نبض العروبة المجاهدة
منذ البدء في الإعداد للانتخابات في العراق، ما انفكت مجموعة من الأسئلة الحيرى تحاصرنا وتلقي بنا في متاهة لا خلاص منها ولا نجاة.
فالانتخابات وإن كانت تعبيره ديمقراطية ولو على مستوى الشكل فقط، فإن العراق هو آخر الميادين والساحات في العالم التي يجوز التطرق فيها لمثل هذه الآلية أو التقنية لاختيار الحكام وتسيير شؤون الدولة. حيث لا معنى ولا مدلول لمثل هذه الانتخابات في بلاد ما بين النهرين، بل لا غرو في القول إنه لا مغزى لها خصوصا إذا تمعنا في الأحداث بالعراق منذ الغزو سنة 2003 إلى الآن، إذ يكفي إلقاء نظرة سريعة نسترجع فيها ما جرى لنخلص إلى أن الرهان على الانتخابات إنما هو رهان فاشل بل وأحمق وغبي، كما أنه لن يؤدي لغير مزيد اتساع رقعة المأساة واستفحال معاناة العراقيين إذا ما استمر الحال على ما هو عليه. هذا وتتعاظم مصيبة التعويل على الانتخابات في العراق لا بفعل القوانين المنظمة لها ولا بفعل معاودة عناوين الجريمة والفساد والخراب في العراق تزكية أنفسهم أو حلفائهم أو أتباعهم واعتزامهم الترشح من جديد، بل بما هو أبعد من ذلك بكثير لاسيما النفخ والدفع الإيراني وتشجيع الفرس للعراقيين على الإقبال عليها من جهة وارتهان اللعبة الانتخابية لفتاوى المرجعيات المتناحرة والدائنة كلها بالولاء لغير العراق من جهة أخرى، أما عن الطغمة السياسية في سوادها العظم فحدث ولا حرج.
وأمام هذه الوضعيات القاتمة وإزاء تحدي الانتخابات القادمة، فإن المنطق والعقل السوي يحتمان ضرورة مقاطعة هذه الانتخابات وتوعية الجماهير في العراق بالانخراط في ذلك لما من شأن العزوف عن المشاركة في هذه المسرحية من فوائد جمة على العراق وعموم العراقيين ليس أقلها مزيد ضرب حصار على جوقة الجواسيس والعملاء في بغداد المحتلة وتعميق عزلتهم شعبيا وسياسيا وهو ما سيعجل حتما برحيلهم واندحارهم غير مأسوف عليهم.
لسائل أن يسأل: وما الجدوى من مقاطعة الانتخابات وهي التي تفتح الباب أمام المتنافسين للترشح ومن ثمة يكون بمقدور الجماهير اختيار الأفضل؟ ثم أوليست الديمقراطية سمة من سمات تحضر الشعوب وتقدمها ومقياس لوعيها؟
إلا أنه ورغم وجاهة السؤالين نظريا، إلا أنهما أيضا لا ينطبقان ولا ينسجمان مع العراق بعد الغزو. فعراق ما بعد 2003 ليس كما قبله لا بحساب العقود القليلة ولكن على امتداد تاريخه الضارب في جذو التاريخ.
لقد عاد العراق بعد الغزو، وبسبب الطغمة السياسية العميلة المتنفذة في بغداد المحتلة والتي قذفت بها طائرات ودبابات الغزاة، إلى ما قبل التاريخ، فساد الجهل والأمية وتفشت الأمراض وانتشر الفقر وعمت الفوضى والقتل على الهوية وتكرس التدمير والتخريب لجميع مكتسبات المواطن العراقي التي تحققت على امتداد آلاف السنين.
فلقد أضحى العراق مرتع الفاسدين والمفسدين حتى تصدر لائحة أكثر البلدان فسادا في العالم في كل الدراسات والتحقيقات والإحصائيات، بل إن الفساد لا ينكره حتى حكام العراق أنفسهم حتى غدا التراشق بتهم الفساد حديثا في كل آن وفي كل وسيلة أو منبر إعلامي.
