لا يخطئ أي باحث موضوعي علمي بأن العدوان على العراق بهدف اسقاط نظامه الوطني وعقيدته ومنهجه القومي لم يتوقف يوما منذ تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة عام ١٩٦٨م وكانت ايران الشاه هي السباقة في اطلاق أول محاولة انقلابية بعد مدة قليلة من قيام الثورة.
وتوالت المؤامرات وخلق المشاكل المختلقة في الداخل ومن خارج الحدود حتى جيئ بخميني لإقامة ثاني دولة تحمل راية طائفية (اسلامية) في المنطقة بعد الدويلة الصهيونية المسخ التي صنعت تحت راية دينية (يهودية) مزيفة هي الاخرى. وبمجيئ خميني اكتملت كماشتي حصار العرب واكتملت قبضات خنقهم ابتداء من البقعة العربية الممثلة لوحدة الأمة الا وهي العراق فمن الغرب ايران ومن القلب المحتل الى الشرق الكيان الصهيوني.
العدوان الثلاثيني بزعامة أميركا على العراق في ١٧ كانون الثاني عام ١٩٩١ وقع بعد أن أيقنت جبهة العداء (العقائدي) للعراق عدم أمكانية اسقاط النظام العراقي بعد أن عجزت عشرات المحاولات السابقة بما فيها الحرب العراقية الايرانية التي امتدت لثمان سنوات واستخدم فيها خميني كل طاقات ايران ومعها اسناد من اختار الاصطفاف تحت رايتها المزيفة ومنها النظام السوري ومعها الدعم الامريكي البريطاني الصهيوني المعلن والمتستر عليه.
واذا ما دقق الباحث العلمي الموضوعي حلقات المسلسل التي أشرنا اليه انفا وتلك التي تلت الحرب الكونية وأهمها:
أولا: الغزو الايراني الذي رافق انسحاب العراق من الكويت وسمته ايران (الانتفاضة الشعبانية) والذي أستغل الوضع الأمني المعقد والمرتبك وتمكن من احتلال قرابة ١٤ محافظة عراقية احتلالا كاملا وتدمير بناها التحتية والفوقية ثم تم قبره من قبل رجال العراق.
ثانيا: الحصار الشامل على العراق الذي تبع الحرب الكونية و رافقه عدوان التفتيش عن ما سمي بأسلحة الدمار الشامل الذي كان هدفه تدمير قدرات العراق العسكرية وفي مقدمتها التصنيع العسكري ورافقته اعتداءات متكررة على بغداد ومدن العراق استخدمت فيها الطائرات والصواريخ عابرة القارات وركزت تلك الهجمات العدوانية المجرمة على محطات توليد الطاقة والمصانع والسدود ومزارع الحبوب. وقد تواصل الحصار الى ان جاءت الحلقة الثالثة من العدوان.
ثالثا : الغزو الكوني للعراق الذي تزعمته الولايات المتحدة عام ٢٠٠٣ وشاركت به عشرات الدول عسكريا واقتصاديا واعلاميا ومخابراتيا.
سيجد الباحث غير المنحاز ان الحلقات متداخلة وتكمل بعضها البعض واطرافها متعاضدين وتربطهم صلة واحدة هي العداء العقائدي للعراق وللامة العربية .
في الحلقة الاخيرة ( ثالثا ) تحققت أهداف حرب خميني التي بدأها عام ١٩٨٠ وأهداف الحصار وكل ما سبقها من حروب داخلية ومؤامرات داخلية وخارجية .. الاهداف التي تحققت عام ٢٠٠٣ م هي اسقاط النظام الوطني العراقي وهو هدف رفعه خميني نهارا جهارا وتحقق على عهد من أخلف خميني في سلطة الكهنوت الفارسي القومي التوسعي الاجرامي وهو ذات الهدف الذي عملت عليه باستمرار الامبريالية والصهيونية وشاركت به ايران مباشرة وبالإنابة (ايران غيت وقصف المفاعل النووي العراقي من قبل الطيران الصهيوني عام ١٩٨٢من حقائق التعاضد والتكامل للعدوان على العراق) يرادف ذلك ويرافقه الاعمال الارهابية ضد العراق وشعبه التي كلفت بها خلايا ايران ممثلة بحزب الدعوة العميل ومنظمة العمل الفارسية وفيلق بدر وحزب الله وغيرها من تشكيلات ايرانية معروفة.
