سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس:الغوا تأشيرة الدخول فانها جرح عربي






يتفاخر البشر على المشتركات الإنسانية وفي مقدمتها مشترك القدرة على التواصل إلا وهو اللغة ومشترك الصلة بالله جل في علاه وهو الدين ومشترك النسب وهو العشيرة أو القبيلة. وتكونت التجمعات البشرية الحديثة بناءا على هذه المشتركات كلا أو جزءا. وتشكل الرحمة وحسن الظن وروح التعاون والشفقة والإحسان والنخوة والشهامة منتجات بارزة في أفضاء السمة الإنسانية على البشر وتخرجهم من دائرة الحيوانية والتوحش والكراهية المفضية للقتل والأجرام.
سنعيد إلى ذاكرة حكوماتنا العربية ان العرب أمة واحدة لا يلغيها مزاج ولا سياسة . هم أمة واحدة لأن جذرهم ونسبهم واحد (الأخوين عدنان وقحطان) ولغتهم واحدة هي اللغة العربية وحتى اشتقاقاتها من اللهجات المحلية قريبة جدا من بعضها سواءا في داخل ( البلد الواحد) أو على مستوى (بلدان الوطن العربي كلها) . ويدين معظم العرب بالإسلام والقليل منهم من المؤمنين بالله عبر ديانات ربانية معروفة وبالتالي فأن (الأيمان بالله سبحانه) أيضا عامل شراكة بين العرب. وقدمت الجغرافية أرضا متصلة لا يعزلها عازل وأرجو أن لا يتهمنا أحد بالجهل اذا تجاهلنا ( النهر الأحمر ) .
وللعرب تاريخ مشترك وحضارة مشتركة وأرث وثقافة مشتركة .