ولم يعد العراق بعد أن قضى على الأمية في سنوات خلت فبلغت نسبة الصفر بإقرار الأمم المتحدة، إلا حاضنة تفرخ الجهلة والأميين وهو ما تقره الأرقام الرسمية المعتمدة في بغداد المحتلة، حيث بلغت مستويات عدم الالتحاق بالمدارس والانقطاع المبكر عن التعليم أرقاما مفزعة تنذر بما سيعانيه العراقيون على المدى المتوسط والبعيد، أما عن جودة التعليم ومضمونه فتلك مصيبة المصائب، فبعد أن كان العراق قبلة الطلاب من شتى أصقاع العالم، وبعد أن كون جيشا جرارا من العلماء والكفاءات النادرة أمسى التعليم فيه مستندا في جوهره الخرافات والشعوذة والدجل علاوة على مغذيات الحقد ونزعة الثارات ( وليس من أدلة على ذلك من فضيحة حزب الدعوة الإيراني وحلفائه القاضية بتعميم مادة مستحدثة في كل العالم على مختلف مستويات التعليم تحت مسمى " جرائم البعث" !! ).
ولا تختلف الصحة كثيرا عن التعليم، فبعد منجزات العراق المبهرة في المجال الطبي قياسا بكل دول الجنوب وعدد لا يستهان به من البلدان المتقدمة، صارت مشافي العراق خالية من كوادرها وعقولها، ليتعفن حال زوارها بسبب ندرة الأدوية وانعدام الخبرات والتجهيزات.
وحيثما سرح المرء عينه، لم يعثر على غير الخراب ومعالم الدمار.
فالسنوات الخمسة عشر الأخيرة، شكلت منعطفا كارثيا لا شبيه له ولا نظير، لم يعرفه العراق طيلة تاريخه، بل ولم يسبق للإنسانية برمتها أن عايشت وضعا شبيها له من حيث تعدد وتشابك أوجه المعاناة وصعد الفاجعة المقيمة في بلاد الرافدين.
لقد عدم العراقيون رغيف الخبز في هذا العهد الذي سوق له أقطاب الشر والجريمة من متصدريه على أنه سيكون جنة الله على الأرض، فإذا بالحزن يلف كل بيت في العراق، والموت يختطف من كل عائلة فردا أو أكثر لا بل قد يختطف العائلة بأسرها في كثير من الأحيان، وإذا بالأسر والتقتيل والتشريد يطال كل عشيرة، وإذا بالظلم والقهر يحيق بكل قرية وفضاء ودور ومدينة ومحافظة بالعراق، أما عن اغتصاب الماجدات فتلك مصيبة أخرى وجرح غائر لن يندمل.
ترملت حرائر العراق، فجاوز عددهن المليونين، وتيتم أطفاله الأبرياء فقاربوا الخمسة ملايين بالتمام والكمال، وشرد الناجون من الموت بأعجوبة ونفوا داخل مخيمات الإذلال والترويع والتجويع، ونفي الملايين إلى خارج العراق ليترنحوا ويتسكعوا على هوامش النسيان والخذلان ومختلف الأوجاع والآفات، وأسرت ألوف مؤلفة من فرسان البلد وصناديده، وذبح الملايين من خيرة رجالاته وكوكبة قياديه مفكرين وعلماء ومهندسين وأطباء وفنانين وساسة وعسكريين من مختلف المراتب.
