سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

صلاح المختار: واخيرا ترجل الفارس هشام نجداوي من فرسه


في  صيف عام 2014 وفي زيارة لي الى عمان اتصل بي هشام هاتفيا والتقينا كان عاديا جلسنا في حديقة داره وبدأنا شرب الشاي ، وقال بعد هنيهة صمت بهدوء وبسمة خفيفة تترنح فوق وجهه وتربك ملامحه كأنه يروي لي خبرا عاديا : هل تعلم عمي (ابو اوس) بانني مصاب بسرطان الرئة ؟ وكان هشام لا يناديني الا عمي لانني صديق والده ، مقابل هدوء هشام كنت مصعوقا من هول الخبر ! سألته وانا غير مصدق: هل انت جاد يا (ابو احمد) ؟ سرطان رئة ؟ قال نعم وصمت وهو يبحث بعينيه عن مكان يضع بصره عليه بعيدا عني ، وهو يرسم ابتسامة حقيقية على وجهه والهدوء مازال طافحا على وجهه الاسمر .
صمتنا لبرهة ، كانت سحابة حزن قد كللت هامتينا وكنت اريد اختيار الكلمات المناسبة فصدمة الخبر اربكتني رغم هدوء هشام ، وكنت اريد اختيار كلام مناسب لمناسبة طارئة ، فسألته : وهل اكد ذلك طبيب ؟ قال لي بنبرة مازال الحلم يخيم عليها : نعم عملت كافة الفحوصات المطلوبة وتأكد انني مصاب بسرطان الرئة . عدت معتصما بصمت من لا يريد قول كلمات معاتبة بعد ان اقتحم العتب عقلي فمنذ التقيت بهشام لاول مرة ولاحظت افراطه في التدخين قلت له : انت تدخن كثيرا ياهشام وهذا خطر كبير عليك ! وقتها لملم تعابير التساؤل وقال بعجالة الواثق من قوته البدنية : الاعمار بيد الله ياعمي  . واذكر انني قلت له : نعم الاعمار بيد الله ولكن من ينتحر يخالف  اقدار الله .

