سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

(موقف نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام) متى يقترب الإعلام من فعل المقاومة؟


قد لا يختلف عاقلان حول أهمّية الإعلام  القصوى ودوره الحسّاس في عصرنا هذا على مختلف الوجه حيث يخلق الإعلام وأهله وصنّاعه الأمزجة ويوجّه الجماهير ويصوغ المشهد السّياسيّ دوليّا أو إقليميّا أو محلّيّا بالنّظر لعوامل عدّة لعلّ أهمّها مرونة وصول المادّة الإعلاميّة بغضّ النّظر عن طبيعتها وعن مضامينها ومراميها.
وإنّه لا غرو في الجزم بأنّ الإعلام انتقل من مجرّد وسيلة قد تشدّ انتباه جمهور من النّاس حسب أهوائهم وميولاتهم وقد ينفر منها فريق آخر  للأسباب نفسها ، إلى مرتبة السّلاح الحيويّ وتكفي الخبرة في توظيفه وتطويعه لتحقيق جملة من الغايات وبلوغ حزمة من الأهداف المستعصية في زمن قصير وبمجهود محدود إلاّ من حيث الاستراتيجيّات والسّياسات المتّبعة من طرف أصحاب تلك الرّهانات، ورغم شموليّة هذا الرّأي المتعلّق بالإعلام كسلاح مصيريّ، فإنّه يبلغ مداه إذا ما حٌصرالأمر في المجالين السّياسيّ والعسكريّ. ويستند هذا القول لدلائل وقرائن معيشة لا سبيل لإنكارها، وتتجلّى بمنتهى الوضوح في التّعويل الصّارم من طرف أصحاب المشاريع العملاقة والمخطّطات الكبرى على الإعلام إذ حقّقت الصّهيونيّة العالميّة مثلا انتصارات رهيبة تمثّلت في نجاحها في تثبيت أكاذيبها وارتقت بها لمرتبة المسلمّات والثّوابت التي لا مجال لأن يتجرّأ احد مثلا على التّشكيك فيها أو مهاجمتها وفضح نوازعها، وهو الأمر الذي أدّى فيما بعد لتركيز كيانها الغاصب في فلسطين، كما يتبيّن ارتقاء الإعلام لمرتبة السّلاح الأخطر مثلا في حسمه للمعارك الكبرى التي خاضتها الامبرياليّة حديثا وخصوصا الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفاؤها لا سيّما في العراق وليبيا حيث استطاعت أن تحيّد كلّ معارضيها من جهة وأن تكسر العزائم في فريق واسع من المستهدفين بحملاتها عبر الحرب النّفسيّة الهوجاء التي تشنّها ضدّهم باستمرار عبر الإعلام. 


