قانون جاستا: هديّة أخرى لا يجب على العرب إضاعتها
الجزء الثاني
إنّ المتوجّب على العرب اليوم، تلقّف مثل هذا القانون الذي يشكّل منفذا مهمّا لمقاضاة أمريكا على
ما ارتكبته من جرائم إرهابيّة طويلة بحقّهم في مختلف ربوع وطنهم الكبير، وينبغي بالتّالي الشّروع في إجراءات عمليّة سواء على المستوى الرّسميّ أو الشّعبيّ لملاحقة رعاة الإرهاب الدّوليّ الحقيقيّين وهم رأسا الأمريكان.
فعلى العرب أن يتنبّهوا تماما لحقيقة هذا القانون وأن يتعاطوا معه تعاطيا شجاعا لا تردّد فيه ولا تسويف، إذ أنّه سلاح ذو حدّين وهذا ما لا يمكن دحضه أو عزله بادّعاء أنّ قراءاتنا له قراءات سياسيّة أو خضع للذّاتيّة مهما حاولنا التّحلّي بأكبر قدر ممكن من الموضوعيّة – وذلك بالنّظر لخلفيّتنا الإيديولوجيّة وانتمائنا السّياسيّ المعروف والذي لا ننكره بل نعتزّ بكوننا من خلاله من بين أكثر من واجهوا ولا يزالون سواء في السّياقات العامّة الكبرى أو على المستوى الشّخصيّ حتّى، الغطرسة والإرهاب الأمريكيّين وتداعياته المباشرة وغير المباشرة -.
هذه الحقيقة التي ينطوي عليها هذا القانون العنصريّ، أكّدها أكبر سياسيّي ومفكّري وقانونيّي أمريكا أنفسهم بل وأفاض في تبيينه خبراء نوعيّون في القانون الدّوليّ ومن بينهم الأستاذ بديع عزّت عارف المحامي العراقيّ المعروف الذي شكّل منذ صدور نصّ القانون فريقا كاملا يضمّ في صفوفه خيرة خبراء القانون الدّوليّ، والقول بهذا واضح وجليّ باعتبار الجدل الكبير الذي أثاره داخل الولايات المتّحدة للحدّ الذي عبّر بعض أعضاء مجلس الشّيوخ عن استيائهم الشّديد من تمرير هذا القانون الذي وصفه بالفاضح والمهدّد للمصالح الاستراتيجيّة الأمريكيّة لأنّه يفتح أفق وأبواب ملاحقة الإدارة الأمريكيّة نفسها على مصراعيها ناهيك عن تداعياته الاقتصاديّة الكارثيّة التي ستعمّق من الأزمة القائمة والعاصفة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة منذ غزو العراق لليوم.
على العرب إذن، أن يدركوا إدراكا تامّا أنّهم المستهدفون أوّلا بهذا القانون حصرا، وعليهم أن يشنّوا هجوما اقتحاميّا مضادّا ثانيا وعدم الاكتفاء بالتّراخي أو الاستجداء أو التّظلّم، لأنّ أيّ تردّد وأيّ فعل لا يرقى للمعاملة النّدّيّة والدّفاع عن مصالح الأمّة سيؤدّي لنتائج بالغة السّوء وستكون عواقبه وخيمة جدّا.
إنّ الأمريكان يعلنون صراحة عن نواياهم الحقيقيّة أو مخطّطاتهم التي تستهدف العرب بمنتهى الاستخفاف بهم، فهي تنتهج معهم سياسة المخاتلة والتّدرّج حيث يخيّل للمطّلع على قانون جاستا هذا أنّ السّعوديّة هي الوحيدة المستهدفة من خلاله، وهنا تكمن الخدعة الكبرى والخطأ الاستراتيجيّ القاتل. ولا بدّ لهذا الأمر أن يكون واضحا وضوحا شديدا في أذهان كلّ العرب وفي حساباتهم سواء على مستوى الأنظمة أو على مستوى النّخب العربيّة بمختلف ألوانها أو حتّى على المستوى الجماهيريّ الشّعبيّ، فالأمريكان لا يتعاملون مع أيّ قطر عربيّ إلاّ من زاوية أنّه جزء من هذه الأمّة العربيّة والوطن العربيّ الكبير بما يشكّلانه من وحدة متكاملة متناسقة يجب الحيلولة دون توحّدها وهو الأمر الذي شدّدت عليه توصيات المؤتمرات الاستعمارية الاستراتيجيّة وكذا الصّهيونيّة والاتّفاقيّات السّريّة الكثيرة ومن بينها مؤتمر هنري كامبل وسان ريمو وسايكس بيكو.
