشوه بذلك فكرهم وتمسح عقولهم . وبذلك يصبح هناك طلاق بين حاضر الأمة العربية وماضيها ، وبالتالي  يكون مستقبله مرهوناً بتبعيتها لتلك الدول المتقدمة . وما دام الإنسان لا يفكر إلا باللغة ، فإن  إضعاف لغة أمة هو إضعاف لفكرها ،وهذا من أخطر أهداف  الغزو الفكري والثقافي عندما تحاول الدولة المستعمرة أن تفرض لغتها كبديل عن اللغة العربية، أو أن تحاول أن تنشر وتروج اللهجات العامية أو الإقليمية على حساب اللغة الأم .ليس هذا فحسب بل الهدف هو أن تسود الأمة العربية أخلاق الأمة الغازية وعاداتها وتقاليدها ، وتصوير تراث الأمة العربية بصورة التخلف ،وعدم قدرته على إمداد الحضارة بشيء مفيد ،وأنه لم يكن له الفضل على الحضارات التي جاءت بعده  . إلى جانب إحياء الجوانب الضعيفة في التراث العربي  ،خاصة فيما يتعلق بالخلافات السياسية التي  وقعت بين العرب أنفسهم .
وفي غفلة من الأمة العربية يكونون قد خرجوا جيلاً – إن لم نقل أجيالاً – يرتبط بهم فكراً ومضموناً ،وإن كان يختلف عنهم لساناً وشكلاً ، وأثقلوا وطأتهم على الشرق ،ولكنهم في هذه المرة بأسلوب أمكر مما كانوا عليه ، فقد تسللوا إلى الأدمغة والعقول التي ربوها في جامعاتهم ومدارسهم عن طريق التنمية لهذه الدول المستضعفة .
وعليه فإن هذا يستدعي منا وقفة جدية ندرك فيها أن الذوبان في الأخر هو خطر لا يمكن إصلاحه .أما من يحتج علينا بالتطور والحضارة ،فإنه يجب أن يعرف أن التطور لا يثمر إلا بوجود خصوصية حضارية .وعليه فيجب علينا المحافظة على ما بقي من الموروثات الحضارية ،وتطويرها ، والعمل على الرقي  بها ، وهذا لا يعني بالضرورة الانغلاق على أنفسها، ورفض كل ما هو خارجي لأنه خارجي .
ثالثا: مظاهر الغزو الفكري
في فترة النصف الثاني من القرن العشرين كانت مظاهر الغزو الثقافي الغربي للعالم العربي  وآلياته تتمثل في فساد القيم الفكرية والاجتماعية  التي  انتشرت مع الاستعمار ،وإضعاف الشعور بالقومية وانحلال الحاسة الوطنية عند بعض الأدباء والمثقفين  ،حيث تسرب الغزو الثقافي   عن طريق غزو اللغة إلى  الأدب وكان أثره خطيراً على أصحاب المواهب الأدبية ، كما يقول المفكر المغربي عبد الكريم غلاب . وتوالت مظاهر الغزو الفكري تنتشر بين العرب بأشكال مختلفة ، منها الفكري والثقافي ، والعسكري ... الخ ، وسوف نذكر بعضاً من هذه المظاهر وهي :
1- حملات التشويه : وقد مست كل ما يتصل بالعرب من (عقائد ، ونظم ، وتراث ، وتاريخ ، وفكر ، وحياة ....الخ .
2-  إحياء النزعات الجاهلية التي لا تتفق مع تعاليم العرب  كالدعوة إلى إحياء القوميات المتعددة كالفرعونية، والآشورية، والبابلية، والفينيقية...الخ .
3- الدعوة إلى التحلل والإباحية: من اجل طعن الأمة العربية في أخلاقها وقيمها .
4- التعليم والثقافة: ولا يخفى أن الغزو الفكري ينتشر من خلال مدارس التعليم ومعاهده وجامعاته أفضل من أي مظهر أخر.
5- الخدمات الاجتماعية: واستغلالها كطريق يساعد على إمرار ما يراد إمراره، ولذلك أصبحت المخيمات، والمستشفيات، والمستوصفات ، والجمعيات الخيرية، ووكالة الإغاثة، ودور الأيتام، والمسنين، وغيرها .. مراكز غزو.
رابعاً – وسائل الغزو الفكري والثقافي للأمة الغربية
سنتناول أهم الوسائل والممارسات والخطط التي مارسها الاستعمار القديم والحديث على الأمة العربية:
1- التبشير: منذ مطلع القرن الرابع عشر الميلادي بدأت موجات التبشير تغزو المجتمع العربي تحت ستار فتح المدارس والمستوصفات ، والمساعدة في القضاء على الجهل والمرض . وقد جاء في كتاب : (صحوة الرجل المريض) لموفق بني مرجه : " إن العرب ما يزالون يتحدثون بلغتهم ، ويجهلون اللغة التركية جهلاً تاماً، كأنهم ليسوا تحت الحكم التركي . ومن واجب الدولة أن  تنسيهم  لغتهم وتجبرهم على تعلم لغة الأمة التي تحكمهم . وإذا لم ينس العرب لغتهم وتأريخهم وعاداتهم سيعملون على إثارة القلاقل والمتاعب " .
2- تمزيق الوطن: إن السعي حثيث لتمزيق الوطن العربي  تمزيقاً مدروساً ،ومن ثم توزيع النفوذ الاستعماري على أرضه وشعبه . وهذا ما فعلته كل من فرنسا وبريطانية بموجب اتفاقية سايس–بيكو.