إنّ ما يهمّنا نحن العرب من وراء هذا التّذكير لا بماهيّة الإعلام وتعريفاته وإنّما بطبيعته، عجزنا على استخدام الإعلام استخداما علميّا يمكّننا من صدّ المؤامرات الكونيّة الشّيطانيّة التي تتربّص بنا وتهدّد وجودنا تهديدا لا مثيل له في التّاريخ البشريّ كلّه بلغ حدّ الاجتثاث: اجتثاث أمّة العرب وتقطيع أوصال العروبة في حملة إبادة جماعيّة مليونيّة تتراوح بين التّذبيح والتّقتيل والتّصفية الجسديّة وطمس مقوّمات الشّخصيّة العربيّة وتذويبها ناهيك عن الاستيلاب والغزو الحضاريّ الهادف لنسف المخزون الفكريّ والثّقافيّ العربيّ وتقويض البنية النّفسيّة والمجتمعيّة وإحالتها قسرا للتّسليم الوجوبيّ بالهوان والتّردّي والانحطاط.
فما من أمر أكثر خطورة ولا استعصاء على الإدراك من حالة الفوضى الإعلاميّة الجاثمة على صدورنا نحن أمّة العرب اليوم.. ففي الوقت الذي تنتهك حرماتنا ليلا ونهارا، وفي زمن عمّت فيه المصائب والمآسي ربوعنا، وأثناء تعميم الموت في كلّ ربوع الوطن الكبير، وبينما تراق دماء أطفال العرب وشيوخهم ونسائهم دون أن تحرّك تلك الشّلاّلات ساكنا في هذا الكون المنافق المخاوز، يصمت إعلامنا ورجالاته صمت القبور حيال ما يحدث من حولهم، والأدهى والأمرّ من كلّ ذلك مواصلة الإعلام العربيّ التّغريد خارج السّرب، وتستمرّ المادّة الإعلاميّة العربيّة تافهة هابطة جوفاء مفرغة من كلّ معاني الالتزام بقضايا الجماهير بل لا يرعوي مؤثّثوها على الاستخفاف بها والقفز على الواقع العربيّ المرّ الفاجع..
قد لا يكاد يعثر المبحر في إعلامنا العربيّ بأصنافه المقروءة والمسموعة والبصريّة على أكثر من أخبار مشاهير الرّياضة والفنّ وتقليعات المنجّمين وتفسير الأحلام وأنباء عن " حظّك اليوم " والأفلام والمقاولات ومسرحيّات التّهريج ومسابقات الرّبح السّريع والإعلانات الإشهاريّة، وحتّى القنوات الإخباريّة وخاصّة تلك المنابر العملاقة التي أنفق في سبيل بعثها مئات المليارات، لم ترتق للحدّ الأدنى المطلوب والمتناسب مع الواقع العربيّ، كما أنّ الكثير منها تحوم حوله شبهات خطيرة بالنّظر للدّور التّخريبيّ الذي تتماهى فيه مع أرباب الإعلام العالميّ وصنّاع القرار الدّوليّ فغدت بذلك مجرّد فضاءات ترويج وتبييض للنّظام الرّسميّ العربيّ من جهة وانخراط لمصالح الأعداء من جهة أخرى.
تغيب في إعلامنا العربيّ إذن قضايا العرب الحارقة، ويستبدلها بسفاسف الأمور، وإذا ما استقرّ الرّأي عند رجالاته بالاهتمام ببعضها، فإنّ تناولها غالبا ما يتّسم بالسّطحيّة وغياب البحث المعمّق وانعدام الجدّيّة والمسؤوليّة. ولقد ساهمت هذه السّمة المسيطرة على إعلامنا في إغراق جماهير الأمّة في دوّامات اليأس والعجز وفتور العزائم.
وتتضّح هذه الحقيقة المفزعة في تجاهل الإعلام العربيّ تجاهلا تامّا لأحد أبرز الشّموع المضيئة في واقعنا المزري ألا وهو الفعل العربيّ المقاوم والمقاومة العربيّة.  ففي الوقت الذي ادلهمّت فيه الخطوب وتكالبت علينا الأمم، لم تستكن قطاعات واسعة من أبناء أمّتنا المجيدة ولم تغرس رؤوسها في رمال هزائمنا المتلاحقة، بل تحاملت على الجراح وتسامت على الصّغائر والمنافع واختارت أن تتمشق بنادق التّحرير وفضّلت خنادق المواجهة والكفاح والجهاد ورابطت فيها رباطا نوعيّا عبّرت عنه أفعال الرّجال الرّجال وملاحمهم وهم يقارعون الاحتلال الغاشم في الأحواز العربيّة وفلسطين السّليبة وليبيا وخاصّة في العراق.