وهنا تحديدا يكون الشق الأول من الجواب على حيرة المتعجبين من المطالبة بمقاطعة الانتخاب، كما ينبغي علينا أن نضيف ليكون الجواب سؤالا أشد دقة وأبلغ مدى ممن استكثروا حض العراقيين على نبذ الانقياد لطوابير فلكلورية جوفاء استعراضية غايتها تجميل ذلك الوجه البشع الرديء لمن يعمل السيف في رقابهم صباحا مساء، فقول:
أليس كل من شارك في العملية السياسية الجاسوسية الخيانية وركب ركاب الغزاة سواء كانوا مدنيين أم مسلحين ومن وفر لهم التبريرات الفقهية والدينية من رجال الدين الفاسدين الفاسقين الماجنين وعلى رأسهم السيستاني، هم من أوصلوا العراق لما بلغه من انهيار شامل ولما عرفه من انخرام كامل وانسداد تام سواء اجتماعيا أم اقتصاديا أم أمنيا أم صحيا أم ثقافيا وغير ذلك؟ أليس هؤلاء المجرمون يتسابقون مجددا لخوض غمار الانتخابات للظفر مرة أخرى بكراسي تتيح لهم مواصلة التلذذ بثروات العراق والتنكيل في المقابل بالعراقي البسيط المنهك المثقل بفعل جرائم الغزاة ومن تعاون معهم ومن خلفهم في الاستحواذ على مقدرات العراق ومصائر شعبه؟
إن الأجدى حقا هو التساؤل التالي: ما الذي سيشكل دافعا للعراقيين حتى يشاركوا في انتخابات سبق لهم وأن جربوها برعاية الاحتلال المزدوج للعراق، فاكتووا بنارها ولم ينلهم منها سوى الدمع والدم؟؟
إن الانتخابات لم تقدم للعراقيين سوى الطائفية وما يترتب عنها من ويلات ذاقوها طيلة 15 عاما حتى باتوا خبراء في اقتفاء أثر آفاتها.. فعلى مذبح المذهبية العفنة وبرعاية حكام العراق الجدد الذين استمروا شرعيتهم الزائفة والباطلة من صناديق انتخاب المحتل والغزاة، قتل خيرة أبناء العراق، وعلى وقع الهتافات والرايات الطائفية حوصرت مدن ومحافظات ودمرت تدميرا كاملا، وعلى نغم الولاءات لغير الوطن، وعلى وتيرة التعصب المذهبي والتحشيد العرقي الذي غذاه من صعدتهم الانتخابات، اختفت معالم أثرية وحضارية لا تقدر بثمن، ومسحت جغرافيا العراق الأصيلة من على الخارطة.
وفي ظل المد الشعوبي الذي جاءت به وقننت سريانه الانتخابات، أبيد العراقيون على مراحل وبدقة كلية، ولم تسلم الأنبار وصلاح الدين ونينوى وسامراء والموصل والفلوجة وبعقوبة والرمادي وتلعفر وتكريت وغيرها من الاكتساح الشامل من طرف برابرة العصر، ولم ينج أهلها من الحصار والاستهداف بأشد الأسلحة فتكا..
وبفضل الانتخابات وما تولد عنها، دمرت المنازل وسرقت الممتلكات وقطعت الأرزاق واستبيحت الحرمات وانتهكت الأعراض.
وبفضل الانتخابات، نفس الانتخابات التي يراد للعراقيين الاكتواء بنارها مجددا، طمست معالم العراق ومدته وأقضيته وقراه وأريافه الوديعة، وهجر أبناؤه في أكبر عمليات تهجير قسري وتغيير ديموغرافي عنجهي سادي في التاريخ البشري كاملا.
وبفعل الانتخابات، سلم العراق رمح الله في الأرض، لعصابة من الحثالات وكمشة من الأرامل التابعين الأذلاء، ليعيثوا فيه فسادا ويهلكوا نسله وزرعه وضرعه قبل أن يسلموه لقمة سائغة للأعداء التقليديين سواء الفرس المجوس أو الصهاينة الأوغاد.
وبفعل الانتخابات دوما، عاد العراق لما قبل عصر الصناعة، بل لما قبل العصور الجليدية ليغرق في ظلام دامس وبرك من الدماء جعلت منه بلاد الروافد الثلاثة بعد أن كان لآلاف السنين بلاد الرافدين، فانضاف لدجلة والفرات وادي الدم، دم العراقيين الأبرياء العزل.
فما الذي يبقى لهم بعد كل هذا حتى لا يقاطعوا الإنتخابات، وحتى لا يبصقوا بوجه كل من يجرؤ على دعوتهم لها؟!!