إنّ مثل هذه الحقائق لا يجب أن يسقطها العرب رسميّين وجماهير، كما لا يجب أن يغفلوا عن سياسة الاستدراج المنفرد الذي تتّبعه الإدارة الأمريكيّة تجاه العرب والتي تتجلّى في إصرار أمريكا في كلّ حملة جديدة على قطر عربيّ على التّحايل على بقيّة الأقطار بإغراقها في سيول كاذبة من التّطمينات والوعود التي تؤكد على أنّ حملتها المفترضة تلك محصورة على ذلك القطر ولن تتعدّاه لتشمل غيره بغية تحييدهم وجرّهم وتوريطهم في الاشتراك في تلك الحملات، وما قضّة استهداف العراق إلاّ أكبر دليل على ذلك.
وعليه فإنّ هذا الفخّ تحديدا، لا يجب بحال من الأحوال أن يتكرّر هذه المرّة مع ما يشوب قانون جاستا من مغالطة كبرى ظاهرها التّحرّش بالسّعوديّة حصرا، لأنّ ضرب السّعوديّة سيكون له ما بعده بكلّ تأكيد، وستضرب تونس والسّودان والإمارات والأردن والجزائر ومصر ثمّ المغرب ليجرف طوفان الجشع والتّآمر الأمريكيّ الجميع.
حريّ بنا التّنبيه في هذا الصّدد، أنّ لا مجال للعرب ومن ضمنهم السّعوديّة بكلّ تأكيد لإنكار هذه الحقائق، وبالتّالي فإنّه ما من خيار أمامهم إلاّ أن يتوحّدوا ولو مرّة يتيمة في تاريخهم فيكونوا على قلب رجل واحد ويجابهوا هذا الخطر القديم المتجّدد مجابهة الضّرورة ومجابهة الحسم. هي الفرصة اليتيمة إذن.. لأنّنا نكاد نجزم بأنّه إذا لم يتمّ درأ مخاطر هذا القانون فإنّه لا سبيل للعرب للبقاء وأنّهم يمضون بل ويسطّرون بأيديهم قرار حتفهم.
على العرب أن يستغلّوا ما في قانون جاستا من ثغرات بل ومن فرصة حقيقيّة علميّة وموضوعيّة لقلب السّحر على السّاحر وبالتّالي بعثرة كلّ حسابات الأمريكان.
إنّ العرب ولضمان تفويت الفرصة على الأمريكان وإذهاب شرّهم المستطير الجديد اتّخاذ التّدابير التّالية:
1- السّير على منوال اليابانيّين الذين بادروا – لأنّهم يحترمون وطنهم ويحترمون مواطنيهم وينتصرون لتاريخهم ويغلّبون مصلحتهم القوميّة العليا – لسنّ كلّ التّشريعات الضّامنة لهم استرداد حقّهم ومعاقبة الأمريكان من خلال قانون جاستا تحديدا وملاحقتهم على كلّ جرائمهم الإرهابيّة التي ارتكبوها بحقّ اليابان خاصّة إبّان الحرب العالميّة الثّانية وضرب ناكازاكي وهيروشيما بالسّلاح الذّريّ وما ترتّب عنه من معاناة وويلات لا تزال آثارها للآن. وبالتّالي على العرب سنّ التّشاريع واتّخاذ كل الإجراءات واتّباع خطوات اليابانيّين.
2- تكوين فرق قانونيّة مختصّة بإشراف عربيّ موحّد توكل لها مهمّة ملاحقة الأمريكان وفق ما جاء في قانون جاستا، ومقاضاتهم باعتبار تورّطهم في أعمال إرهابيّة صارخة وغير مسبوقة في كلّ الوطن العربيّ، وتوفير كلّ ممهّدات النّجاح لها من دعم ماديّ وسياسيّ وأدبيّ وإعلاميّ وغير ذلك.
