مرّت القمّة العربيّة الملتئمة أخيرا بنواك شوط العاصمة الموريتانيّة مخلّفة موجة من الاستياء الشّعبيّ العربيّ نظرا للقرارات الهزيلة التي تمخّضت عنها ولجميع حيثيّاتها من حيث المدّة التي استغرقتها وخصوصا تغيّب أغلب القادة العرب الرّسميّين عنها.
إنّه من الطّبيعيّ أن يطغى الاستياء على جماهير الأمّة العربيّة ويلفّها الإحباط نظرا لما لامسته من انكفاء عربيّ رسميّ هو أقرب تعبيرا عن اتّساع الهوّة بين واجبات هذا النّظام العربيّ الرّسميّ واستحقاقته النّظريّة وممارساته من جهة، وبين تطلّعات الأمّة
المعلّقة عليه رغم تتالي الخذلان في كلّ مرّة. حيث لا يعقل أن تترجم مماسرات النّظام الرّسميّ العربيّ كلّ هذا التّعالي على هموم الأمّة في هذه الظّروف العصيبة القاتمة التي تعصف بالوطن العربيّ الذي بات مهدّدا في وجوده وحدوده ومستقبل أهله بطريقة غير مسبوقة.
إلاّ انّه من الغريب بل ومن المقزّز حقّا أن تثير القمّة العربيّة على عللها وهنّاتها ردود فعل من خارج الوطن العربيّ تتّسم بالتّشنّج والارتباك والاستخفاف والتّحامل، وهي خصوصا تلك الردود التي صدرت عن العدوّ الفارسيّ الإيرانيّ.
لقد هاج الفرس وماجوا وسلّطوا جام غضبهم على العرب وقمّتهم في موريتانيا حتّى قبل أن تنهي أشغالها، وقادت أغلب وسائل الإعلام الفارسيّة وبعض المنابر الإعلاميّة العربيّة السّابحة في الفلك الصّفويّ حملات شرسة ضدّ العرب تميّزت بالسّخريّة والتّحقير والاستهانة بالعرب، ونضحت في أهمّ ما نضحت به بالتّفاعل العنصريّ الاستعلائيّ الفارسيّ والنّظرة الدّونيّة للعرب.
حيث وباستقراء سريع لأهمّ ما جاء في وسائل الإعلام الفارسيّة، فلقد سخرت وكالة فارس الرّسميّة من أمير الكويت وصفت القمّة العربيّة بالقمامة وكتبت أيضا " القمّة العربيّة تجتمع، قمّة عربيّة أم قمّة نيام؟؟ قيادات العرب في نوم .."
وجاء في افتتاحيّة إحدى الصّحف الفارسيّة الأخرى عنوانا كبيرا " انفعال الدّويلات المجهريّة " كرصد وردّة فعل على إدانة القمة حسبما جاء في بيانها التّخّلات الفارسيّة المتصاعدة في الوطن العربيّ.
إنّ التّعاطي المسؤول للأمم والدّول والشّعوب فيما بينها، يجب أن ينطلق أساسا من الاحترام المتبادل والسّعي لتطوير العلاقات الثّنائيّة وتمتينها لا تخريبها وتلويثها بنيل أمّة من أمّة أخرى وتكرار اعتداءاتها عليها ماديّة ومعنويّة وإعلاميّة.
فمثل هذه السّلوكيّات لا تصدر أساسا من الأمم والشّعوب المتحضّرة والمحبّة للحياة وللسّلم والأمن والاستقرار، ولكنّها - أي مثل هذه الممارسات - لا تٌؤتى إلاّ من الأمم العنصريّة والمهزوزة في أعماقها والتي تعاني مركّبات نقص حضاريّة وتريخيّة فتسعى جاهدة للتّعويض عنها باعتماد مناهج القوّة العسكريّة والسّياسات العدوانيّة..
وليس من أمّة على وجه البسيطة أكثر شعورا بالدّونيّة مقارنة بالأمّة العربيّة من الفرس، لذلك يعمدون منذ الأزل ويحاولون النّيل من الأمّة العربيّة بشتّى الوسائل.
فما دامت الأقطار العربيّة دولا مجهريّة، وما دامت إيران عملاقا مهابا، فما الذي يستوجب كلّ هذا العويل والصّياح واللّطميّات صباحا مساء؟؟ وما الذي يفسّر هذه الرعونة والعنجهيّة الحصريّة في التّعامل مع العرب؟؟
ما الدّاعي لتسخير كلّ هذا الاهتمام لقمّة مجهريّة لا تضمّ إلاّ مجاميع من النّيام كما أوردت كبريات صحف بلاد فارس؟
إنّ هذا التّفاعل المتشنّج للفرس مع قمّة موريتانيا لا يجب أن يفسّر بأنّ حكم الفرس باتّ ونهائيّ وأنّ العرب فعلا بلغوا من التّهاوي والانحطاط ما لا يمكن تداركه، لا بل على العكس تماما، فهذا التّخبّط الفارسيّ دليل قويّ ومؤشّر موضوعيّ على خشية حقيقيّة ترعب الفرس ونغولهم، ورهبة من نهوض العرب لتحمّل واجباتهم القوميّة المستعجلة.
وما كلّ هذا اللّغط الذي ميّز تفاعل الإعلام الفارسيّ المدفوع من الملالي وساسة طهران، إلاّ نتيجة مجرّد بند في البيان الصّادر عن القمّة يدين التّدخّل والسّياسات الفارسيّة في الوطن العربيّ والدّاعي للتّصدّي لها.
فماذا لو ترجمت هذه الشّعارات واقعا ملموسا، واتّخذ العرب تدابير إجرائيّة على الأرض لضرب مشروع الفرس؟
تونس في 29-07-2016