كاظم عبد الحسين عباس
نعيد للأذهان مجددا أن خطط غزو العراق قد بدأت في أوائل سبعينيات القرن الماضي وتحديدا بعد نجاح العراق في حل المشكلة الكردية بإصدار بيان آذار وقانون الحكم الذاتي وبعد نجاح قرار تأميم النفط وطرد الشركات الاحتكارية من العراق. فاحتواء الدولة الوطنية لأسباب التمرد في الشمال قد قطع على الامبريالية والصهيونية وأدواتها في المنطقة نسغ التدخل في شؤون العراق وامتلاك مفاتيح إقلاق أمنه واستقراره وتهديد سيادته ووحدة
أراضيه من جهة والتأميم قطع دابر الاحتكار الامبريالي لثرواتنا ووضعها في مسارات تطور البلاد وخدمة المواطن العراقي خاصة والعربي عموما تحت سيطرة دولة يقودها حزب قومي يتصدى لتكريس مشروع العرب في النهضة والوحدة والحرية والعدل الاجتماعي معبرا عنه بالاشتراكية من جهة أخرى.
من هناك بدأت مراكز البحوث الاستراتيجية وغرف العمل المخابراتي تشتغل لإسقاط النظام الوطني العراقي ولم تتوقف المحاولات بصيغها المختلفة حتى اضطرت أمريكا لتجنيد عشرات الدول معها لإنجاز المهمة بنفسها بعد أن قطعت عام ١٩٩١ شمال العراق وحولته إلى محمية أمريكية وجعلت منه منطلقا لبناء وتنفيذ خطط الغزو التي تمكنت القيادة العراقية وبعد طلب من السيد مسعود بارزاني للتدخل في أربيل عام ١٩٩٨ م، من تمزيق الكثير من أوكارها وخلاياها وغرف عملياتها.
ادعت الولايات المتحدة وحلفها العدواني بأن لغزو العراق أسبابا أهمها:
١- تحرير العراق من الدكتاتورية وتحويله إلى واحة يغبطها الشرق والغرب لازدهارها وديمقراطيتها !!!.
٢- لأن العراق يمتلك ويطور أسلحة دمار شامل تهدد أمن وسلام العالم الذي تكلفت أمريكا بحراسته بتفويض من وحدانية قطبيتها.
٣- لأن العراق يقيم علاقات مع منظمات إرهابية كقاعدة أسامة بن لادن.
غير أن أمريكا وحلفاءها لم يجدوا سلاحا محرما في العراق ولم تجد أمريكا مصنعا قادرا على إنتاج هذا السلاح لأن فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة قد دمرت السلاح والمصانع والمواد الأولية التي كانت تشكل قدرات العراق الصناعية العامة ومنها العسكرية بشكل خاص والتي كانت بالأعم الأغلب صناعات تقليدية. والعالم كله يعرف هذه الحقيقة غير أن انهيار الادعاء بعد الغزو والاعتراف الضمني بالفشل بالعثور على سلاح محرم قد أسقط أحد أهم الادعاءات الكاذبة للغزو المجرم.
وباشرت أمريكا فورا بالسيطرة على وزارة النفط العراقية التي بقت الوحيدة خارج خطط التدمير الشامل للوزارات والمؤسسات العراقية وسيطرت على كافة مؤسساتها الإنتاجية وفتحت أنابيب النفط العراقي للضخ بلا عدادات في إلغاء فوري لقرار التأميم.
ثم باشرت بإنتاج واحتها الموعودة للديمقراطية بمداهمة بيوت العراقيين العزل وقتل واعتقال مئات الآلاف بل الملايين منهم وتعريض الأسرى والمعتقلين إلى شتى أنواع التعذيب الوحشي وباشر جنودها بهتك أعراض العراقيين بعمليات الاغتصاب للنساء وللرجال على حد سواء.
ثم بدأت بتأسيس دولة ( الديمقراطية في العراق المحرر ) على أسس:
* المحاصصة المذهبية والعرقية التي دمرت دولة العراق تدميرا تاما على عكس ادعاءاتها.
* تمكين أحزاب إيران التي أدخلتها مع ميليشياتها بعد احتلال بغداد مباشرة من مسك رقاب العراقيين وثروات البلاد وكانت تلك هي بداية تمكين إيران من احتلال العراق .
* إصدار قوانين حل القوات المسلحة العراقية ووزارات متخصصة أخرى.
* إصدار قوانين الاجتثاث التي شملت ملايين العراقيين وخلقت شروخا في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد.
