سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أنيس الهمّامي - أعيدوا لنا العراق ومجده ورقيّه أوّلا

                       
يقول الرّئيس الأمريكيّ الأسبق إيزنهاور:
( لو كان الأمر بيدي، لضحيّت بمستقبل أمريكا كلّه من أجل تاريخ مصر.. أمّا تاريخ العراق فلا ثمن لي مقابله. )
 لا يختلف عاقلان منصفان وموضوعيّان حول أنّ ما تعرّض له العراق من محن ومآسي بلغت مداها مع قرار أمريكا وحلفائها المكشوفين والمتخفّين خلف أكثر من ستار بغزوه الظّالم خارج كل ّ الأعراف والمواثيق والقوانين الدّوليّة عام 2003 بعد سلسلة الاعتداءات الوحشيّة التي انطلقت أوائل تسعينات القرن العشرين وما حملته خاصّة من حصار جائر استهدف تجويع العراقيّين وإذلالهم وإنهاك دولتهم ومن ثمّ محاصرة نظامها والعمل على إسقاطه لمنع تجربته الرّائدة علميّا وتقنيّا وصناعيّا وثقافيّا وإنسانيّا وهي التّجربة التي اتّسمت بالتّفرّد في دول الجنوب  كافّة.
ولقد اتّخذت الجريمة الكونيّة وهي الأشدّ ضراوة وبربريّة في كلّ الأزمنة والعصور بحقّ العراق أرضا وشعبا ونظاما وتاريخا وحضارات ملامح ومظاهر شملت جميع أوجه الحياة، حيث وكما توعّد جيمس بيكر وزير الخارجيّة الأمريكيّ سيّء الصّيت والسّمعة العراق بإعادته لما قبل عصر الصناعة ، استهدف الغزاة الهمّج بقيادة عون الشّيطان أمريكا كلّ ما طالته أياديهم الآثمة في بلاد ما بين النّهرين فلم ينج من نيرانهم وأحقادهم الدّفينة وضغائنهم لا البشر ولا الشّجر ولا حتّى الحجر، وتوسّلوا في سبيل بلوغ مخطّطهم الأشدّ قذارة في تاريخ الإنسانيّة كلّها شتّى الوسائل من ترويج للطّائفيّة واستغلالها ناهيك عن تأجيج الصّراعات المذهبيّة والإثنيّة والعرقيّة، إلى استخدام أشدّ الأسلحة ومبتكرات المصانع الحربيّة فتكا وتدميرا مرورا بالتّضليل والاستناد للأكاذيب والفبركة وهما عماد الحرب النّفسيّة والإعلاميّة الهوجاء التي تقصّد من ورائها الطّغاة وحلف الشّر والبغي التّغطية على حقيقة جرائمهم وغاياتها ورهاناتها.
وإنّه لم يعد خافيا أنّ لا أحد في الدّنيا قاطبة بإمكانه إنكار هذه المسلّمة البديهيّة والحقيقة الدّامغة إلاّ المتفسّخون والعملاء والخونة الأراذل من الذين ابتليت بهم الأمّة العربيّة من داخلها، أو المرتبطون أيّما ارتباط بالصّهيونيّة العالميّة والامبرياليّة والدّوائر الاستعماريّة بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
بل إنّ الغزاة ودهاقنتهم وأقطاب الجريمة الهمجيّة بحقّ العراق لم يعد بإمكانهم المكابرة وأضحى الإقرار بما ارتكبوه من اعتداء إرهابيّ سافر وجبان على بلاد الرّشيد أمرا بديهيّا حتّى بلغ الأمر بقادة أمريكا نفسها وحليفتها الكبرى بريطانيا للاعتراف علانيّة بأنّ قرار غزو العراق كان أكبر خطأ استراتجيّ على الإطلاق.
فها هي بريطانيا مثلا قد أصدرت تقرير تشيلكوت الشّهير قبل سنة ونصف تتّهم فيه المجرم الخسيس طوني بلير بالتّحيّل واستناده على الأكاذيب لتوريط بريطانيا فيما حدث، وهو التّقرير الذي أصبح بالاستناد عليه تتبّع بلير وغيره من المجرمين أمرا متاحا في بريطانيا.
ولم يتوقّف الأمر عند بريطانيا فحسب، بل إنّ أمريكا وعلى لسان عدد من كبار ساساتها وصنّاع القرار فيها أقرّوا ببطلان مستندات الغزو ومسوّغاته ولعلّ أخطر ما صدر بهذا الشّأن التّصريحات المتواترة للرّئيس دونالد ترامب حول فظاعة ما أقدمت عليه إدارة بوش الصّغير وما تلاها ضدّ العراق وشعبه ونظامه، وتكرّر تشهيره بتلك الفضائح أثناء حملته الانتخابيّة وبعدها.
ولقد جاء دور وزارة العدل الأمريكيّة وهي إحدى ثالث المؤسّسات والأجهزة في الدّولة الأمريكيّة من حيث الأهمّية والحساسيّة بعد الدّفاع والخارجيّة لتدين شركة ( هوبي لوبي ) لمتاجرتها وشراء آثار عراقيّة عبر وسطاء من الإمارات العربيّة المتّحدة والكيان الصّهيونيّ وأوصت بإرجاع 5000 قطعة آثار ثمينة سرقت من المتحف.
