سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أنيس الهمامي - حين تلتبس الأمور على الحمير، فلا يفرّقون بين التّدمير والتّحرير


عندما قرّر الأمريكان غزو العراق وتدميره، تعالت أصوات كبار العقول الاستراتيجيّة والعسكريّة والإعلاميّة وردّدوا بإطناب الحيلة التي ابتدعوها ليخدعوا الرّأي العام الأمريكيّ أوّلا ومن ثمّ الرّأي العام العربي والعالميّ بأنّ عدوانهم الغاشم ليس إلاّ عملا نبيلا عماده تحرير العراق.
ونظرا لسطوة الماكينة الدّعائيّة والإعلاميّة الأمريكيّة والصّهيونيّة، استسلم أغلب النّاس لهذا المصطلح الهجين لما ينطوي عليه من مغالطة ما أنزل الله بها من سلطان وركن العديدون للتّضرّع والدّعاء بالتّمكين لهؤلاء المحرّرين الغيارى في مسعاهم الحميد على درب تحرير العراق وتخليص شعبه من معاناته من بطش النّظام وديكتاتوريّته وقتها، وانتظر هؤلاء تحقّق مئات الوعود والتّطمينات التي أطلقها الغزاة الأمريكان وصدّقوا زيف الأماني بتحويل العراق إلى جنّة الله على الأرض وهلّلوا للعهد  الجديد الذي سيكون العدل والدّيمقراطيّة والحرّيّة عناوينه الأبرز. ولم يستفق هؤلاء من أضغاث أحلامهم إلاّ بعدما صدمتهم الحقيقة إثر ما لمسوه من جرائم وحشيّة لم يعرف لها التّاريخ مثيلا وانتهاكات مقزّزة لكلّ المواثيق والأعراف ارتكبها بمنتهى البرود معسكر الغزاة الذي لطالما صدّقوا دعواه بأنّه أداة تحرير وتطوير وغير ذلك. 
إلاّ أنّ هذه الاستفاقة لم تكن في حقيقتها نابعة عن إدراك وفهم لحقيقة المشروع الأمريكيّ الجهنّمي الذي أعدّ للعراق وللمنطقة العربيّة برمّتها، إذ سرعان ما عاد أغلب المتابعين والمتفاعلين مع قضيّة العراق لاستهلاك علكة التّحرير نفسها في كلّ مرّة تقرّر فيها حكومة العملاء والجواسيس في بغداد المحتلّة شنّ عدوان ساحق ماحق على مدن العراق ومحافظاته الواحدة تلو الأخرى وخصوصا تلك التي ظلّت عصيّة عن السّيطرة بالكامل لمشروع سلطة الاحتلال خصوصا في عهده الإيرانيّ الفارسيّ الصّفويّ بعد فرار الأمريكان من العراق أواخر عام 2011، حيث دأبت سلطات بغداد على تكرار الحجج والرّوايات الكاذبة نفسها  واختلقت عشرات الذّرائع الواهية لتنتقم من شعب العراق ومدنه وقراه إرضاء لنزواتهم وأحقادهم وثاراتهم وهم العملاء الغرباء الوافدون من شتّى أقبية المخابرات الأمريكيّة والبريطانيّة والصّهيونيّة والفارسيّة ائتمارا بتوجيهات أسيادهم. ولقد تفتّقت قريحة مجرمي حكومة الجواسيس على حيل كثيرة نجحت عبرها في مواصلة خداع الرّأي العام العربيّ والدّوليّ كان أعظمها أثرا ومردوديّة تنظيم داعش الإرهابيّ وكلّ ما يلفّه من تشعّبات وغموض، حيث استغلّت المزاج العامّ العالميّ المخدّر من صنّاع القرار الدّوليّ وعلى رأسهم الأمريكان، وجعلت من ادّعاء مقاومة إرهاب ذلك التّنظيم شمّاعة علّقت عليها كلّ السّجلّ الإجراميّ الهائل الذي استهدف العراقيّين جميعا دونما استثناء.