لقد تشابكت غايات وأهداف العداء للعراق ونظامه الوطني من ناحية تنوعها وتوزعها بين أهداف سياسية وأخرى اقتصادية وغيرها بحيث لا يمكن تجاوز حقيقة توحدها لتكون التعبير النهائي عن ذاك العداء الا وهو العداء الايديولوجي الوطني والقومي والذي قد ينسحب الى مكونات أخرى منها البعد الديني حيث العراق المتمسك بالعروبة تعني ضمنا تمسكه العميق بالايمان في حين تقف الاطراف الاخرى (الامبريالية والصهيونية والفارسية) على دكات العداء المركب عقائديا من وحدات تركيب قومية وأخرى دينية لان عداء الامبريالية والصهيونية للعرب ممثلين بالنظام العراقي وعقيدته البعثية القومية التحررية الاشتراكية هو عداء للعروبة وللايمان لانهما مهمازي التناقض بين العرب والامبريالية والصهيونية وأدواتهما.
ان ما يثبت تلاقي وتعاضد وتشابك الاهداف الايرانية الصهيونية الامبريالية هو الانتقال السريع بعد احتلال العراق من الاهداف الظاهرية الكاذبة المعلنة كتسويغات للاحتلال الى أهداف أخرى منها الديمقراطية الطائفية والعرقية التي هي ديمقراطية مبتكره لا وجود لها في العالم الا في صيغة الحكم التي تبنتها أمريكا في العراق ووظفت فيها الاطراف المتعاقدة معها من ايرانيين ومستعرقين وعديمي الهوية على حد سواء. فالطائفية والمحاصصة المذهبية والعرقية ليست ديمقراطية بل فتنة ونار تحرق المجتمع وتغرقه بالدماء والفوضى وانعدام الامان وانسداد أفق التعايش والمستقبل على حد سواء:
هنا كان الغزو والاحتلال كمحصلة للعداء العقائدي للعراق منطلقا لتفتيت البنى الاجتماعية وتهديم صلاتها وروابطها وبث روح الاغتراب واللاانتماء بين الشعب الواحد. لقد نفذ الخنجر الايراني الصهيوني الامبريالي الى جسد شعب العراق ليظهر فيه عوامل الانشطار والعداوة ليس كناتج عن الاحتلال وتطبيقاته بل اظهارها على انه عناصر متجذرة في شعب العراق وبالتالي فلا يوجد عراق أصيل ولا شعب عراقي واحد.
وبعد ان بانت علامات للتدهور الاجتماعي في العراق انتقلت صفحة العدوان ( المتكامل ) الى اقطار عربية أخرى بصيغ مختلفة مظهريا غير انها متحدة من حيث النتائج فكان غزو الناتو لليبيا وبعدها كان الربيع الايراني الأخواني كمدخل لاسقاط الكثير من مكونات البنية القومية والاخلاق والقيم التي طالما تغنى بها العرب . رأينا في الربيع سقوط هيبة المهاب من قبل شباب لا مصلحة لهم في اهانة رئيس الجامعة وعميد الكلية واساتذتهم في الجامعات مثلا وكذلك سقوط هيبة الحاكم ( بالحق وبالباطل ) وبطرائق جديدة على مجتمعنا العربي حيث كان التغيير للحكام المرفوضين ولمفاصل السلطة المختلفة لا يتم بطريقة الربيع الراكنة الى أهانة الكل للكل واعتداء الكل على الكل واختلاط الاوراق والالوان حتى سادت العتمة بل ساد الظلام .. وحين بانت بعض ملامح النور بعد عاصفة الربيع السوداء تبين للعرب ان الفوضى ليست خلاقة بل هي امتداد لإسقاط الدولة العراقية وقتل قيادتها بقرار الاجنبي وبيد المرتزقة .
ان اصرار الولايات المتحدة الامريكية ومن تحالف معها على غزو العراق على ادامة وحماية العملية السياسية الفاشلة الفاسدة المدمرة للعراق وللأمة العربية كلها بتفاعلاتها وتجاذباتها وانعكاساتها الكارثية هو التدبير الامريكي الصهيوني الفارسي المدعوم من دول أخرى للامعان بمزيد من التمزيق والشرذمة للعرب ليس في العراق فقط بل في كل الاقطار العربية . وهذا التمسك والتشبث بالعملية السياسية الاحتلالية في العراق ان هو الا برهان على ان اميركا قد وجدت فيها ضالتها مع شركاءها لإنجاز خراب البلاد واهانة وتجويع وتشريد العباد من خلق الله العرب . العملية السياسية تبدو جليا انها الثمرة المهجنة التي أنتجتها تركيبة من كل أشجار التامر البغيضة والردات والحروب التي حيكت ونفذت ضد العراق والأمة العربية منذ عام ١٩٦٨ والى يومنا هذا وهي التي ستولد المسارات الجديدة حيثما تطلب الأمر انتاجها للايغال في تدمير العرب انطلاقا من العراق الذي كان هو السد الواقي والحامي لكل العرب.