سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

انيس الهمامي:متى ينهض العرب ويغزون أمريكا


مرّت الانتخابات الأمريكيّة وتكشّفت عن نتائجها وحدّثت ببعض تجلّيات سياسات الإدارة الجديدة المنتخبة، وانشغل الجميع بهذا الحدث باعتباره متعلّقا بالقوّة العظمى في هذا العالم.
وككلّ الأحداث سواء الكبيرة أم العاديّة، ظلّ تفاعل العرب مع هذا الحدث تعاطيا باهتا أجوف وسطحيّا للغاية. فلقد تلهّت النّخب العربيّة وخاصّة الإعلاميّة منها بتناول الانتخابات الأمريكيّة ظاهرة وحدثا وإجراءات وتداعيات، وانشغلت فقط بمتابعتها من خلال العيون الأمريكيّة نفسها، فغاب الاجتهاد والبحث العميق في حيثيّاتها لتردّد على مسامع المواطن العربيّ حصريّا توقّعات معاهد الإحصاء في واشنطن ونيويورك.
وفي حقيقة الأمر، فلقد غابت في المتابعة أبسط مظاهر الحرفيّة وطغا الارتباك والدّهشة على محيّي الصّحفيّين العرب الذين بدوا كما لو كانوا بصدد نقل فعاليّات مهرجانات دور الأزياء العالميّة، فكان انتقاؤهم لضيوفهم مثلا انتقاء دون المستوى، ما عمّق الشّعور في المواطن العربيّ بمدى ما نعانيه من فقر لا على مستوى الابتكار والتّنويع فقط بل وعلى مستوى الإلمام الجيّد والتّكوين المتين الواسع لمن يرومون ولوج دنيا الإعلام خصوصا وهو المجال الأكثر خطورة في أيّام النّاس هذه.

إنّ المفزع حقّا أنّ متابعة أجواء الانتخابات الأمريكيّة تميّزت بالتّشابه الكبير بين فعل الإعلاميّين والسّاسة العرب وحتّى المثقّفين، إذ كان كلّ فريق منهم خارج التّغطية تماما. ويبرز هذا الأداء الضّعيف خصوصا في التّحاليل والتّكهّنات التي ثبت بطلانها جميعا إضافة لإغفال أحد أهمّ الجوانب التي كان من المفترض أن يتمّ التّركيز عليها بشكل جدّي.
فنحن حين نتحدّث عن الانتخابات الأمريكيّة لا يجب أن نصوّرها على أنّها حدثا محدّدا لمصير الإنسانيّة، ولا أن نتناولها من باب التّمنّي والمفاضلة بين مرشّح وآخر على أساس جماليّ أو وشائجيّ، كما لا ينبغي أن نضخّمها ولا أن نهوّلها، بل يفترض بنا  - العرب جميعا – أن نتعاطى معها من زاوية ما سيتحقّق للعرب منها أو ما سيتداعى عليهم منها.
حافظنا نحن العرب عقودا، على الرّهان على ما ستحمله الانتخابات الأمريكيّة، وانسقنا دوما للهوى، وأهملنا المصلحة بل وتجاهلنا الطّرق إليها. 
ألم يكن أجدى بنا أن نبحث عن الحلول الكفيلة بخلق مركز نفوذ قويّ في الدّاخل الأمريكيّ يحقّق لنا التّأثير في النّاخب الأمريكيّ ومن ثمّ التّأثير في السّاسة والمخطّطين الأمريكان فيقرؤوا للعرب حسابا شبيها بما يقرؤونه للدّول والجهات التي نجحت في التّوغّل المدروس والمنطقيّ في البيئة الأمريكيّة بعد دراستها للمجتمع الأمريكيّ من كلّ جوانبه سواء الأخلاقيّة أو الاجتماعيّة أو النّفسيّة وغيرها.؟؟
لماذا نجح اليهود والصّهاينة تحديدا، كما نجح الرّوس والفرس من بعدهم في خلق مثل هذه المراكز بينما عجز العرب عن ذلك عجزا كلّيّا؟
ألم يحن الوقت بعد للسّاسة العرب خصوصا ومعهم الإعلاميّون والمثقّفون وأرباب المال وأصحاب الثّروات الطّائلة ليفكّروا في اختراق المجتمع الأمريكيّ بما يحقّق بعض المصالح القوميّة العربيّة التي لا تحتمل تأجيلا؟
كان العرب طيلة تاريخهم ومنذ تغوّل الأمريكان واستفرادهم بالعالم أوّل ضحايا السّياسات الأمريكيّة بل لعلّهم المتضرّرين الوحيدين من تلك السّياسات، ومع ذلك فإنّهم لم يسعوا جدّيّا لصدّ استهدافهم من قبل الأمريكان، ولم يستغلّوا منفذا يتيما من المنافذ الكثيرة المتوفّرة والتي باستطاعتهم التّسلّل منها لمفاصل العقول والأجهزة المدبّرة والمتنفّذة في الولايات المتّحدة والتي تصوغ حقيقة السّياسة والتّوجّهات الأمريكيّة في عناوينها الكبرى وتفاصيلها الدّقيقة على عكس ما يركن إليه العرب من ملاحقة رضى هذا الحزب أو ذاك أو التّقرّب من هذا المترشّح للسّباق الانتخابيّ او الآخر.   
ويظلّ محيّرا لحدّ كبير، أن يعجز العرب على استغلال أوراق ضغط كبيرة ومؤثّرة لصالحهم خصوصا الورقة الطّاقيّة وما تدرّه عليهم من عوائد ضخمة قادرة على جبر الأمريكان على تبديل طرق تعاملهم مع العرب شريطة توظيفها توظيفا جيّدا ينطلق ويصبّ في رافد المصلحة القوميّة العربيّة الاستراتيجيّة العليا.
فمتى يبادر العقل العربيّ لصياغة مثل هذه الخطوة التي ستكون عوائدها مثمرة بل قد تقلب جميع الموازين، لأنّ المنطق الدّوليّ لا يقبل بتبريرات الضّعفاء وقعود المتخاذلين؟
أنيس الهمّامي 
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 23-11-2016

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018