نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام
قبل الغوص في صلب موضوع دور الاعلام في تعزيز ثقافة المقاومة لابد من الاجابة على عدد من التساؤلات المهمة ازاء كل محاولات التضليل والتشوية التي تهدف الى طمس نضال المقاومة العراقية وسرقة نضال شعب العراق المقاوم. وترسيخ مفاهيم تشكك بقدرة المقاومة العراقية وأظهار الشعب العراقي بانه مستسلم وخانع لما يجري على ارضه.؟ يطرح المتابع سؤال هل على الشعب العراقي اليوم يتبنى ثقافة المشروع الطائفي ام ثقافة المقاومة والدفاع عن حقوقة وحياته في الوجود.؟ وماهو دور الاعلام والمقصود هنا (( الاعلام المقاوم)) في استنهاض الشعب.؟ وكيف يقوم بدوره في تعزيز ثقافة المقاومة والصمود في وجه المشاريع العدوانية التي تستهدف وجودنا.؟ وكيف يتصدى اعلام المقاومة بقوة وفاعلية لمحاولات الخلط بين المقاومة المشروعة التي تخوضها المقاومة العراقية المشروعة وارهاب المنظمات الاخرى مثل (داعش والميليشيات) التي تدعي انها تقاوم ايضا.؟
في البداية علينا ان نعي حقيقة تقول ان الولايات المتحدة الاميركية التي قادة عدوان الاحتلال أنفقت سنوي 400 بليون دولار على الحرب والاستعداد لها. وحتى نعي حجم التضليل الذي مارسته الولايات المتحدة على العالم وعلى الشعب الامريكي نذكر في شهر نيسان عام 2003 قال (( ستيفن ايغل فانك )) هو اول امريكي رافض للخدمة العسكرية لان الحرب - على حد قوله – ( غير اخلاقية بسبب الخداع الذي مارسه زعماؤنا ) . ومن كلام ( فانك ) تتضح صورة حجم التضليل الاعلامي الذي مارسته الولايات المتحدة الامريكية ومعها دول العدوان على العالم حتى وصل الامر الى ان يصرح كاهن عسكري امريكي كاثوليكي بالقول ((ان المسيح قال لنا أن نحمل سيفا)).
معنى هذا ان الخطاب الاعلامي الذي مارسته قوى الاحتلال يقوم على اساس تروج لثقافة الاستسلام والخنوع. لذلك انفقت الاموال وجندت الاقلام لخدمة مشروع الاحتلال.
ولكن الحقيقة التي غابت عن عقول صناع القرار في دول العدوان تقول ان شعب العراق لن يقف عند حدود اشاعات تضليل وترويج تمارسه قوى عرفت بعدائها للعراق وشعبه.
فقد سجل التاريخ اول عملية احتكاك مباشر بين المقاومة العراقية الباسلة في السابع من شهر نيسان عام 2003 في منطقة المجمع السكني في حي البلديات شرق بغداد ,حين قترب رتل من قوات الاحتلال في شارع المشتل الرئيسي وحال وصوله الى مفرق الطرق قرب مجمع البلديات حصل اشتباك استخدمت فيها قوات الاحتلال الدبابات والطائرات التي قصفت المنطقة. ومع شروع العمل العسكري للمقاومة العراقية انطلقت معها فعاليات المقاومة العراقية الاعلامية. فلم تكن اللافتة الكبيرة التي رفعت في شارع فلسطين وسط العاصمة العراقية بغداد في 28 نيسان 2003 وهي تحي ميلاد الرئيس الشهيد صدام حسين {رحمه الله} وتحي نضال حزب البعث العربي الاشتراكي ضد الاحتلال الامريكي الحادثة الاعلامية الاولى على صعيد المقاومة الاعلامية بل تحولت الجدران في المدن والبلدات العراقية إلى وسيلة إعلام ذات فعالية متزايدة في مقاومة الاحتلال الأمريكي للبلاد. وتتركز هذه الشعارات على الجدران في المؤسسات والمرافق العامة كالمدارس، كما عليه الحال في شعارات كتبت على جدران مدرسة متوسطة للبنين في شمال بغداد.. حين أفاق المواطنون العراقيون على شعارات تدعو إلى الجهاد، كتبت بخطوط بارزة على جدران مدرسة صلاح الدين المتوسطة للبنين. وانضمت هذه المنشأة التعليمية الواقعة في مدينة الشعب، شمالي بغداد، على طريق بغداد- كركوك؛ إلى الكثير من المنشآت والأبنية العراقية التي تحمل شعارات مشابهة إذ تقابل المارين من المنطقة شعارات مكتوبة بخط متقن على جدران المدرسة، تحث على جهاد القوات الأمريكية، من بينها شعار " عاش حزب البعث العربي الاشتراكي والموت للامريكا"، و"الله أكبر، الله أكبر، حيّ على الجهاد"، وغيرها كثير. ومنذ ان رفعت تلك الشعارات استطاع اعلام المقاومة العراقية الباسلة الحق الهزيمة باعلام قوى العدوان. واجبرهم على تغير خططهم الاعلامية والسياسية بشكل مستمر. الحقيقة الراسخة التي اشرتها الفعاليات الواضحة للاعلام المقاومة العراقية ان هذا الاعلام مبني على (فكر مقاوم . لا عاطفة مقاومة).
