نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام
محاضرة في الملتقى العراقي للثقافة والفنون بالعاصمة عمان، الساعة 18.30 مساء الثلاثاء ٢٣ يناير ٢٠١٨م
كان تأسيس الدولة العراقية عام ١٩٢١م يمثل محاولة جادة لانتقال المجتمع العراقي من التقليدية الى الحداثة، وعارضت الطبقات والفئات الرجعية الانتقال نحو العلوم والتطور التكنلوجية، ولعب الملك فيصل الأول دورا مهما في مواجهة التناقضات القومية والطائفية وتأسست ٧ أحزاب و٧ منظمات مجتمع مدني بجانب الصحافة وانتقال العلوم والتكنولوجيا واتسعت المدارس والجامعات والمستشفيات وارتفعت واردات النفط الى ١٧٠ مليون دولار خصصت ٧٠٪ منها الى مجلس الاعمار الذي شرع بتنفيذ مشارع كبرى، كما ازدهرت زراعة الحبوب لتصل الى ٢ مليون طن سنويا يصدر مليون طن للخارج بجانب التمور والمنتجات الصناعية.
لكن بعد وفات الملك فيصل الاول، اتجهت البلاد نحو الفساد السياسي خصوصا طبقة الاقطاع وانتشار الاضطرابات وتتويج الملك فيصل الثاني عام ١٩٥٣م، وصولا الى ظهور النظام الاستبدادي العسكري الديكتاتوري في ١٤ تموز ١٩٥٨م واعتماد دستور موقت ومصادرة الحريات وحقوق الانسان واستحواذ الحزب الشيوعي العراقي على الحياة السياسية ومنظمات المجتمعات المدني وقيادة البلاد نحو اضطرابات سياسية مع الحركة الكردية ومواجهة الأحزاب والحركات القومية مما دفع نحو ٨ شباط ١٩٦٣م والمواجهة مع الحزب الشيوعي العراقي ثم ١٨ تشرين الثاني ١٩٦٣م واستحواذ عبدالسلام عارف والقيادات العسكرية على السلطة وتأسيس الاتحاد الاشتراكي.
بعد ١٧ تموز ١٩٦٨م اعتمد دستور مؤقت واجراء تغييرات جوهرية في الحياة السياسية خصوصا بيان ١١ آذار ١٩٧٠م لمعالجة المسألة الكردية، وتأميم النفط وبناء قاعدة مهمة لتطوير الصناعة والزراعة ووصل دخل الفرد العراقي عام ١٩٧٨م الثالث على الصعيد العالمي كما ارتفع الاحتياطي في البنك المركزي الى ٤٥ مليار دولار لكن اندلاع الحرب العراقية الايرانية استنزف الموارد البشرية والمادية وعند توقف الحرب في ٨ آب ١٩٨٨م ارتفعت الديون الى ٧٦ مليار دولار مما دفع لخطيئة اجتياح الكويت في ٢ آب ١٩٩٠م والتي انعكست على العلاقات الإقليمية والدولية للعراق معد ١٩٩١م.
اتسم التاريخ السياسي في العراقي، خصوصا بعد ١٤ تموز ١٩٥٨م، برفض الليبرالية السياسية والاقتصادية، حيث ربطت الأحزاب السياسية بين كفاحها ضد الاستعمار من اجل التحرر والاستقلال ورفض النظرية الليبرالية، مما أسس لرفض الثقافة الليبيرالية ورفض فلسفة الانتقال من دولة الثورة الى دولة المؤسسات الدستورية والوطنية، على الرغم ان كارل ماركس اعتبر ان الظاهرة الاستعمارية إيجابية لأنها ستمكن المجتمعات التقليدية الزراعية من الانتقال مجتمعات زراعية اقطاعية نحو المجتمعات الصناعية البورجوازية مما يعجل بظهور الدولة البروليتارية العالمية.
بعد الحرب على العراق، شاركنا في اجتماع في ٢١ مايس ١٩٩١م مع مجموعة من الشعراء والادباء والصحفيين والكتاب والاكاديميين والمثقفين، وبين الرئيس الراحل أهمية إعادة صياغة الوعي عند المواطن العراقي والذهاب الى تعددية ديمقراطية، مما قوبل باعتراض شديد من قبل عدد من المثقفين والاكاديميين لتصورهم ان التعددية السياسية تهدد الثورة، ومع إصرار السيد الرئيس على تبني التعددية السياسية، لم يتم تبني أي إجراءات نحو نظام للتعددية السياسية الحزبية في العراق، مما كرس ثقافة غير دستورية ترفض الفصل بين السلطات ودولة المؤسسات، دولة الحقوق والديمقراطية.
لا بد من الإشارة الى خطورة انتشار النموذج السوفيتي لدولة الحزب الواحد في مصر وليبيا والجزائر وسوريا والعراق والسودان واليمن، مما أنتج ظاهرة الانظمة الشمولية الاشتراكية (رأسمالية الدولة) وعدم إشاعة فلسفة التعددية السياسية، وفلسفة الانتقال لدستور مستفتى عليه من الشعب غير موجودة، وتكريس مفهوم الثورة المستمرة، وليس تفكير بدولة المؤسسات الوطنية، وتعليق مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية لحين ظهور الدولة القومية العربية، والتي لم تظهر لحد الان، وممكن اثارة السؤال حول طبيعة هذه الدولة القومية العربية وكيفية ظهورها وهل تعتمد التعددية السياسية والاقتصادية أم هي دولة اشتراكية، وعن أي اشتراكية نتحدث، ونذكر هنا في النقاش الذي أثير في الاجتماع الموسع لمكتب الاعلام عام ١٩٧٦م عندما طرح الرئيس الراحل سؤال يتعلق بطبيعة النظرية الاشتراكية، فهل هي اشتراكية مادية ديالكتيكية أم اشتراكية عربية أم طريق عربي خاص للاشتراكية؟ ولم يتم إعادة صياغة المضمون المعاصر للاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهزيمة الماركسية اللينينية، أو الانتقال نحو الديمقراطية الاجتماعية كما استطاعت القيادة الصينية الى تبني اقتصاد السوق الاشتراكي، لتصبح الصين الاقتصاد الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية.