الأهازيج الشعبية (الهوسات) وتأثيرها على ابن العشيرة
في الموروث النضالي.. هو فن شعري حماسي معروف في العراق و"الهوسة" تبدأ شعرا ً ثم تأتي "الهوسة" في الشطر الأخير وتسمى ( الردسة) ، وقد ينسى الناس الشعر وتبقى الهوسة أو (الردسة) في الجملة الأخيرة .
لقد استخدم العراقيين تقنية أخرى من تقنيات الحرب الإعلامية وهي تقنية استخدام الأهازيج والهوسات العشائرية كمحفز قوي للجماهير وكمصدر إعلامي في ذلك الزمن. و الأهزوجة هي تقليد الشعوب المهددة أمام الزحف الحضاري وهي موسوعة قامت بتسجيل أعظم فترة من فترات نضال شعبنا العراقي ضد المحتل والغازي لبلادنا..
وما حادثة المهوال الشعبي خليل الجبوري عندما وقف بوجه العميل عمار الحكيم وانتقاده لسلطة الحرامية واللصوص وهو أحدهم مما افقده توازنه في التصرف الإرهابي معه؟
وأمس الأربعاء تكررت الحادثة مع العميل الأخر أياد علاوي عندما تم قصفه بنفس الكلام على فسادهم وخيانتهم للوطن. وهؤلاء هم الشرارة التي ستشعل الحريق في الوسط والجنوب لو أحسن قيادتهم وتوجيههم فسيؤدي إلى الثورة الشعبية التي ستمزق العملية السياسية.
تعتبر الهوسات من العناصر المهمة في إثارة الهمم وإيقاظ العزائم ورفع المعنويات والحماسة للرجل المحارب مما تساوي في تأثيرها النفسي ما تساويه الآلة ، والهوسات تعتمد بالدرجة الأولى على من يرددها والذي يسمى ( المهوال ) وكثيرا ما استفادت.. الجموع المقاتلة من المهاويل الذين يمتلكون فن الإثارة. في معركة ذي قار : كان للهوسات في معركة ذي قار أثرا كبيراً و فعالاً في رفع الحماسة وشحذ الهمم على الفرس المجوس جيوش كسرى وساعدت القلة العددية المؤمنة بقضيتها وشحذ هممها في مقاتلة الغازي الذي كان أكثر عددا واحدث عدة ومعهم الفيلة التي لم يراها من قبل العرب ونجحوا في التعامل معها وحيدوها وارتدت عليهم . كان له الأثر الكبير في النصر عليهم وسطروا ملحمة تاريخية.
الهوسات في ثورة العشرين : وخلال ثورة العشرين التي انطلقت شرارتها الأولى من منطقة الفرات الأوسط وامتدت فيما بعد إلى أكثر من مدينة عراقية وكان للهوسة أو الأهزوجة حضور قوي وفاعل إثناء المعارك واشتدادها .. في إذكاء روح الثورة وقد لعبت دورا إعلاميا كبيرا في إيصال صوت الثوار إلى عموم المحافظات .. كونها تسخن وتثور الحمية والغيرة والنخوة الوطنية بين العراقيين . الهوسات في ثورة العشرين كان لها المردود الإيجابي في شحذ الهمم والهجوم على الغزاة الإنكليز يقيناً أن الهوسة تفجر وتضاعف من معنويات المقاتل العراقي وترفع من سمو روحه إلى علو السماء بحيث تدفع بالمقاتل العراقي إلى طلب الشهادة وتجعل المقاتل الذي يسمع الهوسات ينطلق إلى طلب الشهادة نتيجة السمو في الروح التي تفجرها الهوسات وتمنعه من التخاذل والجبن أو الانسحاب من ارض المعركة بل تجعل المقاتلين يتدافعون نحو أرض المعركة لمقاتلة العدو. يقينا أن الهوسة لا تخلو من قصة فلا بد من قصة أو حدث أو مناسبة قيلت فيها هذه الهوسة وهنا نستعرض الشيء اليسير من تلك القصص الرائعة وربما هناك الشيء الكثير الرائع الذي يحفظه التاريخ الشعبي العراقي.
دور المرأة العراقية فيها: لعبت المرأة العراقية دورا أساسيا في التحريض والتسجيل في الدفاع الروحية نفسها مع أخيها المقاتل وبقيت ترافقه في سوح القتال وهي تشد من عزيمته وهمته ورفع معنوياته وتحقيق الانتصار على العدو من خلال شعرهن أو أهازيجهن في ثورة العشرين الوطنية وهن يعبرن عن موقف مميز وبلسان صادق لامرأة استشهد ولدها الوحيد أو زوجها أو أحد إخوانها أو أحد الثوار فتنشد بصدق.. ومن هؤلاء الشاعرات (صافية) زوجة عطية أل دخيل والدة جبل- الرهينة لدى الإنكليز مع ابن أخيه موجد الشعلان عندما رأت تلاحم الجيوش الانكليزية مسنودة بالمدفعية والطائرات وقد انسحبت عشائر الجبور والبو سلطان في الجانب الشرقي في قضاء الهاشمية لواء الحلة أمام ضغط المدفعية كشفت عن رأسها وأخذت تشجع الثوار وتطلب منهم الثبات أمام العدو قائلة: " لا يا لجبور و يلبو سلطان نايف وفارس وال جريان وشخير الهيمص وغضبان وابن براك راعي الفخر سلمان عار على العرب وأولاد قحطان تبكه زلمة أبين نسوان " وبهذه اللهجة النارية من هذه المرأة العربية الأصيلة ثارت عزائمهم وحميتهم وكروا على الجيش حتى جعلوه فلولا. أحدى النساء العراقيات عندما شاهدت أبنها وقد طعنه جندي انكليزي بحربة بندقيته ، ولكن أبنها عضّ الجندي من لوزته حتى ماتا سوية فأنشدت هذه الهوسة الرائعة: قال شاعر من آل ازيرج مخاطبا (هاملتن) القائد الإنكليزي عندما أراد الهجوم عليهم: " ذولة افروخ الازرج موش أهل لملوم (يهاملتن) تأدب لا تزومل دوم بالسنكي معاك نريد نصفه اليوم (رد لا تتدهده بحلك آفة) " مما اضطر القائد الإنكليزي إلى التراجع عن الهجوم!. ومن المواقف المهمة يذكر التاريخ أنه عندما هاجم أبو الجون القوات الانكليزية في الرميثة قال : ( حل فرض الخامس كوموله ). ومن المواقف المشرفة الأخرى امرأة تخاطب ولدها الذي أسره الإنكليز وربطوه أمام فوهة المدفع فخافت أن يتخاذل ويجلب لها العار قائلة: (بس لا يتعذر موش آنه) وعند سماعه لصوت والدته يجيبها على الفور قائلا: (حطوني بحلكة وكلت انه) وهذه هي الشاعرة عفته بنت اصويلح من عشيرة الازيرج ومن روائع الأهازيج الثورية التي خُلدت واستخدمت للحماسة ضد جيش الاحتلال البريطاني الغازي: ( ياحوم اتبع لو جرينا) والتي اعيد استخدامها ضد العدو الايراني والامريكي في معارك القادسية وام المعارك والحواسم.