أيها العراقيون الأشاوس
أيها الصابرون المرابطون
اسمعوا وعوا.. إنه لا خلاص لكم إلا بأمرين اثنين: الانخراط في المشروع التحرري الوطني والقومي لمقاومتكم الباسلة ومزيد الالتفاف حولها، ومقاطعة الانتخابات المهزلة.
واعلموا أن هذه الانتخابات ليست إلا وسيلة تحايل جديدة عليكم لمزيد استعبادكم وإذلالكم ونهب خيراتكم وشفط مقدراتكم.. فكيف ترضون وتنقادون مجدداً لإملاءات الحثالات وقد جربتموها وخبرتم إفلاسها وإجرامها وإرهابها ووضاعتها ولؤمها ومكرها؟!
بل كيف تسلمون مصائركم لمن لا عهد لهم ولا ميثاق.؟!
إنكم يا أبناء العراق العظيم، يا مصنع الرجال الرجال والحرائر الفضليات، مشهود لكم بالغيرة والحمية والشموخ والإباء والشهامة والفروسية والأنفة وعزة النفس.. وإنكم معروفون بالذكاء الوقاد والفطنة والنبوغ، فأنتم من نقلتم الإنسانية من ظلمات الجهل والأمية لأنوار الكتابة وبديع فضلها..
فكيف تنخرطون في هذا الجرم الجديد الذي يراد ارتكابه بحقكم وبحق العراق الأشم؟
أعدمتم الحكمة حتى تعيدوا الاشتراك في مسار لم ينلكم منه سوى الويلات والجراح والدماء والحزن والكمد؟
هل يليق بكم هؤلاء الأراذل ليستمروا لكم ساسة وحكاما لسنوات أخرى؟
أما كفى العراق وكفاكم عارا أن استولوا عليكم وصادروا إراداتكم وقوضوا نسيجكم المجتمعي وداسوا قيمكم ولطخوا موروثكم للحد الذي سمحوا لأنفسهم باغتيال زهرات بغداد الرشيد وتجرؤوا على إقرار تزويج القاصرات دون التسع سنوات؟!
أيها العراقيون الأكارم
أي انتخابات هذه التي يتقدم فيها مجرمو الحشد الشعوبي الصفوي ثم لا تقاطعونها بل ولا تحاربونها؟؟
أما كفاكم ما اقترفه الدمويون المتوحشون المجرمون من أدنى ذرات الإنسانية في ذلك الحشد، حتى يعاد تصديرهم إليكم بعد رسكلتهم بقوائم انتخابية مسمومة؟!
أما استوعبتم الدروس بعد!؟
ألم تتفطنوا لخدعة الحركات السياسية المتسترة بالدين والمتاجرة به؟
من حول العراق لمسرح كبير من شتى الجرائم؟ وكيف غزته وغزت بيوتكم سموم المخدرات؟ ومن استقدمها وسهل مرورها من إيران إلا هؤلاء الإمعات الصغار ممن يرومون حكمكم مجددا بفضل خدعة الانتخابات؟!
من سلط عليكم داعش وغير داعش ليخيركم بين الموت والموت!؟
ألم تسأموا العمائم العفنة؟ ألم تكفروا بفتاويها المتخلفة الشعوبية المقززة؟
أما من حكيم بينكم فيقلب وتقلبوا معه الطاولة على جماعة الجواسيس الصغار الملاعين؟
أيها العراقيون الغيارى
يا أحفاد نبوخذ نصر وحمورابي وسعد بن أبي وقاص وصلاح الدين الأيوبي
احذروا أن تعيدوا تدوير النفايات..
إياكم وعملاء الفرس المجوس..
إياكم وأعداء العراق وأعداءكم وأعداء العروبة..!!
اركلوهم واسحقوهم وقاطعوهم.. ففي ذلك عزكم وسبيلكم للخلاص والتغيير.
قاطعوهم.. قاطعوهم.. قاطعوهم..
قاتلهم الله أنى يؤفكون..