3- الانطلاق الفوريّ في جمع وتوثيق الجرائم الإرهابيّة التي نفّذها الأمريكان في كلّ ربوع الوطن العربيّ وخاصّة في العراق وليبيا وسوريّة واليمن ولبنان وفلسطين، فمثلا فيما يخصّ فلسطين سنجد أنّ كلّ العربدة الصّهيونيّة وجرائمها الإرهابيّة بحقّ شعبها إنّما تمّت بمباركة وتزكية وإيعاز وحماية أمريكيّة خالصة ومن بينها دؤوب الأمريكان على توفير الحماية عبر سلاح الفيتو الذي أشهرته دوما كلّما تاق العالم لتجريم إرهاب كيان الغصب الصّهيونيّ ناهيك عمّا ترصده إدارة أمريكا من دعم ماليّ وعسكريّ وتقنيّ واقتصاديّ لهذا الكيان.
4- الانفتاح ومن ثمّ التّنسيق مع اللّجان القانونيّة المشكّلة شعبيّا كاللّجنة التي شكّلها المحامي العراقيّ بديع عزّت عارف، وتبادل المعلومات والخبرات لتوفير أعلى فرص نجاح ملاحقة الأمريكان.
5- البدء بحملات ديبلوماسيّة وإعلاميّة عربيّة مكثّفة تفضح هذا القانون وتعرّي مراميه وأهدافه الحقيقيّة وتمكّن من محاصرته أوّلا ومن رصّ صفوف الجماهير العربيّة وتعبئتها وتوعيتها بإبراز تبعات تمرير هذا القانون الأمريكيّ ثانيا وكذلك مخاطبة الشّعوب الأمريكيّة والغربيّة عموما وتخليصها من هيمنة الإعلام الغربيّ الكاذب في أغلبه.
6- الانكباب الفوريّ على تشجيع كلّ ضحايا الإرهاب الأمريكيّ من الدّول والشّعوب الأخرى والتّنسيق معها تنسيقا كاملا من أجل ملاحقة أمريكا، ويكون ذلك بالانفتاح على الفيتنام واليابان وفنزويلا والأرجنتين وكوبا والبوسنة والهرسك وغيرها. ولا يجب الاقتصار في هذا الصّدد على الجانب الدّيبلوماسيّ والقانونيّ الفنّي فحسب، بل لا بدّ من تمتين التّعاون الاقتصاديّ معها ومن بين ذلك الاستثمار فيها وترفيع حجم التّبادل التجاريّ فيما بينها وتنفيلها بأسعار تفاضليّة في البترول خصوصا.
7- سحب كلّ الأرصدة الماليّة العربيّة والودائع في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وتعليق التّعامل بالدّولار واستبداله بعملات أخرى كالعملة الصّينيّة خصوصا، ناهيك عن ضرورة التّفكير جدّيّا في مراجعة مختلف أوجه التّعاون مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
8- اعتماد تقرير تشيلكوت البريطانيّ الذي أسقط نهائيّا مزاعم بريطانيا وحليفتها أمريكا حول شرعيّة غزو العراق عام 2003، والبناء عليه لمقاضاة أمريكا، باعتباره وثيقة أو هديّة مهمّة لا يعقل أن يهدرها العرب ويفوّتوا بالتّالي فرصة الانتقام والقصاص من أكبر مجرمي وإرهابيّي العالم والتّاريخ.
9- ضرورة التّنبّه جيدا لتفاصيل ملاحقة الأمريكان قضائيّا بناء على قانون جاستا، حيث يمكن رفع الدّعاوى في بلجيكا مثلا لأنّها دولة تسمح قوانينها بملاحقة الجهات المتورّطة في جرائم إرهابيّة ضدّ جهات أخرى سواء كانت أفرادا أو شعوبا أو دولا، كما يمكن ملاحقة الأمريكان داخل أمريكا نفسها، وهو ما يستوجب أيضا – وكما قال المحامي بديع عزّت عارف – استغلال كلّ الصّداقات والعلاقات مع الهيئات والمنظّمات والشّخصيّات القانونيّة والحقوقيّة في المجتمع الأمريكيّ لتحقيق أعلى نسب نجاح هذه المهمّة. " ونورد هذه التّفصيلة لنستبق تلك الأصوات التي ستطلع علينا وتحاول إدخال بعض الإرباك بالتّعلّل بتعقيدات المسألة فنيّا وغير ذلك " وداخل الدّول التي تعتزم مقاضاة الأمريكان أيضا.