وفي ظلّ هذه الوضعيّة، عاش العراق ومدنه وقراه ومحافظاته وخصوصا في شماله وغربه أعنف الاعتداءات في التّاريخ البشريّ كلّه وتعرّض لأكبر حملة إبادة عرقيّة وتهجير قسريّ لسكّانه الأصليّين كما عرف أخطر عمليّة تغيير ديموغرافيّ باتت تهدّد بنسف هويّته الوطنيّة والقوميّة نسفا كلّيا. وتغذّت هذه الحملات الفظيعة من مخزون الحقد الأسطوريّ الذي يسكن حكّام العراق اليوم وأسيادهم وخاصّة الفرس، كما انطوت أساسا على التّشفّي والانتقام فيما كانت الطّائفيّة نزعة وخطابا وتوجّها وسلوكا اليافطة الأساسيّة والمحرّك الأهمّ لفعل ما يسمّى بالحكومات المتعاقبة على حكم العراق ما بعد الغزو.
فلقد أبيدت تكريت وسحقت الفلّوجة وديالى ونينوى وسامرّاء وبعقوبة  والرّمادي وغيرها من مدن العراق بتعلّة محاربة الإرهاب وتحت عنوان كبير ألا وهو " التّحرير " وما أدراك ما التّحرير اقتداء بالتّحرير الأمريكيّ من قبل، وأعمت حجّة التّحرير هذه بصيرة السّواد الأعظم من المتفاعلين مع الأحداث سواء كانوا إعلاميّين أم مثقّفين أم سياسيّين أو جماهير، ولم تفلح المجهودات المضنية التي بذلها وما يزال روّاد مقاومة المؤامرة على العراق في سبيل فضح أكاذيب المحرّرين القتلة الإرهابيّين وكشف ألاعيبهم وإزالة اللّثام عن حيلهم الشّيطانيّة ولم تنجح في ثني تلك المجاميع عن مواصلة مزيد من التّصفيق لما يحدث حقيقة على الأرض.
وعلى المنوال نفسه، عاشت مدينة الموصل طيلة الأشهر الأخيرة السيّناريو نفسه الذي تابعه العالم في الفلّوجة وبقيّة المدن مع اختلاف طفيف وهو حجم الدّمار على أوسع نطاق بتعلّة أنّها معقل تنظيم داعش، واستنفذت الحكومة العميلة في بغداد المحتلّة وأعوانها الطّائفيّة وميليشيّات الإجرام والقتل على الهويّة والحشد الصّفويّ مدعومين كلّهم بطلائع الجيش الإيرانيّ وخاصّة فيلق القدس بقيادة الإرهابيّ المجرم قاسم سليماني في مدينة الموصل كلّ ما في جرابها من كراهيّة وعنصريّة وبغض للعرب وللعراق وشعبه وحضاراته واعتمدت سياسة الأرض المحروقة فدمّرت وخرّبت ومزّقت وأحرقت كلّ ما طالته أقدام مرتزقتها الأوغاد لتتحوّل الموصل لحالة  ومثال مصغّرين عن يوم القيامة بعد استخدام الأسلحة شديدة الفتك والتّدمير كالفوسفور الأبيض ناهيك عن حمم الموت المنطلقة من طائرات أزيد من ستّين دولة بالتّمام والكمال تحتلّ سماء العراق وتعرف بالتّحالف الدّوليّ الذي يدّعي مطاردة داعش.
لقد كان كافيا مجرّد ذكر اسم داعش وتضخيمه ومن ثمّ التّشديد على ضرورة تخليص العباد والبلاد منه لتمرّ كلّ الجرائم مهما بلغت من فظاعة وساديّة مرور الكرام، ولتقابل بموجة من التّهليل والاستحسان من قبل عدد لا يستهان به من العرب خصوصا أولئك الذين تحرّكهم وتبرمج عقولهم وتصنع ردّة أفعالهم كبرى شاشات التّلفزيون سواء العربيّة المخاتلة والمتخاذلة أو الصّهيونيّة أو الأمريكيّة أو الصّفويّة أو حتّى الرّوسيّة، فنسي هؤلاء الأعراب أنّ كلّ ما حلّ بالعراق إنّما تتحمّل مسؤوليّته كاملة وعلى مختلف الصعد الإدارتين الأمريكيّة والبريطانيّة المجرمتين وكذلك الصّهيونيّة العالميّة  وبالقدر نفسه إيران الفارسيّة الصّفويّة التي تمثّل قوّة احتلال واضحة وصريحة في العراق، وتناسوا أنّ صمتهم ومباركتهم لما حلّ باهل الموصل وشعب العراق لن يقيهم المصير نفسه بل كلّ ما في الأمر أنّ دورهم لم يحن بعد وهو فقط مسألة وقت.