منذ البدء في الإعداد للانتخابات في العراق، ما انفكت مجموعة من الأسئلة الحيرى تحاصرنا وتلقي بنا في متاهة لا خلاص منها ولا نجاة.
فالانتخابات وإن كانت تعبيره ديمقراطية ولو على مستوى الشكل فقط، فإن العراق هو آخر الميادين والساحات في العالم التي يجوز التطرق فيها لمثل هذه الآلية أو التقنية لاختيار الحكام وتسيير شؤون الدولة. حيث لا معنى ولا مدلول لمثل هذه الانتخابات في بلاد ما بين النهرين، بل لا غرو في القول إنه لا مغزى لها خصوصا إذا تمعنا في الأحداث بالعراق منذ الغزو سنة 2003 إلى الآن، إذ يكفي إلقاء نظرة سريعة نسترجع فيها ما جرى لنخلص إلى أن الرهان على الانتخابات إنما هو رهان فاشل بل وأحمق وغبي، كما أنه لن يؤدي لغير مزيد اتساع رقعة المأساة واستفحال معاناة العراقيين إذا ما استمر الحال على ما هو عليه. هذا وتتعاظم مصيبة التعويل على الانتخابات في العراق لا بفعل القوانين المنظمة لها ولا بفعل معاودة عناوين الجريمة والفساد والخراب في العراق تزكية أنفسهم أو حلفائهم أو أتباعهم واعتزامهم الترشح من جديد، بل بما هو أبعد من ذلك بكثير لاسيما النفخ والدفع الإيراني وتشجيع الفرس للعراقيين على الإقبال عليها من جهة وارتهان اللعبة الانتخابية لفتاوى المرجعيات المتناحرة والدائنة كلها بالولاء لغير العراق من جهة أخرى، أما عن الطغمة السياسية في سوادها العظم فحدث ولا حرج.
وأمام هذه الوضعيات القاتمة وإزاء تحدي الانتخابات القادمة، فإن المنطق والعقل السوي يحتمان ضرورة مقاطعة هذه الانتخابات وتوعية الجماهير في العراق بالانخراط في ذلك لما من شأن العزوف عن المشاركة في هذه المسرحية من فوائد جمة على العراق وعموم العراقيين ليس أقلها مزيد ضرب حصار على جوقة الجواسيس والعملاء في بغداد المحتلة وتعميق عزلتهم شعبيا وسياسيا وهو ما سيعجل حتما برحيلهم واندحارهم غير مأسوف عليهم.
لسائل أن يسأل: وما الجدوى من مقاطعة الانتخابات وهي التي تفتح الباب أمام المتنافسين للترشح ومن ثمة يكون بمقدور الجماهير اختيار الأفضل؟ ثم أوليست الديمقراطية سمة من سمات تحضر الشعوب وتقدمها ومقياس لوعيها؟
إلا أنه ورغم وجاهة السؤالين نظريا، إلا أنهما أيضا لا ينطبقان ولا ينسجمان مع العراق بعد الغزو. فعراق ما بعد 2003 ليس كما قبله لا بحساب العقود القليلة ولكن على امتداد تاريخه الضارب في جذو التاريخ.
لقد عاد العراق بعد الغزو، وبسبب الطغمة السياسية العميلة المتنفذة في بغداد المحتلة والتي قذفت بها طائرات ودبابات الغزاة، إلى ما قبل التاريخ، فساد الجهل والأمية وتفشت الأمراض وانتشر الفقر وعمت الفوضى والقتل على الهوية وتكرس التدمير والتخريب لجميع مكتسبات المواطن العراقي التي تحققت على امتداد آلاف السنين.
فلقد أضحى العراق مرتع الفاسدين والمفسدين حتى تصدر لائحة أكثر البلدان فسادا في العالم في كل الدراسات والتحقيقات والإحصائيات، بل إن الفساد لا ينكره حتى حكام العراق أنفسهم حتى غدا التراشق بتهم الفساد حديثا في كل آن وفي كل وسيلة أو منبر إعلامي.
