ضرب البارجة الأمريكية مايسون لم قرارا حوثيا ولا صالحيا، هو قرار إيراني على أعلى المستويات، أرادت به الزعامة الإيرانية تكرار إطلاق بالوناتها في اختبار رد الفعل الأمريكي الذي تعرف جيدا أنه محكوم بضعف شخصية باراك حسين أوباما وميله الفطري الغلاب إلى
إيران وتفضيلها على كل الدول العربية "كما هو حاصل في السياسة الأمريكية في تفضيل إسرائيل على كل العرب" لحسابات لن يتم الكشف عن دوافعها وخفاياها بشكل رسمي إلا بعد زمن طويل يحدده قانون كشف الوثائق الرسمية، وربما يتسرب منها شيء أو أشياء بعد مغادرة الرجل الأسود للبيت الأبيض.
إيران مضت ابتزازاتها ومغامراتها التي خرجت عن نطاق السيطرة وعن حدود العقل غير مكترثة بقوة الآخرين ضمن حسابها في أن مكمن ضعف أمريكا هو في قوتها، ولهذا راحت تتصرف كصبي أحمق يقذف الحجارة في زقاق ملئ بالنوافذ الزجاجية، من قبيل دورها الإرهابي في العراق وسوريا والتعامل الدولي بلغة الأمر الواقع مع حزبها في لبنان، ومحاولاتها استعراض قوتها في مياه الخليج العربي عن طريق إذلال أمريكا بصورة علنية كما حصل في إذلال عدد من البحارة الأمريكان أمام العالم، حتى صار الخنوع أمرا طبيعيا في التعامل الأمريكي مع إيران منذ احتلال السفارة الأمريكية واحتجاز أكثر من 50 دبلوماسيا أمريكيا لمدة 444 يوما وإخضاعهم لمعاملة مهينة، خلال رئاسة جيمي كارتر الذي كان يوصف بأنه أضعف رئيس أمريكي حتى انتزع منه اللقب أوباما بجدارة.
كان ملخص النصيحة الإيرانية لصالح والحوثيين، أنها ستتقدم خطوات كبيرة إلى أمام في دعمهم بالسلاح والمقاتلين إذا ما تم اختبار رد الفعل الأمريكي في المنطقة خاصة بعد أن تأكد أن مصر لا تعي حقيقة الأخطار المحدقة بقناة السويس مصدرها الاقتصادي الرئيس في حال تحكم إيران بخطوط الملاحة البحرية، ولهذا نصحتهما بتوجيه ضربات متعاقبة لحركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، فكان استهداف سفينة الإغاثة الإماراتية أول اختبار لردود الفعل، ولما اكتفى العرب "على عادتهم" برفع الصوت وليس السوط أو السيف، وتحريك الأقلام بدلا من تحريك السفن والطائرات، أرادت التأكد من نجاح خطتها في استغلال حالة "البطة الأمريكية الكسيحة" أي الرئيس الموشك على مغادرة البيت الأبيض مع إنجاز واحد لا دور له فيه وهو الحصول على جائزة نوبل للسلام.
ولكن وبعد الانكسارات المروعة لهيبة الولايات المتحدة التي لم تصلها منذ استقلالها حتى اليوم، فإن إيران اختارت الوقت الخطأ في المكان الخطأ لأن تذمرا وبصوت عال حتى من داخل إدارة أوباما راح يلح عليه أن يتصرف بطريقة أمريكية ولو لمرة واحدة في رئاسته وليس بطريقة أفريقية، فما كان من وزير الدفاع المدعوم من القيادة العسكرية إلا أن يصدر أمرا بالرد على قصف مايسون، مع أن البيت الأبيض رفع الراية البيضاء مرة أخرى وقال المتحدثون باسمه إن قصف ثلاثة رادارات تابعة للحوثيين هو رد على العدوان ولا علاقة له بالأزمة الراهنة في اليمن.
لماذا لم يمنع الأسطول الأمريكي الذي يخيف العرب على وهم السراب، إيران من إيصال السلاح إلى الحوثيين؟ ولماذا تمارس أمريكا كل ما لديها من أدوات الضغط على التحالف العربي لمنعه من حسم المعركة في اليمن؟
أمريكا تريد الإبقاء على المشاكل والأزمات في كل مكان وتمنع حلها لكنها تصر على أن تكون بعض خيوطها بيدها كي تتحكم بمصائر الشعوب وفرصها في بناء اقتصاداتها على أسس حديثة تتيح لها اللحاق بركب العالم المتمدن.
إيران استأسدت على أمريكا منذ خضوع الأخيرة لشروط الأولى في إطلاق سراح الدبلوماسيين بعد خسارة كارتر للانتخابات وفوز ريغان، ولو أن الأمريكان يفهمون مغزى المثل العربي القديم "اقتلوا قاتل الكلب" لنصحتهم باعتماده طريقا للتعامل مع إيران، ولكنهم لولا التطور التكنولوجي الذي هو من حصيلة جهود علماء من شتى أرجاء العالم، لكانوا الآن يعيشون على تخوم الأنهار ويقدمون لإلهة الفيضان النذور كي لا تفتك تلك الأنهار بهم.