وسنكررها هنا بكل عفوية وبساطة : نحن أمة واحدة حملت رسالات السماء وبلغتها ونشرتها وصار لنا الإسلام الحنيف وضرورات الأنبعاث من جديد لنعيد حضورنا الذاتي والإنساني رسالة لن تنتهي بل هي خالدة سرمدية .
واذا كنا قد أجبرنا على وضع حجرة يجلس فيها شرطي عند نقاط حدودية مفترضة بين العراق والأردن وسوريا والسعودية ولبنان وأخرى بين مصر والسودان وليبيا وتونس وسميناها نقاط وبوابات حدودية فأن هذا الأرغام والأقحام لم ولن يلغي وحدتنا البشرية والإيمانية واللسانية والجغرافية والتاريخية والحضارية. حتى الحضارات التي غزتنا وأحتلتنا عبر الأزمنة قد بنت شواهدها متماثلة والاستعمار الذي غزانا وسلبنا الكثير من حقوقنا قد تشابه هو الاخر في أجرامه وساديته ووحشيته فصرنا نتفاخر ونتباهى ونتباهل بأعداد شهداءنا وكم الخراب الذي أحدثه فينا .
وضعت تأشيرات الدخول ( الفيزا ) بين أقطارنا لتؤكد ما لم و لن يؤكد قط إلا وهو ان لاقطارنا سيادة يجب فرضها على أشقاءنا. نعم نجحت قوى الاستعمار في تحويلنا إلى دول لكنها لم ولن تمنح لأحدنا سيادة على الأخر . فشعبنا واحد ولقاءنا في أية بقعة من أرض العرب أو خارجها يفرض حضور العروبة قبل حضور كياناتنا الشخصية . وحين نلتقي يحضر بيننا الدين والجود واكرام الضيف ومد يد العون والمساعدة والأمان والمحبة ونتصاهر ونتعايش في غرفة واحدة أو بيت واحد ونصلي جمعا ونفكر بذات الطريقة ونتشابه في أخفاقاتنا وفي نجاحاتنا وفي تربية أولادنا وطرق زواجنا وزفات أعراسنا .
التأشيرة ليست عنوانا للأمن ولا للسيادة فلقد تحولت إلى حدود وحواجز حقيقية بين من لا تحدهم حدود ولا تفصلهم حواجز …لقد تحولت إلى عصا يجلد فيها ظهر العربي بيد شرطة وموظفين عرب والى مسارات للتعالي والفوقية بين من لا سبب حقيقي للتعالي بينهم لانهم عرب .
فاختراقات الأمن في أقطارنا لم يخلقها عربي طلب الدخول إلى عاصمة أو مدينة من مدننا . والإرهاب لم يصنعه عراقي رام زيارة أهرامات مصر أو سواحل عدن اليمنية أو شواطئ نواكشوط. الانقلابات في بلادنا لم يقودها عربي هاجر للعيش في السودان أو في قطر والغزوات لم ينظمها مهاجر عراقي إلى ليبيا مثلا.
الأحداث الجسام في بلادنا شارك بها عرب منحوا تأشيرات دخول إلى أميركا وأوربا وبلاد الروس. والإرهاب زرعت بعض عوامله الغربة عن الوطن في بلاد مارست معنا العنصرية ثم جندت أولادنا ليبرروا إعادة غزونا في ممارسات لا تليق بنا ولا بأيماننا.
سأروي لكم حكايتين قصيرتين :
عربي يقيم في بلد عربي غير بلده الأول. مسك يد زوجته وطفليه وطرق باب سفارة مصر العربية في عصر الرئيس محمد مرسي. قدم لاركان السفارة وثيقة أقامته وعائلته في البلد الذي تتواجد فيه السفارة وقدم لهم وثائق تثبت انه يعيش عيشة كريمة حيث وهو متعاقد مع أحدى مؤسسات ذلك البلد العربي ..وانه يرغب فقط بزيارة مصر لشهر واحد حيث توفرت له الفرصة بتذاكر سفر مجانية ذهابا وايابا وفق عقد العمل . قال لأركان السفارة انه لديه أخوة في القاهرة سيستقبلونه مصريين وعراقيين وليبيين ولبنانيين وأردنيين ووفروا له سكنا مجانيا لفترة الشهر. عامله أركان السفارة بطيب ودماثة وحلاوة لسان المصريين المشهودة وأعطوه رقم هاتف للتواصل ولكن التأشيرة رفضت . وضاعت عليه فرصة أن يكون سائحا بين أهرامات الفراعنة شأنه شأن الأمريكي والفرنسي والبريطاني وال……
الحكاية الثانية تشبه في حيثياتها الأولى مع فارق ان التأشيرة طلبت من عربي إلى الأردن ولغرض العلاج. غير ان السلطات الأردنية رفضت أو لم تنظر في الطلب . ولو ان العرب كلهم بكل ملايينهم شاهدوا طالب الفيزا للأردن وعائلته لزعلوا على السلطات الأردنية لان الرجل مريض والأردن هي الأقرب لوطنه الأول ان مات أو تعوق في أثناء العلاج ولان عائلته لا تجيد مهنة الإرهاب ولا دهاء المؤامرات على أمن البلد الذي ستزوره ولا تمتلك مقومات احداث انقلاب على حكومة البلاد التي ستزورها لبضعة أيام.
ثمة الاف وملايين من العرب يتعرضون الان إلى المنع من الانتقال بين أقطار وطنهم بذات الطريقة التي ذكرناها أعلاه .
العراقيون الذين فتحوا كل حدود العراق للعرب بدون استثناء يمنع عليهم الان الدخول إلى المملكة العربية السعودية وأقطار الخليج ومن تمكن منهم من الوصول إلى بعض بلدان الخليج بعد غزو العراق فقد وصل بقدرات خاصة وطرق خاصة لا يطالها عامة العراقيين. وتقف تأشيرة الدخول الآن بعد ان (تحرر العراق) حجر عثرة في أن يزور عربي العراق لا من مشرق الوطن ولا من مغربه .
بعض أقطارنا تمنح تأشيرة الدخول لطالبها بعد ان تفرض رسوما مالية
وأخرى تمتلك الان مافيات تعتاش على مقدرات طالبي التأشيرة
وأخرى فتحت بوابات الفساد المالي عبر نافذة التأشيرة
وأخرى أعلنت خروجها من ( عدنان وقحطان رحمهما الله ) تحت سيادة ومحكومية الفيزا.
وما خفي علينا أكيد أعظم وأعظم ..
تأشيرة الدخول جرح عربي في جبين العروبة والإيمان والتاريخ والأرث والحضارة و كل المشتركات الإنسانية. وهي حجر بغيض غلبته أوربا كما تعرفون .. وهناك بلاد تستقبل العراقيين مثلا بدون تأشيره لأنها تحفظ لهم حسن الصنيع في زمن ما ولأنها بلاد مسلمة رغم انها ليست عربية ..
ماليزيا وتركيا نموذجان … وتركيا صعبتها قليلا بعد مشكلة اللجوء لكنها لم توقفها كما يفعل الأشقاء.




التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018