وهذا التقسيم  الجغرافي  والديموغرافي  يخدم التمزق ، ويرمي إلى إضعاف القوة عن طريق ضرب الوحدة وأشكال التواصل، وإشاعة الجهل‘ وإثارة النعرات الطائفية، وتقسيم الدولة الواحدة إلى دويلات هزيلة .
3-حملات التشويه على التراث: لقد شن الغزو الثقافي حملات التشويه والتزييف على التراث واللغة  والحضارة العربية، وأشاع عدم الثقة بالمعطيات العربية ، وبعدم قدرتها على مواكبة العصر، وتسر الشعور بضعف وهشاشة تلك الثقافة ومقوماتها ، وبالأخص اللغة من أن تنقل إنساناً إلى مستوى حضاري .
4– خلق النزعات الطائفية: من خلال الغزو الثقافي وعمل الاستعمار بكل جهده  لخلق نزعات طائفية، وشجع الروح العشائرية وخرق كل ما هو أهل للتقديس والاحترام من قيم وعقائد وأعراف وعادات. ومن شأن هذا الخرق ضرب القيم العليا والأخلاق، ونماذج القدوة الوطنية. وهذه الأمور ترسخها الثقافات، وتقيم على أسس من تماسكها وتكاملها أسس الشخصية الثابتة والمتميزة للشعب العربي.
5- الحرية: بث الغزو الثقافي بوسائله وهم الحرية والديمقراطية في أجواء الوطني العربي ثقافياً. فوفر الكتاب الأنيق الرخيص الثمن، وامتلأت المكتبات والأكشاك وأرصفة الشوارع العامة بهذه الكتب التي تتحدث عن الحرية والديمقراطية والاشتراكية والرأسمالية والمعاصرة،
فأقبل الجميع على شرائها. ولكن فحوى هذه الكتب ومستواها الثقافي  ومدى مراعاتها للأخلاق والأدب والهوية والانتماء و ..الخ هو محل شك وريبة كبيرين. لأنه لا يمكن أن تنهض الأمة العربية عن طريق استجلاب قوالب جاهزة من الغرب ومحاولة تطبيقها في بلداننا العربية .
خامساً: كيفية مواجهة الغزو الفكري
لا بد إذن من محاربة هذا الغزو الثقافي الذي يسعى دائماً وأبداً إلى تدمير نفوس شبابنا ،ومن البديهي أن قوانين جميع الدول العربية تمنع استيراد مواد غذائية فاسدة تضر العرب ، فكيف باستيراد الغذاء الفكري الذي لا ينتج عنه إلا تخريب النفوس وإفساد العقول ،وانحطاط الأخلاق ؟ . لذا ينبغي علينا بناء قاعدة حضارية وفكرية صلبة خاصة بنا ، والعمل على تحصين الشباب بجميع الطرق الممكنة والمتاحة كالاهتمام بالتعليم بجميع أنواعه ،وتدعيمه  بفلسفة تربوية شاملة تنطلق من قاعدة تراثية صلبة ،والانفتاح على العالم  المتطور لأخذ كل حسن . إضافة إلى تطوير الإعلام بكل أنواعه المقروء والمسموع والمرئي ، والاستفادة من المخترعات ( كالحاسوب والشبكة المعلوماتية وتقانتها ) في نشرا لوعي والتأهيل السياسي  والاجتماعي والثقافي وغيره. إلى جانب تشجيع المراكز البحثية والجامعات بإقامة الملتقيات والندوات بصورة دورية، وتبادل الأفكار سعياً نحو بناء قاعدة ثقافية، وتحصين الشباب وتنويرهم  للأخطار المحيطة بهم وأمتهم، وفضح الحركات الهدامة التي تتخذ من المصلحة الوطنية ودعوى التطور وسيلة للتغلغل في المجتمع. فضلاً عن المحافظة على التراث، ودعم العادات والتقاليد للشعوب العربية الأصيلة. فلا بد أن تعي الأمة العربية طريقها لتدرأ عن نفسها خطر الهجمة الخفية، ولابد أن يلجأ المفكرون العرب إلى إيقاف هذا الغزو الفكري، والحد من نشاطه وتغلغله، لأنه يستهدف (الإنسان والأرض ، والتراث والقيم ).
خاتمة
لابد أن نستمر في النضال ضد الغزو الثقافي بكافة أشكاله، والمصنوع في معامل العدو والمستَعمِر، فالغزاة يريدون أن يفصلونا عن ماضينا العريق، وأصالتنا العربية الماجدة، وتراثنا العظيم، وهم بذلك يفضلون لنا أن نسير على النهج الذي يريدون، لنصل إلى الهدف الذي يرتاحون إليه، ويطمئنون به. إن الأمة التي لا جذور لها لا تصمد أمام العواصف العاتية، والزوابع القوية التي إن سلمنا منها اليوم تقتلعنا غداً من جذورنا، وترمي أوتادنا بعيداً في العراء. وإن أمتنا العربية التي تعتز بتراثها الحضاري هي صاحبة القرار الأول والأخير في اختيار المنهج الذي تسير عليه. بما يناسبها وتطمئن له جماهير العرب شرقا ً وغرباً .لأن أساطير الفكر العربي يقولون : 
" على العربي أن يلتفت قليلاً إلى الماضي ليرفد به الحاضر، ويبني المستقبل " .


www.alssadaa.net

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018