وبدأت ملامح دولة الحرية المزعومة تبان جليا بتهجير ملايين العراقيين نتيجة قطع أرزاقهم وتهديد حياتهم وعوائلهم ونشر المليشيات الطائفية وخاصة إيرانية الولاء لجعل العراق ( المحرر ) محكوما بالموت وبالفشل.
وبانت ملامح الحياة الهانئة المترفة المرفهة التي زعموا أنهم سيوفرونها على أنقاض الدولة الوطنية من خلال تدمير مشاريع الإنتاج وضخ مئات الآلاف من العاطلين عن العمل ممن كانوا يشتغلون في هذه المشاريع وإنهاء خدمات ملايين العراقيين لبلدهم نتيجة قرارات الحل والإقصاء وانغلاق فرص التعيين والتشغيل لآلاف الخريجين.
ونجحت أميركا في إنتاج الإرهاب وتهديم مدن العراق وخاصة الغربية التي شهدت مقاومة بطلة للغزو، كما نجحت نجاحا باهرا في بث أنواع الفساد الأخلاقي والمالي والإداري في العراق.
وإذا كان هذا هو حصاد الغزو الأمريكي للعراق قتل ما يزيد على مليوني عراقي وتهجير قرابة ستة ملايين ونزوح ملايين أخرى بعد هدم بيوتهم على رؤوسهم وهدر ترليونات الدولارات على يد سلطة فاسدة تنتجها وتدورها انتخابات باطلة ومزورة وبث الفتن المذهبية والعرقية التي جعلت العراق على حافات التشظية ومكنت إيران من احتلال العراق فإن ما نتج من غزو العراق على مستوى الوطن العربي لا يقل كارثية ويمثل أعلى درجات ما تمنت الصهيونية أن يتحقق:
فغزو ليبيا وتدميرها والحرب الدموية المستمرة في سوريا واليمن ما هي إلا نتاج مباشر لإسقاط السد العراقي الذي جاء بعده الطوفان.
كما أن أحداث ما يسمى بالربيع العربي التي حاول القائمون عليها والممولون لها إعطاءها صبغات ثورة شعبية عربية قد هزت كيانات مصر وتونس وعبثت بأمنها وعرضت سيادتها الوطنية للخطر وما زالت. ونحن نرى أن جميع هذه الأحداث قد صممت لاستكمال جريمة غزو العراق لتشظية العرب وتمزيق بلادهم التي هي أصلا ناتج تقسيم استعماري قهري جائر حصل ليؤمن الوجود الاحتلالي العنصري الإجرامي لفلسطين الحبيبة من قبل الحركة الصهيونية العالمية المجرمة.
ونحن إذ نتوقف هذه الأيام عند الذكرى الخامسة عشرة لجرائم غزو العراق فإننا نقف باعتزاز وإكبار أمام بطولة العراق وشعبه التي تمثلت بمقاومة الغزو مقاومة بطولية شرسة قبل وبعد حصوله وهي المقاومة التي أفسدت وعطلت الكثير من خطط الغزو وأرغمت الجيوش الغازية على الهرب واحدة تلو الأخرى وأجبرت أمريكا على الركون إلى الشريك الفارسي في إدارة العراق المحتل والمضي في قتل العراقيين وتدمير بلادهم وأجبرتها على الاختباء في قواعد محصنة ستدكها قبضات الشجعان باذن الله.
وإننا على يقين بأن المقاومة العراقية الباسلة ستتواصل وتتصاعد مع العري الفاضح لمنتجات الاحتلال والفساد المخزي لمن وظفهم من العملاء والخونة وجاء بهم من مواخير الأزقة الخلفية المعفنة لعواصم العالم وهم عتاة المجرمين والمرتزقة وعديمي الأخلاق والذين صارت الرذيلة ديدنا لهم والفاحشة والاجرام جلدهم الثخين وسماتهم الرديئة.
المجد في عليين لشهداء العراق يتقدمهم بطل الأمة وصانع تاريخها الحديث صدام حسين رحمه الله.
العز والنصر لقائد الجهاد والتحرير الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الرفيق القائد البطل عزة إبراهيم.
تحية لكل عراقي لم ينسحب إلى شراك الغزاة وإلى كل عراقي يستطيع الإفلات منها والعودة إلى حظن عراق المجد والحضارة والذرى.
الله أكبر وإن فجر التحرير آت وقبر الباطل يحفره الأباة الشجعان الصامدون المؤمنون بالله وبالعراق وبالأمة.