هنالك حكمة تقول (السرج المذهب لا يجعل الحمار حصانا).. ولذا فان هذا المقال لا يمت بأي صلة من قريب أو من بعيد بمن هم الآن على دفة الحكم في عراقنا الشامخ عبر سني حضارته وتقدمه ، فليس لهؤلاء معايير ولا مقاييس ولا ثوابت ولا ضوابط لبناء الدولة ، أو لديمومة البناء الذي كان. بل هم أهلا لكل ممقوت ، من فساد واختلاس و جهل وطائفية وتحلل من القيم وتخلخل في الحكم والحكمة. فهم لم يقتربوا من أية كلمة واردة في هذا المقال.
الاقتصاد المتين هو القاعدة العريضة الضامنة للاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو الداعم الاساسي للأمن الاجتماعي. ولذا تسعى الدول التي تعنى بمعاني الحداثة والتطور الى بناء اقتصادها المزدهر وإيجاد الحلول الكفيلة بالنهوض وتوظيف مختلف الموارد الاقتصادية بالشكل والنمط الذي يخدم حركة الازدهار الاقتصادي ، على طريق تحقيق الاهداف الوطنية الخاصة في تلبية احتياجات المواطنين وتطلعاتهم ووفقاً للإمكانات والموارد الاقتصادية المتاحة ، ومن خلال التوزيع العادل للثروة الوطنية. وكذلك من خلال ضمان استقرار الأسعار وخاصة للسلع الاستهلاكية الاساسية. فضلا على السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الزراعية الاستراتيجية كالحبوب ، او التقليل من مستوى استيرادها من الخارج بأقل تقدير. فالمعايير الاقتصادية في الدولة الحديثة ترتكز بالأساس على الارتقاء بمستوى حياة المواطنين وتحقيق الرخاء وضبط المتلاعبين بقوت الشعب وبالأسعار وتقديمهم الى القضاء ، ووضع منظومة رقابة ومتابعة دقيقة وواسعة لضمان ذلك ، فضلا على القضاء على البطالة ، التي تعتبر واحدا من أهم المتطلبات الاساسية للنمو والازدهار. وبالطبع فان ضمان الازدهار الاقتصادي يستوجب تطوير وتنويع وتعظيم كافة مصادره وموارده من خلال تطوير وتفعيل اداء المؤسسات الاقتصادية الحكومية المختلفة ، وقطاع النشاط الخاص على السواء للتسريع بوتائر التنمية والاستثمار. مع ضرورة الاعتماد على الاقتصاد متعدد الجوانب والابتعاد عن الاقتصاد وحيد الجانب كالنفط الذي يتحكم العالم بأسعاره ، فيتخلخل الوضع الاقتصادي بشكل مفاجئ ان تم الاعتماد عليه فقط كمورد وحيد ، وكما يحدث الآن في العراق بعد التخلي عن كافة المعطيات المتاحة للتنمية والنهوض الاقتصادي .
وبالرغم من ان مفهوم التنمية ينطوي على مصطلح اقتصادي ، فهو من النمو الاقتصادي ، الا ان للتنمية ابعاد متعددة ومتنوعة ، منها ابعاد سياسية واخرى امنية وثقافية وتعليمية وغيرها ، حيث لا يمكن تصور تحقيق البناء التنموي للدولة الحديثة دون ضمان الامن والاستقرار، ودون وجود تنمية ثقافية وتعليمية ، تدعم حركة التنمية الزراعية والصناعية والتجارية. ولذا لابد من اعطاء التعليم الاولوية في مجال تفعيل التنمية وخاصة التعليم الفني والمهني.
ولذا فان الدولة المدنية الحديثة تسعى لتشجيع الشباب للانخراط في التعليم الفني والمهني وكليات المجتمع وبما يكفل تأهيلهم في المجالات التي تحتاجها التنمية. فهذا النوع من التعليم التخصصي تحتاجه التنمية لتلبية احتياجات سوق العمل مثلما يوفر فرص العمل للشباب ويسهم في الحد من البطالة والإسهام الفاعل في مسيرة البناء التنموي. كما لابد من تفعيل وتطوير الصناعات الخفيفة والحرفية ، وتوفير الالات والمعدات الزراعية من قبل الدولة للمزارعين مع التوجه لتشجيع التسليف الزراعي والصناعي وبقروض ميسرة ، لدعم متطلبات التنمية الزراعية والصناعية من خلال تحقيق اعلى درجات العمل والإبداع والإنتاج. وكذلك فان واحدا من سبل تفعيل التنمية يتحقق بتوفير اقصى الخدمات للمناطق الريفية والنائية لإيقاف حركة الزحف الخطيرة من الريف الى المدينة. وهذا الامر يتطلب توفير وسائل الخدمات الاساسية بما فيها الخدمات الصحية وخدمات المياه والكهرباء . ومن باب اخر فان مبدأ الرقابة يلعب دورا تأثيريا فاعلا في ضمان تصاعد وتائر التنمية. وينبغي ان تكون هذه الرقابة متنوعة ودقيقة من جهات حكومية مسئولة ونزيهة ، حيث ان هنالك مشاريع عملاقة وكبرى كالجسور والمصانع وغيرها ، وحتى المشاريع المتوسطة والصغرى ، كلها بحاجة الى الرقابة في مراحل انشاؤها حتى اكتمالها.
وبالطبع فان الرقابة على المشاريع تستمر وتتواصل على مستوى الاداء والعمل والإنتاج لضمان النمو الاقتصادي المطلوب في الدولة الحديثة بعيدا عن الفساد الاداري والمالي الذي يعتبر المعول الاقدر والأسرع في تحطيم البناء التنموي ، كما يحدث الآن في العراق ، حتى وصل الى المراتب الاولى في قائمة الفساد على المستوى العالمي . ومن هنا تأتي اهمية الرقابة ، بل اهمية المحاسبة والمسائلة لكل من يعيق مسار وتطور حركة التنمية ، وهو المفقود في عراق اليوم ، والله المستعان.