إن الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية منحاز انحيازاً مطلقاً وغير مشروط للكيان الصهيوني إذ إنه لا يكتفي بمساندة الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية ودعم النشاط الاستيطاني فيها، وتجاهل بناء الجدار العازل داخل الخط الأخضر وإنما أيضا يسهم بفعالية في الضغط على الجانب الفلسطيني لتنفيذ التزاماته في خريطة الطريق وإعفاء الجانب الصهيوني من هذه المطالب !! ..
كما أنه يغض النظر عن جهود العصابات الصهيونية لإضعاف السلطة الفلسطينية بادعاءاتها عدم وجود مفاوض فلسطيني لتمكينها من تنفيذ تصوراتها في تصفية القضية الفلسطينية عن طريق القيام بانسحابات لتمكينها من تنفيذ تصوراتها في تصفية القضية الفلسطينية عن طريق القيام بانسحابات فردية إلى حدود تراها مناسبة لأمنها وملبية لأطماعها.
ومن الأمثلة الصارخة على هذا الانحياز ، نستذكر جلسة لمنظمة اليونسكو عقدت في 31/ تشرين الأول /2011 تم قبول عضوية فلسطين فيها بأغلبية 107 دولة إلا أن الرد السلبي جاء سريعا من البيت الأبيض والكيان الصهيوني بعدم الاعتراف بهذا القرار على الرغم من شرعيته حيث وافق عليه أكثر من 75% من الدول التي صوتت على القرار فقابلته الإدارة الأمريكية بحجب مساهمتها في المنظمة البالغة 60 مليون دولار سنويا وقابله الكيان الصهيوني بالإعلان عن بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، كما عدت واشنطن أن قرار اليونسكو بقبول عضوية فلسطين عاملا معرقلا لعملية السلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني!.
ولا يسع المجال هنا لذكر الأدلة الكثيرة التي تشير إلى ازدواجية المعايير التي تتبعها الولايات المتحدة في سياساتها نحو الصراع في " الشرق الأوسط " بل هي تتجاوز حدود المعقول ويكفي أن نشير هنا إلى قضية بالغة الوضوح أنه عندما قامت القوات الصهيونية بقتل ثلاثة من موظفي هيئة الأمم المتحدة العالمين في الضفة الغربية وتدمير مخازن المواد الغذائية التابعة لبرنامج الغذاء العالمي في غزة، تقدمت مصر بمشروع قرار يدين الكيان الصهيوني بسبب هذا العمل الإجرامي وقد حظي المشروع بموافقة الدول الأربع ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن ونال القرار أيضا موافقة بقية أعضاء المجلس ما عدا دولتين امتنعتا عن التصويت هما" بلغاريا والكاميرون" إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض الفيتو وحالت دون إصدار مجلس الأمن قرار الإدانة.
وجهت عضو مجلس الشيوخ كريستين جيلي براند من لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ رسالة إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون دعت فيها الولايات المتحدة للتصويت ضد أي قرار يصدر عن الأمم المتحدة يدين سياسة الاستيطان الصهيوني علما أن عملية الاستيطان غير شرعية وفقا للقانون الدولي.
وأكدت جيلي براند بالاشتراك مع 15 عضوا وقعوا على رسالة أن أي انتقاد للاستيطان يؤدي إلى إيذاء تطلعات اتفاقية السلام هي ليست في صالح الولايات المتحدة.
ففي الوقت الذي كانت تدعو فيه إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما الكيان الصهيوني إلى وقف الاستيطان أو تجميده على الأقل من أجل تمهيد الطريق أمام قيام دولة فلسطينية بوصفها شرطا لإحلال السلام في المنطقة فإن المواطنين الأمريكيين هم الذين يمولون بتبرعاتهم المعفية من الضرائب قيام المستوطنات ؟! هذا ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق استقصائي مطول نشرته يوم الثلاثاء في 6 تموز 2010.
