سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

نزار السامرائي - النجاحات الإيرانية لا تعني أنها على حق.القسم الثالث والاخير


نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام

3 - هل العالم عاجز حقا عن لجم المشروع الإيراني؟.

نستطيع أن نجزم أن إيران ما كان لها أن تتقدم خطوة واحدة على كل المسالك التي حددتها لمشروعها الكوني بالسيطرة على العالم الإسلامي والمسلمين في كل مكان، لو لم يكن مشروعها يحظى بدعم أو مباركة أو بسكوت من جميع مراكز القوى الدولية، وهنا لا بد من القول بأن ذلك ناتج عن إرادة دولية أجمع عليها المتنافسون من دون جهد إيراني سياسي أو دبلوماسي، لأن العالم يرى في التعامل مع إيران وهي دولة واحدة لها قرار واحد وقيادة
واحدة تفرض قرارها على السلطة والمجتمع، يختلف العالم معها ولكنه يستطيع التحدث والتحاور معها خير من التصادم معها، وهذا أجدى وأفضل كثيرا من التخاطب مع 22 حاكما عربيا لكل منهم مشاكل مع الدول الـ21 الأخرى ثم يأتي في المؤتمرات ليمثل دور المنسجم مع الآخرين ويتحدث عن وحدة الموقف العربي حتى ولو كانت على حساب وحدة الهدف.
وحقيقة الأمر أن هذا الانسجام لا يمكن ضبط إيقاعه بأي اتفاق جماعي بسبب تباين المصالح حتى إذا كانوا يتبادلون القبلات فيما بينهم أمام الكاميرا، ويخرجون ببيانات يظن من يشاهدها أنهم على وشك إعلان وحدة بلدانهم على أقوى الأسس، ولكنهم بمجرد العودة إلى عواصم بلدانهم يتنكرون لكل شيء وينسفون ما اتفقوا عليه ليبدأ التراشق ولتصبح العلاقات أسوأ مما كانت عليه وتبدأ حرب إعلامية وينشر فيها أوسخ غسيل عربي.
صحيح أن نظرة العالم الايجابية إلى دور إيران الإقليمي تشكل واحدا من أهم الأسباب التي أعطتها دفعة قوية إلى الأمام، ولكن بالمقابل هناك عجز معيب في النظام الرسمي العربي عن بلورة مشروع عربي مضاد يركز على استثمار الامكانات الذاتية للنهوض الاقتصادي، ووضع مشروع استراتيجي للأمن القومي الذاتي من دون الركون إلى وعود مبهمة من الأطراف الدولية الكبرى التي كانت تتخلى عن حلفائها وتخذلهم في الظروف العصيبة، فضلا عن إخفاق القوى والأحزاب والمنظمات الشعبية والثورية العربية وعجزها عن بلورة مشروع مشترك للنهوض بواقعها هي أولا وواقع الأمة ثانيا.
ويمكن أجمال أهم الأسباب التي أدت إلى تحقيق إيران لمكاسب وإنجازات في العراق وسوريا واليمن بما يلي:-
1 – عدم ارتقاء الوعي العربي الشعبي بخطورة المشروع الفارسي وخططه العدوانية التوسعية إلى إيجاد الحصانة الواعية للوقوف بوجهه أو التصدي له، وكذلك تفاوت النظرة الرسمية إلى هذا الخطر، بل خضوع النظرة الرسمية إلى الدور الإيراني للمزاج السياسي المتقلب داخل النظام الرسمي العربي والخلافات بين أطرافه، وكذلك العلاقات الثنائية لكل دولة عربية مع إيران، هذا جعل إيران تستثمر هذه الخلافات لإحداث خرق في الصف العربي وتحول الصراع من صراع عربي - فارسي إلى نزاع عربي – عربي، حقق لإيران نجاحات ملموسة وخاصة بعد أن وجدت أن القوى الدولية الكبرى تلتمس الود مع إيران، ظنا منها أن موقفا كهذا سيجنبها شرور إيران وأخطارها الكامنة، وما ظنت أن إيران تعتمد مبدأ فرق تسد لتؤّمن الحقل بكامله لصالحها بعد أن تطمئّن النواطير.
2 - الأزمة الداخلية لمجلس التعاون الخليجي، وهي نموذج لفوضى النظام الرسمي العربي أو معظمه في إدارة أزماته البينية والقدرة على إيجاد مخارج مناسبة لوضع حلول حقيقية لها.