حيث شكلت الرسالة القيمة التي وجهها الرفيق المناضل عزة ابراهيم الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الى الاعلاميين في اواخر عام 2007 خطوة رئيسية في اعتماد استراتيجية اعلامية.
تنطلق من استراتيجية البعث التي جسدها المنهاج الاستراتيجي والسياسي للحزب والمقاومة المعلن في ايلول عام 2003..
يتفق الجميع على ان العالم لم يعد مجرد قرية صغيرة بعد ثورة الاتصالات الواسعة التي رسخت بنيتها وانجازاتها في معظم ارجاء المعمورة وجعلت من الاعلام يحقق قفزات نوعية وكمية كثيرة خلال فترة قصيرة من الزمن. لذلك استغلت قوى الاحتلال وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا ذلك بشكل جلى في عدوانهم على العراق عام 2003. لذلك تعرض المواطن العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام وفي كل ساعة واقل من ساعة لكل ما يحمل الاعلام العالمي ووسائله من رسائل تضليل وخداع لتحقيق الاهداف الشريرة للاحتلال والعدوان .وفي هذه ((المعارك الاعلامية)) كان اعلام المحتل يستخدم كل ما يبتكره من مفاهيم وما يعرضه من صور وانباء ونصوص واستنتاجات لخدمة مشروعه الشرير في تدمير العراق.
وان ابرز رسالة كان يحملها اعلام الاحتلال هو انتاج ثقافة تروج للاستسلام والخنوع والتخلي عن الحقوق. في حين سعت المقاومة العراقية ومنذ انطلاقها الى تعزيز ثقافة المقاومة والتصدي ورفض الاحتلال والاستسلام والتنازل عن الحقوق. وغالبا ما تتحدد طبيعة وجوهر (المعركة الاعلامية) والتحديات التي تفرضها من ناحية سعة وضرورة انتشار خطابها الاعلامي ومضمونه بموجب الاهداف التي يريدها الطرف الاخر. محتلا أو غازيا تحقيقها والتهديدات والاخطار التي يحملها الطرف الاخر.
فالمحتل الامريكي ومعه المحتل الايراني من بين اهدافه .
1-احلال المشروع الطائفي التدميري وتعزيز ثقافته بدلا من المشروع القومي العربي .
2- انشاء كيان هزيل مقسم على اسس طائفية واثنية .
3- ازالة تاريخ العراق واقتلاع شواخصه الحضارية وتمزيق وحدته.
يقينا هناك اهداف اخرى للاحتلال ولكن قدر تعلق الامر بموضوعنا نرى ان هذه الاهداف تسببت بخلق تحديات كبيرة لدى شعب العراق. فكان من الطبيعي ان تتصدر ((ثقافة المقاومة)) حطاب اعلام المقاومة العراقية .
ويتضمن بالضرورة استخدام المصطلحات والمفاهيم التي تؤدي الى حماية الحقوق الوطنية والقومية والاسلامية للمجتمع العراقي بشكل عام .
اننا نعي ان اعلام المقاومة ليس جزيرة منفصلة على فعاليات المقاومة العراقية بكل اشكالها. لذلك فهو في نفس الوقت يحتاج لادوات وأدبيات فكرية ومنهجية واليات في الطرح ربما تعقد الامر نسبيا. غير ان اعتماد اعلام المقاومة العراقية على فكر وامتداد نضالي حزب مناضل مثل حزب البعث العربي الاشتراكي يجعله يتلائم مع المرحلة الجديدة التي فرضها الاحتلال وادواته. لذلك ابرز ادوار اعلام المقاومة العراقية دوره السياسي الذي يسعى للمحافظة على المعنويات المرتفعة. من دون التخلي عن تزويد جمهوره:
اولا :- بمعلومات حقيقية على نحو مستمر تجعل المواطن العراق يعي قضيته.