ولم يعد العراق بعد أن قضى على الأمية في سنوات خلت فبلغت نسبة الصفر بإقرار الأمم المتحدة، إلا حاضنة تفرخ الجهلة والأميين وهو ما تقره الأرقام الرسمية المعتمدة في بغداد المحتلة، حيث بلغت مستويات عدم الالتحاق بالمدارس والانقطاع المبكر عن التعليم أرقاما مفزعة تنذر بما سيعانيه العراقيون على المدى المتوسط والبعيد، أما عن جودة التعليم ومضمونه فتلك مصيبة المصائب، فبعد أن كان العراق قبلة الطلاب من شتى أصقاع العالم، وبعد أن كون جيشا جرارا من العلماء والكفاءات النادرة أمسى التعليم فيه مستندا في جوهره الخرافات والشعوذة والدجل علاوة على مغذيات الحقد ونزعة الثارات ( وليس من أدلة على ذلك من فضيحة حزب الدعوة الإيراني وحلفائه القاضية بتعميم مادة مستحدثة في كل العالم على مختلف مستويات التعليم تحت مسمى " جرائم البعث" !! ).
ولا تختلف الصحة كثيرا عن التعليم، فبعد منجزات العراق المبهرة في المجال الطبي قياسا بكل دول الجنوب وعدد لا يستهان به من البلدان المتقدمة، صارت مشافي العراق خالية من كوادرها وعقولها، ليتعفن حال زوارها بسبب ندرة الأدوية وانعدام الخبرات والتجهيزات.
وحيثما سرح المرء عينه، لم يعثر على غير الخراب ومعالم الدمار.
فالسنوات الخمسة عشر الأخيرة، شكلت منعطفا كارثيا لا شبيه له ولا نظير، لم يعرفه العراق طيلة تاريخه، بل ولم يسبق للإنسانية برمتها أن عايشت وضعا شبيها له من حيث تعدد وتشابك أوجه المعاناة وصعد الفاجعة المقيمة في بلاد الرافدين.
لقد عدم العراقيون رغيف الخبز في هذا العهد الذي سوق له أقطاب الشر والجريمة من متصدريه على أنه سيكون جنة الله على الأرض، فإذا بالحزن يلف كل بيت في العراق، والموت يختطف من كل عائلة فردا أو أكثر لا بل قد يختطف العائلة بأسرها في كثير من الأحيان، وإذا بالأسر والتقتيل والتشريد يطال كل عشيرة، وإذا بالظلم والقهر يحيق بكل قرية وفضاء ودور ومدينة ومحافظة بالعراق، أما عن اغتصاب الماجدات فتلك مصيبة أخرى وجرح غائر لن يندمل.
ترملت حرائر العراق، فجاوز عددهن المليونين، وتيتم أطفاله الأبرياء فقاربوا الخمسة ملايين بالتمام والكمال، وشرد الناجون من الموت بأعجوبة ونفوا داخل مخيمات الإذلال والترويع والتجويع، ونفي الملايين إلى خارج العراق ليترنحوا ويتسكعوا على هوامش النسيان والخذلان ومختلف الأوجاع والآفات، وأسرت ألوف مؤلفة من فرسان البلد وصناديده، وذبح الملايين من خيرة رجالاته وكوكبة قياديه مفكرين وعلماء ومهندسين وأطباء وفنانين وساسة وعسكريين من مختلف المراتب.
