سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د. عبد الكريم الوزان : ما قل ودل خان جغان !

                       


د. عبد الكريم الوزان

29 يناير، 2017

“معظم مصادر التاريخ تشير إلى أن والي بغداد العثماني في سنة 1593م المدعو (جغاله زاده سنان باشا) أمر ببناء خان للقادمين إلى بغداد للإقامة به هم ورواحلهم وسمي بخان جغاله، وفي مرور الزمن حرفت هذه التسمية لتكون (خان جغان). ويقع على مفترق طرق السابلة من التجار بوجه خاص والمتبضعين بوجه عام، فالذاهب إلى الشورجة أكبر مركز تجاري في بغداد كان وما زال يمر بالخان المذكور، وكذلك الذاهب إلى شارع النهر “شارع السموأل” الذي كان يضم في العصر العباسي المتأخر دور وقصور الوزراء والحكام وعليّة القوم إلى جانب دوائر الدولة ومنها الدفتر دار أكبر الدوائر في العهد العثماني وهي الآن عمارة كبيرة تحمل اسم “الدفتر دار” في مدخل شارع السموأل..

وكان يأتيه كثير من المسافرين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والاجتماعية، بمعنى كل من هب ودب لذلك قيل على من يدخل إلى مكان كهذا بـ (قابل خان جغان(1) ) وأصبح هذا الاسم اليوم كناية عن كل انفلات وفوضى وعدم شعور بالمسؤولية في عناوين كثيرة، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، قيام مسلحين باقتحام أملاك خاصة وعلى مرأى ومسمع أفراد الأمن ثم تواري الأخيرين عن الأنظار لمجرد اطلاعهم على بطاقات تعريف هؤلاء، مما زاد مكانتهم ازدراء وسمعتهم سوءً وضعفاً أمام المواطنين. وفي مكان آخر تجد قيام بعض العشائر بقطع الطرق العامة بالسلاح أو تبادل إطلاق النار بالأسلحة المتوسطة فيما بينهم لمجرد خلاف على بعض الممتلكات ومن ذلك النزاع على بقرة!!.
أو قيام قاض في إحدى مدن جنوبي العراق (قيل انه كان يعمل صياد سمك)!!! بإصدار قرار حكم تفريق بين أستاذ وزوجته الأستاذة الجامعية بناء على طلبهما وفي ضوء ذلك تم عقد جلسة فصل عشائري وتنازلت الزوجة عن حق السكن واحتفظت بنفقة العدة والحاضر ونفقة الأطفال، وبعد مضي ثلاثين يوماً حيث تم اكتساب القرار الدرجة القطعية، وقيام الزوج باستخراج بطاقة أحوال مدنية جديدة (جنسية)، فوجئ باتصال من محاميه يبلغه فيه بصدور قرار قضائي تنفيذي جديد وعليه تسديد مبلغ قدره سبعة عشر مليون دينار كحق سكن لزوجته!!. ولكون أخيها محامياً وبالاتفاق مع القاضي وبتأثير عشائري كون القاضي من عشيرة الزوجة فقد أصدر القاضي ا(لصياد) قراراً ملحقاً هو في حقيقته غير قانوني وغير أصولي وبنفس تأريخ القرار الأول وبدون أي تبليغ للزوج أو مرافعة يتضمن إخطاره وتغريمه هذا المبلغ كنفقة. ولم تنفع محاولات الزوج تقديم الطعون وتوكيل محام آخر ومراجعة دائرة الإشراف القضائي، بل نفذ الأمر وكأن شيئا لم يكن وقيل له أخيراً… (أخوية.. روح فضها عشائرياً!!!.). وبالفعل حسم الموضوع عشائرياً واضطر لتسديد المبلغ المذكور مع مبلغ حق السكن، وتم الاكتفاء بنقل القاضي إلى محافظة أخرى لثبوت كونه مزوراً وظالماً وغير حيادي!! (يا بلاش).
وأغرب تطورات الفصول العشائرية والعهدة على الراوي يتعلق بإرغام جار على دفع مبلغ مالي قدره ثلاثة ملايين دينار عنوة لجاره بعد أن روى لأولاد المتوفى الذين حضر لتعزيتهم بأنه شاهد عزرائيل في منامه واستفسر منه عن اسم وعنوان أبيهم مؤكداً أنه دله على عنوانهم، عندها جن جنون عائلة المتوفى وقالوا له… (شلون تدلي عزرائيل على بيتنا!!! وهو جان ميندله.. أنت موتت أبونا، اليوم نسمط أبوك!!).
وأما في مجال التعليم فالنفوذ العشائري والوظيفي والحزبي راح يهدم حتى تدنت كثيراً هيبة ورصانة التعليم بعد أن وصل الداء للدراسات العليا ومنح شهادات الماجستير والدكتوراه بفعل ذلك.
وفي مكان آخر، لو تأملنا ما يحدث من فساد إداري في دور الرعاية الاجتماعية للأرامل والأيتام والمطلقات البالغة أعدادهم خمسة ملايين تقريبا فحدث ولا حرج وسيحزنك وتتجرع الأمرين، فهؤلاء أولى بالرعاية والاهتمام وكل الأديان أوصت وشددت على ذلك بسبب أوضاعهم وأقدارهم التي أرغمتهم على أن يكونوا في هذا الحال، لكن للأسف لم يسلموا من الأذى، من ذلك عدم شمول المستحقين بالقبول في تلك الدور وقبول غيرهم ممن لا تنطبق عليهم الضوابط المعمول بها في هكذا حالات، أو التلاعب بالمبالغ المخصصة لهم أو تخصيص المبالغ المقررة لهم لأشخاص لاوجود لهم أصلاً (فضائيين).
وفي جانب غيره، ما يتعلق بمنح الرتب العسكرية لمن لا يستحقونها جملة وتفصيلاً تحت مبررات واهية.

لا يسع المجال هنا لذكر كل الأمثلة على الواقع المر الذي يعكس صورة سيئة عن عدم احترام القوانين والأسس والنظم والتعليمات المرعية التي تؤكد الاستهانة بكل القيم والأعراف وانتهاك حقوق الغير. فالدولة التي تحافظ على مكانتها بين الدول المتحضرة والراعية لحقوق الإنسان والديمقراطية الحقة هي تلك التي تحقق العدل والمساواة في كل شيء، وأضعف الإيمان أن تلتزم بالثوابت وتقاليد العمل وقواعده المثلى في إطار قانوني سليم وتنأى عن كل أمراض المحسوبية والانفلات وضرب القانون، وبخلاف ذلك فلن يكون هناك فرق بين ممارسات الدولة الفوضوية وصورة المثل الشعبي العراقي (خان جغان)..!

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018