هذا وينبغي في هذا الإطار تحديدا، إيلاء الملفّ العراقيّ أولويّة قصوى لأنّ من شأن التّركيز عليه وإن لوحده، أن يلحق بالأمريكان هزيمة قضائيّة نكراء لا مجال لتفاديها وذلك بالنّظر لحجم الدّمار والخراب الذي أضحى عليه العراق بفعل ما ارتكبته الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة من جرائم لا نظير لها في تاريخ البشريّة سواء بالنّظر للمدّة التي استغرقها العدوان الأمريكيّ الجائر والمفتوح منذ 1990 لغاية اليوم مرورا بالحصار الظّالم واللاّإنسانيّ الذي استمرّ 13 عاما كاملا، أو بالرّجوع لاستفراغ إدارات أمريكا لكلّ مخزون التّقتيل الوحشيّة والمحرّمة دوليّا، أو بآثار كلّ تلك السّلسة من الإرهاب المسلّط على العراق شعبا ونظاما وتاريخا وحضارات.
ولا يمكن الحديث عن كيفيّة تعاطي العرب مع قانون جاستا ولا عن وجوب استغلاله ضدّ مشرّعيه الأمريكان أنفسهم، دون الخوض فيما تعرّض له حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ من إرهاب أمريكيّ صارخ ومخصوص سواء من حيث قرار الاجتثاث الكارثيّ أو من حيث إعدام قادته ورموزه التّاريخيّة وملاحقة وتشريد وتصفية مناضليه وحرمانهم من أبسط الحقوق. وهو أمر كفيل أيضا بإقامة الحجج والبراهين القطعيّة على ضلوع أمريكا في أعمال إرهابيّة سافرة حصدت ما يزيد عن ربع مليون بعثيّ في إبادة عنصريّة كاسحة هي امتداد لابادتها للسّكّان الأصليّين للقارّة الأمريكيّة إبّان تأسيسها وهم الهنود الحمر، ولكنّها تزيد عنها في مستوى الوحشيّة والبشاعة والسّقوط الأخلاقيّ والانهيار القيميّ أشواطا وأشواطا، لا يمكن بحال من الأحوال التّغاضي عنها ولا إهمالها.
كما يتوجّب على العرب أيضا أن يحاكموا أمريكا بفعل تسبّبها في إطلاق العنان ليد البطش الإرهابيّة الفارسيّة الصّفويّة والتّنسيق معها فيما تمارسه من وحشيّة ساديّة عنصريّة شعوبيّة مقيتة في الوطن العربيّ سيّما في الأحواز العربيّة والعراق وسوريّة ولبنان واليمن، لأنّ إيران الشّرّ والرّذيلة ما كانت لتنصب مقصلة تدقّ أعناق العرب وتستبيح أعراضهم وتنتهك حرماتهم وتشفط خيراتهم وتذبّح عروبتهم من الوريد للوريد لولا دعم الولايات المتّحدة الأمريكيّة باعتراف متبادل من مسؤولي الإدارتين.
خلاصة القول إنّ التّدبّر جيّدا في فصول قانون جاستا وموادّه، وقراءتها قراءة متأنّية ومتبصّرة، كفيلان بتوجيه العرب الوجهة السّليمة أو الأسلم لوأد النّوايا والمخطّطات التي يبشّر بها هذا القانون في حدّه الأوّل من وجهة نظر الأمريكان، بل وهديهم للحدّ الثّاني الذي يضمن بإجماع العارفين بالحظوظ الوافرة الأكيدة والمضمونة لمقاضاة الأمريكان على جرائمهم الإرهابيّة التي تشكّل وصمة عار أبديّ على جبين الإنسانيّة وينبغي التّطهّر منها بمحاسبة أعداء الإنسانيّة والحريّة والحقّ في الحياة بعزّة وكرامة لكلّ متساكني المعمورة.
ولهذا، جاء قانون جاستا ليشكّل هديّة حقيقيّة للعرب ولغيرهم من ضحايا الإرهاب الأمريكيّ، شريطة أن يحسنوا توظيفها واستغلالها.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 04-10-2016