رقص الجميع إلاّ من رحم ربّك على جثث الموصليّين رضّعا وصبية ونساء وشيوخا، وأنكروا ما فعلته بهم إدارة التّوحّش الفارسيّ العنصريّ، وقفزوا على الإبادة العرقيّة لشعب بأكمله لا ذنب له سوى أنّه كان وجهة حماقة تاريخيّة للأرعن بوش الصّغير المكلّف وقتها برسم خريطة جديدة للمنطقة تحت مسمّى الشّرق الأوسط الجديد تمهيدا لتأسيس النّظام العالميّ الجديد وتدشين عهده وهو عهد العربدة الأمريكيّة واستهتارها بالأمم والشّعوب منصاعة للمخطّطات الصّهيونيّة الماكرة، بل واستمزجوا فاجعة الموصل مستخفّين بالرّائحة العفنة للأداة الطّائفيّة التي اتّخذت مطيّة تمرير كلّ المشاريع الاستعماريّة المتنافرة والمتآلفة في العراق.
إلاّ أنّ الأحداث تتسارع ليصفع عتاة المجرمين ورعاة الجرائم الطّائفيّة في الموصل والعراق هؤلاء السّذّج المنخدعين برواية التّحرير المزعوم، وتواترت التّصريحات الفوريّة من أقطاب السّفّاحين والقتلة ليعترفوا بحقيقتهم المخزية من جهة، وليسفّهوا هذا التّطبيل السّمج الصّفيق لتدمير الموصل وتخريبها وطمس معالمها الأثريّة والحضاريّة وتقتيل أهلها وتشريدهم وتهجيرهم.
إنّ التّحرير الوحيد، والتّحرير الحقّ في العراق هو تحريره وتطهيره من دنس الاحتلال والمحتلّين والغزاة بجميع قوميّاتهم سواء كانوا أمريكانا أو فرسا أو صهاينة، وهو أيضا محاسبة كلّ العملاء والبيادق الطّائفيّة التي أثخنت الجراحات في الجسم العراقيّ المنهك بطبعه والقصاص منهم وعقابهم العقاب المستحقّ. وإنّ التّحرير الفعليّ هو إعادة العراق لأبنائه المخلصين البررة وتضميد جراحاتهم وتعويضهم عمّا رزحوا تحته من وحشيّة وبربريّة ساديّة تشيب الولدان، أمّا تسوية المباني بالأرض، وتذبيح النّاس وتقتيلهم على الهويّة بدم بارد فهو جرم وخزي كبير، وإنّ المتماهين مع هذه الجرائم إنّما لهم الخزي  والعار نفسه بل ولأكثر، فلقد فقدوا آخر ذرّات الحياء وتجرّدوا من إنسانيّهم فلم يعد من فاصل بينهم وبين الحمير بعد أن تداخلت عندهم الأمور للحدّ الذي أضحى التّدمير تحريرا، والرّذائل فضائل.
إنّ بطلان هذا التّحرير المزعوم يتأكّد خصوصا من خلال تصريحات أهمّ المجرمين من مخرّبي الموصل نوردها في الختام عساها تعيد بعض الرّشد والرّشاد لمن فقد الصّواب.
1- قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثّوري الإيرانيّ يصرّح بأنّ النّصر في الموصل جاء ردّا على احفاد عمر وأبو بكر ومعاوية ويزيد.
2- أبو مهدي المهندس نائب رئيس ميليشيات الحشد الصّفويّ: سنحرّر كلّ الشّام من النّواصب وسترتفع راية الحسين على كلّ العراق وسوريا واليمن.
3- قائد الحرس الثّوري الإيرانيّ ومن على قناة الميادين: إنّ النّصر في الموصل سيعجّل بظهور المهدي للقضاء على النّواصب.
4- قيس الخزعلي رئيس عصابة ميليشيا العصائب الصّفويّة في تصريح له لوكالة النّخيل يقول: إنّ النّصر القادم سيكون بعد تحرير مكّة والمدينة.
5- هادي العامري زعيم عصابة ميليشيا بدر الصّفويّة ومن على قناة الكوثر يقول سنستمرّ حتّى القضاء على أحفاد معاوية .
فهل تتحرّون في هرولتكم للتّعبير عن سعادتكم بهكذا تحرير ملغوم؟

أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 11-07-2017

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018