ثانيا :- المحافظة على وضوح الرؤية لطبيعة الصراع في مستواه الاستراتيجي والتكتيكي.
ثالثا:- توفير للشعب العراقي ارضية من الوعي وتحريض الفكر ويخاطبه .
رابعا:-تعزيز القناعات لانتاج مواقف لها صفة الدوام لا ردود انية. كما يفعله الان اعلام الميليشيات.
ووفق ما تقدم لابد من الوقوف على عدة معطيات أساسية تشكل أبرز دعائم ومقومات وجود اعلام للمقاومة العراقية. علما أن ((المقاومة كوجود تولد وتتاجج وتتراجع أو تختفي بفعل عوامل موضوعية واخرى ذاتية )).
1- المعطى الثقافي :- عمد المحتل الامريكي ومعه المحتل الايراني الفارسي الى فرض الهيمنة الثقافية الامريكية و الثقافة الطائفية الايرانية قسرا على الشعب العراقي . وهو ما يهدد بالغاء هوية والثقافة القومية العربية للمواطن العراقي واحلال محلها ثقافة بديلة . كلنا نعايش اليوم استنفار رهط ممن يسمون انفسهم محللين وناشطين سياسيين بالهجوم الشرس على الثقافة العراقية والفكر القومي العربي الذي يؤمن به المواطن العراقي.
ويكاد الناس يصدقون اكاذيبهم. ولكن بروز المقاومة العراقية وخاصة في شقها الاعلامي والتي تشهد تصاعدا لم يكن الاعداء يتوقعونه تعزز الفكر القومي العربي والاسلامي في ذات المواطن العراقي – وبدا من ساوره الشك بالرجوع عن ذلك –
2-المعطى الزماني:- تكمن خطورة المرحلة التي يمر بها العراق بشكل خاص والامة العربية بشكل عام. ان القوى الاحتلال الامريكي الصهيوني والايراني الصفوي يشن حروب استباقية على المقاومة العراقية والعربية تحمل اسما جديد هو (( مكافحة الارهاب )) أو (( محاربة الارهاب)). وهذا يبيح للمحتل الامريكي والايراني الى اقصاء كل صوت اعلامي يغرد خارج السرب الامريكي الصهيوني او الايراني الصفوي وتدجين كل صوت لا يتماشى مع الرؤية الامريكية الصهيونية الايرانية الصفوية. ومن خصائص المرحلة.
اولا- ان الاحتلال الامريكي ومعه المحتل الايراني ومن خلال عملائهما واذنابهم مما جعلهم من موقع المهيمن.
ثانيا– تعد الولايات المتحدة الامريكية شريكا لايران وضعت كل امكاناتها تحت تصرف المشروع الايراني التوسعي.
ثالثا –ضعف النظام العربي افقده لارادة القتال اخرجه شبه كامل من ساحة الصراع مع المشروع الامريكي الصهيوني والايراني الصفوي.
3- المشهد الاعلامي وخطابه :-
بقدرة فائقة استخدمه الولايات المتحدة الاميركية تقنيات الاتصال والاعلام في حروبها الاخيرة. وكشفت التقارير المسربة من المؤسسات الامريكية ان نفقات الاعلام والاتصال في الحروب تعادل نفقات وسائل القتال الميدانية.
وهذا يرشدنا الى حركات التحرر العالمية أضحت تعي تأثير وسائل الاعلام والاتصال في كسب الرهان لصالحها في الحروب. ولان الاعلام يشكل عصب الحياة في ظل التطور الهائل في وسائله. فان المحتل الامريكي ومعه المحتل الايراني ادركا هذه القدرة على تدمير العقل العراقي وتلغيمة وحشوه بقيم ورؤى ومعتقدات تخدم المشروع الامريكي التدميري والمشروع الايراني الطائفي ولجئت الى :
اولا – تكريس سياسة تعميق الفوضى الاعلامية في العراق.
ثانيا- خلق اعلام طائفي تحريضي يستند الى اسس مذهبية وعرقية ودينية لتحقيق اهداف مشروع الاحتلال .
ثالثا – بناء عقلية عراقية من نوع يخالف البناء الفكري المعروف به العقل العراقي القومي العربي.
لذلك عمد المحتل بمختلف انواعه الى تغير جذري في المشهد والخطاب الاعلامي .ولم يكن غريبا ان قام بدعم اصدر صحف وانشاء محطات اذاعية وفضائيات خضعت لخط الاحتلال والنهج الجديد. وكان الخطاب الاعلامي لهذه المؤسسات التي رعاها المحتل لا يقتصر على الاخبار والحوادث بل سعى للتأثير على السامعين وتوجيههم.
يتبع...