كنت امسح العرق من جبيني ومازالت مضطربا من شدة الصدمة فانا احب هشام المناضل النشط وابن صديقي احمد ، واخر ما كنت انتظره هو هذا الخبر المفجع ، اردت تخفيف وقع الحدث فسألته : وهل الحالة متقدمة ام في بدايتها ؟ رد بدون انتظار: في بدايتها ، و اشاح بوجهه عني متهربا ربما لتفجر رغبة في منح الحزن فرصة اعتلاء تقاسيم وجهه . تشجعت وقلت بصوت خفيض : الحمد لله فمثل هذه الحالة يمكن علاجها . قلت ذلك وانا اسير فكرة لم استطع التحرر منها وهي ان هشام يستعد للرحيل . تحدثنا عن اخر العلاجات وتصرم الوقت وكاننا نتحدث في امر لايخص احدنا تهربا من وقع كارثة تزحف ببطء رغم انوفنا .
غادرت عمان وبقيت اتصل بهشام بين الفينة والاخرى لاعرف حالته وكان في كل مرة يطمأنني بتأكيد ان حالته تتحسن ولكنني كنت ارى الحقيقة بنشره صوره مع عائلته وفي شبه اعتزاله لنشاطه وتحوله الى ارتداء اللباس العربي وتكثيف ظهوره في الفيس بوك ، وكانت الرسالة الاخيرة منه للجميع هي عدم ترشيحه في الانتخابات الحزبية الاخيرة وهي اشارة لا تخطأ لامرين : الامر الاول انه يعرف ان رحيله قد اقترب والثانية انه لا يريد ممارسة اي نوع من الانانية فيرشح وهو راحل مزاحما رفيق اخر سيقى في هذه الحياة ، فادركت انه يعد الايام ويتسابق مع الزمن محاولا نحت ذكريات تبقى لاهله ومحبيه بعد رحيله !
رحل هشام قبل وقته ونحن في اشد الحاجة له ، رحل واخذ معه احلام شباب بعثيين خططوا للانتقال الى مرحلة متقدمة من نضال البعث ! وغاب من كان يقلني بسيارته القديمة المعطلة الشباك الى اماكن كنت احتاج للذهاب اليها ! ولكن ومنذ رحيله استعمرني هاجس متابعة جرائم قاتله وتذكر سوابقه فقاتل هشام هو نفسه الذي قتل ابي قبل اوانه وهو نفسه الذي قتل ابن عمي الشاب الدكتور سعد المختار وهو نفسه الذي قتل الاكثر شبابا ابن عمي مصطفى المختار وهو نفسه الذي قتل صديقي ورفيقي دكتور محسن خليل المناضل والمفكر والان خطف منا هشام نجداوي  الكادر المناضل ، رحمهم الله جميعا !
هذا الاسلوب في القتل من اعاجيب الحياة فلم نرى مخلوقا يختار قاتله ويشتريه الا الانسان ، لم نعرف مخلوقا يبحث عن قاتله ويقدم له المال كي يقتله الا ابن ادم ، وعندما يجده يبدا بممارسة خداع الذات : هذا ليس قاتلي بل هو متعتي وسوف اتخلى عنه حالما تزول ظروفي الصعبة او تزول رغبتي فيه ،  لكن من يردد هذا الكلام يعرف تجارب غيره فما ان تبدا باستخدام قاتل تشتريه حتى تصبح مدمنا عليه وعبدا له يبقى يغريك ، يزيد امتصاص رحيق الحياة منك شهقة فشهقة حتى تتبخر عطور الحياة من جسدك ولا يبقى فيه الا صراع كريات وفايروسات بحقد غريزي لا ينتهي الا بغزو كل الخلايا وانهيار دعامات الحياة .
بالامس انهارت دعامات حياة هشام اكله السرطان الذي زرعه فيه القاتل الذي اشتراه بماله واسمه السجائر ، كما فعل ابي وابنا عمي وصديقي ، واليوم وكلما شممت رائحة دخان في بيتي اعرف ان ابني يدخن وانه استأجر قاتله وارى الكارثة الجديدة القادمة في بيتي ، وكلما كلمت ابني الاخر هاتفيا اشم رائحة قاتله عبر خط الهاتف واعرف ايضا انه يشتري قاتله مثل هشام ولكنه يشترط عليه ان يقتله بالتقسيط لتجنب رعب فكرة الموت ! وهنا تكمن مأساة القتل بالتقسيط بواسطة قاتل ناعم الملمس ازعاجه الوحيد انه يجعلك تعطس !
تلك احدى مفارقات البشر اللاعقلانية التي ينفرد بها عن سائر مخلوقات الله : فهو يختار موته ويشتريه ويتقدم نحوه رغم انه حينما يسمع باسم الموت يرتعب ! وهنا يكمن خداع القاتل المأجور المسمى سيجارة فهو مسالم كنعومة الافعى وهو مضلل كأمل ساذج ينتظر المطر في شهر اب العراقي ، ويبقي ضحيته منتعشا بتفتح عيون خلاياه كلما ارتشف حزمة دخان ويبقى مخدرا الى ان يأتيه الموت جاهزا ومكملا متطلبات حسمه فلا يبقى له خيار سوى الاستسلام التام لموت حتمي القتل فيه يزحف متدرجا وهادئا وناعما كجلد افعى  ايرانية .
خسرنا هشام الذي اختار قاتله واشترى مقتله ، وسنخسر غيره من احباءنا مادام هذا القاتل معروضا للبيع مكوما جبالا من الاغراءات التي لا يقاومها من يظن انه قادر على النزول من قمة الجبل متى قرر  لكنه يدرك بعد فوات الاوان انه مسمر  على قمة جبل السيجارة بمغناطيس يمنعه من النزول من فورات النشوة فيموت وهو معلق فيها .
رحم الله هشام نجداوي واسكنه جناته ، ومنح الله اخي وصديقي احمد نجداوي الصبر على فقدان قرة عينه هشام ، وزرع الله في قلوب ابناءه واقاربه القدرة على تحمل فاجعة رحيل هشام .
Almukhtar44@gmail.com
 21-2-2017

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018