وقالت الصحيفة أن أربعين جمعية أمريكية على الأقل تمكنت من جمع أكثر من 200 مليون دولار على شكل هبات لمستوطنات صهيونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال السنوات العشر الماضية. وتعد " جمعية هايوفل " من بين تلك الجمعيات في الولايات المتحدة التي تستخدم أموال التبرعات المعفاة من الضرائب في مساعدة الصهاينة في تكريس وجود دائم لهم في الأراضي التي تحتلها العصابات الصهيونية بذلك الطريق في وجه قيام دولة فلسطينية.
علما أن وزارة الخزانة الأمريكية هي المسؤولة بصورة مباشرة عن الإعفاءات الضريبية على التبرعات التي تساعد في ديمومة المستوطنات الصهيونية.
لقد حدد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الإستراتيجية الأمريكية في منطقتنا بقوله: (ما يهمنا في " الشرق الأوسط " هو البترول و " إسرائيل " ولو أنهما لا يسيران دائما في اتجاه واحد ).
لعل الكاتب الصهيوني يوئيل ماركوس كان أكثر توفيقا في التعبير عن دور الكيان الغاصب في خدمة المصالح الأمريكية عندما قال : " نجحنا في دمج مصالحنا بالمصالح الأمريكية وقلنا للأمريكيين: أعطونا الأدوات ونحن نقوم بالمهمة. إن الكيان الصهيوني القوي ذو القدرة على الردع هي التي ستحول دون تحول النزاع إلى نزاع عالمي، الكيان الصهيوني القوية هو الضمانة للمحافظة عل المصالح الأمريكية في المنطقة.
وتقتضي علاقات التحالف الاستراتيجي بين أمريكا والكيان الصهيوني تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون العسكري في حالة الطوارئ وتقديم الدعم المالي.
وقد عبر عن هذا الأمر الكاتب الصهيوني المخضرم اليعزر ليفنه بقوله : " تعتمد الولايات على الكيان الصهيوني على مساعدة واشنطن وتقوم هنا علاقات متبادلة بين ندين إن لم يكونا متساويين بالقوة فهما متساويان في درجة اعتماد بعضهما على بعض والمساعدات الأمريكية تأتي بسبب المصلحة المشتركة ".
وما عزز هذه الدرجة غير المتوازنة من الدعم لدولة أجنبية وجود مناخ عام في الولايات المتحدة الأمريكية يصف أي انتقاد للكيان الغاصب باللاسامية ! .
ونتيجة لذلك لم تجرؤ سوى أقلية من الأمريكيين على تحدي الدعم المالي الأمريكي المتنامي للصهاينة، و كان ذلك الدعم قد كلف دافع الضرائب الأمريكي حتى سنة 2002 أكثر من 370 مليار دولار . وإذا أضيفت إلى ذلك تكلفة حماية الكيان الصهيوني من الأخطار عبر السنوات فسوف ترتفع التكاليف لتبلغ 6.1 تريليون دولار ، وفق ما يقول أحد الخبراء الاقتصاديين إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة جمهورية كانت أو ديمقراطية ظلت على مدى عقود تمارس ثلاثة أهداف أساسية في المنطقة وهي ضمان أمن الكيان وتدفق النفط الرخيص غربا واستقرار الأنظمة العربية التابعة للغرب.
وفي المحصلة يمكن القول إن الولايات المتحدة تتبع سياسة الكيل بمكيالين في سياستها الخارجية ولا سيما فيما يتعلق بقضايا " الشرق الأوسط " ، فهي لا تساوم بأي شكل من الأشكال في علاقتها بالكيان الصهيوني مهما كانت الأسباب والظروف بل تدافع عنها دفاعا قويا حتى لو أدى ذلك إلى تضرر مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط " و في العالم.
وقد قال رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو يوم الاثنين 5/مارس آذار / 2018 : إن قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تاريخي وسوف يتذكره الكيان الصهيوني..