لا نستطيع أن نتهم الواقع الاجتماعي المتخلف لدول الخليج العربي والذي حقق خلال العقود الأخيرة تطورا اقتصاديا وأقامت صروح نهضة عمرانية هائلة لا يمكن تجاهلها بأي حال، بأنه يكمن وراء نشوب الأزمة أو استمرارها، بعد أن أصبحت هي نفسها، أكبر قوة محرضة على استمرار الأزمة ونفخ النار فيها، ولكن الأزمة في كثير من أسبابها الخفية وعناصرها المعلنة تشير إلى أن هذه الدول قد لا تصبح منظومة دول عصرية بالمفهوم المتداول دوليا في المستقبل المنظور، لأنها تعيش منظومة علاقات اجتماعية عشائرية عائلية غاية في التعقيد تنشب بينها الخلافات لأسباب لا ترقى إلى مستوى أزمة تؤدي إلى التداعيات الأخيرة، فلا هي دينية يمكن أن نحسبها على الإسلام، ولا هي متمدنة تعيش في ظل قوانين عصرية فنحسبها على النظم المدنية العلمانية، ما ينطبق على المنظومة الخليجية ينسحب على الدول العربية الأخرى بدرجة أو بأخرى، فالفساد الذي تعيشه كثير هذه النظم سواء من داخل العوائل الحاكمة وأقارب المسؤولين، والتصرف بالمال العام وشراء أضخم العقارات في الغرب أو اقتناء السيارات التي لا يمتلكها إلى أولاد كبار أثرياء العالم أو فتح حسابات متضخمة في البنوك العالمية، لا يمكن رده إلى سلوك الدولة الإسلامية وضوابطها المعروفة بشأن الحصول على الأموال وكيفية انفاقها.
ولا هو خاضع لقوانين وضعية معاصرة لمراقبة حركة الأموال بحيث يمكن أن يطبق عليهم قانون "من أين لك هذا"، إذ إن هناك أعدادا من ذوي النعمة الحديثة  والوزراء وكبار المسؤولين يعيشون ترفا لا يحلم به أبطال ألف ليلة وليلة وينفقون في كل ليلة على موائد القمار عشرات الملايين من الدولارات، أما لياليهم الحمراء مع العاهرات فهي بالوعة تبتلع آخر ما في جيوبهم من مال حصلوا عليه بدون وجه حق ثم ينتقلون إلى خزينة الدولة لإطفاء شهوة المباهاة وتقليد الكبار، لمجرد أنهم وزراء ومسؤولين وأمراء أو أصحاب وظائف عليا، ولو أن عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز ظفر بأحدهم لساقه إلى القضاء العادل ولقطع يده ألف مرة ولو نبتت له، ولو أن ما يجري هناك يحصل مثله أو أقل منه في أمريكا أو أوربا أو إسرائيل لقضى كل واحد منهم كل ما بقي له من العمر في السجن إن لم يتعرض لعقوبات أشد قسوة، ولعل درس أولمرت رئيس وزراء إسرائيل السابق خير دليل على أن قانون العقوبات الخاص بالتلاعب بالمال العام لا يميز بين صغير أو كبير أو شريف أو حقير.
3 – أما عراق ما بعد الاحتلال فهو صورة مأساوية لكل تجارب الحكم في العالم، ولكنها تجربة مخطط لها بعناية ولم تأت اعتباطا، فالنظام الشيعي في العراق يتحسب لإمكانية فقدانه فرصة الحكم بصورة فجائية كما حصلوا عليه بصورة فجائية، ولهذا خططت إيران عملية سياسية مبنية على شراكة كردية شيعية على حساب المكونات الأخرى فأقيمت دولة المكونات وألغيت دولة المواطنة، واشترطت لها مجموعة من اللصوص والمتسكعين في مختلف أزقة العالم، ليسرقوا ميزانية بلد كامل حتى لو كانت سرقاتهم أكبر مما تتصوره عقول الأسوياء وأمام الكاميرا، ولهذا نرى الحكومات المتعاقبة منذ 2003، حريصة على توفير أقصى درجات الحماية لسراق المال العام والمرتشين وأصحاب العقود الفاسدة والمقاولات الوهمية، حتى بات هؤلاء يتفاخرون بما يفعلون ويتباهون به حتى لو اجتمعت عليهم الدنيا كلها بكل قوانينها العقابية، لعدة أسباب الأول أنهم ضمنوا سكوت إيران طالما أنهم تحمّلوا وقت الضيق الاقتصادي الإيراني في ميزانية الحرس الثوري وخاصة في تأمين حلقات مهمة لبرنامج إيران الصاروخي والنووي، وكذلك ميزانية الأنشطة الخارجية لفيلق القدس، والثاني أنهم ضمنوا سكوت ما يسمى بمرجعية النجف التي وجدت أن تدفق الأموال عليها قد يتوقف فيما لو حدّت من السطو على المال العام في العراق، والثالث لأنهم يعتقدون أن التوسل بالحسين في عاشورا وذرف دمعة عليه سوف تمسح لهم ذنوبهم كلها ولو كانت كمياه المحيطات والبحار، ثم إنهم يؤدون عنها كل ما يترتب عليها من عُشر الخُمس لمراجع التقليد، وبذلك يشترون صكوك الغفران من "حاخام كنيس قم المتمرد على حاخام كنيس النجف"، وبعد ذلك فإنهم يوفرونها لليوم الأسود الذي قد يمر عليهم وعلى أحزابهم في العراق مما لا يعيدهم إلى أزمان التشرد والتسكع، وبالتالي فهم يعطون لسرقاتهم بعداً إيمانيا خالصا للمذهب وللإمام الغائب ولسائر الأئمة الآخرين.
