سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أنيس الهمّامي - أزمة الموصل واستمرار الكارثة الإنسانيّة

                        
ما فتئت الموصل تشكّل محور اهتمام المتابعين والمحلّلين وتحظى بتركيز إعلاميّ كبير منذ سنوات، وتعاظم هذا الاهتمام منذ سنتين ونصف أي منذ جوان 2014 وما رافقه من أحداث معلومة تمثّلت في نجاح مقاومة العراق الباسلة في إلحاق هزيمة نكراء بجحافل الميليشيّات الطّائفيّة الإرهابيّة التّابعة لجواسيس الاحتلال وما رافقها من إطلاق اليد الطّولى للتّنظيم الإرهابيّ داعش بالاتّفاق والتّنسيق بين المالكي وإيران والولايات المتّحدة.
ولقد تكفّل تنظيم داعش وقتها بكلّ المهمّات القذرة التي أنشئ من أجلها وكان أعلاها وأهمّها على الإطلاق تشويه المقاومة العراقيّة والعمل على إرباكها، وكانت كلّ التّجلّيات الأخرى والجلبة المصاحبة لفعله وجرمه الدّمويّ مجرّد مظلاّت للتّغطية عن المغزى الحقيقيّ من صنعه.

ومنذ الوقت، ملأ التّنظيم الإرهابيّ الدّنيا وشغل النّاس، وكذلك كان حال الموصل، ذلك أنّ داعش استقرّ بها ونفّذ سلسلة جرائمه المعروفة. 
أدّت هذه المتغيّرات لجملة من القرارات التي استهدفت كبرى مدن العراق، وكثر الحديث عن وجوب تحريرها واستعادتها من تنظيم داعش مهما كلّف الأمر، ولم يكن التّحرير في الحقيقة هذه المرّة بمختلف عن المدلولات والمغالطات التي نضح بها هذا المصطلح لمّا استخدمته الإدارة الأمريكيّة في ترويجها لغزو العراق وتدميره وتخريبه.
وبناء على فِرية التّحرير الجديدة، استجمعت سلطة الاحتلال والجواسيس في العراق كلّ مخزونها الحاقد على العراق وأرضه شعبه ومدنه وقراه، منخرطة في أجندات أولياء نعمتهم سواء كانوا أمريكيّين أم فرسا صفويّين، وحشّدت الحشود الميليشياويّة وعبّأت الرّأي العامّ والدّوليّ متذرّعة بأنّ استرداد الموصل وطرد دواعشها مهمّة لا تنازل عنها ولا تراجع فيه، واستفادت من الغطاء السّياسيّ والإعلاميّ العالميّ بعد أن نجح الأمريكان في فرض رؤاهم كلّها.
اقتصر التّعرّض لأخبار الموصل منذ ثلاث سنوات فقط على أعمال داعش الوحشيّة من جهة، وعلى العزم على مقاتلته وطرده من جواسيس المنطقة الخضراء المسنودين من الخارج وخصوصا من الفرس والأمريكان.
وضاعت في الزّحام المأساة الحقيقيّة للموصل ولأهلها، حيث انعدمت فيها كلّ مقوّمات الحياة في حدودها الدّنيا، وأحيلت الحدباء لخراب لا نظير له في العالم ولا حتّى في التّاريخ، فلم يبق في الموصل من رابط بالحياة سوى تشبّث أهلها بأرضهم ومقاومتهم لسياسات التّفريس والتّهجير القسريّ والتّغيير الدّيموغرافيّ وصمودهم بوجه ألات التّدمير الفتّاكة وماكينات التّقتيل اليوميّ سواء كان من قبل الدّواعش أو من الحكومة العميلة أو من الطّيران الحربيّ الأمريكيّ الذي لم ينقطع عن دكّ كلّ قصبات المدينة خلال تلك الفترة.
غاب عن الموصل الأمن، والماء الصّالح للشّراب، وعزّت المؤن وشحّت الأرض وقفرت وعقرت، وغابت عنها سائر الخدمات، وغدت كبرى مدن العراق سجنا كبيرا، أو مقبرة كبيرة..
اندثر في الموصل كلّ شيء إلاّ معاناة أهلها، تلك المعاناة التي امتدّت بين التّركيب والتّعقيد حتّى أضحت غير حريّة بالوقوف عندها والتّدبّر في كيفيّة معالجتها. فلقد استمرّ إصرار حكّام العراق الدّيمقراطيّ وأسيادهم وميليشيّاتهم وأذرعتهم الظّلاميّة الإرهابيّة على إبادة العراقيّين إلاّ أولئك المستسلمين الخانعين لإملاءات الأعداء مجتمعين.
وعانقت معاناة الموصل كلّ مراتب العجز عن التّخيّل والتّحمّل للقدر الذي بات فيه نزوح عشرات الآلاف من أهلها وبقائهم بلا مأوى في العراء وتقتيل المدنيّين العزّل الأبرياء من النّساء والأطفال والشّيوخ أمرا أقلّ من العاديّ، ولا يحرّك سواكن هذا العالم الذي يتشدّق علينا بشعارات حقوق الإنسان والحيوان وغيرها.
وبات الموت الزّؤام نتيجة التّقتيل والتّعذيب والقصف العشوائيّ للطّائرات الأمريكيّة والفارسيّة وغيرهما لمدن الموصل وقراها وأريافها، مباحا بل ومدعاة للتّفاخر إذ يندرج في سياق الحرب الكونيّة على تنظيم داعش. 
إنّ ما يضخّ يوميّا من أخبار التّحرير المزعوم بقيادة المجرم العميل الصّغير حيدر العبادي، والهالة الإعلاميّة المصاحبة له، تؤكّد بما لا يدع مجالا للشّكّ على حجم المؤامرة الكونيّة التي تعرّض لها العراق ولا يزال لليوم، وتعرّي زيف الادّعاءات الأمريكيّة وغيرها التي لن تفلح في التّستّر على نواياها الشّرّيرة والآثمة دوما. فالعراق لم يستهدف لإزاحة صدّام حسين وتخليص شعبه من استبداده كما دأب الغزاة وبيادقهم على ترديده، ولكن استهدف في دسيسة كونيّة جائرة تقضي باجتثاث العروبة وتقويض معالمها، وما اختيار العراق وحزب البعث وقياداته إلاّ لإدراك الحلف الكونيّ الشّيطانيّ بزعامة الأمريكان والصّهاينة للقيمة التّاريخيّة والحضاريّة للعراق ولأهميّته الاستراتيجيّة في المعادلة الأمنيّة القوميّة العربيّة، ويقتضي هذا المخطّط الجهنّمي لتعميق مأساة العرب وجماهير الأمّة في كلّ رقعة من أرضها وهو ما يفسّر هذا الصّمت المخزي حيال الجرائم المتفاقمة بحقّ الموصل وأهلها وهي جرائم إرهابيّة عنصريّة ساديّة شعوبيّة تتغذّى من تعانق أحقاد ثالوث الشّر العالميّ الأمريكيّ والصّهيونيّ والصّفويّ على العراق.
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 09-03-2017

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018