ولم يشفع الصّمود الأسطوريّ للمقاومة العربيّة الممتدّة على أغلب ساحات الوطن والتي اتّخذت أشكالا متنوّعة ومتلائمة مع طبيعة الميادين فتناغمت الأقلام المقاومة بالبنادق الطّاهرة وتلاحم كلاهما مع حناجر الأحرار والماجدات في هذه الأمّة المستهدفة الجريحة والمتحدّية دوما، ولم تستفزّ نضالات مقاومينا وعطاءاتهم وقد شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء ولم تثر إعلامنا العربيّ للأسف الشّديد.
فلماذا هذا الإنكار للفعل العربيّ المقاوم وما غايات تغييبه غيابا تامّا؟
ومتى يقترب إعلامنا من المقاومة العربيّة؟
إنّ الإجابة على هذين السّؤالين الخطيرين، لا تتناسب معهما ومع طبيعتهما وذلك لسهولة تحديدها، وهي مفارقة غريبة ولا ريب.
ينقسم إعلامنا العربيّ العربيّ لقسمين كبيرين وهما الإعلام الرّسميّ المرتبط بالنّظام الرّسميّ العربيّ، والإعلام الخاصّ المملوك لأصحاب المال. ورغم هذا التّنوّع، فإنّ ارتباطات كلا القسمين بتعليمات الأنظمة وحساباتها من جهة، والسّعي لجني أرباح وعوائد ماليّة كبيرة من جهة أخرى استثنت من حسابات إعلامنا المصلحة القوميّة العربيّة العليا وأقصت انتظارات الجماهير.
وتتعمّق المأساة في هذا الصّدد إذا راعينا حقيقة بديهيّة تتمثّل في تبعيّة العرب وارتهانهم للإملاءات الأجنبيّة وهي رأسا لا تخدم إلاّ مخطّطاتهم وأهدافهم على حساب العرب أنفسهم، فضلا عن احتكار الإعلام وذبذباته من طرف الدّائر الصّهيونيّة والامبرياليّة وعجز العرب عن تحقيق أيّ هامش من الاستقلاليّة نظرا لتخلّفهم التّقنيّ والمعرفيّ الكبير.
هذا، ولا يجب إنكار حقائق أخرى تتمثّل أيضا في محدوديّة قدرات رجال الإعلام في وطننا العربيّ على جميع الأصعدة، حيث عجزت السّاحة الإعلاميّة عن خلق كوادر صحفيّة نوعيّة تتميّز بالثّقافة الواسعة وتقترن بالمسؤوليّة العالية، وغابت تماما الأسماء الكبرى والعقول المفكّرة من مجال الإعلام العربيّ الذي غدا مجرّد أداة تخوض في كلّ شيء باستثناء الآلام الحقيقيّة للأمّة.
إنّ إعلامنا العربيّ لا يسقط المقاومة العربيّة من حساباته انضباطا للقوانين الصّارمة المملاة من صنّاع القرار الدّوليّ وأصحاب النّفوذ العالميّ فقط، بل يفعل ذلك لجهل أو تجاهل لحقيقة الرّسالة الملقاة على عاتق الإعلاميّ النّزيه الشّريف، إذ لا يمكن للصّحفيّ أو الإعلاميّ أن يقبل لنفسه أن يكتفي بمجرّد تحرير الأخبار وملاحقة تواريخها إلاّ إذا كان مستهترا متفصّيا من الدّور الرّياديّ للإعلام.
وإنّ إعلامنا العربيّ لن يقترب من المقاومة العربيّة إلاّ متى تشبّع أصحاب المؤسّسات الإعلاميّة ومحرّروها والعاملون فيها بقدر كبير من النّضج والوعي والالتصاق بهموم الأمّة وإدراك أنّ المقاومة صمّام أمان هذه الرّبوع الممتدّة من المحيط إلى الخليج ومن موريتانيا للأحواز العربيّة، ناهيك عن ضرورة اقتناع صنّاع الإعلام العربيّ بأنّ المجد الحقيقيّ في صنع التّاريخ ونحت الانتصارات ولا يكون ذلك إلاّ بالتّعريف بالمقاومة العربيّة وكسر الحصار الإعلاميّ عنها وضرورة التّرويج لها ولمنجزاتها فضلا عن التّأصيل لها والحضّ على الإقبال فيها والانخراط في مشاريعها التّحرّريّة الوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة.

أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 17-03-2017

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018