نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام
منذ أعلنت حكومة الجواسيس والخونة في المنطقة الخضراء عزمها على التوجه للموصل بغية تحريرها من داعش، تصدينا ونخبة من المخلصين العارفين بخبايا القضية العراقية لفضح النوايا الحقيقية والأهداف الفعلية من وراء تلك الخطوة.
ولقد عملنا ما بوسعنا على بسط الحقائق وتعرية زيف الادعاءات المتعلقة بالحرب على الإرهاب، وشرحنا بإسهاب رهانات المجرمين الجاثمين على صدور جماهير شعبنا في العراق من خلال تركيزهم في حملاتهم الدعائية القائمة على التحشيد ضد بعبع داعش والترويج للفوائد الجمة التي سيغنمها أهالي الموصل بعد انتهاء العمليات، وبينا في حينه بطلان تلك الروايات.
فلم يكن لدينا أي وهم حول أن ما أحيك للموصل وما سينتهي إليه الوضع هناك فيما بعد إلى غير ما سبق وعاشته بقية المحافظات والمدن والقرى والأقضية والأرياف في شمال العراق وغربه كالأنبار والرمادي والفلوجة وتكريت ونينوى وصلاح الدين وسامراء وغيرها.
كما لم تلتبس لدينا الأمور، فركزنا منطلقا على مصطلح التحرير وهو المستنسخ عن فرية الأمريكان حول تحرير العراق إبان التحشيد لغزوه والتحضير لتدميره قبيل عام 2003 ثم تكرار استخدامه في ليبيا.
وكان واضحا وجليا بالقدر ذاته، أن زعم المجرم حيدر العبادي وزبانيته ومعاونيه حول تحرير الموصل لن يزيد عن تدميرها بالكامل وإلحاق شتى أنواع التنكيل والترهيب بحق أهلها، ناهيك عن المخطط الخبيث الساعي لتركيع كبرى مدن العراق ومحافظاته وإدخالها في دائرة الفوضى العارمة تهيئة لتنفيذ المشروع الأمريكو امبريالي الصهيو صفوي والقاضي بتقسيم بلاد ما بين النهرين وفدرلته وتشظيته على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وأيضا تحقيق أعلى درجات الانتقام من المدينة عما كان لها من دور محوري ومتقدم في مقاومة الغزاة ومطاردتهم وصد أطماعهم.
ولقد بدا جليا منذ البدء، النزوع الإجرامي والطابع الثأري والنهج الطائفي الإرهابي للمحررين المزعومين، ذلك أن الموصل تحولت لقبلة لجميع الأراذل والعصابات الطائفية والحشود الصفوية والمليشيات الإرهابية علاوة على نخب الحرس الثوري وطلائع فيلق القدس الإيراني الفارسي بقيادة المجرم قاسم سليماني وإشرافه المباشر على مجريات العدوان الظالم على الموصل دون نسيان الدور البارز لسلاح الجو الأمريكي وبقية التحالف الدولي الذي يسيطر على سماء العراق.
وفور الانطلاق في استهداف الموصل، استفرغ برارة العصر كل مخزون حقدهم وصبوا جام صلفهم على المدينة وأهلها، فنسفوا البيوت وهدموها على ساكنيها وسرقوا ممتلكات المواطنين وشردوهم واغتصبوا الحرائر الآمنات ونكلوا بالفتية والكهول والشيوخ وروعوا الأطفال، وكانت الرايات والشعارات الطائفية المخزية حاضرة كالعادة بقوة، وكانت محرك الحشود البربرية الرئيسي.
وأمام هذا الوضع الكارثي، حيث حوصرت المدينة حصارا كاملا، ومنع عنها الدواء والغذاء وكل حاجيات الحياة الأساسية، لم يبق أمام الموصليين سوى النجاة بجلودهم ففروا وتفرقت بهم السبل وتوجهوا صوب مخيمات اللاجئين لتنطلق فصولا جديدة من معاناتهم ومآسيهم المركبة بالنظر لسوء الأحوال في تلك المخيمات التي تفتقر لأبسط مقومات حفظ كرامة البشر، فلا تقيهم من حر ولا تحميهم من قر ناهيك عن انعدام الماء والغذاء وغير ذلك.
وبعد أشهر من جريمة الموصل المخزية، تكشفت حقائق جديدة واتضحت معالم أخرى تدلل بما لا يدع مجالا للشك على وحشية الضالعين فيها وحجم عداوتهم للعراق شعبا وأرضا وتاريخا وحضارات، كما سجلت أدلة جديدة توثق تجردهم من أدنى مقومات الإنسانية.
وها هي التقارير الإعلامية والصحفية والاستقصائية وكذلك تقارير المنظمات الحقوقية الدولية الرسمية وغير الرسمية تتحدث بل وتوثق بالأرقام والحجج الساطعة لحجم الدمار والإجرام الحقيقي الذي لحق بالموصل.
ولعل من أشد التقارير صدمة هي قطعا تلك التي تنقل آلاف المشاهد للبيوت التي تهدمت على رؤوس ساكنيها، فتحللت جثث الأطفال والنساء والشيوخ بين الأنقاض، كما بينت الصور ومقاطع الفيديو أن حكومة الجواسيس انسحبت بالكامل تاركة الموصليين المذبوحين عالقين تحت ركام المنازل للحد الذي تكلف فيه نفسها تغطية الجريمة، وهو ما أدى إلى تفشي الأوبئة والأمراض المعدية وانتشار رائحة الموت في كل ركن من المدينة.
ويا للغرابة، ورغم تحدث بعض التقارير عن حوالي أربعين ألف جثة عالقة بين الأنقاض، لم تتحرك الهيئات الدولية ولا المنظمات سواء العربية أو الأجنبية لاتخاذ ما يلزم بشأن المجرمين القتلة الإرهابيين الطائفيين. بل مثل هذا الصمت المطبق طوق نجاة جديد لحكومة الجواسيس والخونة في بغداد المحتلة، لتجد المجال مفتوحا أمامها للخوض في انتخابات قادمة في العراق الجريح.
فمن يا ترى سيتوجه للصناديق التي قدت من جماجم الأبرياء المطعونين من كل الدنيا؟
ومتى يا ترى، سيستفيق الضمير الإنساني ليحاسب قتلة أطفال العراق ونسائه وشيوخه؟
ومن سيهتز وينتخي للذين قضوا بين الركام بلا ذنب؟
نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام
تونس في 04-02-2018