4 – وجود طبقة حاكمة فاسدة في العراق خاضعة لإيران وتعرف أن مصيرها مرتبط باستمرار النظام على قيد الحياة، صحيح أنهم يمثلون دورا في الاختلاف المتفق عليه، إلا أنهم جميعا يحملون نظرة واحدة لنشر التشيّع في العالم استنادا إلى نظرية الولي الفقيه التي تصادر ما عداها من تيارات ومدارس فقهية داخل المذهب الجعفري الاثني عشري، وتقف الفتوى الدينية حائلا دون خروج التململ من داخل الصدور إلى الشارع، وهكذا يتأكد أن إيران تعيش تحت ضغط نظام كنسي صارم لا يسمح بأي درجة من الاختلاف.
إن الزعم بأن التشيع يتميّز عن المذاهب الأربعة بعدم إغلاق باب الاجتهاد، يحاول تسويق نفسه كظاهرة متفاعلة مع التطورات الحاصلة في العالم، وهذه فرية كبيرة، إذ إن باب الاجتهاد محصور في نطاق أحكام المذهب نفسه استنادا إلى ما ينسب إلى صانعي المذهب الأوائل نفسه، ومؤلفاتهم المليئة بالمغالطات  والافتراءات، ولنأخذ مثلا ما أفتى به معممو إيران بشأن اتجاه القبلة فوق سطح القمر فيما لو تمكن مسلم من الوصول إليه فإلى أية وجهة يصلي؟ وهذا لا يستقيم أبدا مع رفض التعامل مع العلوم الحديثة وخاصة في علوم الفلك، على سبيل المثال تحديد مواعيد بدء الأشهر الهجرية وما يترتب على ذلك من مناسبات دينية مثل بدء شهر رمضان المبارك أو الأول من شهر ذي الحجة وعيد الأضحى المبارك، فالشيعة يصرّون على رؤية عيانية مزيفة للهلال، مستندين في ذلك إلى حديث منسوب لجعفر الصادق مشكوك في صحته، اعملوا خلاف ما يأتي به أهل السنة والجماعة.
أما الممارسات الشاذة التي ينفذها الشيعة في شهر محرم، فهي عصية على أي فهم أو فتوى، وهنا يحضرني حديث جرى بيني وبين الشيخ عبد العزيز البدري، عام 1970 عن تفاصيل ما جرى بينه وبين محسن الحكيم في النجف أثناء لقاء بينهما قبل وفاة الحكيم بشأن هذه الطقوس الهندوسية المجوسية اليهودية المسيحية، فقال "إن الحكيم مقتنع بأن هذه الممارسات ليست من الدين في شيء، ولكنه ليس مجنونا كي يتحدث في هذا الموضوع الذي يعتبره عامة الشيعة مقدسا ومن أصل الدين، وإذا ما فعل ذلك فقد يفقد تأثيره وسلطته الدينية".
وهنا نقتبس ما قاله د. علي شريعتي وهو مفكر إيراني شيعي معروف بشأن هذه الممارسات بعد سيطرة إسماعيل الصفوي على السلطة في فارس، (استحدث الصفويون منصبا وزاريا جديدا باسم الشعائر الحسينية، وقام الوزير بجلب أول هدايا الغرب لإيران في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بعد أن زار أوربا التي كانت ترتبط ببلاد فارس الصفوية بعلاقات حميمة يكتنفها الغموض، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية، وأساليب احياء ذكرى "شهداء" المسيحية والوسائل المتبعة بما في ذلك أنماط الديكورات التي كانت تُزيّن بها الكنائس في تلك المناسبات، واقتبس تلك المراسم والطقوس وجاء بها إلى إيران حيث استعان ببعض رجال الدين الشيعة لإجراء بعض التعديلات عليها كي تتوائم مع المناسبات الشيعية، بما ينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنية لفارس والمذهبية في البلاد، وهذا أدى مع الوقت إلى ظهور أجيال جديدة من الطقوس والممارسات لم يعهد لها مثيلا، ومن بين تلك المراسم النعش الرمزي والضرب بالزناجيل والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة من قراءة المجالس الحسينية بشكل جماعي أو فردي).
خلاصة القول أن إيران ترفع شعار تصدير الثورة وتعتبره أهم واجبات الحكومة الإيرانية بموجب نص الدستور، وتعتمد أكثر الوسائل تضليلا ودموية للوصول إلى أهدافها الحقيقية والتي تغلّفها بشعارات دينية براقة وتجند أتباع الولي الفقيه في كل مكان لتنفيذ مشروعها التوسعي، من دون أن تدفع قطرة دم إيرانية أو دولارا واحدا من الخزينة الإيرانية، فكل مشاريعها ذات تمويل ذاتي ويدّر عليها ربحا صافيا على المديين البعيد والمتوسط، فعندما تجد لديها هذا الصنف من البشر المنقاد من دون وعي، وتشجيع دولي بالصمت حينا وبالمباركة حينا، فكيف لا تتمكن من تحقيق خطوات ملموسة على طريق النجاح، ومع ذلك ومهما وصل رصيدها من تأييد قطعان الرعاع المنقادين لها ومهما أضافت إنجازات لنفسها فإنها تبقى على باطل ولن تقترب من الحق بأي قدر من المقادير.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018