وهنا تحديدا يكون الشق الأول من الجواب على حيرة المتعجبين من المطالبة بمقاطعة الانتخاب، كما ينبغي علينا أن نضيف ليكون الجواب سؤالا أشد دقة وأبلغ مدى ممن استكثروا حض العراقيين على نبذ الانقياد لطوابير فلكلورية جوفاء استعراضية غايتها تجميل ذلك الوجه البشع الرديء لمن يعمل السيف في رقابهم صباحا مساء، فقول:
أليس كل من شارك في العملية السياسية الجاسوسية الخيانية وركب ركاب الغزاة سواء كانوا مدنيين أم مسلحين ومن وفر لهم التبريرات الفقهية والدينية من رجال الدين الفاسدين الفاسقين الماجنين وعلى رأسهم السيستاني، هم من أوصلوا العراق لما بلغه من انهيار شامل ولما عرفه من انخرام كامل وانسداد تام سواء اجتماعيا أم اقتصاديا أم أمنيا أم صحيا أم ثقافيا وغير ذلك؟ أليس هؤلاء المجرمون يتسابقون مجددا لخوض غمار الانتخابات للظفر مرة أخرى بكراسي تتيح لهم مواصلة التلذذ بثروات العراق والتنكيل في المقابل بالعراقي البسيط المنهك المثقل بفعل جرائم الغزاة ومن تعاون معهم ومن خلفهم في الاستحواذ على مقدرات العراق ومصائر شعبه؟
إن الأجدى حقا هو التساؤل التالي: ما الذي سيشكل دافعا للعراقيين حتى يشاركوا في انتخابات سبق لهم وأن جربوها برعاية الاحتلال المزدوج للعراق، فاكتووا بنارها ولم ينلهم منها سوى الدمع والدم؟؟
إن الانتخابات لم تقدم للعراقيين سوى الطائفية وما يترتب عنها من ويلات ذاقوها طيلة 15 عاما حتى باتوا خبراء في اقتفاء أثر آفاتها.. فعلى مذبح المذهبية العفنة وبرعاية حكام العراق الجدد الذين استمروا شرعيتهم الزائفة والباطلة من صناديق انتخاب المحتل والغزاة، قتل خيرة أبناء العراق، وعلى وقع الهتافات والرايات الطائفية حوصرت مدن ومحافظات ودمرت تدميرا كاملا، وعلى نغم الولاءات لغير الوطن، وعلى وتيرة التعصب المذهبي والتحشيد العرقي الذي غذاه من صعدتهم الانتخابات، اختفت معالم أثرية وحضارية لا تقدر بثمن، ومسحت جغرافيا العراق الأصيلة من على الخارطة.
وفي ظل المد الشعوبي الذي جاءت به وقننت سريانه الانتخابات، أبيد العراقيون على مراحل وبدقة كلية، ولم تسلم الأنبار وصلاح الدين ونينوى وسامراء والموصل والفلوجة وبعقوبة والرمادي وتلعفر وتكريت وغيرها من الاكتساح الشامل من طرف برابرة العصر، ولم ينج أهلها من الحصار والاستهداف بأشد الأسلحة فتكا..
وبفضل الانتخابات وما تولد عنها، دمرت المنازل وسرقت الممتلكات وقطعت الأرزاق واستبيحت الحرمات وانتهكت الأعراض.
وبفضل الانتخابات، نفس الانتخابات التي يراد للعراقيين الاكتواء بنارها مجددا، طمست معالم العراق ومدته وأقضيته وقراه وأريافه الوديعة، وهجر أبناؤه في أكبر عمليات تهجير قسري وتغيير ديموغرافي عنجهي سادي في التاريخ البشري كاملا.
وبفعل الانتخابات، سلم العراق رمح الله في الأرض، لعصابة من الحثالات وكمشة من الأرامل التابعين الأذلاء، ليعيثوا فيه فسادا ويهلكوا نسله وزرعه وضرعه قبل أن يسلموه لقمة سائغة للأعداء التقليديين سواء الفرس المجوس أو الصهاينة الأوغاد.
وبفعل الانتخابات دوما، عاد العراق لما قبل عصر الصناعة، بل لما قبل العصور الجليدية ليغرق في ظلام دامس وبرك من الدماء جعلت منه بلاد الروافد الثلاثة بعد أن كان لآلاف السنين بلاد الرافدين، فانضاف لدجلة والفرات وادي الدم، دم العراقيين الأبرياء العزل.
فما الذي يبقى لهم بعد كل هذا حتى لا يقاطعوا الإنتخابات، وحتى لا يبصقوا بوجه كل من يجرؤ على دعوتهم لها؟!!