وتكتسي هذه الخطوة من وزارة العدل الأمريكيّة خطورة بالغة إذ تنضاف لمجموع القرارات الرّسميّة الشّاهدة على فظاعة ما ارتكب ضدّ العراق على جميع الصعد، ولتشدّد على بطلان مؤامرة غزو بلاد ما بين النّهرين وأنّ كلّ ما بني عليه باطل بالضّرورة، وحين نقول ببطلان ما انبنى عليه فإنّنا نعني بكلّ الوضوح والصّرامة العمليّة السّياسيّة في بغداد المحتلّة برمّتها منذ 10-04-2003 لغاية اليوم، ناهيك عن كلّ المفسدين الذين انخرطوا في مشروع الاحتلال الأمريكيّ وما تلاه من احتلال إيرانيّ فارسيّ صفويّ غاشم تعكّز على ميليشيّات التّقتيل على الهويّة ومجاميع الطّائفيّين المدفوعين بالثّارات والأحقاد الدّفينة والشّعوبيّة العنصريّة المتخلّفة.
وتتمثّل أهميّة قرار وزارة العدل الأمريكيّة بناء على ما تقدّم خصوصا في أنّه اعتراف رسميّ ومهمّ للغاية بما تعرّض له العراق من اعتداء شامل لعلّ استهداف معالم حضاراته وآثاره أحد أخطر ما انطوت عليه الخطيئة الامبرياليّة الكبرى التي أعدّت خصّيصا للعراق ومن خلاله للعرب جميعهم، فهذا القرار سيسمح بدوره لكلّ أبناء العراق الغيارى وقواه الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة الحيّة بتتبّع كلّ اللّصوص والعابثين والمتمعّشين من السّرقة الممنهجة لإرث العراق الحضاريّ والإنسانيّ لأنّه وإن كان عراقيّا خالصا فإنّه ملك لكلّ الإنسانيّة ولا ريب.
وإنّنا لا نخال أحدا من الذين عايشوا أحداث اجتياح العراق وغزوه الآثم ينسى كيف استباحت المجاميع الصّفراء ( وكانت ترفع رايات صفراء حينها ) متاحف العراق ونهبت آثاره وكنوزه الحضاريّة الفريدة التي لا ينافسها رصيد حضاريّ في كلّ أرجاء المعمورة  أو تسقط من ذاكرته كيف جرت تلك الجرائم الفظيعة على مرأى جنود الاحتلال الأمريكيّ وبمباركة منهم وقتها، وهي فظاعات نقلت على أغلب شاشات التّلفزيونات العالميّة ووثّقها الصّحفيّون والمدوّنون وغيرهم.
إنّه من الأهمّية والخطورة بمكان في الوقت نفسه أن تأمر وزارة العدل الأمريكيّة بوجوب إرجاع آثار العراق المنهوبة لما فيه من إقرار ضمنيّ بالمسؤوليّة الأمريكيّة القانونيّة والسّياسيّة والأمنيّة والأخلاقيّة في ذلك، ولكن سيظلّ الأكثر أهميّة إيلاء ثروة العراق الحضاريّة المنهوبة اهتماما أكبر وصرامة أشدّ لما لها من قيمة آثاريّة وحضاريّة عظيمة ومخصوصة، كما سيكون هذا القرار ان بقي بصيغته هذه مجرّد محاولة ذرّ الرّماد في العيون ذلك لأنّ ما تعرّض له المخزون الحضاريّ والتّاريخيّ للعراق من نهب واتّجار وإثراء غير مشروع عبره أكبر بكثير جدّا من مجرّد رقم تافه كعدد القطع التي عدّها بخصوص الشّركة المشار إليها، ففي العراق مئات آلاف المخطوطات التّاريخيّة النّادرة والتّماثيل الفريدة التي سطا عليها تجاّر الآثار وخاصّة منهم الصّهاينة الذين جنّدوا حثالات العراق ما بعد الغزو وهم من سهّلوا تمكين الصّهاينة من عدد مهمّ منها ناهيك عمّا تضمّه اليوم متاحف فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليونان وغيرها من آلاف القطع الآثاريّة العراقيّة.
لكن يبقى الأهمّ والأولى على سلّم انتظارات العراقيّين والعرب وأحرار الإنسانيّة جمعاء، أن متى يعيد الأمريكان العراق وأهله وسكّانه الأصليّين المشرّدين والمهجّرين قسرا من ديارهم.؟
أعيدوا لنا العراق ومجده وشعبه أوّلا، ومن بعدها سنصفّق لإعادة آثاره وموروثه الحضاريّ؟؟
أعيدوا لنا العراق وجيشه وأمنه وجيوش علمائه وفيالق مبدعيه، وأطردوا إيران وميليشيّاتها التي خرّبت العراق وأفسدت معالم الحياة فيه.. 

أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 09-07-2017

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018