أيها العراقيون الأشاوس
أيها الصابرون المرابطون
اسمعوا وعوا.. إنه لا خلاص لكم إلا بأمرين اثنين: الانخراط في المشروع التحرري الوطني والقومي لمقاومتكم الباسلة ومزيد الالتفاف حولها، ومقاطعة الانتخابات المهزلة.
واعلموا أن هذه الانتخابات ليست إلا وسيلة تحايل جديدة عليكم لمزيد استعبادكم وإذلالكم ونهب خيراتكم وشفط مقدراتكم.. فكيف ترضون وتنقادون مجدداً لإملاءات الحثالات وقد جربتموها وخبرتم إفلاسها وإجرامها وإرهابها ووضاعتها ولؤمها ومكرها؟!
بل كيف تسلمون مصائركم لمن لا عهد لهم ولا ميثاق.؟!
إنكم يا أبناء العراق العظيم، يا مصنع الرجال الرجال والحرائر الفضليات، مشهود لكم بالغيرة والحمية والشموخ والإباء والشهامة والفروسية والأنفة وعزة النفس.. وإنكم معروفون بالذكاء الوقاد والفطنة والنبوغ، فأنتم من نقلتم الإنسانية من ظلمات الجهل والأمية لأنوار الكتابة وبديع فضلها..
فكيف تنخرطون في هذا الجرم الجديد الذي يراد ارتكابه بحقكم وبحق العراق الأشم؟
أعدمتم الحكمة حتى تعيدوا الاشتراك في مسار لم ينلكم منه سوى الويلات والجراح والدماء والحزن والكمد؟
هل يليق بكم هؤلاء الأراذل ليستمروا لكم ساسة وحكاما لسنوات أخرى؟
أما كفى العراق وكفاكم عارا أن استولوا عليكم وصادروا إراداتكم وقوضوا نسيجكم المجتمعي وداسوا قيمكم ولطخوا موروثكم للحد الذي سمحوا لأنفسهم باغتيال زهرات بغداد الرشيد وتجرؤوا على إقرار تزويج القاصرات دون التسع سنوات؟!
أيها العراقيون الأكارم
أي انتخابات هذه التي يتقدم فيها مجرمو الحشد الشعوبي الصفوي ثم لا تقاطعونها بل ولا تحاربونها؟؟
أما كفاكم ما اقترفه الدمويون المتوحشون المجرمون من أدنى ذرات الإنسانية في ذلك الحشد، حتى يعاد تصديرهم إليكم بعد رسكلتهم بقوائم انتخابية مسمومة؟!
أما استوعبتم الدروس بعد!؟
ألم تتفطنوا لخدعة الحركات السياسية المتسترة بالدين والمتاجرة به؟
من حول العراق لمسرح كبير من شتى الجرائم؟ وكيف غزته وغزت بيوتكم سموم المخدرات؟ ومن استقدمها وسهل مرورها من إيران إلا هؤلاء الإمعات الصغار ممن يرومون حكمكم مجددا بفضل خدعة الانتخابات؟!
من سلط عليكم داعش وغير داعش ليخيركم بين الموت والموت!؟
ألم تسأموا العمائم العفنة؟ ألم تكفروا بفتاويها المتخلفة الشعوبية المقززة؟
أما من حكيم بينكم فيقلب وتقلبوا معه الطاولة على جماعة الجواسيس الصغار الملاعين؟
أيها العراقيون الغيارى
يا أحفاد نبوخذ نصر وحمورابي وسعد بن أبي وقاص وصلاح الدين الأيوبي
احذروا أن تعيدوا تدوير النفايات..
إياكم وعملاء الفرس المجوس..
إياكم وأعداء العراق وأعداءكم وأعداء العروبة..!!
اركلوهم واسحقوهم وقاطعوهم.. ففي ذلك عزكم وسبيلكم للخلاص والتغيير.
قاطعوهم.. قاطعوهم.. قاطعوهم..
قاتلهم الله أنى يؤفكون..